مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

نساء نصرن الحسين (ع) (1)

نساء نصرن الحسين (ع) (1)

1- قمر بنت عبد:
وقيل قمري، وهي اُم وهب بنت عبد، زوجة عبد الله بن عمير، الشهيد بأرض الطف يوم عاشوراء مع سيّد شباب أهل الجنّة الإمام الحسين عليه السلام.
حضرت مع زوجها معركة الطف وشجّعته على نصرة الحسين عليه السلام، وقالت له حينما أخبرها بعزمه على نصره الحسين عليه السلام: أصبتَ أصاب الله بك وأرشد اُمورك إفعل وأخرجني معك.
قال الطبري في تاريخه: نزل الكوفة عبد الله بن عمير من بني عُليم، واتخذ بئر الجعد داراً، وكانت معه امرأة له من النمر بن قاسط يقال لها: اُم وهب بنت عبد، فرأى القوم بالنخيلة يعرضون ليسرحوا إلى الحسين، قال: فسأل عنهم، فقيل له: يسرحون إلى الحسين بن فاطمة بنت رسول الله (ص).
فقال: والله كنتُ على جهاد أهل الشرك حريصاً، وإنّي لأرجو ألا يكون جهاد هؤلاء الذين يغرّون ابن بنت نبيّهم أيسر ثواباً عند الله من ثوابه إياي في جهاد المشركين.
فدخل إلى امرأته اُم وهب فأخبرها بما سمع وأعلمها بما يريد، فقالت: أصبتَ أصاب الله بك، وأرشد اُمورك افعل وأخرجني معك.
فخرج بها ليلاً حتى أتى حسيناً فأقام معه، فلمّا دنا منه عمر بن سعد ورمى بسهم ارتمى الناس، فلمّا ارتموا خرج يسار مولى زياد بن أبي سفيان وسالم مولى عبيد الله بن زياد فقالا: مَن يبارز ليخرج إلينا بعضكم، فوثب حبيب بن مظاهر وبرير بن خضير فقال لهما الحسين: «اجلسا».
فقام عبد الله بن عمير الكلبي فقال: أبا عبد الله رحمك الله إئذن لي فلأخرج إليهما، فرأى الحسين رجلاً أدم طويلاً شديد الساعدين بعيد ما بين المنكبين، فقال الحسين: «إنّي لأحسبه للأقران مثالاً، اُخرج إن شئت».
فخرج إليهما، فقالا له: من أنت ؟ فانتسب لهما، فقالا: لا نعرفك ليخرج إلينا زهير بن القين أو حبيب بن مظاهر أو برير بن خضير.
فقال لهما الكلبي: يا ابن الزانية وبك رغبة عن مبارزة أحد من الناس ويخرج إليك أحد من الناس وهو خير منك، ثم شدّ عليه فضربه بسيفه حتى برد، فإنّه لمشتغل به يضربه بسيفه إذ شد عليه سالم، فصاح الناس به قد رهقك العبد، فلم يبأبه له حتى غشيه فبدره الضربه فاتّقاه الكلبي بيده اليسرى فأطار أصابع كفّه اليسرى، ثم مال عليه الكلبي فضربه حتى قتله، وأقبل الكلبي مرتجزاً وهو يقول وقد قتلهما جميعاً:
                                                     إن تُنكروني فأنا ابن كلـبِ * حسبي بيتي في عُليم حسبِي
                                                    إنّي امرءٌ ذو مرة وعصبِ * ولستُ بـالخوارِ عندَ النكبِ
                                                       إنـي زعيـمٌ لك أُمُ وهـب * بالطعنِ فيهم مقبلاً والضربِ
                                                                   ضربُ غلامٍ مؤمنٍ بالـربِ
فأخذت اُم وهب وهي امرأته عموداً، ثم أقبلت نحو زوجها تقول له: فداك أبي واُمي قاتل دون الطيبين ذرية محمّد، فأقبل إليها يردّها نحو النساء، فأخذت تجاذب ثوبه ثم قالت: إنّي لن أدعكَ دون أن أموت معك، فناداها الحسين فقال: «جُزيتم من أهل بيت خيراً، ارجعي يرحمك الله إلى النساء فاجلسي معهن، فإنّه ليس على النساء قتال»، فانصرفت إليهن.
ثم خرجت اُم وهب تمشي إلى زوجها ـبعد أن قُتل- حتى جلست عند رأسه تمسح عنه التراب وتقول: هنيئاً لك الجنة، فقال شمر بن ذي الجوشن لغلام يسمّى رستم: أضرب رأسها بالعمود، فضرب رأسها فشدخه فماتت مكانها.
ولا يخفى عليك عزيزي القارىَ أنّ هناك امرأة اُخرى تكنّى بأ ُم وهب، وهي اُم وهب ابن حباب الكلبي حضرت معركة الطف في كربلاء مع ولدها، واشتبه الأمر على بعض فعدّها واحدة(1).
2- اُم وهب الكلبيّة:
اُم وهب بن حبّاب الكلبي، وقيل: اُم وهب بن عبدالله بن حبّاب الكلبي.
من ربّاب الفروسيّة والشجاعة والحميّة، مجاهدة من المجاهدات، حضرت أرض كربلاء يوم عاشوراء وشهدت ما جرى على آل الرسول (ص) من مصائب ومحن، وشاركتهم في مصائبهم إذ بعثت ولدها وهب بن حبّاب الكلبي ليقاتل بين يدي سيّده ومولاه أبي عبدالله الحسين عليه السلام، وكانت تُشجّعه وتحرّضه على القتال وتقول له: لا أرضى عنك حتى تُقتل بين يدي الحسين عليه السلام.
قال السيّد ابن طاووس في مقتل الحسين عليه السلام (اللهوف في قتلى الطفوف): وخرج وهب بن حبّاب الكلبي فأحسن في الجلاد وبالغ في الجهاد، وكان معه امرأته ووالدته، فرجع إليهما وقال: يا اُماه أرضيت أم لا؟
فقالت الاُم: ما رضيت حتى تُقتل بين يدي الحسين عليه السلام.
وقالت امرأته: بالله عليك لا تفجعني بنفسك.
فقالت له اُمه: يا بُني أعزب عن قولها، وارجع فقاتل بين يدي ابن نبيّك تَنل شفاعة جدّه يوم القيامة، فرجع، فلم يزل يقاتل حتى قطعت يداه، فأخذت امرأته عموداً فأقبلت نحوه وهي تقول: فداك أبي و اُمي، قاتل دون الطيّبين حُرم رسول الله (ص)، فأقبل كي يردّها إلى النساء، فأخذت بجانب ثوبه وقالت: لن أعود دون أن أموت معك.
فقال الحسين عليه السلام: «جُزيتم من أهل بيت خيراً، إرجعي إلى النساء رحمك الله»، فانصرفت إليهن، ولم يزل الكلبي يقاتل حتى قُتل رضوان الله عليه(2).
وقال الخوارزمي في مقتل الحسين عليه السلام: ثم خرج وهب بن عبدالله بن حبّاب الكلبي، وكانت معه اُمه فقالت له: قم يابني وانصر ابن بنت رسول الله (ص).
فقال: أفعل يا اُماه ولا اُقصّر إن شاء الله، ثمّ برز وهو يقول:
                                              إنْ تُنكروني فأنا ابـن الكَلبِ * سوفَ تَروني وتَرونَ ضَربي
                                            وحَملَتي وصَولَتي في الحربِ * أدركُ ثـاري بعدَ ثارِ صحبِي
                                             وارفـعُ الكَـربَ بيومِ الكَربِ * فما جلادي في الوغا باللعب
ثم حمل فلم يزل يقاتل حتى قَتل جماعة، فرجع إلى اُمه وامرأته فوقف عليهما فقال: يا اُماه أرضيتِ عني؟
فقالت: ما رضيت أو تقتل بين يدي ابن بنت رسول الله (ص).
فقالت له اُمرأته: أسألك بالله أن لا تفجعني بنفسكَ.
فقالت له اُمه: لا تسمع قولها، وارجع فقاتل بين يدي ابن بنت رسول الله (ص) ليكون غداً شفيعك عند ربّك، فتقدّم وهو يقول:
                                               إنّـي زعيـمٌ لَـكِ اُم وَهـبِ * بالطَعنِ فيهم تارةً والضَربِ
                                              فِعلُ غُـلامٍ مُـؤمنٍ بـالرَبِ * حتى يذيقُ القومَ مُرّ الحربِ
                                            إنّي امرؤ ذو مُـرّةٍ وعـصبِ * ولستُ بـالخوّارِ عنـدَ الـنكبِ
                                            حسبي بنفسي مِن عليم حسبِي * إذا انـتميتُ في كرامِ العربِ (3)
ولا يخفى عليك عزيزي القاريء أنّ هناك امرأة اُخرى تكنى باُم وهب، وهي: اُم وهب بنت عبد، واسمها قمر، أو قمري، زوجة عبدالله بن عمير الشهيد بأرض الطف يوم عاشوراء، تأتي ترجمتها في حرف القاف.
3- زوجة وهب الكلبي:
زوجة وهب بن حبّاب الكلبي.
مجاهدة، حضرت واقعة الطف مع زوجها، ونزلت إلى ساحة المعركة حاملة عموداً بيدها، تدافع عن دينها وعقيدتها، فأرجعها الإمام الحسين عليه السلام، ودعا لها.
فحينما عزم وهب على القتال ونُصرة سيّد شباب أهل الجنّة الإمام الحسين عليه السلام، منعته زوجته وقالت له: بالله عليك لا تفجعني بنفسك. إلاّ أنّها سرعان ما رجعت عن قولها هذا وتغيّر رأيها، فحينما رأت وحدة الحسين عليه السلام وغربته، واجتماع أهل الكوفة على قتاله، أخذت عموداً وبرزت لتقاتل بين يدي الحسين عليه السلام.
قال السيّد ابن طاووس في مقتل الحسين (اللهوف في قتلى الطفوف): وخرج وهب بن حبّاب الكلبي فأحسن في الجلاد وبالغ في الجهاد، وكان معه امرأته ووالدته، فرجع اليهما وقال: يا اُماه أرضيتِ أم لا؟
فقالت الاُم: ما رضيتُ حتى تُقتل بين يدي الحسين عليه السلام.
وقالت امرأته: بالله عليك لا تفجعني بنفسك.
فقالت له اُمه: يا بني أعزب عن قولها، وارجع فقاتل بين يدي ابن بنت نبيّك تَنل شفاعة جدّه يوم القيامة.
فرجع، فلم يزل يقاتل حتى قُطعت يداه، فأخذت امرأته عموداً فأقبلت نحوه وهي تقول: فداكَ أبي و اُمي قاتل دون الطيّبين حَرم رسول الله (ص)، فأقبل كي يردّها إلى النساء، فأخذت بجانب ثوبه وقالت: لن أعود دون أن أموت معكَ، فقال الحسين عليه السلام: «جُزيتم من أهل بيتٍ خيراً، إرجعي إلى النساء رحمك الله»، فانصرفت إليهنّ، ولم يزل الكلبي يقاتل حتى قُتل رضوان الله عليه.
وفي مقتل الحسين عليه السلام للمقرّم: ولم يزل يقاتل حتى قطعت يمينه، فلم يبالِ وجعل يقاتل حتى قطعت شماله، ثم قتل. فجاءت إليه اُمه تمسح الدم عن وجهه، فأبصرها شمر بن ذي الجوشن فأمر غلاماً فضربها بالعمود على شدقها وقتلها، فهي أوّل امرأة قُتلت في حرب الحسين عليه السلام.
وذكر مجد الأئمة السرخسكي عن أبي عبد الله الحدّاد: إنّ وهب هذا كان نصرانيّاً فأسلم هو واُمه على يد الحسين عليه السلام، وانّه قَتلَ في المبارزة أربعة وعشرين راجلاً واثني عشر فارساً، فاُخذ أسيراً واُتي به إلى عمر بن سعد فقال له: ما أشد صولتك! ثم أمر فضرب عنقه ورمي برأسه إلى عسكر الحسين، فأخذت اُمه الرأس فقبّلته ثم شدّت بعمود الفسطاط فقتلت به رجلين، فقال لها الحسين: «ارجعي اُم وهب، فإن الجهاد مرفوع عن النساء»، فرجعت وهي تقول: إلهي لا تقطع رجائي.
فقال لها الحسين: «لا يقطع الله رجاءك يا اُم وهب، أنت وولدك مع رسول الله وذريته في الجنة»(4).
فيالها من بشارة عظيمة يبشّر بها سيّد شباب أهل الجنّة، ووعد كريم يعدها، نعم يبشّرها بالجنة، ولم لا وقد قدّمت فلذة كبدها في سبيل نُصرة الحسين عليه السلام والذبّ عن عياله.
ولا يخفى عليكَ عزيزي القاريء أنّ هناك امرأة اُخرى تكنّى باُم وهب حضرت يوم عاشوراء أيضاً، وهي اُم وهب بنت عبد زوجة عبد الله بن عمير من بني عُليم، وقد اشتبه البعض فعدّهما واحدة.
4- اُم خلف:
زوجة مسلم بن عوسجة، وأُم ولده خلف، اللذين استشهدا مع سيّدهما الإمام الحسين عليه السلام في أرض كربلاء يوم عاشوراء، وهي من المؤمنات الموالايات لأهل بيت العصمة سلام الله عليهم، ومن المجاهدات اللواتي حضرنَ أرض كربلاء، فبعد مصرع زوجها مسلم بن عوسجة نراها تبعث ولدها خلف ليدافع عن الحسين عليه السلام وعياله.
قال ذبيح الله المحلاتي في رياحين الشريعة نقلاً عن عطاء الله الشافعي في كتاب روضة الأحباب: لما رأى خلف مقتل أبيه برز مثل الأسد، فقال له الحسين عليه السلام: «إن خرجت وقُتلتَ ستبقى اُمك في الصحاري وحيدة».
فوقفت اُمه في طريقه وقالت له: يا بني اختر نصرة ابن بنت النبيّ (ص) على سلامة نفسك، وإن اخترتَ سلامتك لن أرضى عنك، فبرز لهم وحمل عليهم، و اُمه تناديه من خلفه: أبشر يا ولدي إنّك ستُسقى من ماء الكوثر، فقتلَ ثلاثين منهم، ثم نال شرف الشهادة بعدها.
وقد أرسل أهل الكوفة رأسه إلى اُمه فاحضتنت الرأس وقبّلته وبكت، وبكى معها آخرون(5).
5- العجوز:
التي حضرت واقعة الطف يوم عاشوراء مع الإمام الحسين عليه السلام، وشاهدت ما جرى على آل الرسول (ص) من مصائب ومحن، وشاركتهم في ذلك كلّه.
فبعد استشهاد زوجها بين يدي سيّده ومولاه الإمام الحسين عليه السلام، تُقدّم ولدها وفلذة كبدها ليدافع عن الحسين عليه السلام وعياله، ثم يستشهد دفاعاً عن دينه وعقيدته، وبعد استشهاد ولدها نراها تأخذ عموداً وتنزل إلى ساحة المعركة لتقاتل الأعداء، إلاّ أن الحسين عليه السلام يرجعها إلى النساء ويدعو لها.
في مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي: ثم خرج من بعده شاب قتل أبوه في المعركة، وكانت اُمه عنده فقالت: يا بُني اُخرج وقاتل بين يدي ابن رسول الله حتى تُقتل.
فقال: أفعل، فخرج، فقال الحسين: «هذا شاب قتل أبوه ولعلّ اُمه تكره خروجه».
فقال الشاب: اُمي أمرتني يابن رسول الله، فخرج وهو يقول:
                                                    أميري حُسيـن ونـعمَ الأميـرِ * سُـرورُ فـؤادِ البشيـرِ النَذيرِ
علــيٌّ وفـاطمـةٌ والــداه * فَهـلْ تَعلمـون لـهُ مِن نظيرِ

ثم قاتل وقتل وحُزّ رأسه ورمي به إلى عسكر الحسين، فأخذت اُمه رأسه وقالت: أحسنت يا بُني يا قرّة عيني وسرور قلبي، وأخذت عمود خيمة وحملت على القوم وهي تقول:
                                              إنّي عجوزٌ في النِساءِ ضعيفة * بـاليـةٌ خـاويــةٌ نحيفـة
                                                  أضـربُكمْ بضربـة عَنيفـة * دونَ بنـي فاطمـةِ الشـريفة
فضربت رجلين فقتلتهما، فأمر الحسين بصرفها ودعا لها(6).
وذكر ذلك ابن شهر آشوب في المناقب مع اختلاف يسير في الشعر(7).
6- حسنيّة:
كانت من جواري سيد الشهداء الإمام الحسين (ع)، وهي والدة منجح بن سهم الشهيد بأرض الطف يوم عاشوراء مع الإمام الحسين (ع)، وقد حضرت هذه المرأة المؤمنة واقعة الطف وشاهدت ما جرى على آل الرسول من مصائب ومحن، وشاركتهم في ذلك كله حيث قدّمت فلذة كبدها ليقاتل بين يدي سيدها ومولاها أبي عبد الله الحسين (ع)، ثم يستشهد مدافعاً عن دينه الحنيف، وصبرت هذه المرأة واحتسبت ذلك في سبيل الله، فجزاها الله خير الجزاء.
وفي رياحين الشريعة نقلاً عن ربيع الأبرار: أنّ الحسين قد اشتراها من نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وزوّجها برجل يدعى سهم فولدت منه منجح، وبقيت هذه المرأة في بيت الإمام زين العابدين (ع)(8).


الهوامش:
1- انظر: أعيان الشيعة 3: 482، رياحين الشريعة 3: 30، تأريخ الطبري 5: 429، الكامل في التأريخ 4: 69، البداية والنهاية 8: 181، أعلام النساء 5: 290.
2- اللهوف في قتلى الطفوف: 44.
3- مقتل الحسين عليه السلام 2: 13.
4- اللهوف في قتلى الطفوف: 44.
5- رياحين الشريعة 3: 305
6- مقتل الحسين عليه السلام.
7- المناقب 4: 104. وانظر أعيان الشيعة 1: 606، العوالم 17: 271.
8- تنقيح المقال 3 :247، رياحين الشريعة 3 :318.

المصدر: الحسون، محمد؛ أم علي مشكور: أعلام النساء المؤمنات. ط1، انتشارات أسوة، 1411 هـ.ق.


 

التعليقات (0)

اترك تعليق