مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

حكم عمل المرأة من حيث علاقته بحقوق الزوج

حكم عمل المرأة من حيث علاقته بحقوق الزوج


 ذكرنا مرارا في هذه الأبحاث عن فقه المرأة أن المهمة الأولى للمرأة (مجال عملها الخاص) هو (الأسرة) زوجا وأولادا. 
  إن رعاية مؤسسة الأسرة هي مهمة المرأة الأولى, والعمل المهني وغيره مما لا يعود إلى حاجات الأسرة وضروراتها يأتي في المرتبة الثانية والثالثة لرعاية الأسرة.
  وقد كان من أكبر وأفحش أخطاء الثقافة الحديثة والحضارة الحديثة في العالم الغربي التفريط في هذه المهمة المقدسة, لأجل تمكين المرأة من العمل المهني في المصانع وغيرها وكسب المال, فآل أمر المجتمعات الغربية إلى تفكيك الأسرة الذي أدى إلى شيوع الفساد الأخلاقي وانحلال عرى العلاقات الإنسانية بين ذوي الأرحام القريبة, وارتفاع معدلات الجريمة, وإلى تدمير حياة الإنسان الروحية-العاطفية, حيث أدى تهديم الأسرة- مع نمط الثقافة الحسية البصرية(ثقافة اللذة والمتعة واستهلاك (قتل)الوقت) وإعلاء قيم الكسب المادي- إلى الخواء الروحي والتصحر الأخلاقي, والى ان تفقد الشخصية الإنسانية غناها الداخلي وعمقها, وتغدو شخصية مسطحة سريعة الانكسار والانهيار.
   إن القيمة الأولى في حياة المرأة ليست الإنتاج المادي, بل هي رعاية الأسرة, فنجاح المرأة في تكوين أسرة معافاة هو أعظم انجازاتها, ولا قيمة لنجاحها في كسب أكبر قدر من المال إذا كان على حساب مشروع الأسرة.

حقوق الزوج الخاصة, والمعاشرة بالمعروف
    لا ريب في أن للزوج حقوقا على الزوجة, كما لا ريب في أن معاشرة الزوج بالمعروف تقتضي من الزوجة في بيت الزوجية مع الزوج والأبناء سلوكا يتناسب مع طبيعة الحياة الأسرية.
    وهذا يقيد من حرية المرأة في تصرفاتها خارج نطاق الأسرة, في مجال العمل المهني, والعمل الاجتماعي, والعلاقات في المجتمع.
   وقد قلنا في (خلاصة)  في ختام الفصل الأول من كتابنا (حقوق الزوجية: حق الطاعة للزوج على الزوجة, وحق الزوجة على الزوج):
  "لقد  تحصل من جميع ما تقدم: أن غاية ما يترتب على الزوجة من حقوق للزوج, بمقتضى عقد الزوجية, هو أمران فقط, هما:
- حق الاستمتاع وما يتصل به.

-وحق المساكنة على النحو الذي تقدم بيانه من حيثية علاقته بحق الاستمتاع من جهة, ومن حيثية كونها ربة بيت الزوجية المقتضى للمعاشرة بالمعروف المتضمنة لمعنى (السكن) و(اللباس).

  ولا يجب عليها, بعنوان الزوجة, وبمقتضى عقد الزوجية- من الواجبات والمحرمات- غير ذلك على الإطلاق, سوى ما ألزم به الشارع المكلفين في الأقوال والأفعال والتروك. وهذه الأمور تجب وتحرم على ما ذكرنا أن الزوجة بالنسبة إلى زوجها:

-لا تجب عليها طاعته في أوامره ونواهيه المتعلقة برغباته ومكرهاته التي لا علاقة لها بحق الاستمتاع وحق المساكنة بالمعنى الذي بيناه.
- ولا تجب عليها الخدمة في بيت الزوجية في الجملة, بل يجب  عليها اخدامها- أو خدمتها بنفسه (في الجملة)- إن كانت من آهل الخدمة, وإذا لم تكن ممن يجب عليه أخدامها أو خدمتها بنفسه في حالة المرض وحاجتها إلى الخدمة.
- ولا سلطان له على مالها, فلها أن تتصرف في مالها كما تشاء إذا لم تكن سفيهة, وإلا جرت عليها أحكام السفه لا باعتبارها زوجة بل باعتبارها مكلفا.
وما ورد من الروايات من انه لا سلطان لها على مالها بغير إذن زوجها, فقد بينا انه لا بد من رفع اليد عن ظهورها لمخالفتها للكتاب والسنة. وقد حملها جمهور الفقهاء على الكراهة. وتقدم الكلام مفصلا في جميع ذلك.
-ولا سلطان له على وقتها الفائض عن مسؤوليتها الزوجية والعائلية, فليس له أن يحدد طريقة تمضية وقتها أو يجبرها على عمل معين, أو يمنعها من عمل مباح, أو يفرض عليها البقاء في منزل الزوجية من دون عمل.
 هذه هي الخلاصة في حقوق الزوج على الزوجة.
وهذا يقتضي بالنسبة إلى المرأة- الزوجة أمرين:
الأول: - ألا يتعارض عمل المرأة مع حقوق الزوج في الاستمتاع والمساكنة في الحدود التي قررتها الشيعة بحسب اجتهاد الفقهاء.
  وحين يتعارض العمل المهني- أو أي عمل أخر عدا العبادات المفروضة- مع حقوق الزوج, فان على المرأة أن تتجنب الالتزام به وللزوج إن يمنعها منه.
 الثاني-: ألا يتعارض عملها مع (المعاشرة بالمعروف) في نطاق الأسرة مع الزوج, ومع طبيعة الحياة الأسرية التي تقتضي رعاية الأم- الزوجة للأسرة, وتربيتها للأبناء, فلا ينبغي أن يتحول المنزل الزوجي/الأسري-بسبب العمل-إلى مكان للنوم وتناول الطعام فقط,بحيث تنعدم أو تتقلص إلى أدنى حد, (علاقات المساكنة) بين الزوجة/الأم, وبين زوجها وأبناءها.

المصدر: حقوق الزوجية (ويليه حق العمل للمرأة), سماحة آية الله الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين, المؤسسة الدولية للدراسات والنشر,ط 3، 2001 م,  بيروت- لبنان

التعليقات (0)

اترك تعليق