ثائرات من أجل الحسين (ع)
بما أننا نعيش في هذه الأيام الذكرى الأليمة لواقعة الطف الخالدة، فان من دواعي الوفاء أن نستذكر تلك المواقف المشرفة لنساء كان لهم دور مشرّف في النهضة الحسينية، منهم:
1- ماريّة العبديّة:
هي ماريّة بنت سعيد -وقيل: بنت سعد- العبديّة، من بني عبد القيس، ويقال لها: سعديّة بنت منقذ، كانت تسكن مدينة البصرة في جنوب العراق.
موالية لأهل البيت عليهم السلام، تقيّة، شجاعة، إحدى المجاهدات في البصرة، لها مكانة عالية عند الشيعة، حيث يجتمعون في بيتها ويتدارسون الأوضاع السياسية السائدة آنذاك.
قال الطبري وابن الأثير في تأريخهما نقلاً عن أبي مخنف: ذكر أبو المخارق الراسبي قال: اجتمع ناس من الشيعة بالبصرة في منزل امرأة من عبد القيس يقال لها ماريّة ابنة سعد ـأو منقذ- أياماً وكانت تتشيّع، وكان منزلها لهم مألفاً يتحدّثون فيه، وقد بلغ ابن زياد إقبال الحسين، فكتب إلى عامله بالبصرة أن يضع المناظر ويأخذ بالطريق.
قال: فأجمع يزيد بن نُبيط الخروج ـوهو من عبد القيس- إلى الحسين وكان له بنون عشرة فقال: أيكم يخرج معي؟
فانتدب معه ابنان له: عبد الله، وعبيد الله.
فقال لأصحابه في بيت تلك المرأة: إنّي قد أزمعتُ على الخروج، وأنا خارج.
فقالوا له: إنّا نخاف عليك أصحاب ابن زياد.
فقال: إنّي والله لو قد استوَتْ أخفافهما بالحِدَدَ لهان عليّ طلب من طلبني(1).
وقال المامقاني في تنقيح المقال: ماريّة بنت منقذ -أو سعيد- العبديّة، يستفاد من كونها إماميّة تقيّة مما روي عن أبي جعفر عليه السلام: من أنّها كانت تتشيّع، وكانت دارها مألفاً للشيعة يتحدّثون فيها، وقد كان ابن زياد بلغه إقبال الحسين عليه السلام وكاتبة أهل العراق له، فأمر عامله أن يضع المناظر ويأخذ الطريق . . .الحديث(2).
وقال المحلاتي في موضع من رياحين الشريعة نقلاً عن إبصار العين للعلاّمة السماوي: سعديّة بنت منقذ العبديّة، كانت من شيعة البصرة، وكانت ثابتة على التشيع، وكان بيتها مألفاً للشيعة يجتمعون فيه ويتحدثون(3).
ويدل اجتماع القوم في دارها على عدة أمور:
1- أنها شخصية ذات مكانة مرموقة وجاه وشرف في مجتمعها آنذاك، حتى أن أشراف البصرة وخاصة من قبيلتها كانوا يجتمعون إليها في الدار، وربما شاركتهم ذلك الإعداد لنصرة سيد الشهداء.
2- ربما كان اختيارهم لدار مارية مكاناً للاجتماع والتباحث يدلل على الحذر والتكتم كانت تعيشه شيعة البصرة، لذا اختاروا تلك الدار للتمويه على السلطة، التي وضعت العيون للتضييق عليه. (4)
2- درّة الصدف:
بنت عبد الله بن عمر الأنصاري، الشهيدة في سبيل رأس الإمام الحسين بن علي عليهما السلام.
في سِير أعلام النساء نقلاً عن الدربندي في أسرار الشهادة في مجلس 28 ص498 وفي طبع آخر ص504، عن أبي مخنف أنّه قال: لما جرّد بالموصل ثلاثون سيفاً تحالفوا على قتل خولي لعنه الله ومن معه، فبلغه ذلك، فلم يدخل البلد وأخذ على تل عفراء ثم على عين الوردة، وكتبوا إلى صاحب حلب أن تلقانا فإنّ معنا رأس الحسين الخارجي، فلمّا وصل الكتاب إليه علم به عبد الله بن عمر الأنصاري، فعظم ذلك عليه وكثر بكاؤه وتجدّدت أحزانه رحمه الله؛ لأنّه كان في زمن الرسول (ص).
فلمّا بلغه سم الحسن عليه السلام وموته، مثّل في منزله قبراً وجلّله بالحرير والديباج، وكان يندب الحسن ويرثيه ويبكي عليه صباحاً ومساءً.
فلمّا بلغه حينئذٍ قتل الحسين عليه السلام وحمل رأسه إلى يزيد ووصوله إلى حلب، دخل منزله وهو يرعد ويبكي، فلقته ابنته درّة الصدف فقالت: ما بكَ يا أبتاه، لا بكى بك الدهر ولا نزل بقومك القهر، أخبرني عن حالك؟
فقال لها: يا بنيّة إنّ أهل الشقاق والنفاق قتلوا حسيناً وسبوا حريمه، والقوم سائرون بهم إلى اللعين يزيد، وزاد نحيبه وبكاؤه، وجعل يقول:
قلّ العـزاء وفـاضـت العينـان * وبـليتُ بـالأرزاء والأشجــان
قتلوا الحسين وسيّـروا نسـاءه * حـرم الـرسـول بسائر البلدان
منعوه من ماء الفـرات بكـربلا * وعـدت عليـه عصابة الشيطان
سلبوا العمامة والقميص ورأسه * قـسراً يـعلّـى فوق رأس سنا
فقالت له ابنته: يا أبتاه لا خير في الحياة بعد قتل الهداة، فوالله لاُحرّضنّ في خلاص الرأس والأسارى، وآخذ الرأس وأدفنه عندي في داري، وأفتخر به على أهل الأرض إن ساعدني الإمكان.
وخرجت درّة وهي تنادي في أطراف حلب وأزقتها: قُتل يا ويلكم الإسلام، ثم دخلت منزلها ولبست درعاً وتأزّرت بالسواد، وخرجت معها من بنات الأنصار وحمير سبعون فتاة بالدروع والمغافر، فتقدّمتهن فتاة يقال لها نائلة بنت بكير بن سعد الأنصاري، وسرن من ليلتهن حتى إذا كان عند طلوع الشمس إذ لاحت لهنّ الغبرة من البعد ولاحت الأعلام وضربت البوقات أمام الرأس، فكمنت درة الصدف ومن معها حتى قرب القوم منهنّ فسمعن بكاء الصبيان ونوح النساء، فبكت درّة الصدف ومن معها بكاءً شديداً وقالت: ما رأيكنّ؟
قلنَ الرأي أن نصبر حتى يقربوا منّا وننظر عدّة القوم، حتى إذا طلعت الرايات وإذا تحتها رجال قد تلثّموا بالعمائم وجردوا السيوف وشرعوا الرماح، والبيض تلمع، والدروع تسمع، وكل منهم يرتجز.
فأقبلت درة الصدف عليهن وقالت: الرأي أن نستنجد ببعض قبائل العرب ونلتقي القوم، وتوجّه جيش يزيد إلى حلب ودخلوا من باب الأربعين.
وقال: قالت درّة الصدف مالنا ألاّ نكتب أهل حلب فينجدنا عسكرهم، فأرسلت إليهم، فجاء ستة آلاف فارس وراجلٌ فتواصلت الجيوش من كلّ مكان، وأقام كلّ منهم القتال أياماً فتكاثرت الجيوش على درّة الصدف ومن معها فقالوا: جاءنا مالا طاقة لنا به، ولم يزل يقاتلون القوم إلى أن قتلت درة الصدف، وقتل من أهل المدينة ستة رجال واثنتا عشرة امرأة(5).
الهوامش:
1- تأريخ الطبري 5: 353، الكامل في التأريخ 4: 21.
2- تنقيح المقال: 3: 83 فصل النساء.
3- رياحين الشريعة 4: 326. وانظر أعلام النساء 5: 9، أعيان النساء: 590، رياحين الشريعة 5: 63.
4- البصرة في نصرة الإمام الحسين ع، نزار المنصوري.
5- سير أعلام النساء 2: 70 نقلاً عن أسرار الشهادة للدربندي: 498.
المصدر: الحسون، محمد؛ أم علي مشكور: أعلام النساء المؤمنات. ط1، انتشارات أسوة، 1411 هـ.ق.
اترك تعليق