رنا الدجاني.. طرازٌ فاخر للعالِمة المسلمة الصاعدة نحو القمة
"أم لأربعة أطفال" هكذا تُحب رنا الدجاني تعريف نفسها قبل بدء أي لقاء، بالرغم من تحقيقها العديد من الإنجازات التي تُوجت باختيارها مؤخراً ضمن العشرين امرأة الأكثر تأثيراً في العالم الإسلامي في مجال العلوم؛ حيث كانت العزيمة سِقاءها، والتفاؤل والإصرار غذاء روحها في رحلتها نحو القمة.
[...] لتتعرف عن كثب على قصة نجاحها التي بدأت تنمو منذ الصغر، حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن.
تميزت الدجاني (46عاما) منذ صغرها في ظل نشأتها مع أخواتها السبع بعائلة متعلمة تهتم بالتعليم وتحث عليه؛ وفي ذلك تقول: "لم يكن موجودًا داخل البيت تلفاز، فكنا نقضي معظم وقتنا في القراءة واللعب بوسائل تعليمية، ومنذ الرابعة من عمري أبحرت في عالم القراءة".
وتُضيف: "كنت أميل لقراءة الروايات التي تُوسع الخيال والمجلات العلمية، وتلك التي تخص المغامرات والاكتشافات، فقراءة القصص تُثري النفس الطموحة ويأخذ بيدها إلى تحقيق ما تُريد، أي أنك حين تقرأ عن المكتشفين وتلمس حجم الصعوبات والمعيقات التي وُضعت في طريقهم قبل أن يَصِلوا لهدفهم، هذا يُحفزك على التمسك بحلمك ويمنحك الجرأة لتحقيق الهدف المنشود".
عن عمره فيما أفناه:
وفي سؤالي عن دور والديها في بناء شخصيتها ترد: "لهما الأفضل الأكبر, أبي كان يُردد على مسامعنا دائماً قاعدتين إسلاميتين: "كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته" , "وسيسأل كل مرءٍ عن عمره فيما أفناه", هذا غرس فينا مراقبة ذاتية وساعد في بناء شخصيتنا", ووالدها الذي يعمل طبيباً كان يجلس مع عائلته في جلسات حوارية ونقاشات حول ما يجرى من أحداث وأهم الاكتشافات العلمية الحديثة والتحديات التي تواجهها؛ وعن دور الفرد في المجتمع وكيف يرتقي به كمُنتجٍ وليس كرقم زائد؟, فمن برامجهم الحياتية كان لابد من تنفيذ مشروع هادف مهما كان بسيطاً, وهذا كله صقل شخصيتهم.
الحلم لا يُغادر صاحبه:
دراسة التخصص الذي يرغبه الإنسان يمنحه شعوراً بالمتعة وهو يعمل في مجال تخصصه وهذا يُساعد على الإبداع والتميز أكثر, فهل أثرت العائلة على قرارك باختيار التخصص؟!: "أهلي ساندوني كثيراً لتحقيق حُلمي والآن أعكس هذا الأمر على أولادي فلا يُهمني ما هو تخصصهم المهم اختيار ما هو مرغوب لديهم وأن يتقنوا عملهم فيه, فلو اختار ابني أن يكون عامل نظافة, سأشجعه على ذلك بشرط أن يكون أفضل عامل نظافة في المملكة الأردنية".
الدجاني التي تؤمن بالتغيير وتسعى لتحقيقه في مجتمعها عبر حبها للعلم وشغفها بالمزيد؛ كان الميراث الحقيقي الذي خرجت به من الجامعة؛ فأكملت مباشرةً الماجستير, ومن ثم شعرت بضرورة نقل هذا العلم للأجيال فبعدما عملت مدرسة في جامعة فلدلفيا لمدة عامين, قررت ترك الجامعة متجهة نحو التعليم في مدارس الأطفال؛ معللة السبب: "إيماناً مني بأن بناء العقول وإكسابها حب العلم لأجل العلم وخدمة المجتمع يجب أن يبدأ من الصغر, ورغم أن الجميع استهجن قراري لكني لم أتراجع".
أهم إنجازاتها:
الدجاني لم تكن مجرد باحثة في تخصصها وإنما استطاعت أن تضع لنفسها بصمة نادرة في العالم وتُؤثر إيجاباً فيه، حيث تم اختيارها ضمن قائمة أكثر عشرين عالمة مؤثرة على العالم الإسلامي في مجال العلوم.
وجاء الإعلان عن هذه القائمة في مجلة "مسلم ساينس" ضمن قائمة أهم (20) امرأة متخصصة في العلوم الأكثر نفوذا وتأثيرا في العالم الإسلامي لعام 2015، وشملت القائمة النساء المسلمات الأكثر نفوذاً وتأثيرا في مجالات: الفيزياء، والبيولوجي، الكيمياء، والهندسة، والرياضيات، والعلوم الاجتماعية.
وأوضحت أن الاختيار من قبل المجلة العالمية, جاء نظير أعمالهن المهمة في مجالات البحث العلمي، والتدريس الجامعي، ولما لهن من جهود بناءة في دعم قضايا المرأة العربية والمسلمة في مجالات العلوم والتكنولوجيا، والنشاطات المتنوعة لهن في حقول العلوم، والتعليم، والبحث، ونشاطهن الكبير في دعم المرأة الأكاديمية كباحثة، وعالمة، ومؤثرة في محيطها، وطلابها، ومجتمعها، ووسطها الأكاديمي.
ولم يكن هذا النجاح هو الأول فقد سبقه العديد من الجوائز الوطنية والإقليمية والعالمية؛ منها حصولها على جائزة فولبرايت عام 2014م, كما حصلت على جائزة الملك حسين للسرطان والتكنولوجيا الحيوية 2009، حيث ركزت في أبحاثها الأخرى على الخلايا الجذعية والمعلومات الحيوية، وأسست لجنة لبحث ودراسة أخلاقيات استخدام الخلايا الجذعية في الأبحاث، متضمنة علماء شريعة وأطباء وعلماء العلوم الحياتية, أما في الوقت الحالي فتركز أبحاثها على دراسات الجينات وعلاقتها بمرض السكري والسرطان عند بعض الأقليات في الأردن (بشكل خاص الشركس والشيشان).
حين أتحجب أشعر بالحرية:
السفر يُثري قدرات الإنسان سواءً كان للترفيه أو طلب العلم والعمل, إذ سافرت الدجاني إلى العديد من دول أوروبا وتعرفت على ثقافات الشعوب وقوانينهم وعاداتهم وطريقة تفكيرهم؛ وتُضيف: "تعلمت ثقافة احترام الآخر وإن لم تتفق معه فهو يجعلك تُتقن فن الحوار ومخاطبة الآخر, إضافة إلى التعرف على الخبرات وتطويرها ثم تقديمها لمجتمعك العربي بصِبغة وطنية خالصة, عدا عن أن السفر إلى الخارج يُعطي للعالم صورة أوضح وأصدق عن المرأة المسلمة العربية من تلك المعروضة على شاشات التلفاز".ماذا عن كونك مسلمة محجبة؟!.. تجيب عن سؤالي بقولها: "كثيراً ما وُجهت لي في الغرب أسئلة عن حجابي وكنت أجيبهم أنا حين أتحجب أشعر بالحرية أكثر, لأني حين أتعامل مع المجتمع كمحجبة لاسيما الرجال فإني أطالبهم بالتعامل معي كإنسان وعقل, وليس كجسد, وبالتالي أنا أتحرر بحجابي من هذه النظرة السلبية للمرأة".
وبعد تجولها في العديد من الدول ذُهلت د. الدجاني من حجم المساواة الفعلية؛ فجميعنا يمتلك العقل والانسانية كما تقول: "ولو تعاملنا من هذا المنطلق لما وجدنا هذه التحديات والمعيقات التي تُوضع أمام العلاقات بين الشعوب على اختلافها".
واضحة مع نفسي:
وتطرقت خلال حديثها عن أهمية اختيار شريك الحياة على المرأة وطموحها، حيث قالت: "يجب أن تكون المرأة واضحة أمام نفسها أولاً ما هي أولوياتها؟ وما هو شغفها بالحياة؟, وبناءً على ذلك تختار من سيُشاركها حياتها[...]
"ماذا عن زوجك إذن؟!".. أجابت بنبرة امتنان: "كان له دور بارز في تحقيق ورعاية طموحي, فهو من قدم لي طلب المنحة لاستكمال الدكتوراه, وعند الموافقة تشاورنا في كيفية المحافظة على ترابط العائلة وتحقيق الحلم في ذات الوقت فما كان منه إلا أن قدم استقالته كضابط في سلاح الجو الأردني ليُسافر معي إلى أمريكا وعدنا بعد خمس سنوات".
وتبيّن أن الأخذ والعطاء والتفاهم بين الزوجين مهم جداً في الحياة ليس فقط عليهما بل الأثر يمتد على الأبناء, فحين يرون آباءهم متفاهمين وواضحين ويُضحي كلٌ منهما للآخر في الوقت المناسب, هذا كله سيُلقي بظلاله عليهم مستقبلاً في اتخاذ القرار الصحيح والسلوك الجيد.
"كيف يمكن أن تزاوج المرأة بين الحياة العملية والشخصية بنجاح؟".. سؤالٌ آخر أثار فضولي لتُجيب عليه: "يجب ألا تفصل المرأة بين عائلتها وحياتها العملية بحيث يتم إشراكهم في تفاصيل العمل سواء أبحاث أو تدريس أو مشاريع خدمة المجتمع, فعملي لم يخلق فجوة بيني وبين أبنائي, دوماً أستشيرهم وأشركهم معي في تنفيذ بعض الأمور, وهذا كله رسخ لديهم أنهم جزء من عملي ونجاحي", متابعةً: "أتعامل معهم كأننا فريق واحد لكل فردٍ فيه مسئولية تجاه الفريق وبناءً عليه يتم تقسيم المسئوليات والواجبات, وهذا يُنمي روح التعاون".
ولفتت إلى أن منظومة الرجل تختلف عن المرأة فالأول يمكن أن يقضي كل حياته في العمل, لكن المرأة هي الأهم بالنسبة لأبنائها, مستطردةً بالقول: "وليس من الضروري تحقيق الطموحات متتالية, فالمرأة الناجحة التي تسطيع أن تُعطي لكل مرحلة أولوياتها, فأول عشر سنوات من زواجي أعطيت المساحة الكُبرى من تركيزي لأطفالي, وبعدما كبروا وجدت أن هناك متسعا أكبر من السابق للعمل وإكمال الدراسة فأكملت الدكتوراه وواصلت أبحاثي العلمية".
مشروع مجتمعي:
وفي مجالٍ آخر أسست مشروعاً مجتمعياً (نحنُ نحبُّ القراءة)، وهو مشروع ريادي انطلق من الأردن ويستهدف فئة الأطفال من سن الرابعة حتى العاشرة، واستطاعت الدجاني من خلال هذه المبادرة تأسيس 330 مكتبة في مختلف مناطق المملكة كما تم تطوير 12 كتاباً للأطفال وانتشرت مبادرة نحن نحب القراءة في جميع أنحاء العالم العربي ووصل دولياً إلى 21 دولة منها تركيا، المكسيك، تايلاند، أوغندا، أذربيجان والولايات المتحدة الأميركية.
وعن السبب الذي انطلقت من أجله لتأسيس مشروعها: "أولادي اعتادوا على المُكوث لساعات في المكتبات العامة في أمريكا، والقراءة جزء مهم جدا من حياتهم، ولم نجِدْ تلك المكتبات في الأردن بعد عودتنا، فكَّرت كثيرا في أولادي وأولاد الحي الذي أسكن فيه ووجدت أنّ الحلّ يكْمُنُ في أن أجمع بعضهم في بيتي كل يوم بعد رجوعي من العمل، وأقرأ لهم بصوت عالٍ، فالكثير من الأطفال غيرُ معتادين على القراءة، وبهذه الطريقة أستطيع أن أبني علاقة جديدة بينهم وبين الكتب".
المصدر: وكالة فلسطين للأنباء.
حوار - آلاء المقيد
اترك تعليق