مؤلفة كتاب "المرأة ذات الحجاب" تقول عن اختيارها للحجاب
ارتداء الحجاب من عدمه حق شخصي فريشتا لودين مؤلفة كتاب "المرأة ذات الحجاب" واحدة من أشهر المعلمات المسلمات في ألمانيا. وقد بدأت هذه المرأة المسلمة ذات الأصول الأفغانية نضالها سنة ٢٠٠٣ من أجل أن يُسمح لها بالتدريس في المدارس الألمانية وهي ترتدي الحجاب.
فريشتا لودين كانت معلمة في مدرسة حكومية تابعة لولاية بادن فورتنبرغ الألمانية. وقضت المعلمة ذات الـ 42 عاما وقتا طويلا في أروقة المحاكم مطالبة بحقها في ممارسة عملها وهي مرتدية الحجاب. لكنها لم تنجح في الحصول على حكم قضائي يسمح لها بذلك. منذ عام 2004 تعيش في برلين وتعمل في مدرسة خاصة. وبعد أن كانت قد فقدت الأمل في نجاحها بالدفاع عن حقها هذا الذي يستند على مبدأ الحرية الشخصية، أمام القضاء، صدر مؤخرا حكم قضائي من المحكمة الدستورية العليا، يسمح للمعلمات المحجبات بممارسة مهنتهن في المدارس الحكومية الألمانية. إذ لجأت معلمتان من ولاية شمال الراين وستفاليا إلى القضاء لنفس السبب. ويعتبر الحكم انتصار لفريتشا أيضا، ذات الأصول الأفغانية، فهي أول من بدأ بالمطالبة بهذا الحق.
بدايةً باءت بالفشل، لكنها متفائلة اليوم بعد سماح المحكمة الدستورية الألمانية العليا للمعلمات المسلمات بارتداء الحجاب في المدارس الألمانية. موقع قنطرة أجرى معها الحوار التالي.
م يتم توظيفك قبل ١٥ عامًا كمعلمة بسبب حجابك، واليوم أسقط قرار المحكمة الدستوريَّة الألمانيَّة العليا تعميم حظر الحجاب. ما هو تقييمك لحكم المحكمة؟ وكيف كان رد فعلك المباشر؟
فريشتا لودين: لقد سررت بالحكم كثيرًا وأنا أشعر منذ صدوره بحريةٍ داخليةٍ كبيرةٍ، حرية لم يكُن مسموحًا لي بأن أحظى بها لأن القرار السابق كان قد أضعف وحدَّ من إمكانية تطوُّري بشكلٍ كبير. الحكم السابق الذي كان ساريًا يُشكِّل اضطهادًا سقيمًا وجارحًا.
هل كنتِ ترين نفسك أحيانًا تقومين بدور الناطقة باسم كلِّ المسلمات اللاتي يرتدين الحجاب في ألمانيا أو بدور ممثِّلتهن؟
فريشتا لودين: لا أشعر بأنَّني ممثِّلة لهن لكن الرأي العام نظر إليَّ بشكلٍ أو بآخر على هذا النحو. كان لا بدَّ من توضيح قضيتي قبل بدءِ المداولات في المحكمة، فقد ألصقت بي تهمٌ باطلة كثيرة، ورُبطَت بي. كان لا بدَّ من إسقاط هذه التُّهم والادعاءات أولاً.
ولم يكُن ذلك ممكنًا إلا عبر إجراءات قضائية في المحكمة. بعد ذلك تم التعامل مع قضيتي كحالةٍ تُطرح للمرة الأولى، ولم يكُن يعود الأمر لي في رؤية القضاء والساسة والإعلام للقضية على هذا النحو.
لم يتَّضح حجم تأثيرات تشريعٍ كهذا على كلِّ الناس إلا بعد سنِّ قانون حظر الحجاب. وكان على النساء التي طالهن القانون أنْ يُعايِشنَ تعاملاً من قِبَلِ القضاء في بعض الولايات الألمانية يتَّصِف بعدم المساواة الشديد في حينه.
لكنَّ تجارب السنوات الأخيرة أوضحت لكثيرٍ من الناس أنَّ الحكم المشوب بالتعميم بشأن الحجاب يُشكِّل مصيبةً في حياة النساء. إنَّ رفض هذا الحكم المعمِّم وضح حدّا نهائيًا لعدم المساواة في التعامل.
صارت حياة النساء اللاتي يرتدين الحجاب أكثر صعوبةً بحسب تقدير فريشتا لودين. وكان أول حكم قضائيٍّ أصدرته المحكمة الدستوريَّة الألمانيَّة العليا في سنة ٢٠٠٣ قد جاء بِناءً على دعوى رفعتها لودين، وكان لها تأثيرٌ كبيرٌ على الحياة اليوميَّة لكثيرٍ من النساء، حسبما قالت لودين أثناء تقديمها كتاب سيرتها الذاتية في برلين.
وقالت إنَّ القوانين التي سُنَّت بعد ذلك في كثيرٍ من الولايات الألمانيَّة وقضت بحظر الحجاب نشرت خوفًا مجردًا من النساء المسلمات المرتديات للحجاب.
كثيرٌ من الناس ما زالوا يربطون الحجاب باضطهاد المرأة وبالعداء للديمقراطية وما إلى ذلك. وحتى الفيلسوم اليساري المعروف سلافوي جيجك، وهو بالتأكيد ليس معاديًا للإسلام، يكتب في عمله الأخير "أفكار مُجدِّفة. الإسلام والحداثة" أنَّ الحاجة لتحجيب النساء يعبِّر عن نظرةٍ جنسيَّةٍ متطرفةٍ إلى المرأة وعن نظرةٍ تتجاهلها. لماذا يسود مثل هذه الآراء برأيك حتى في الأوساط اليسارية الليبرالية؟
فريشتا لودين: أعتقد أنَّه لا يجب "تحجيب النساء"، إنما ينبغي أنْ يقررن بأنفسهن اعتمار الحجاب أو الامتناع عن ذلك، دون أن يوضعن في خانةٍ ما. سنجدُ دائمًا من يقبلن أو يرفضن ذلك تمامًا.
وبوصفنا أناسًا أحرارًا علينا أنْ نطمح لأنْ نترك هذا الخيار للنساء ليقررن بأنفسهن.
وعلى المجتمع الذي يفكر بشكلٍ حرٍ أنْ يتحمل هذه الممارسات المتناقضة بطريقةٍ ملؤها الاحترام، دون الشعور بانتقاص مفاهيمه وثقته بذاته ودون الشعور بأنَّه مُستفَزٌ.
هل تعتقدين أنَّ حظر الحجاب في ألمانيا أو الممارسات المشابهة في دولٍ أوروبيةٍ أخرى تؤجج عنصريةً معاديةً للإسلام أو تعزِّزها؟
فريشتا لودين: حظر الحجاب يُعرِّف معنىً مفترضًا له. وتحديد معنى واحدٍ وحيدٍ للحجاب واقتصاره على اضطهاد المرأة ليس مغالطًا فقط، إنما يُعتبر وصمةً، وبالتالي لا يخدم القضية ولا المرأة.
قبل فترةٍ وجيزةٍ نشرتِ سيرة حياتك. وكتبتِ: "لم أعُد اليوم أناقش إنْ كان الحجاب في الإسلام فريضةً، أو سبب قرار المرأة في ارتدائه من عدمه"، ألا تعتقدين أنَّه لا بدَّ من مناقشة هذه النقطة وخاصةً في ظلِّ النقاش الدائر راهنًا؟
فريشتا لودين: كان مهمًا لي أنْ أمثَّل نفسي بنفسي. قرار ارتداء الحجاب من عدمه يعود للمرأة نفسها فقط. بيَّنتُ في سيرتي الذاتية بوضوحٍ كيف تطورت لدي الرغبة في ارتداء الحجاب وعبَّرت عن موقفي تجاه المسألة. حاليًا تُطرح حججٌ فقهية وثقافية مؤيدة للحجاب وأخرى رافضة له.
لكن المسألة تبقى شخصيَّة وفرديَّة جدًا في نهاية المطاف، وهي للبعض مسألةٌ روحيَّةٌ عميقةٌ. للمرأة أنْ تقرِّر لنفسها بنفسها دون أيِّ ضغطٍ عائليٍّ أو اجتماعيٍّ أو سياسيٍّ ودون توقعاتٍ خارجية.
"لم أعُد اليوم أناقش إنْ كان الحجاب في الإسلام فريضةً، أو سبب قرار المرأة في ارتدائه من عدمه"، كما جاء في كتاب فريشتا لودين الذي اشتمل سيرتها الذاتية وحمل عنوان "المرأة ذات الحجاب".
كيف تفصلين بين عملك معلِّمةً والتزامك السياسي؟
فريشتا لودين: المفروض ألاّ يضع الأساتذة قضاياهم الشخصية في الواجهة وألاّ يجعلوا منها موضوع الدرس. وهذا ما أتوقعه من معلِّمةٍ مسلمةٍ تمامًا كما أتوقعه من غيرها.
كيف كان ردُّ فعل زملائك على قرار المحكمة وهل يوجد عداءٌ للإسلام في الهيئة التعليميَّة؟
فريشتا لودين: ثمة من فرِحَ بالحكم وثمة من عُقد لسانه لأنَّه لم يعرف كيف عليه أنْ يتعامل مع الوضع الجديد. نجد العداء للإسلام حيثما تقلُّ المعرفة به. ويزداد الخوف وينمو رهاب الإسلام "الإسلاموفوبيا" من تلقاء نفسه حيثما يتلقى المرء معلوماتٍ مغلوطةً أو معلوماتٍ عن أوضاعٍ رديئةٍ فقط..
يأخذ المرء أحيانًا انطباعًا بأنَّ نقاش قضية الحجاب قد تم في ظلِّ استقطابٍ شاركت فيه أيضًا المسلمات الحاضرات في الرأي العام.
يوميًا تُنشر المواقفُ في المدونات والمقابلات الصحفيَّة وغيرها والكل يكتب عن قطعة القماش تلك. كيف ترين الأمر؟ ألا توجد قضايا أهم، أيضًا فيما يخص مصالح المسلمين؟
فريشتا لودين: علينا ألاّ ننسى أنَّ النقاش المعادي للحجاب يُخاض في الإعلام بشكلٍ مقصود منذ أكثر من ١٥ عامًا، وبذلك مورس الضغط على المحجبات من جهة، واقتصر التعريف على نحوٍ محددٍ من جهة أخرى، ففهمه الرأي العام كما أُريد له.
أما النساء فأردن أنْ يواجهن، لكنْ نادرًا ما أتيح لهن فرصة الكلام، بينما الخصوم حاضرون في الإعلام إلى اليوم أكثر ويحصلون على تأييدٍ كبيرٍ من أكثريَّة المواطنين.
لكنْ ينبغي أن يشمل النقاش إمكانية لدعم النساء في تطورهن الفردي والوظيفي، ومن المفروض أنْ لا يتناول تقويم الحجاب ووصمه ووضعه في قالبٍ ضيق. فمسألة الحجاب متعددة المستويات ويمكن تأويلها بأشكالٍ عدة. وهذا ليس بالشيء الجديد على الفقه والتقليد الإسلاميين.
هل يمكن أن نلحظ انفتاحًا في النقاش العام بعد حكم المحكمة الدستورية العليا؟ وهل يمكن أن يصبح الحكم مرجعًا لدولٍ أوروبيةٍ أخرى تُخاض فيها نقاشاتٍ مشابهةٍ إلى حدٍّ بعيد؟
فريشتا لودين: يجب النظر إلى كل بلدٍ على حدةٍ، فلكلٍ تاريخه وتطوره الخاص وبالتالي تشريعاته. أتمنى شخصيًا أنْ يتوقف الاضطهاد الجاثم الذي يقع في كلِّ مكان على النساء اللاتي يرتدين الحجاب.
المصدر: وكالة تنا.
اترك تعليق