مقابلة مع الأخت هبة ن. (حافظة لكامل القرآن الكريم)
مقدمة:
قال رسول الله(ص): "خيركم من تعلم القرآن وعلّمه" (وسائل الشيعة، ج2).
وقال(ص): "إنّ والدي القارئ ليتوجان بتاج الكرامة، يضيء نوره من مسيرة عشرة آلاف سنة، ويكسيان حلة لا يقوم لأقل سلك منها مائة ألف ضعف ما في الدنيا بما يشتمل عليه من خيراتها، ثم يعطى هذا القارئ الملك بيمينه والخلد بشماله، في كتاب يقرأ من كتابه بيمينه، قد جعلت من أفاضل ملوك الجنان، ومن رفقاء محمد(ص) سيد الأنبياء، وعلي(ع) خير الأوصياء، والأئمة بعدهما سادة الأتقياء، ويقرأ من كتابه بشماله قد أمنت الزوال والانتقال عن هذه الملك، وأعذت من الموت والأسقام، كفيت الأمراض والأعلال، وجنبت حسد الحاسدين وكيد الكائدين، ثم يقال له: اقرأ وأرق ومنزلك عند آخر آية تقرؤها، فإذا نظر والديه إلى حليتيهما وتاجيهما، قالا: ربنا أنى يكون لنا هذا الشرف، ولم تبلغه أعمالنا، فيقال: لهما أكرم الله عز وجل هذا لكما، بتعليمكما ولدكما القرآن." (بحار الأنوار، ج7).
وعن أبي عبد الله(ع) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ أهل القرآن في أعلى درجة من الآدميين ما خلا النبيين والمرسلين، فلا تستضعفوا أهل القرآن وحقوقهم، فإن لهم من الله العزيز الجبّار لمكاناً عليّاً" (أصول الكافي، ج2).
حفظ القرآن من أعظم النعم التي يمنّ الله بها على عبده، نعمة وهبها الله لفتاة كيف لا واسمها هبة، أنار الله قلبها بما حفظت من كتابه العزيز فأضحت تفيض بالنور كأنها شمعة تضاء في الليل لتشعل في الدجى نور الهداية.. زانها القرآن فغدت تسطع حياء وعفة ووقار.. أسرعت تسير على خطى الزهراء عليها السلام.. يلفتك تواضعها وابتسامتها التي تبعث في نفسك الطمأنينة..
هنيئاً لهذا الشرف العظيم وهنيئاً لوالديها ونشكرها على إتاحتها الفرصة لنا للحديث معها ومعرفة قبس من نور فيضها..
س: الأخت هبة ن. الحافظة للقرآن عرفينا عن نفسك وماذا تفعلين؟
بسم الله الرحمان الرحيم هبة ن. عمري 25 سنة، طالبة في حوزة السيدة الزهراء(ع)، أنهيت مرحلة الإجازة في العلوم الإسلاميّة، وأتابع مرحلة الماجستير في اختصاص التفسير وعلوم القرآن، كما أنني أنهيت اختصاص التربيّة في مجال الطفولة المبكرة في الجامعة اللبنانيّة الدوليّة، كما أنهيت مرحلة الإجازة في الأدب الإنكليزي من الجامعة اللبنانيّة ولا زلت أتابع مرحلة الماجستير في نفس الاختصاص.
س: هل تزاولين عملاً ما حالياً؟
حالياً أنا متفرغة لدراستي، لكنني أعمل أحياناً في مجال الترجمة، أترجم كتباً –خاصة كتباً دينيّة- من اللغة العربيّة إلى الإنكليزيّة.
س: عندما نقوم بترجمة النصوص الدينيّة نواجه مصطلحات خاصة فكيف تتعاملين مع ذلك؟
نعم، ترجمة النصوص الدينيّة يحتاج إلى جهد أكبر لكن كل ذلك بفضل الله عز وجل، الحمدلله رب العالمين.
س: علمت أن لديك نشاطات في الكشاف وهل لديك نشاطات أخرى، حدثينا عن ذلك؟
نعم، هذا صحيح، أنا متطوعة في كشافة الإمام المهدي(عج) كقائدة للمرشدات والدليلات وأعطي ورشاً لهاتين المرحلتين. كذلك قمت بإعطاء ورشاً تربوية للفتيات في المدراس.
س: وما هو نوع الورش التي تقدمينها في الكشاف؟
أعطي ورشاً حول القرآن، وكذلك أعطي ورشاً متنوعة مثلاً: أعطيت ورشة عن "الحب"، وأخرى عن الاختلاط، كذلك أعطيت ورشاً عن مواقع التواصل الاجتماعي والضوابط المتعلقة بها، كذلك عن "اختيار الشريك"...
س: وبالنسبة للورش والدروس التي تقدمينها في المدارس ولأي مرحلة عمرية؟
أعطيهم قرآنيات تطوعاً، وذلك لطلاب المرحلة الثانوية.
س: لنعود إلى مسيرتك في حفظ القرآن الكريم متى بدأت ذلك؟
بدأت بحفظ القرآن وكنت لا زلت تلميذة في مدرسة البتول(ع)، كان عمري وقتها 16 عاماً تقريباً.
س: هل بدأتِ الحفظ بتشجيع من المدرسة أم بمبادرة فرديّة؟
بدأت الحفظ لوحدي وعندما أنهيت دراستي الثانويّة كنت قد حفظت جزئين، ثم تابعت الحفظ بعد ذلك أثناء دراستي في حوزة السيدة الزهراء(ع).
س: كيف بدأتِ حفظ القرآن؟
بدأت بالحفظ من أول المصحف، البعض يبدأ الحفظ من جزء عمّ أو جزء تبارك، أما أنا فقد بدأت الحفظ من بداية القرآن أي من سورة الفاتحة ومن ثم سورة البقرة وهكذا...
س: ألم تجدي حفظ السور الكبيرة بداية صعب عليك؟
لا، كنت دائماً أراجع، فالمراجعة ساعدتني كثيراً في تثبيت ما حفظته.
س: من كان يتابعك أثناء الحفظ في بداية الأمر؟
لا أحد، بدأت لوحدي في الحفظ وكنت أراجع وأراقب نفسي، كما أني كنت أستمع إلى تلاوة قرآنية لأحد القراء حتى عندما أقوم بأعمال منزلية وذلك عبر الكاسيت، واستمر الأمر على هذه الحال إلى أن دخلت إلى حوزة السيدة الزهراء(ع) فتابعتني مسؤولة قسم القرآن وكان لها دور كبير في مساعدتي وقد تابعت الحفظ في الحوزة من الجزء الثالث.
س: عند تقديمك للامتحانات الرسميّة هل واجهت مشكلة بين دراستك وحفظ القرآن وهل استطعت التوفيق بينهما؟
الحمدلله، لم أواجه مشكلة في ذلك، بالعكس كنت دائماً أجد متسعاً من الوقت.
سبحان الله، عندما تبدأين بحفظ القرآن فإن علاماتك في المدرسة ترتفع، وقد عاينت ذلك بنفسي، لكنني واجهت بعض الصعوبات في التوفيق بين الحفظ ودراستي الجامعية؛ لأنني وقتها كنت أتابع في جامعتين معاً إلى جانب دراستي في الحوزة ورغم ذلك استطعت الاستمرار وحفظت كامل القرآن.
س: يعني بالنسبة للدراسة هل وجدت أنّ حفظ القرآن يؤثر إيجاباً على تحسين الذاكرة؟
ثبت أنّ القرآن يؤثر على الذاكرة، يعني يحسّنها ويقوّيها، ربما هذا من لطائف القرآن الباطنيّة، لا أعرف كيف يعين الله سبحانه وتعالى الشخص في شؤونه الدراسيّة فيحصل على درجات أعلى في الرياضيات مثلاً كل ذلك ببركة القرآن.
س: ما السبب الذي جعلك تقبلين على حفظ القرآن وأنت في عمر الـ 16؟ هل كان بتشجيع من أحد أو أنّ هناك حادثة ما أو شخص ما تأثرتِ به ودفعك ذلك إلى اتخاذ هذا القرار؟
سبحان الله، في الحقيقة، خطرت الفكرة في بالي بتوفيق من الله لكن هناك حادثة أثرت فيّ وقد تكون إحدى الدوافع وهي أنني قرأت في مجلة المدرسة مقابلة مع إحدى الحافظات للقرآن زارت مدرستنا –لم أكن موجودة حينها في المدرسة- وقد قدمت من إيران وقد كانت في مثل سنّي أو أكبر بقليل لكن واقعاً خطر في بالي أن أبدأ بالحفظ وبالفعل بدأت، ولم أخبر أحداً بذلك حتى أهلي، وأصدقائي ومعلماتي..
س: ما هي الطريقة أو الأسلوب الذي اتبعتيه في حفظك للقرآن الكريم؟
بدأت بالحفظ صفحة صفحة، كنت أحفظ صفحة في اليوم الواحد لا أكثر، أكرر الآية 3 مرات وبعد التأكد من حفظها أنتقل إلى الآية التي تليها، ثم أعيد مرة أخرى ربط الآيات ببعضها وأكرر بعدها الصفحة ككل 3 مرات.
كنت أستغرق في حفظ الصفحة حوالي نصف ساعة يوميّاً، لكن قبل أن أبدأ بحفظ صفحة جديدة، كنت أراجع ما حفظته قبلاً (أراجع 5 أو 6 صفحات تقريباً).
وهذه نصيحتي لكل شخص يريد أن يحفظ القرآن؛ فالمراجعة هي المفتاح الذهبي لحفظ القرآن وتثبيته في الذهن، ومن دون المراجعة قد ينسى القرآن، ففي الحديث الشريف "إنّ هذا القرآن أشد من الإبل في عقلها"، يعني أشد تفلتاً من صدور الرجال من تفلت الإبل. لكن في الوقت نفسه يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم «وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر» (سورة القمر، الآية: 17)؛ يعني ذلك أنّ القرآن ميسّر للتلاوة وميسّر للحفظ، فسبحان الله، تجدين أنك تحفظين الصفحة بسرعة ويسر، كما أنّ بعض الصفحات قد يستغرق حفظها ربع ساعة فقط كتلك التي تتحدث عن قصص الأنبياء.
س: ما هي أفضل الأوقات التي كنت تحفظين أو تراجعين فيها القرآن الكريم، صباحاً، مساءاً أو..؟
دائماً كنت أحفظ في الصباح، بعد صلاة الصبح، أصلي صلاة الصبح ثم أراجع أولاً ما حفظته سابقاً وأبدأ بصفحة جديدة، ونادراً ما كنت أحفظ ظهراً، كنت أخصص فترة الظهر للمراجعة، أما في المساء فلم أكن أحفظ أبداً.
ونصيحتي لكل من يريد الحفظ أن يقوم بذلك بين طلوع الفجر وشروق الشمس؛ لأن هذه الفترة تقدّر فيها الأرزاق الماديّة والمعنويّة ومحروم مَن حرم هذه الفترة وهناك حديث عن رسول الله(ص) "بارك الله لأمتي في بكورها" فعندما تقومين بعمل ما باكراً فإنّ الله سبحانه وتعالى يبارك لك فيه.
س: بما أنك طالبة في الحوزة وفي الجامعة فهل لك أن توضحي لنا تجربتك في التوفيق بين الدراسة والحفظ؟ كيف استطعتِ تنسيق أمور حياتك وتنظيم وقتك؟ هل حدث تقصير في مرحلة ما؟
يقول أمير المؤمنين(ع): "الله الله في نظم أمركم"، عندما تنظمين وقتاً للحفظ ووقتاً لمراجعة الدروس، فالله يوفقك للجمع بين الأمرين، تجدين أثر القرآن على الدراسة.
س: أنت الآن قد أنهيت حفظ كامل القرآن الكريم، هل ما زلت تقومين بمراجعة القرآن يوميّاً؟
نعم، طبعاً، المفروض أن تتم المراجعة يوميّاً وأن يراجع حافظ القرآن لـ 3 أجزاء يوميّاً، لكن أحياناً أراجع جزءاً واحداً فقط يومياً في فترة الامتحانات.
س: تراجعين جزءاً يوميّاً أثناء الامتحانات؟
نعم، هذا ضروري، لأنه إذا راجعتِ أقل من جزء يومياً فإنك بذلك تظلمين الأمانة. وهنا ملاحظة أود أن أوردها قرأت فتوى للسيد أبو القاسم الخوئي تقول على حافظ القرآن أن لا ينسى ما حفظ على الأحوط وجوباً، البعض يقول على الأحوط استحباباً لكن مفاد هذه الفتوى الأحوط وجوباً فحافظ القرآن يجب أن لا يفرط بهذه النعمة.
س: إلى مَن تستمعين من القرّاء؟
أستمع للحصري كثيراً وكذلك للغامدي.
س: هل واجهتك مشاكل وصعوبات أثناء حفظك للقرآن وهل حدث أن توقفتي لفرة؟ وكيف استطعتِ أن تتابعي الحفظ مجدداً؟
أثناء تقديمي للامتحانات كنت أتوقف عن الحفظ لكنني لم أتوقف عن مراجعة ما حفظته.
س: كم استغرقت في حفظ القرآن الكريم؟
الحمدلله أنهيت حفظ القرآن خلال خمس سنوات، وقد استغرقت كل هذه الفترة في الحفظ كي أثبت في ذهني ما حفظته بشكل جيّد وإلا سيتفلت وينسى كما قلت سابقاً.
س: ما كان شعورك عندما أنهيت الحفظ، عندما أنجزت حفظ 30 جزءاً من القرآن الكريم؟
في الحقيقة كان يوماً جميلاً، صحيح أنني بدأت بالحفظ من بداية كتاب الله إلى نهايته، لكنني أحببت أن أختم بسورة الإنسان؛ لأن هذه السورة هي سورة أهل البيت عليهم السلام، والسيدة الزهراء(ع)، فكان يوم إنجازي لحفظ القرآن هو يوم شهادة السيدة الزهراء(ع)، وقد اخترت هذا اليوم يوم شهادتها عليها السلام أي 13 جمادى الآخرة لأننا كلنا يعرف ماذا كانت تعمل عليها السلام في آخر لحظات حياتها؛ كانت تقرأ القرآن، ما زلت أذكر ذلك اليوم، وقد صمت وقتها شكراً لله سبحانه وتعالى على توفيقي بحفظ كامل القرآن الكريم.
س: هل هناك أحد في المنزل يحفظ القرآن أيضاً؟
لا، لكن أمي تشجع ذلك كثيراً وهي فخورة جداً بي.
كيف شجعتك والدتك على ذلك وأثرت بك؟
هي التي حملت مسؤولية تربيتنا منذ الصغر لأن أبي كان مسافراً، فقد اهتمت بتربيتنا تربية إسلاميّة واختارت لنا مدرسة إسلاميّة وزرعت فينا بذرة الإيمان والتي أثمرت لاحقاً حفظي للقرآن الكريم وهنا برأيي يتضح أهميّة اختيار الزوجة الصالحة لما لذلك من أثر كبير تتركه في أولادها.
س: عندما أتممت حفظ القرآن الكريم كيف أصبحت علاقتك مع أهلك، مع صديقاتك وكيف أصبح تعامل الناس معك؟
أحياناً يقوم البعض من معارفي بالتحدث بين الناس بأنني حافظة للقرآن، وهذا يخجلني، أشعر أنه من واجبي أن أكون خادمة للناس كوني حافظة للقرآن ومتواضعة أكثر، فسبحان الله، الله أعطاكِ هذه النعمة العظيمة، يجب أن تكوني متواضعة أكثر، فهذه أكبر نعمة تعطى للإنسان، هناك حديث للرسول الأكرم(ص): "من أعطي القرآن وظنّ أن أحدا أُعطي أفضل منه فقد غمط أفضل نعمة"، الحمدلله، أفضل نعمة تعطى للإنسان في هذه الدنيا هي حفظ القرآن.
س: قلت أنك استطعتِ أن توفقي بين الدراسة والحوزة وبين حفظ القرآن، لكن هناك العديد من الطالبات يقلن أننا لا نستطيع ذلك، ونجد حتى أنّ بعض الأمهات والزوجات تشغلهم أمور المنزل عن الحفظ.
ما هي النصيحة التي توجهينها إليهنّ في مجال حفظ القرآن؟
أقول أنه لا تستطيعين أن تطلبي من الجميع أن يحفظوا بنفس الوتيرة وبنفس الأسلوب، لكل شخص قدراته وطاقاته، أذكر هنا أنني أقوم بمساعدة الأخوات في الحوزة على حفظ القرآن (سنة أولى)، أقول لهن باستمرار أن يحاولن الحفظ ولو لصفحة في الأسبوع، المهم أن لا يوقفن مسيرة الحفظ أو المراجعة، وعندما يبدأ الإنسان يبارك الله له عمله. يحتاج هذا الأمر إلى جهاد للنفس، وعندما يجدك الله قد بدأت الطريق فإنه يعينك وييسر لك الأمر، المهم الإرادة والاستمرار.
س: بالنسبة لتأثير القرآن على علاقتك بالله سبحانه وتعالى وأخلاقك كيف وجدت انعكاس القرآن عليك من هذه الناحية؟
سبحان الله، القرآن نور، تشعرين عندما يكون القرآن في قلبك بأنّ النور في قلبك، أحد العلماء كان يقول القرآن هو كتاب هداية وعندما يكون القرآن في قلب الإنسان «بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا الظَّالِمُونَ» (سورة العنكبوت، الآية: 49) في الصدور، يعني ذلك أنّ الهداية ستكون في قلبك. لكن في نفس الوقت يجب على حافظة القرآن دائماً مراقبة سلوكها، أفعالها، كلماتها، وهذه مسؤولية كبيرة.
س: بعد انتهائك من حفظ القرآن الكريم ألا تفكرين في حفظ نهج البلاغة، الصحيفة السجاديّة...؟
صحيح، أحببت أن أدخل في مشروع حفظ نهج البلاغة، لكن وجدت صعوبة في حفظه لبلاغته واحتوائه على مفردات صعبة. فقررت أن أثبت حفظي للقرآن أكثر، وأن أحفظ الأحاديث الشريفة حديث شريف كل يوم وأنا اليوم أحفظ حديث عن الإمام الرضا(ع): "الصمت باب من أبواب الحكمة"، أعيده 3 مرات فأحفظه وهكذا كل حديث، ثم أراجع آخر الأسبوع كل الأحاديث التي حفظتها.
وهنا أورد كلاماً للإمام الخامنئي (حفظه الله) حول ذلك يقول أنه عندما كان صغيراً كان يقرأ كثيراً، وكان لديه دفتراً يسجّل فيه الأحاديث الشريفة، ثم ذكر أن الأحاديث التي حفظها في صغره لا زال يذكرها بشكل جيد رغم مرور الزمن عليها، إلا أنه يواجه صعوبة اليوم في حفظ الأحاديث وهو في هذا العمر. لذلك أحببت أن أغتنم هذه المرحلة من عمري وأحفظ الأحاديث.
س: نرى أنّ الكثير ممن يبدأ بحفظ القرآن هم الصغار في العمر وذلك بتشجيع من أهلهم أو مدرستهم كما أنه عندما عندما يكون الفرد صغيراً يجد سهولة أكثر في الحفظ، فماذا تقولين لفتاة في مثل عمرك تودّ أن تحفظ القرآن ولكن تعتقد أنها لن تستطيع ذلك لتقدّمها في العمر؟
أقول لها أنّ الدافع يجب أن يكون ذاتي، نابع من ذاتها، فها هي السيدة الزهراء(ع) كانت حافظة للقرآن، أنا قدوتي السيدة الزهراء(ع). أحياناً يكون الزوج هو المشجع، أحياناً المعلمة، أحياناً الأم، الأب، لكن بعض الناس قد لا يجدون من يشجعهم، لذلك يجب أن يكون الدافع ذاتي، وأن يشجعوا أنفسهم، وعندما يبدأون فإنّ الله سيرسل لهم مَن يعينهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
س: كونك حفظتِ كامل القرآن الكريم، هل هناك آية معينة أثرت بك؟
نعم، سبحان الله، عندما يحفظ المرء القرآن تنشأ عنده علاقة مع آيات القرآن، تصبح جزءاً من حياته ومن الآيات التي أثرت بي « وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ» «وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا» وأيضاً آية «أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ».
وأحياناً بعض الآيات أتذكرها ضمن سياق أو حادثة معينة مثلاً عندما تشتري أمي الفواكه أو الخضار وتضعها معاً في وعاء وأرى ألوانها المتعددة: الأحمر والأخضر والأصفر أتذكر الآية: « وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ»، أو عندما أمشي في الطريق في أيام الحر وأمر قرب ظلّ أتذكر الآية: «أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً»، كذلك عندما أمر في فترات أحزن فيها أتذكر «أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ» أو «وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا»، ترد هذه الآيات إلى ذاكرتي كقطرات نورانيّة.
س: لقد كنت إحدى الذين تمّ تكريمهم في الحفل الذي أقامته حوزة السيدة الزهراء(ع) نرجو أن تحدثينا عن مشاركتك في المسابقة وشعورك أثناء التكريم؟
من الجميل أن تتكرمي وهذا تكريم صغير على نطاق دنيوي لكن التكريم الحقيقي برأيي والأهم هو التكريم أمام الرسول الأكرم(ص) وأمام السيدة الزهراء(ع) يوم القيامة، المهم أن يكرمنا الله إن شاء الله.
نعم، شاركت في الأولمبياد القرآني الذي تقيمه جامعة المصطفى العالميّة وحصلت على الدرجة الأولى، وكان من المفترض أن أذهب إلى إيران لكني لم أستطع بسبب ظروف معينة.
س: ما هي رسالتك للأمهات واستغلال أوقاتهنّ في تعلم القرآن الكريم، وتشجيع أولادهنّ على حفظ القرآن؟
إذا كنّا نريد أن نحبّب أطفالنا بالقرآن الكريم علينا أن نبدأ بأنفسنا، يجب أن نعوّدهم منذ الصغر على احترام كتاب الله مثلاً نقبّل القرآن أمامهم ونطلب منهم أن لا يضعوا القرآن على الأرض أو في مكان منخفض وإنّما في مكانٍ عال.
فالأم التي تريد أن يكون ابنها عاشقاً للقرآن يجب أن تبدأ بذلك من فترة الحمل، تقرأ القرآن في هذه الفترة، أذكر حادثة وهي أنّ إحدى الأخوات في الحوزة قالت لي أنّ أختها كانت تقرأ باستمرار سورة ياسين وهي حامل وذلك بصوت عالٍ، وعندما وضعت ابنها وبلغ بضعة أشهر من عمره، كان عندما يبكي تقرأ له سورة ياسين فيسكت، وهكذا يصبح القرآن جزءاً منه، وعندها لن تكون هناك مشكلة أن تبدئي معه بحفظ القرآن عندما يبلغ الخامسة مثلاً.
الأمهات يجب أن يتعاملن بذكاء مع مسألة تعليم أولادهن القرآن، يجب أن لا يضغطن على أولادهن، فهناك فترة للحفظ وفترة للعب، كذلك يجب أن لا ينسين وجود تفاوت بين الأولاد فهناك أولاد يحفظن بشكل أسرع من غيرهن وهكذا..
فالأم يجب أن تراعي حالة طفلها، وهكذا يترعرع معه حب القرآن.
س: كلمة أخيرة توجهينها؟
للأسف، نحن الآن نعيش في زمن الـ "واتس اب" والـ "فيسبوك"، أنا لست ضدّ ذلك، فـ"الفيسبوك" أو الـ "وات ساب" يمكن أن يكونا وسيلة للتبليغ وإيصال الدين، ونحن ليس لدينا مشكلة في ذلك بل على العكس. لكن المشكلة أنّ العديد يضيعون وقتهم باستخدام هذه الوسائل، مثلاً قد تجدين فتاة تقول لك ليس لديّ وقت لحفظ القرآن، ومع ذلك فهي تضيع ساعة من وقتها بالدردشة مع صديقاتها على الـ "وات ساب"، ألا يمكن أن تصرف نصف ساعة من وقتها بحفظ القرآن؟!
هذا مما يؤسف له في مجتمعنا. أعتقد أنّ الذي يريد أن يحفظ القرآن عليه أن يدعو الله سبحانه وتعالى بأن يقول يا رب يسّر لي هذا الموضوع، فيجد أنّ الله يسّر له ذلك، كما يجب عليه أن ينظّم وقته، طبعاً لا أقول أن يترك حياته وشؤونه الأخرى مثل زيارة الأصدقاء، مشاهدة التلفاز إلخ لكن أن يكون لديه تنظيم لوقته، فنحن بحاجة لحفظ القرآن، قرأت في إحدى المرات عن أنه في مدينة مشهد في إيران أقيم محضراً لحوالي ألف حافظ للقرآن، ليت عندنا مثل هذه الهمة الموجودة عندهم.
إجراء مقابلة وإعداد موقع ممهدات.
اترك تعليق