مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

التربية الصالحة.. هل تنتج أبناء صالحين؟

التربية الصالحة.. هل تنتج أبناء صالحين؟

ثقة الأهل بأولادهم قد لا تكون في مكانها دائماً

هل من الخطأ أن نضع ثقتنا كاملة في أبنائنا، فنتنفس الصعداء، ونطوي الصفحة، ونحمد الله أننا كبرنا وربّينا وأنهينا دورنا والباقي عليهم؟ أم أنّ علينا أن نغمض عيناً ونفتح أخرى تحسباً لاحتمالات قد لا تكون في الحسبان؟

هل ثقتنا بأبنائنا في محلها؟ سوال يستحق التوقف والتأمل لا الإسراع والحماسة في صياغة الإجابة عنه. ذلك أنّ الثقة، تلك الكلمة التي كثيراً ما يتغنى أولياء الأمور بها، قد تكون في واقعها مجرد وهم يضحك به الأهل على أنفسهم، أو يضحك به الأبناء على الأهل. وفي الحالتين، وبغض النظر عمن يضحك على الآخر، لابدّ أن نعترف بأنّ الطرفين سيدفعان الثمن معاً..


ندم ولكن:

كانت تنام قريرة العين، مرتاحة البال، هانئة، لا هم ولا غم، فابنها الذي بلغ الثامنة عشرة، حصل على الثانوية العامة، وانتسب إلى جامعة أجنبية، لتتفرغ أخيراً لنفسها وحياتها التي كانت وعلى مدار السنوات الماضية تدور حول فلكه. إلا أنّ مريم عاشت تجربة "الثقة في غير مكانها"، وها هي تروي مأساتها باختصار، تقول: "وليد هو ابني الوحيد، ربيته على الغالي، وكبرته "كلّ شبر بندر"، وحين رأيت جناحيه تكبران، فتحت له القفص ليطير خارجاً". لكن، هل أجاد وليد الطيران؟

تجيب بحسرة وغصة: "في الحقيقة، وقع على رأسه ووقعنا معه". تضيف: "في الوقت الذي كان يكسر القواعد التي ربيناه عليها قاعدة وراء قاعدة، ويرمي بالدروس التي تعلمها من نافذة البيت الذي استأجره له أبوه في لندن، كنت أنا أضع يديّ وقدمي في مياه باردة". لم تشك مريم يوماً في أنّ وليد قد يخذلها، ذلك أنّ ثقتها العمياء كانت بتربيتها له قبل أن تكون به، فابنها "مربّى" كما اعتادت أن تقول لكلِّ من يلومها على إرسال ابن الـ17 عاماً إلى الخارج، معللة موقفها بأنّ ابنها "يعرف الصح من الخطأ". كما اعتادت أن تجيب عن كلِّ من أتاها لاحقاً ومعه خبر سيئ عنه، بالقول إنّ ابنها "أبن أصول" لا يمكن له أن يرتكب ما يرتكبه أولاد الشوارع، وغيرها من المرافعات التي بدأت مريم تتخذها بعد عام من سفر ابنها.

وماذا بعد؟ تجيب مريم: "لا شيء أكثر من أنّ ابني وقع في حبال امرأة تكبره سناً، فترك الجامعة بعد أن أوهمنا لعامين أنّه الطالب النجيب، لنلحق به بغية ترميم ما يمكن ترميمه، ولكن الجواب الذي استقبلنا به كان صادماً: "حياتي وأنا حر بها".


أنام مفتوحة العينين:
"ليست التربية منهاجاً مدرسياً يبدأ بالصف الأوّل الابتدائي وينتهي عند الحصول على الثانوية" بحسب ما تقول سائدة الدقاق (موظفة وأم)، لافتة إلى "أنّها مشوار يبدأ من أوّل يوم يخرج فيه الطفل إلى الحياة". وتضيف: "لهذا، لا يمكن أن يبعد الأهل أياديهم عن تربية أبنائهم لمجرد أنهم كبروا، أو دخلوا الجامعة، أو حتى اشتغلوا، علماً بأنّ من حقِّ الأبناء التزود بقواعد السلوك، ومن واجب الأهل مدهم بتلك القواعد". ولكن "الأقسى" كما تقول سائدة: "هو أنّ سلوك الأبناء ليس نتاجاً شخصياً يلخص طريقة أهلهم في التربية، ذلك أنهم في النهاية مثل الإسفنجة التي تمتص سلوكيات وصفات الآخرين، والله أعلم من يكون هولاء الآخرون".

هذا الإدراك لتأثير الغير في الأبناء، هو الذي دفع سائدة منذ سنوات لمغادرة أستراليا والعودة إلى أبوظبي لتحول دون حدوث تلك التأثيرات، فهي كانت "مدركة"، كما تقول، "لعجزها عن ضبط ما يحصل بعيداً عن عين الرقيب. لهذا، اتخذت الخطوة الدفاعية الأولى والتي تتلخص في إبعاد أبنائها عن التربة التي قد تفسد تربيتها وتبدد تعبها بتلك التربية". وهل تضعين اليوم يديك في مياه باردة في ما يخص تربيتهم؟ تجيب: "الأم الحكيمة هي التي لا تضع علامة 10 من 10 على شيء يتعلق بأمور أبنائها، لهذا، أنام وعيناي مفتوحتان حتى أحميهم من شر الحياة ومن شر أنفسهم".


استحالة:

"من هو الرجل المغفل الذي سيضع يديه في مياه باردة وعنده أولاد؟" بهذا السوال يعلق عماد رزق (مدير إدارة وأب) على الموضوع. فـ"الإشراف"، كما يقول، "هو الدور الذي لا تنتهي صلاحيته في علاقتنا مع أبنائنا، إنّه مثل الضوء الذي يتدحرجون من دونه، ومثل العصا التي يتكئون عليها ولو كان عمرهم خمسين عاماً". ويضيف: "لهذا، حرام أن نغفل عن أبنائنا إذا كنا بحقِّ نحرص على حمايتهم". ويتابع: "حين نتأمل الحياة من حولنا، نبدأ بتسخيف الأمور العظيمة التي كانت تثير غضبتنا وخوفنا". ويواصل عماد الحديث عن أخطاء الأهل الذين يرفعون راية "أولادنا على خلق"، فيقول: "كثيراً ما صدم آباء بأبناء سلموهم مفاتيح الثقة وقالوا لهم: هيا، أنتم أولياء أنفسكم". ويضيف: "حرام أن نعرض الأولاد لتجارب أكبر من طاقتهم، ونضع على عاتقهم حملاً يصعب التعامل معه لأنّهم وصلوا إلى الـ18 مثلاً، فسن الرشد مطلوبة حين نتحدث عن حضور فيلم، أو دخول سينما، ولكن في علاقة الأهل بأبنائهم، لا يوجد ذلك المصطلح على الإطلاق"، موكداً "أنّ الأبناء يبقون تحت وصاية آبائهم وأمهاتهم حتى ولو حملوا شهادات جامعية أطول منهم"، لافتاً إلى أنّ "ما يفعله الشباب اليوم من انحرافات خارج المسار التربوي، ليس سوى تأكيد على خطأ الأهل الكبير المتمثل في "ترك الحبل على الغارب".


الرقابة من بعيد:

وبما أنّ "الثقة المطلقة في أحيان كثيرة قد تكون الوجه الآخر للتسيب المطلق". لهذا، يقف محمّد صوراني (أستاذ مساعد جامعي، وأب) في صف أولياء الأمور الرافضين لتسليم الثقة والجلوس بعيداً عن أداء الأبناء، فيقول: "إنّ التعامل مع مسألة الثقة حساس ودقيق ويتطلب الكثير من الانتباه، خاصة أنّه يقود إلى ثقة الأبناء بأنفسهم". ويضيف: "لهذا، علينا كآباء أن نريهم مقدار ثقتنا بهم وبقدرتهم على التعامل الشخصي مع مشاكلهم"، مشيراً إلى "ضرورة الوقوف قرب الأبناء، شرط ألا يلحظونا، لنراقب ونتدخل في الوقت المناسب".


الحلقة الأضعف:

بدوره، يضحك بلال سعد (موظف وأب) على كلام الأهل على ثقتهم بأبنائهم، معتبراً إياه "مزحة أو نكتة يصدقها الأهل من كثرة تكرارها". ويقول ساخراً: "كثيراً ما يكون الآباء هم الحلقة الأضعف في علاقتهم مع أبنائهم، فتجري المياه من تحتهم في الوقت الذي يتغنون فيه بتربيتهم التي تستحق في رأيهم الوسام الذهبي"، مشيراً إلى أنّه "من غير الممكن التسليم بأنّ التربية الصالحة تقود إلى أبناء صالحين، فالتربية في البيت ليست ضماناً موبداً أو تحصيناً صالحاً في كلِّ زمان ومكان، إنها مسألة تتغير بتغير المكان والزمان والمعطيات". وبالحديث عن المعطيات، يوكد بلال "أنّ الثقة بمفهومها التقليدي، لم تعد موجودة أو مطبقة، فأن يثق الأهل بما زرعوه في أبنائهم مسألة تختلف عن ثقتهم بما تم زرعه من جهات أخرى، فالعالم اليوم المسمى "قرية صغيرة" بات ضيقاً وسريع التأثير في أبنائنا، لهذا قد ننجح نحن ولكنهم قد يفشلون في الحفاظ على زرعنا".


معايير مختلفة:

"إذا كنا في صدد توجيه اللوم إلى الأهل لأنّهم تركوا مفاتيح القيادة للأبناء بعد عمر النضج، فالأجدر أن نلومهم إن أصروا على الإمساك بالمقود واعتبار أبنائهم دون السن القانونية"، بهذا الرأي، يقدم جون حنود (مدير مالي وأب) رأيه في ما يخص مسألة الثقة وتلاعب الأبناء بها، فيقول: "لست مع الانسحاب المطلق من حياة أبنائنا، ولكني أيضاً مع تركهم يواجهون أخطاءهم بمفردهم، فليس خطأ أن يقعوا ويتعلموا كيف ينهضوا ويسيروا من جديد". ويضيف: "إنّ تعاطيهم مع الحياة يجب أن يكون في منأى عنّا، خاصة ونحن نتحدث عن سن مسوولية نوعاً ما"، ويشير جون هنا إلى "ضرورة تحليل العوامل التي تدفع بالأبناء إلى خذل ثقة أهلهم"، لافتاً إلى أنّ "المعايير التي قد يضعها أولياء الأمور، قد تكون محدودة ولا تتماشى مع عقلية وقناعات جيل الشباب، فيضطرون إلى المشي عكس التيار لا من باب قلة الاحترام أو خيانة الثقة، بل من باب القناعة والعمل بها".


نشفق على الأهل:
في المقابل، وإذا كان بعض أولياء الأمور نائمين في العسل، فماذا عن الأبناء وموقفهم مما يحدث في المشهد التربوي الحاصل هذه الأيام؟

"الشعور بالشفقة هو كلّ ما أملكه تجاه الأهل". بهذا تقدم وفاء خليفة (موظفة) رأيها في الموضوع، وتقول وفاء، التي تركت تونس للعمل في دولة الإمارات العربية المتحدة: "لا يمكن أن نرى اليوم بنات يعملن خارج أوطانهنّ وبيوتهنّ ما لم يحصلن على إذن خروج من أولياء الأمور". وهذا الإذن حسب تعبيرها، "لا يأتي من فراغ، بل من ثقة مطلقة تتضمن اعترافاً ضمنياً يقول: أنتِ حرة اعملي ما تجدينه مناسباً".

وتضيف: "لكن السوال يقول: ما الذي تعمله في الغالب هولاء الفتيات؟". والجواب أيضاً يأتي على لسان وفاء التي تختصر إجابتها بكلمة: "العجائب". وهذه العجائب من وجهة نظرها تبدأ من الكذب الصغير لتصل إلى مرحلة الكذب الكبير، الأمر الذي يثير شفقتها على الأهل وهي ترصد عن قرب ما الذي تفعله فتيات هذه الأيام، معتمدة في كلامها على بعض الأمثلة التي تتعلق بالثقة المهزلة كما تسميها، فتقول: "انطلاقاً من مقولة: "كلٌّ يعرف ماذا يزرع"، قد يسمح الأهل لابنتهم بالسفر خارج الوطن، وبقضاء الـ"ويك إند" مع صديقاتها بعيداً عن البيت، وبتبرير غياب الابن عن البيت بحجة أنّه كبير ولا يريد رقيباً، وغير ذلك من السلوكيات التي لا تهز شعرة في رأس الأهل، باعتبار أنّ أولادهم أبعد ما يكونون عن ارتكاب الخطأ". وفي ما إذا كان الأبناء يشعرون بأسف تجاه ما يقومون به من خذل لتلك الثقة، تجيب وفاء بما يردده معظم الشباب بينهم وبين أصحابهم: "مساكين أهلنا شو قلبهم طيب".


احتراف:

لأنّ المشاهدات كثيرة من حولها، توكد مارلين رزق (موظفة)، "أنّ ثقة المقبلين على الزواج بأبنائهم معدومة حتى من قبل إنجابهم لهم". والسبب كما تورده "يتعلق بما يحصل بين الأبناء وأهلهم، فالأُم سعيدة بابنتها التي تعبت على تربيتها، والابنة سعيدة بجهل أمها وعجزها عن التوصل إلى حقيقة ماذا تفعله، وبين الاثنتين تتحول ثقة الأهل المطلقة إلى عنوان يصلح لمسرحية هزلية". وعمن يخون الثقة أكثر الابن أم الابنة، تعتقد مارلين "أنّ الفتاة محترفة كذب"، حيث إنّ "الحاجة هي أم الاختراع". وتقول: "بما أنها مضطرة إلى الكذب أكثر من الشاب، فنجدها الأكثر خيانة لثقة أهلها، وخاصة أمها التي تضحك عليها ببعض كلمات".


الوقاية خير من العلاج:
الخوف يتكرر، "وأخذ الحيطة واجب" كما تقول ميس اللمداني (متزوجة وأم). "فما يحدث بين جيل الأبناء يفوق التصور". و"المصيبة أنّ الأهل "نائمون في العسل"، فالابن قد يتفوق على أبيه في نسبة الذكاء، والبنت صارت قادرة على وضع أمها "في جيبها الصغير"، وفوق كلّ هذا، تجلس الأُم مثلاً وتقول متفاخرة: "أضع ابنتي مع مئة رجل ولا أخاف عليها". ميس، التي لم تزل "تحت وصاية أهلها" كما تقول، توكد أنّ "إشراف الأهل على أبنائهم ضروري من الولادة حتى الممات". فالأهل "أعلم" حسب تعبيرها "بالحياة ومفاجأتها". لهذا، "من غير الممكن فك الحبل عن حرية الأبناء وتركهم يواجهون امتحانات الحياة الأخلاقية والسلوكية من دون رقيب" بحسب ما تقول.


وشهد شاهد من أهلهم:
بكلمتين اثنتين، تقول سوسن جمشيل: "اللّهمّ جيرنا" من هذا الجيل. وحين تقول سوسن "هذا الجيل" نجدها تضحك، فهي منه، ولكنها لا تشبه "ثلاثة أرباع بناته" على حد تعبيرها، فـ"الثقة اليوم موجودة في البنات". ولكن أين المقابل؟ تسأل وفي حوزتها الجواب، مشيرة إلى أنّ "خطأ الأهل، يكمن في اعتقادهم بأنّ الثقة التي يمنحونها لأبنائهم، هي مفتاح حسن سلوكهم، متناسين أنّ سقف الثقة كلما زاد سيعلو معه سقف المخالفات التي يسجلها الأبناء في محضر حياتهم اليومية". تلك المخالفات التي تتحدث عنها سوسن تتمثل، حسب قولها، في الوسائل المتاحة للأبناء لكسر الثقة، ومنها: "فيسبوك". وتشير سوسن إلى أنّ "ثقة الأهل تكون في مكانها حين يقولون إنّ ابنتهم في غرفتها، لم تبرحها. ولكن ماذا تفعل الابنة في تلك الغرفة؟ سوال لا يخطر في بال أمها أو أبيها، فهي ضمن جدران البيت، ولكن في يدها، الـ"لابتوب" والـ"بلاك بيري" والـ"مسنجر" المفتوح على كلِّ الاحتمالات، وغيرها من وسائل "هز الثقة" التي لا يتورع هذا الجيل عن استعمالها ضاربين بثقة أهلهم عرض الحائط".


الغرس ثمّ الانتباه:

وفي الحقيقة إنّه قبل أن نتحدث عن ثقة الأهل في أبنائهم، يجب أن نعرف أوّلاً ما هو تعريف الثقة؟ يقول أستاذ التربية في "جامعة الحصن" الدكتور محمّد سعيد: "إنّ الثقة هي الائتمان والإحكام كما (العروة الوثقى)، والثقة في سياق التربية تأتي بمعنى ائتمان الأبناء على تصرفاتهم وسلوكياتهم"، مشيراً إلى "ضرورة إحكام تربيتهم وغرس القيم فيهم قبل أن نقول إنّهم أهل ثقة". وعما إذا كانت هناك مرحلة عمرية توجب على الأهل وضع أيديهم "في مياه باردة" في ما يخص ثقتهم بأبنائهم، يوكد الدكتور سعيد "أنّ نظرية أنّ "ابننا لا يرتكب الخطأ" هي نظرية وهمية، خاصة حين ننظر إلى المسافة الكبيرة التي تفصل بين معطيات الحياة التي يعيشها وبين عقلية الأهل البعيدة عن الملامح العامة لسلوكياته". ويضيف: "مع ذلك، لابدّ من التشديد على ضرورة ترك مساحة من الثقة عند الأبناء بعد إحكام التربية واختبار القيم، فعملية الغرس يجب أن تتبعها عملية الثقة في سلوك الأبناء، وافتراض الإيجاب أنهم سيصدقون في أقوالهم". ماذا في ما لو خالف الأبناء المتوقع؟ يقول د. سعيد إنّه يجب عندها "إعادة الرعاية وتعهد القيمة حتى تتعزز، ثمّ إعادة الاختبار من جديد".


العوامل الخارجية:

ولما كان من غير الممكن الفصل بين تربية البيت والموثرات التي تأتي من خارجه وتلعب دورها في سلوك الأبناء، يوكد الدكتور محمّد سعيد "أنّ تلك التأثيرات تأتي في مرحلة المراهقة، حيث يتأثر المراهق بشكل كبير بالأصدقاء وزملاء الدراسة، بل وفي كثير من الأحيان بالأبطال والمشاهير من الفنانين والرياضيين وغيرهم". ويتابع: "هذا مما لا شكّ فيه يوثر في سلوك الأبناء إما سلباً أو إيجاباً، إضافة إلى وسائل الإعلام والفضائيات وما تبثه من قيم تترك أثرها لا محالة على سلوك الأبناء، وما يوسف له أنها في كثير من الأحيان تكون سلبية تخالف قيم الثقافة العربية والإسلامية". ورداً على السوال المتعلق بموقف الأهل بعد اكتشافهم أنّ ثقتهم بأولادهم هي في المكان غير المناسب، يقول الدكتور سعيد: "لا يمكن لوم الأهل في ظل التحديات التي تواجهها الأسر، وفي ظل التغييرات العالمية والثورة التكنولوجية التي جعلتهم يواجهون بمعطيات تختلف تماماً عن معطيات الماضي".


منافذ في التربية:
التحذير من ترك حبل الثقة للأبناء يعني بالضرورة إغفال مسألة ثقة الأبناء بأنفسهم، وضرورة تعزيزها مهما كنا ملاصقين لهم. في هذا السياق يقول استشاري الطب النفسي الدكتور حسين عليّ العطية: "يجب أن نربي أبناءنا على الشعور بالثقة والطمأنينة لأفكارهم وتصرفاتهم وطريقة التعبير عنها، سواء في حضورنا أم غيابنا، ليتطابق السلوك مع المتوقع الذي نحمله تجاههم". ومع ذلك، يوكد الدكتور عطية "أهمية أن نفتح عيناً ونغلق أخرى ونحن معهم"، لافتاً إلى أنّ "الثقة العمياء بأبنائنا لمجرد أنهم نضجوا، هي مسألة غاية في الخطورة". ويضيف: "لهذا، يجب أن تكون محفوفة بالحذر والوعي وبفتح أذهاننا على كلِّ الاحتمالات"، مشدداً على "ضرورة عدم إصابتنا بالغرور لأننا "خير من ربى" كما نعتقد، فالتربية مهما كانت كاملة تبقى قابلة للمنافذ والمفاجآت" حسب تعبيره. ويجد الدكتور العطية من ناحية أخرى "أنّ مصادر الاحتكاك بالعالم كثيرة، فالنت لم يعد ملتصقاً بمكان، إنّه في حقائب بناتنا وأبنائنا، الأمر الذي يزيد من الإغراءات والتحديات التي قد توقعهم في الخطأ وهم على مقربة منا". وفي سياق آخر، يعتقد الدكتور العطية أنّه "كلما عرف واقترب الأهل من خصوصيات أبنائهم، اختفى عنصر المفاجأة في مسألة اكتشاف وجود الثقة في غير مكانها". فهناك، كما يقول، "علامات وإشارات تتعلق بالتصرفات الخطأ التي ستأتي لاحقاً والتي ستثبت أنّ أكبر خطأ نرتكبه هو في عدم الأخذ بتلك العلامات حين نلتقطها".


المصدر: تبيان دوت نت.

التعليقات (0)

اترك تعليق