مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

كيف تقنع ابنك بالإسلام عقيدة وشريعة؟

كيف تقنع ابنك بالإسلام عقيدة وشريعة؟ كيف أُحبِّبه بالصلاة والصيام وارتياد المساجد؟ ما هي الوسيلة الفضلى في إقناع الفتاة بارتداء الحجاب....

يتساءل الكثير من المؤمنين: كيف أقنع ابني بالإسلام والعقائد الإسلامية؟ كيف أُحبِّبه بالصلاة والصيام وارتياد المساجد؟ ما هي الوسيلة الفضلى في إقناع الفتاة بارتداء الحجاب في وسط محيط يضجّ بالسفور؟ كيف وكيف...؟

والجواب إنّ عملية الإقناع ليست بالمسألة السهلة أو اليسيرة كما يخيّل للكثيرين فهي تحتاج إلى مهارات عديدة وكفاءات متنوعة ومواكبة مستمرة لمختلف المستجدات التي تؤثر على عقل وعواطف مَنْ نحاول إقناعه وبخاصة الطفل، ولذلك فهي تستدعي باستمرار تطوير الأساليب وتجديد الخطاب، وبدون ذلك، فلن يتسنّى للمسألة التربوية أن تؤتي أكلها وتبلغ غاياتها المرجوة، وقد تكلمنا سابقاً بشيء من التفصيل عن أهم القواعد والأساليب التي تلزم مراعاتها في العملية التربوية، ونشير هنا إلى بعض الأساليب التي ينبغي اعتمادها في مسألة التربية الدينية.
أ – برهان ووجدان:
ويأتي على رأس تلك الأساليب الإقناعية محاولة تقديم العقائد والشعائر بطريقة مبرهنة ومبسطة، بعيداً عن خطاب التعقيد ومنطق التعبّد الذي يقفل باب النقاش الحر، فالطفل مفطور على حبّ المعرفة والسؤال وتفّهم الأمور، وعلى المربي أن يصغي إلى أسئلته ويتقبّل مناقشاته بصدر مفتوح دون تبرم، مهما كانت –هذه الأسئلة– محرجة وصعبة، فهو قد يسأل عن طبيعة الخالق ومكانه وشكله ومَنْ خلقه؟ إلى غير ذلك من الأسئلة، ووظيفتنا بذل الجهد للإجابة عليها بطريقة إقناعية برهانية لا إسكاتية تعبدية، ومن الخطأ محاولة تجاهل أسئلته واهتماماته الفكرية ومشاغله الذهنية أو الوقوف من ذلك موقف اللامبالاة، أو محاولة إنكار الوقائع والحقائق التي يصعب مواجهة الطفل بها، لأنّها تدخل في دائرة المحظور الاجتماعي (العيب) أو لغير ذلك من الأسباب.
إنّ المطلوب في مثل هذه الحالات التعامل بحذر ودقّة ومسؤولية مع أسئلة الطفل دون خداع أو كذب أو إنكار للحقائق والوقائع.
ب ــ الحكمة والتبشير:
ومن أهم هذه الأساليب ضرورة اعتماد أسلوب التبشير لا التنفير، خلافاً لما يقع فيه الكثير من المربين والدُعاة المسلمين في أسلوبهم التربوي والوعظي حيث إنّهم يبالغون –ربّما عن حسن نيّة وبدافع الحرص– في تخويف الطفل من عذاب الله وناره المستعرة التي أعدَّها للعصاة الذين اقترفوا بعض الذنوب، ويملأون ذهنه بصور مرعبة ومخيفة عن الله سبحانه وتعالى حتى ليخاله جزّاراً أو سفّاكاً يتلذّذ بتعذيب خلقه، ومن الطبيعي أن ينفر هذا الطفل –عندما يستمع إلى أوصاف نار جهنم وأهوالها وعقابات القبر ووحشته وضغطته– من الدين وأهله، وربّما أصيب ببعض العُقَد والأمراض النفسية ممّا يؤثّر بشكل سلبي على استقراره وتوازنه النفسي والاجتماعي، إنّ المشكلة لا تكمن في تلك المفاهيم أو العقائد بل في أسلوب عرضها وتقديمها للطفل، ومع الأسف فقد وقع بعض الأطفال –كما حدّثنا ذووهم– ضحايا الخطاب التخويفي التهويلي التنفيري وأصيبوا بحالات من الهلع والهستيريا أو الأمراض النفسية، تماماً كما ابتلي بعض الأطفال والشباب بمرض الوسوسة في قضايا الطهارة والنجاسة والصلاة وأذكارها، بفعل خطأ تربوي منطلق من عقلية الاحتياط التي تبالغ في تحذيرهم من أي خلل في هذه الأمور، وتحملهم على اعتماد الدقة المتناهية والهندسية في هذه المسائل أو سواها وإلاّ بطلت عباداتهم وأعمالهم، وتوجب عليهم إعادتها وقضاءها وإلاّ استحقوا غضب الله وعقابه!
إنّ الخطاب الديني يمكنه أن يكون خطاباً تربوياً ناجحاً بامتياز، شريطة أن يعتمد أسلوب التبشير لا التنفير وأسلوب الترغيب قبل الترهيب والوعد قبل الوعيد، انطلاقاً من قول الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186]، وانسجاماً مع قول النبيّ(ص): "بشّروا ولا تنفروا، يسّروا ولا تعسّروا"(1)، وإذا كان رسول الله(ص) يقول: "إنّا معاشِرَ الأنبياء أُمِرْنا أن نُخاطِبَ الناس على قدر عقولِهم"(2) فعلينا أن نستفيد من ذلك درساً بليغاً في تربية الأطفال بما يناسب عقولهم وأفهامهم.
إنّ الإسلام يدعونا إلى اعتماد أسلوب الحكمة واللين والتبشير مع كافة الناس، فكيف بالأطفال الذين يملكون حسّاً مرهفاً أكثر من سواهم، الأمر الذي يفرض تحاشي الخطاب التنفيري معهم، لأنّه قد يترك ردات فعل عكسية ويخلق لديهم الكثير من التوترات النفسية، ولنا في خطاب لقمان لابنه عبرة وموعظة في هذا المجال، حيث قال له وهو يعظه ويحذره من أخطار الشرك: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم} [لقمان:13] والملحوظ في هذه الآية:
أولاً: إنّ لقمان خاطب ابنه بعبارة "يا بني" وهي عبارة محبَّبة ومحبِّبة، ومشحونة بالعطف والمحبة والرقة، بما يفتح قلب الإبن وعقله للاستماع إلى كلام أبيه ونصيحته ومواعظه.
وثانياً: إنّ نهيه له عن الشرك بالله جاء معلّلاً ومفسَّراً بأنّ الشرك يمثّل ظلماً عظيماً وتعدّياً على حقّ الخالق عز وجلّ، ولم يكن نهياً تعبدياً محضاً.
وإذا كان الله سبحانه قد أمر موسى وهارون(ع) أن يخاطبا فرعون بالكلام الليّن: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى*فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:43 ــــ44]، فالأولى أن يأمرنا بمخاطبة الأطفال ودعوتهم إلى تمثل القيم الدينية بالكلام اللين المحبّب، كي لا يشعر الطفل أنّ العقائد الدينية والتكاليف الشرعية تمثّل عبئاً عليه يثقل كاهله ويرهق أعصابه.
وفي هذا المجال أرى من الضروري التنبيه على خطأ فادح ترتكبه بعض المؤسسات التعليمية والمدارس عندما تقرّر جعل حصة التربية الدينية أو درس القرآن الكريم في أوقات فراغ التلامذة أو فرصتهم أو بعد الدوام، بحيث يشكّل هذا الدرس عبئاً ثقيلاً عليهم ويجعلهم من حيث يشعرون أو لا يشعرون ينفرون من المادة نفسها (أي القرآن أو درس التربية الدينية) لأنّها بالنسبة لهم مادة ثقيلة تقتحم عليهم راحتهم وتزعجهم في أوقات فراغهم ولهوهم.
ج ــ ربط الطفل بالمثل الأعلى الصالح:
إنّ الإنسان بشكل عام والطفل بشكل خاص ينشدّ إلى محاكاة الغير وتقليده، ولذا فهو باستمرار يفتّش عن مثل أعلى يحاول الاقتداء به، إنّ هذا ميل فطري ولا يجوز للعملية التربوية تجاهله أو التغاضي عنه، بل عليها استثماره وتوجيهه لربط الطفل بالمثل الصالح وإبعاده عن النماذج الفاسدة.
وهذا الأمر لا يقع على عاتق العملية التربوية فحسب، وإنّما يحتاج إلى تضافر جهود التربويين والإعلاميين وأهل الفن والأدب وعلماء الدين وغيرهم في سبيل تقديم المثل الأعلى الملائم لأبنائنا، وإبعادهم عن المثل العليا المزيفة التي يعمل الآخرون على صناعتها وتقديمها للجيل الناشئ من خلال الوسائل الإعلامية والفنية والأدبية وغيرها، إنّ هذه الوسائل التي يديرها الآخرون بحرفية ومهنية عالية تساهم في تكوين ثقافة أجيالنا وبناء شخصيتهم الفكرية من خلال المُثل العليا التي تغرسها في أذهانهم، ممّا لا يمتّ إلى حضارتنا وثقافتنا بصلة، مع أنّ في تاريخنا وواقعنا الكثير من المثل العليا التي تشكّل نماذج حيّة وصور مشرقة يمكن لأبنائنا أن يستفيدوا منها في الجانب الديني أو الخُلقي أو المعرفي أو النضالي والجهادي أو الأدبي أو غير ذلك من المجالات.
د ــ اختيار الرفقة:
وممّا ينبغي أخذه بعين الاعتبار أيضاً في مهمتنا الهادفة لإقناع الأطفال بالعقائد والشعائر الإسلامية العمل على توجيههم وإرشادهم إلى اختيار الرفقة والأصدقاء المناسبين، وكذلك المدرسة الملائمة، كما نبّهنا على ذلك أكثر من مرة، لأنّ تأثير الأصحاب والرفاق في المدرسة أو غيرها على الطفل يفوق تأثير والديه، ولذا نلاحظ أنّ كافة الجهود التربوية تتبخّر وتذهب هباءً أما رفقة سوء يرتبط بها الطفل فتجرّه إلى أجواء الانحراف والرذيلة.
فما أكثر الفتيات المسلمات اللاتي يقتنعن بالحجاب الشرعي ويرين فيه صيانة وتكريماً لهن، بيد أنّ البيئة التي يعشن فيها والرفقة التي تحيط بهن تجعلهن يتخليْن عن لبسه، وهكذا فإنّ كثيراُ من الأشخاص أباءً وأمهات يعانون من عدم القدرة على إقناع ابنتهم بالحجاب ثم تفاجئهم أنّها تطلب منهم ارتداءه لا لشيء سوى أنّها صادقت بعض المحجبات فأقنعنها بذلك، ولم تعد تحسّ بالوحشة والغربة في محيطها ومكان عملها ودراستها.
وما ذكرناه في الحجاب يجري بعينه في سائر الواجبات والعبادات، الأمر الذي يفرض على الأهل اختيار البيئة والمحيط الذي يعيشون فيه مع أبنائهم وانتقاء المدرسة التي يعلّمونهم فيها والرفقة الذين يعاشرونهم، لأنّه وكما ورد في الحديث عن الإمام
الصادق(ع) في ما أوصاه به والده الإمام الباقر(ع): "يا بني من يصحب صاحب السوء لا يسلم، ومن يدخل مداخل السوء يُتَّهم"(1).
       
       

________________________________________
(1) الجامع الصغير: 2/323.
(2) الكافي: 1/23.
(1) الخصال للشيخ الصدوق: 169.

المصدر: كتاب "حقوق الطفل في الإسلام": الشيخ حسين الخشن.

التعليقات (0)

اترك تعليق