كلمة الإمام الخامنئي حفظه الله في لقاء أساتذة الجامعات 2014: المفكّرون الملتزمون من أكبر الثروات، وأسلمة العلوم الإنسانية
كلمة الإمام الخامنئي حفظه الله في لقاء أساتذة الجامعات في اليوم الرابع من شهر رمضان المبارك لعام 1435هـ في حسينيّة الإمام الخميني (رضوان الله عليه) 2-7-2014
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.
أرحّب بالإخوة والأخوات الأعزّاء، أساتذة الجامعة المحترمين؛ جمع العلماء الحاضرين هنا.
المفكّرون الملتزمون؛ من أكبر الثروات
لطالما كانت هذه الجلسة، بالنسبة لهذا العبد الحقير، من أحلى الجلسات، بسبب القضايا التي تُطرح فيها – والتي غالبًا ما تكون مفيدة وتمتاز بالعمق والخلفيّة الفكريّة والعلميّة- من جهة؛ ومن جهة أخرى بسبب الجو العلمي نفسه الذي يخيّم على هذه الجلسة. وفي الأساس، فإنّ هدفنا الأصلي من هذه الجلسة هو إظهار احترامنا وتقديرنا بشكل رمزي للعلماء المفكّرين الملتزمين – والذين هم أكبر ثروات بلادنا-.
لديكم الكثير من الكلام في أذهانكم، وكلّ واحد منكم لديه قضايا يودّ طرحها والحديث عنها، ولو توفّرت الفرصة والتوفيق للاستماع إليها، فمن المؤكّد أنّ فيها فوائد؛ نأمل أن تُطرح هذه القضايا وهذه الأفكار في مكانها بشكل مناسب، في المجامع العلميّة وفي التبادل العلمي بين الجامعات، وأن يستفيد المسؤولون منها.
من المؤكّد، إنّ ما تمتلكه مجموعة أفكار علمائنا وذوي العمق الفكري على مستوى جامعات البلاد، مقارنةً بمجموع مسائل البلاد، يشكّل بمجموعه ثروة عظيمة للعاملين على إدارة البلاد، ونأمل أن يتمّ الاستفادة منها. لكن، بالطبع، إنّ جلستنا المحدودة هذه لا تتّسع لاستيعاب جميع الآراء والأفكار.
أشكر الإخوة الأعزّاء والأخت العزيزة، حيث تحدّثوا خلال هذا اللقاء؛ وقد طرح الجميع نقاطًا جيّدة ورائعة، وقد استفدنا من كلماتهم. وإن شاء الله سيتم الاستفادة من مجموع هذه الأفكار أيضًا في تخطيط البرامج وفي تبادل الآراء مع المسؤولين التنفيذيّين في البلاد، ويجب أن يُلمس أثر ذلك إن شاء الله.
حسناً، إنّ هدفنا تكريم العلم والعلماء، والاستماع لقضايا الأصدقاء والأساتذة وفهمها، وهذا ما كان يحصل حتى اليوم وإلى هذه اللحظة والحمد لله. وسأتحدّث أيضًا وأبيّن:
شهر رمضان: تصحيح العلاقات الإنسانيّة
أوّلًا: إنّ أجواء شهر رمضان هي أجواء المعنويّات والصفاء والصدق والإخلاص؛ فلنبذل جهدنا للاستفادة من هذه الأجواء بحدّها الأقصى. ففيما نتّصل بعلاقتنا وارتباطنا القلبي بالله، علينا أن نقوّي هذه الرابطة المعنويّة وهذه العلاقة الشخصيّة بالله تعالى في هذه الأيام، سواء كانت لأجل حياتنا الأبديّة وحياتنا الأخروية -حيث إنّ الحياة الحقيقيّة هناك، وهي مفيدة لها-، أم لأجل حياتنا الحاضرة، فهي مفيدة ومؤثّرة. إضافةً إلى ذلك، علينا أن نسعى للاستفادة من أجواء المعنويّات والصفاء التي تعمّ مجتمعنا في شهر رمضان من أجل بناء العلاقة الصحيحة والمعنويّة بين أنفسنا والآخرين، وأن نتّخذ القرارات الصائبة والإجراءات الصحيحة، وأن نضفي على علاقاتنا حسن الظنّ والثقة والمحبّة والنصيحة بعضنا لبعض، وأن ننتفع من شهر رمضان بأن نوجد هذه اللطافة في علاقاتنا الاجتماعيّة والإنسانيّة؛ وأن نجعل من أجواء حياتنا وبلادنا أجواءً أكثر نورانيّة. هذا الأمر يمكن لكلّ واحد منّا أن يقوم به؛ أنتم أساتذة وتمتازون بمكانة علميّة رفيعة، وبالطبع يمكنكم في هذا المجال أن تؤثّروا أكثر في محيطكم وبيئتكم سواءً على مستوى طلّاب الجامعات أم غيرهم.
لقد دوّنتُ عدّة نقاط سأطرحها عليكم، لأنّ هذا اللقاء هو فرصة مغتنمة بالنسبة إليّ، حيث يكون الإنسان أمام جمع من النخب الفكريّة والعلميّة. وإذ نفتخر دائمًا بالقوى الإنسانيّة والطاقات البشريّة في البلاد؛ حسناً، إنّ أفضل هذه القوى وأكثرها تألّقًا وبروزًا هم هؤلاء العناصر الذين يقومون في الجامعة بتربية وإعداد الناس المتعلّمين والمثقّفين، أي أساتذةُ الجامعات المحترمون. إنّها فرصة لنا أن نطرح مسائل أمامكم وجهًا لوجه.
القضيّة الأساس: تقوية الحركة العلميّة
النقطة الأولى هي ما يرتبط بنهضة البلاد العلميّة -وهو موضوع بالغ الأهميّة- برأيي أنا العبد لله؛ فإنّ قضيّة الحركة العلميّة في البلاد هي بنظري ركن أساسي لحياة مستقبل شعبنا ومجتمعنا؛ بل- وبنحو ما- لحياة العالم الإسلامي. نحن منذ سنوات –لعلّها عشر أو اثنتي عشرة سنة- نشدّد ونؤكّد على المسائل العلميّة، وهذا الأمر قد أثمر وأعطى نتائج باهرة؛ أي إنّ هناك حركة علميّة ونهضة علميّة في البلاد قد انطلقت في الواقع، وتقدّمت وحقّقت إنجازات كبرى، وقد استمعتم لنموذج عنها من الأساتذة المحترمين، وهناك نماذج أكثر بكثير مما ذكره هؤلاء الأصدقاء هنا، فقد انطلق العمل وغدت الحركة العلميّة واقعًا معروفًا في العالم. وفي الحقيقة، فقد كشفت هذه الحركة العلميّة الستار عن النهضة العلميّة لبلدنا العزيز، لكن الشيء الذي يثير هواجسي هو أنّ حركتنا هذه لم تصل حتى الآن إلى نقطة الثبات. فنحن الآن مثل أناس يتحرّكون على منحدر نحو الأعلى. نعم، لقد انطلقنا وتقدّمنا وأنجزنا أعمالًا كثيرة أيضًا، إلا أنّنا ما زلنا وسط الطريق. نحن، ولأسباب عديدة، لا زلنا في منتصف الطريق –لا أريد الآن التفصيل في هذا المجال، حسناً، لقد تحدّثنا في مناسبات وأماكن مختلفة- فنحن نتقدّم ونصعد في هذا المنحدر الحاد؛ إذا ما توقّفنا سنتعرّض للسقوط والتدهور وليس فقط التوقّف، ولن يكون توقّف، فإذا ما توقّفت حركتنا، فإنّ إعادة الدفع بهذه النهضة وهذه الحركة وهذا التسارع العلمي سيكون أصعب ودونه عقبات؛ هذه هواجسنا. وهنا أودّ القول: ينبغي إمداد هذه الحركة العلميّة بكلّ قدرة وينبغي تقويتها، ينبغي العمل؛ فلا نقومنّ بشيء نصل معه لوضع تتوقّف فيه هذه الحركة. هذا هو موضوعنا الأوّل وقضيّتنا الأساس.
إدارة جهاديّة في مواجهة مخطّط العدو
بالتأكيد، توجد دوافع لدى جبهة أعدائنا لإيقاف حركة البلاد العلميّة. البعض لديه حساسيّة من كلمة "العدو" يعترضون فيقولون لماذا تكرّرون دائمًا "العدو" "العدو"؟ في حين أنّكم لو تأمّلتم القرآن من أوّله إلى آخره لرأيتم كم تكرّر عنوان "الشيطان" و"إبليس"؛ فقد ذكر مرارًا وتكرارًا. لا ينبغي الغفلة عن العدو، ليس عيبًا أن نعتبر العدو عدوًا؛ ونحن إذ نركّز على العدو، فليس معنى ذلك أن نغفل عن عيوبنا ومشاكلنا الداخليّة؛ لا ليس كذلك؛ "أعدى عدوّك نفسك التي بين جنبيك"1؛ عدوّنا الداخلي أسوأ من كلّ الأعداء، عدوّنا نحن، نفسنا الطالبة للراحة والدعة، ضعف الهمّة والكسل والتساهل وعدم التدبير في تسيير أمورنا –وهذا معروف- وهو محفوظ في محلّه؛ لكن الغفلة عن العدو الخارجي هو خطأ استراتيجيّ كبير يعرّضنا للخسران. حسناً، ينبغي معرفة العدو ورؤيته؛ أمّا ما يُقال أنّه ينبغي أن تكون مواجهتنا على هذا النحو، وليس على ذاك النحو، فهذا بحث آخر؛ ينبغي فهم عداوته وتحديد خطّته. إنّ إحدى خطط العدو المهمّة إيقاف الحركة العلميّة في البلاد. جيّد، عندما نعرف ذلك، نعود إلى الجامعة ويتّضح هناك معنى ما طرحناه من الإدارة الجهاديّة2، لأنّ الجهاد عبارة عن ذلك السعي والجهد الذي يُبذل في مواجهة عدو ما، فليس كلّ سعي جهاد. الجهاد عبارة عن ذلك الجهد الذي يكون في مواجهة تحدّ معاد من جانب الطرف المقابل؛ هذا هو الجهاد، عندها يتّضح معنى الإدارة الجهاديّة هنا. لتعلموا أنّ الحركة العلميّة للبلاد ونهضتها العلميّة وتقدّمها العلمي هي في مواجهة تحدّ عدائي، والذي يجب أن يقف في مواجهة هذا التحدّي العدائي هو أنتم: المديرون والأساتذة والطلّاب. هكذا تصبح حركة جهاديّة وإدارة أي جهاز، سواء كانت إدارة جامعة أم إدارة وزارة أم إدارة أي قسم أو فرع من الأقسام المختلفة لهذه الساحة العظيمة ستكون إدارة جهاديّة.
الجامعة بين أيادٍ مؤمنة بالتطوّر العلمي؛
بالتأكيد لدينا في ما مضى، في مرحلة ما، نماذج غير مرضيّة في الجامعات. كان لدينا أشخاص في جامعات البلاد المرموقة يدفعون النخب من الشباب إلى ترك البلاد؛ ويُقال كثيرًا حول هجرة العقول وهجرة الأدمغة؛ نعم، كان لدينا أشخاص يبحثون عن طلّاب النخبة ليجدوهم ويشجّعوهم على ترك البلاد والهجرة إلى الخارج. كان لدينا وضع كهذا في مرحلة ما، وقد رأينا ذلك في عهدٍ ما، وقد عبرناه وتجاوزناه. فقد كان هناك داخل الوزارة أشخاص يختلقون الذرائع لمنع الحركة العلميّة والتقدّم العلمي. [بالطبع] من الممكن أن يكون ذلك بنظرهم مبَرّرًا لأسباب، إلّا أنّ واقع الأمر أنّه كان اختلاق ذرائع وموانع. ينبغي أن لا يتكرّر ذلك، فلا تُجعل الجامعة في أيدي أشخاص ينظرون إلى التقدّم العلمي وكأنّه لا شيء، فلا يولونه أي اهتمام؛ ولتكن في عهدة أشخاص يعشقون التطوّر العلمي، يقدّرون ويدركون أهميّة هذه المسألة من أجل مستقبل هذا الشعب ومصير هذه البلاد؛ هذا هو موضوعنا الأساس. وإنّ المخاطب بهذا الكلام هم المسؤولون الحكوميّون ومسؤولو الجامعات، وكذلك أنتم أساتذة الجامعات على حدّ سواء. لقد أطلقت الجامعات حركة، فلا تسمحوا بأن تتوقّف هذه الحركة. يجب أن تكمِل هذه الحركة مسيرها وأن تتضاعف. أقول هنا –والآن لا مجال للشرح والتفصيل- ما زالت أمامنا مسافة وطريق طويل لنصل إلى تلك النقطة المنشودة على المستوى العلميّ؛ ينبغي بذل الكثير من العمل والجهد والسعي.
التقدم العلمي لإزالة آثار الحظر
على المدى القصير، أعتقد أنا العبد- وهذا الاعتقاد ناشئ من مطالعات وآراء أهل الخبرة والاختصاص- أنّ الحظر -وهو من المسائل المطروحة اليوم والموجودة في الأذهان- يصبح عديم الأثر عند تحقّق التقدّم العلميّ. وإذا نظرنا أيضًا بنظرة قصيرة أو متوسّطة الأمد – بغضّ النظر عن المستقبل البعيد والطويل الأمد- إذا أراد بلدنا أن يزيل أي أثر وتأثير للحظر المفروض -والذي يعدّ اليوم أداةً في يد أعدائنا لإذلالنا، حيث إنّهم يفرضون العقوبات والحظر لكسر العنفوان الوطني وروح العزة، إضافة إلى الضغوط العمليّة لتضييق المعيشة على الناس وإذلالهم؛ ولهذا السبب كنّا نكرّر منذ سنوات عديدة بأن لا تراهنوا على الحظر وفك الحظر، فسيكون هذا الحظر عديم الأثر من خلال النظرة العلميّة إلى مسائل البلاد والاهتمام بالعلم وتشبيك العلم والصناعة والزراعة، وقد سمعتم ما أوضحه السادة الذين تحدّثوا في هذا المجال-، فإنّ الساحة مفتوحة أمامنا للعمل، ويمكننا القيام بالإنجازات؛ فالشركات العلميّة المحور هي أحدى أكثر الأعمال أهميّة في مقولة الاقتصاد المقاوم الذي أُعلن وتمّ بحثه ودراسته، وقد أصبح مورد اتّفاق جميع الأطراف المعنيّين بقضايا البلاد. بالطبع، ينبغي التدقيق في تحديد الشركات العلميّة المحور، أي إنّه ينبغي تحديد المعايير والمميّزات وأن تصبح الشركة العلميّة المحور ضمن الإطار المعياري؛ فلا ينبغي أن يأتي أشخاص، باسم الشركة العلميّة، ويقومون بتلك الأعمال المعروفة والعاديّة في بعض الميادين الأخرى –كالسمسرة وما شابه– ويروّجون لها هنا ويتابعونها وكأنّها شركات علميّة. ينبغي أن يكون هذا النمط من الشركات "شركة علميّة البناء" بالمعنى الحقيقي للكلمة؛ ينبغي جعل هذا الأمر واحدًا من المحاور الأساسيّة.
ضرورة المعرفة بالانجازات العلمية
وهنا أريد الاستطراد قليلًا لأقول إنّ البعض ممّن لديهم مواقع ومنابر للحديث يشكّكون في أصل مسألة التقدّم العلمي للبلاد! إنّنا لا نرى مصلحة في ذلك؛ أي إنّ عملهم هذا ناتج في الحقيقة عن عدم اطّلاع. في إحدى المرّات، أبدى أحد المسؤولين رأيه في بعض المسائل العسكريّة، ولم يكن رأيه مطابقًا للواقع؛ قلت، أنا العبد، فليكن هناك "رحلة وجولة عسكرية" لمسؤولي البلاد، ليأتوا وليطّلعوا ويقوموا بزيارة إلى هذا المحيط العسكري، وليروا الحقائق والواقعيات، فيصبح لديهم اطّلاع أفضل على قدرات البلاد العسكريّة. والآن في المسائل العلميّة، فالأمر -مع الأسف- كأنّه مشابه لذلك؛ ينبغي أن ننظّم "رحلات وجولات علميّة" لمسؤولي البلاد في المجالات المختلفة. لقد شرح الأصدقاء –الأساتذة- بعض هذه المجالات؛ ذكر أحد السادة "تقنيّة النانو" –بالطبع ليست المسألة منحصرة فقط بتقنيّة النانو- قال إنّنا كمن يحفر بئرًا وما أن نصل إلى الرطوبة وأول مستوى الماء حتى ندع البئر؛ كلا فالأمر ليس كذلك، إنّهم يتابعون العمل ويكملون.
أولئك الذين هم حفّارو آبار، يكملون أعمالهم ويتابعون وقد وصلوا إلى نتائج وإنجازات عالية أيضًا. حسناً، على سبيل المثال، الطب في بلادنا هو من بين العلوم الطبّية الأكثر تقدّمًا في العالم؛ فنحن لسنا متخلّفين عن ركب العلوم في العالم ولسنا متأخّرين كثيرًا عن حدود العلم في الطب في العالم المعاصر؛ نحن قريبون جدًّا [في مجال الطب]. وكذلك الأمر في المجالات الأخرى: التقنيّة النوويّة وعلم الذرّة، وعلم الخلايا الجذعيّة والأعمال العظيمة من هذا القبيل كثيرة، فنحن لدينا تقدّم مهم وجيّد. والذين ليس لديهم اطّلاع لا يليق بهم أن يشكّكوا؛ حسناً، فليذهبوا ويقرأوا ويطّلعوا، وكما ذكرت فليذهبوا ويقوموا بسياحة علميّة وليصلوا بعدها إلى النتائج [الحقيقية]. القضيّة الأساس عندنا هي ما ذكرناه. أتمنى على مسؤولي الوزارات المعنيّة ذات الصلة، والمسؤولين الحكوميّين المعنيّين ومَن هم على صلة بمسائل العلم والجامعة والصناعة، أن يأخذوا قضيّة التقدّم العلمي وارتباط العلم بالتقانة في البلاد على محمل الجدّ؛ أي أن لا يصدر منهم في الواقع أي تقصير فيما يتعلّق بهذه القضيّة. هذه المسألة هي قضيّتنا الأساس، وهي إحدى أكثر القضايا أهميّة ومحوريّة وفوريّة. عمل المطالعات والتحقيقات له مجاله وموقعه الخاص، [لكن] في الأبحاث، وما هو ضروري في هذا المجال: لا ينبغي برأيي أن يحصل أي تقصير.
الخارطة العلمية الشاملة
المسألة الأخرى التي دوّنتها لأتحدّث عنها هي: لقد تمّت المصادقة على الخارطة العلميّة الشاملة للبلاد، والحمد لله؛ وكما أفادوني ووصلني من تقارير؛ كانت محلّ قبول وترحيب أيضًا. وقد أعدّوا مجموعة وثائق علميّة طبقًا لهذه الخريطة العلميّة، وقد نُظّمت وأُعلنت؛ وهناك مجموعة وثائق علميّة هي الآن في طور التدوين؛ وقد أخبرونا أنّ بعض مسؤولي الأقسام العلميّة قد طلبوا من المجموعة المكلّفة إجراء وتطبيق الخارطة العلميّة أن يقوموا بتدوين وثيقة علميّة للأقسام والمجالات التي يعملون فيها. جيّد، هذا الأمر هو عمل مهم وبنّاء في البلاد. وما يمكن أن يصبح مكمّلًا لهذا العمل هو أن يحدَّد لجامعات البلاد المختلفة، بناءً لما تتمتّع به من مزايا، دورها ونصيبها ومسؤوليّتها في مجموعة الخارطة العلميّة الشاملة؛ ولتعرف جامعات البلاد العريقة والجامعات المختلفة حصّتها في مجموعة هذه الوثيقة العظيمة لازدهار البلاد وتقدّمها العلمي، ولتمارس دورها في تلك الأقسام والمجالات الخاصّة المتعلّقة؛ أي بمعنى أن يتمّ إيجاد جدول شامل ولتعرف كلّ جامعة دورها وتقوم بتحديده من خلال ملء هذا الجدول. فمن الممكن أن يتمّ تقسيم الجامعات طبقًا للمميزات والاستعدادات وأن توكل حصّة كلّ جامعة إليها.
حاجات البلاد محور الأنشطة العلميّة
موضوع آخر دوّنته: لقد انبثقتْ حركة في العمل العلمي والنشاط العلمي، والحمد لله؛ وإنّ النقطة الأساس في الأنشطة والفعاليّات العلميّة هي أن تكون هذه الفعاليّات ناظرة إلى حاجات البلاد التي لم تؤمّن بشكل تام إلى اليوم. وكما أشار الأصدقاء، فإنّ للمقالات العلميّة المعروضة في بلادنا زبائن وراغبين في التعاون؛ بمعنى أنّ طلاب الأعمال العلميّة كثر في العالم، ولكنّ هذا الأمر غير كاف. نعم، يمكنكم أن تعدّوا مقالات وتصبح مصدرًا ومرجعًا يتمّ الرجوع إليها؛ وهذا مبعث فخر، وشيء جيّد، بالنسبة للبلاد أيضًا أمر جيّد جدًّا، وعلامة على التقدّم العلمي لها؛ إلّا أنّ الأهمّ من ذلك، هو بما أنّكم تعملون في مجال المسائل العلميّة، فليكن النظر إلى حاجات البلاد. حسناً، أنتم ترون اليوم أنّ أصحاب الرأي يطرحون مواضيع ويتحدّثون عن حاجات ويشيرون إلى النقائص ونقاط الضعف والخلل الموجود في المسائل المرتبطة بالصناعة والزراعة وإدارة الأزمات، والمسائل المتعلّقة بمسائل البلاد المختلفة؛ حسناً، يمكن القيام بأبحاث وتحقيقات، وإعداد المقالات العلميّة من أجل تلبية هذه الحاجات، وأن تكون ناظرة إلى تلبية وتأمين هذه الحاجات. هذه مسألة مهمّة جدًّا أيضًا. فإذا ما بُذلت الجهود في ساحة جامعات البلاد، فهذه من أهم الخدمات التي تكون قد أُسديت إلى إدارة البلاد. البحث المساعد الذي يمكن أن تسديه الجامعات والبيئة العلميّة هو أن يكون لها تأثير في المجالات المختلفة، في قرارات المسؤولين؛ أن تكون الأعمال العلميّة ناظرة إلى حاجاتهم؛ سواء كان [هذا الأمر] من خلال المقالات العلميّة أم أبحاث التخرّج التي يقدّمها طلّاب الجامعات أم المناظرات العلميّة.
ليكن الأستاذ قدوةً ونموذجا
هناك نقطة أخرى أرى من المناسب ذكرها للأساتذة، وقد دوّنتها هنا، وهي أنّ للأستاذ مكانة مؤثّرة في أذهان طلّابه؛ وهذه هي خاصيّة "الأستذة"؛ بمعنى أنّ تفوّقكم العلمي على الطالب والعلم والتعلّم الذي تمنحونه إياه، يعطيكم موقعًا مؤثّرًا في ذهنه وفي شخصيّته؛ فاستفيدوا من هذا الموقع لتربية الطلّاب وتعليمهم. نحتاج اليوم إلى أن يكون شبابنا ذوي روحيّة متفائلة، ويتحلّون بالشجاعة والأمل، ولديهم ثقة بالنفس وإيمان وروحيّة بعد النظر والتفكير بالمستقبل وروحيّة الخدمة؛ نحتاج إلى أن يصبح الطالب هكذا. حسناً، يمكنكم أن تؤمّنوا هذا في البيئة العلميّة وفي الصفّ الدراسي. وعكس هذا الأمر ممكن أيضا! فيصبح الطالب -ومن خلال طرح التشكيك والاستهزاء أمامه بالأصول المقبولة في البلد- غير واثق بمستقبل البلاد، ضعيف الاعتقاد وغير مبال، يمكن أن يصبح هكذا. ليس المطلوب من الأستاذ أن يغذّي الطالب علميًّا وحسب، بل المتوقّع منه أيضًا أن يساهم في تقوية روحيّته وشخصيّته المعنويّة؛ يمكنكم أن تؤثّروا كثيراً في هذا المجال. اسعَوا أن تخرّجوا طالبًا مرتبطًا بالميول المعنويّة واحترام القيم الأسرية والعائليّة والمشاعر الوطنيّة؛ خرّجوا طالبًا معتقدًا ومؤمنًا بالثقافة الإسلاميّة. كان بعضهم يعمل على النقيض من ذلك تمامًا وطوال سنوات متمادية قبل انتصار الثورة؛ وبعد الثورة إلى اليوم، نشاهد أيضًا في الجامعات بعض الاتجاهات. حسناً، نحن نعرف، وأنتم أيضًا تعرفون أشخاصًا وحركاتٍ، وتعرفون أنّ هناك تيّارًا –ليس المقصود أسماء وأشخاصاً محدّدين- تهيمن عليه رهبة الثقافة الغربيّة؛ فكلّ ما هو غربيّ مبعث فخر له؛ وكلّ ما هو محلّي ووطنيّ محلّ ازدراء وتوهين. لدينا أشخاص من هذا القبيل، وما ينبغي أن يكون هو عكسُ ذلك الشيء تمامًا. يمكن للأستاذ في جو الجامعة والدرس أن يخرّج الطالب الذي تحت يديه، مؤمنًا دينيًّا، محبًّا لوطنه ومستقبل بلاده ومصير شعبه، يمكن أن يخرجّه متفائلًا بروح الأمل والمعنويّات العالية ومؤمنًا بأصول النظام، ويمكنه أن يقوم بعكس ذلك. المتوقّع من الأستاذ هو هذا؛ لا ينبغي أن يؤدّي كلام الأستاذ إلى بثّ اليأس والإحباط في قلب الطالب الشاب؛ طبيعة الأستاذ وأخلاقه هي على هذا النحو أيضًا.
الجامعة رسالة الأستاذ
ما أودّ قوله للإخوة والأخوات الأعزّاء الأساتذة المحترمين –وفي ما مضى ذكرت ذلك مرارًا، في مثل هذه الجلسة وجلسات أخرى-: ليعتبر الأستاذ أنّ بيئة الجامعة هي عمله الأساسي ورسالته وتعلّقه الأساسي، وليس عمله الثاني، ليس العمل الفرعي والجزئي في مكان آخر. ليكن للأستاذ حضور في الجامعة، وليجلس ويتابع ويستقر فيها، وليقم بحلّ مشاكل الطلّاب العلميّة؛ ليوثّق علاقته بالطالب، ولا يكن الأمر مجرّد ذهابه إلى الجامعة وأداء وظيفة بشكل عام وإجمالي؛ وهذه نقطة أخرى ذكرتها. فليخصّصوا وقتًا للطلاب؛ وليتعاملوا معهم برأفة ومحبّة، فهذا العمل سوف يشجّع الطالب على بذل الجهد والسعي العلميّ، ومعنى هذا أنّ الطالب الجامعي سيقتدي بالأستاذ في متابعة البحث العلمي والاهتمام به، فيكون الأستاذ نموذجًا وأسوةً له، ويتأثر به بشكل طبيعي.
المعارف الدينية في الجامعات
النقطة الأخرى هي ما يتعلّق بدروس المعارف الدينية؛ لدى أساتذة مواد المعارف فرصة ثمينة جدًّا في الجامعة. فبين أيديهم هذه المجموعة العظيمة من الطلاب، وهم أمام هذا الجمع المليوني لساعات كثيرة؛ إنّها فرصة قيّمة وعظيمة جدًّا. أمامكم أفضل الشباب، وإذا ما تعامل أستاذ المعارف مع طلّابه بذكاء وفطنة مستندًا إلى عمق المعارف التي لديه، ومواكبًا لكلّ جديد في المسائل الفكريّة والعلميّة المختلفة؛ فسنحصل على أفضل النتائج والثمار من حضور أستاذ المعارف في الجامعة. برأيي، فإنّه من اللائق جدًّا ومن الجدير والمطلوب أن تهتم مؤسّسة الممثليّة (ممثلية الولي الفقيه في الجامعة) بهذه المسائل وتدقّق وتخطّط حتى تتحقّق الاستفادة الواسعة من حضور الأساتذة من أجل تقوية إيمان الطالب وتمتين عمله، ومن أجل بناء شخصيّته الدينيّة والمعنويّة.
العلوم الإنسانية الإسلامية
المسألة الأخرى، ما يتعلّق بالعلوم الإنسانيّة، حيث إنّنا طرحنا هذا الموضوع منذ فترة، وقد سبق وتحدّثنا مرارًا عن أسباب ودوافع ذلك. نحن في حقيقة الأمر نحتاج إلى إيجاد تحوّل بنيوي في العلوم الإنسانيّة في البلاد. وهذا الأمر لا يعني أن نعتبر أنفسنا بغنًى عن الأعمال الفكريّة والبحثيّة والعلميّة للآخرين. كلا، فبعض العلوم الإنسانيّة هي من صناعة ونتاج الغرب، فهم عملوا في هذه الساحة، فكّروا وطالعوا كثيرًا، ينبغي الاستفادة من هذه المطالعات؛ لكن الكلام هو أنّ مبنى العلوم الإنسانيّة الغربيّة هو مبنى غير إلهي، مادي، غير توحيدي؛ وهذا لا ينسجم مع المباني الإسلاميّة، لا ينسجم مع المباني الدينيّة. تصبح العلوم الإنسانيّة صحيحة ومفيدة ومربّية للإنسان بشكل صحيح وسليم، وتنفع الفرد والمجتمع عندما تقوم على أساس الفكر الإلهي وطبقًا للرؤية الكونيّة الإلهيّة؛ وهذا غير موجود في معارف العلوم الإنسانيّة في الوضع الحالي؛ ينبغي السعي بهذا الاتجاه، وبذل الجهد والتفكير. بالطبع هذا العمل ليس عملًا متسرّعًا عجولًا، بل عمل طويل الأمد، عمل مهم. وخلاصة الأمر، ينبغي على الأصدقاء القائمين على هذا العمل أن يعطوه السرعة المطلوبة والمناسبة، فكما أنّ التسرّع فيه غير مطلوب، كذلك فإنّ التأخير والتباطؤ فيه أيضًا غير مطلوب وغير مقبول؛ ينبغي العمل وبذل الجهد. بالطبع، سمعتُ ولديّ اطّلاع أنّه، إضافةً إلى ما يُعمل عليه في المجلس الأعلى للثورة الثقافيّة في هذا المجال، هناك العديد من أساتذة الجامعات أيضًا يقومون في هذا المجال بأعمال مهمّة وباندفاع شخصي وتطوّع ذاتي، من المستحسن أن يتمّ وضعها على مسار وصراط واحد، أي أن تقوم هاتان المجموعتان بمضاعفة أعمالهما والتكامل معًا، حتى تحصل نتائج في هذا المجال إن شاء الله تعود على البلاد وعلى جامعات البلاد.
السمّ المهلك؛ جعلُ الجامعة ميدان التجاذبات السياسيّة
الموضوع الأخير أيضًا –ويظهر أنّ الوقت قد انتهى- هو أنّني أرجو من مدراء الجامعات والمسؤولين الإداريّين أن لا يجعلوا الجامعات مسرحًا للتجاذبات والصولات السياسيّة ومحلًّا لأنشطة التيارات السياسيّة. إنّه لسمٌّ مهلك للحركة العلمية أن تتحوّل الجامعة إلى نواد ومنصّات سياسيّة؛ هذا الأمر الذي حصل في مرحلة ما؛ وهذا لا يعني رفض النشاط السياسي بين طلّاب الجامعات؛ كنت، أنا العبد، ولا زلت من المدافعين والمنادين بالعمل السياسي للطلّاب الجامعيّين –ولا زلت أعتقد بذلك- لكن امتلاك الرؤية السياسيّة والمشرب السياسي والفهم السياسي والنشاط السياسي هو أمر، وجعل الجامعة والصف والدرس والبيئة العلميّة مسرحًا لجولات وصولات العمل السياسي أمر آخر، هذان أمران مختلفان. إنّ هدوء الجامعة واستقرارها سيساعد على أن تؤدّي وظيفتها وتقوم بعملها على مستوى مسائل العلم التي هي جميعها على قدر من الأهميّة. ولا سمح الله إذا حدث العكس فإنّ أوّل ضربة سنتلقّاها هي توقّف الحركة العلميّة في الجامعة، ويتبع ذلك في كلّ البلاد، أو أن تتباطأ هذه الحركة؛ وقد أشرت هنا الى أن "التوقّف" يعني التراجع والسقوط .
إلهي! نقسم عليك بمحمّد وآل محمّد أن تنزّل بركاتك في هذه الساعات الحسّاسة وفي هذه الأيّام المباركة على جامعة البلاد وعلى جامعيّينا وطلّابنا.
إلهي! اهدنا إلى السبيل الذي يؤدّي إلى هداية كلّ الشعب الإيراني وعزّة العالم الإسلامي.
إلهي! بمحمّد وآل محمّد هب لنا بصيرة لمواجهة التحدّيات المختلفة في المراحل المختلفة، اجعلنا مخلصين في الحركة التي نقوم بها.
إلهي! اشمل شهداءنا وخاصّة شهداء الجامعة وشهداء البرنامج النووي –وهم شهداء العلم، شهداء الجهاد العام للشعب الإيراني- بواسع رحمتك ومغفرتك وتفضّلك.
إلهي! ثبّت أقدامنا على درب هؤلاء الشهداء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
________________________________________
1- عدة الداعي, ص314.
2- بمناسبة بداية العام الهجري الشمسي الحالي (1393)
اترك تعليق