كيف نقي الطفل من الإصابة بالإتكالية؟
الحكمة المأثورة "درهم وقاية خير من قنطار علاج" تنطبق على الصحة النفسية، كما على الصحة الجسدية، والصحة النفسية لم تعد تتناول صحة العقل والتفكير فحسب، كما كان الأمر في الماضي، وإنما الصحة العاطفية والإجتماعية والروحية أيضاً، لما لها من تأثير، على سلوك المرء تجاه نفسه وتجاه مجتمعه وتجاه خالقه، يجعله سوياً مقبولاً، أو غير سوي وغير مقبول.
في هذه العجالة، نتناول "الاتكالية" بوصفها واحداً من السلوكات غير السوية، بوحي من الحكمة السابقة الذكر، أي بهدف وقاية الناشئ من الإصابة بها.
أعراض الاتكالية:
أهم السلوكات الملموسة التي تشير إلى الإصابة بهذا المرض هي التالية:
1- طلب المساعدة باستمرار، حتى في الأعمال التي لا يعوق الناشئين عائق عن إنجازها بأنفسهم، كالعناية بنظافتهم ولباسهم وطعامهم وترتيب غرفهم وكتبهم ودرس دروسهم وكتابة فروضهم أو الذهاب إلى الدكان لشراء بعض حاجياتهم، وغيرها من الأعمال أو المهمات التي يفترض بالناشيء أن يقوم بها بنفسه بعد نضوج استعداداته وتمرينها بما يكفي لتحقيق المهارات الضرورية لإنجازها.
2- طلب المشورة باستمرار حتى في الخيارات التي لا يعوقهم عائق عن تقريرها بأنفسهم كاختيار نوع الطعام أو اللباس أو اللعب، أو الدمية، أو مكان الدرس، أو توقيته، أو الأشخاص المفضلين للخروج معهم بنزهة وغيرها من الخيارات التي يفترض بالناشيء أن يصبح قادراً على تقريرها بنفسه، تبعاً لنضوج استعداداته للمقارنة بينها والمفاضلة والاختيار.
3- ضعف المبادرة والثقة بالنفس والعجز عن ممارسة الاستقلال، إذ يلاحظ أن من تبرز لديهم السلوكات الملموسة المشار إليها لا يلجأون إلا نادراً إلى محاولة إنجاز عمل أو تقرير خيار بأنفسهم، وهم دائماً محتاجون لا إلى من يساعدهم فحسب، وإنما إلى من ينبههم ويدفعهم إلى ذلك دفعاً، وهذا ما يشير إلى ضعف المبادرة، إن لم يكن إلى انعدامها. حتى بعد أن ينبه ويدفع إلى العمل أو الاختيار، نلاحظ لديه الارتباك والاضطراب والتردد والخوف، مما يشير إلى ضعف ثقته بنفسه أو بقدراته وإلى عجزه عن ممارسة استقلاليته.
4- الاعتماد على الآخرين في إشباع رغباته، إذ من الطبيعي لناشيء تعوّد على ما تقدّم أن يكون عاجزاً عن إشباع رغباته إلا بالاعتماد على الآخرين في ذلك.
5- اللجوء إلى وسائل طفولية، كالصراخ والبكاء والإضراب عن الطعام والتهديد بإيذاء نفسه للضغط على الآخرين كي يساعدوه في أعماله أو خياراته أو تلبية رغباته.
عرضنا لهذه الأعراض بصورتها النموذجية، لكنها، ككل ما هو نموذجي، تتفاوت من ناشيء إلى آخر في مدى حدتها، وبالتالي في مدى وضوحها.
الأسباب والوقاية:
إن أسباب ظهور هذه الأعراض تعود، في مجملها التي التربية التي يمارسها الأهل، في أوضاع خاصة (ولد وحيد، أو جاء بعد طول انتظار، أو صبي وحيد بين بنات، أو بنت وحيدة بين صبيان، أو يعاني من مرض أو إعاقة، أو غياب قسري عن الولد يشعر الأهل بالتقصير ويدفعهم إلى التعويض..) تؤدي إلى الخوف المبالغ به أو العطف الزائد على الطفل أو المبالغة بإشعاره بأهميته ومكانته، أو الشعور بالتقصير تجاهه من قبل الأهل أو من يقوم مقامهم، ما قد ينتج ممارسات تربوية تنتهي إلى توليد الأعراض المشار إليها:
• فالخوف المبالغ به يجعل الأهل أو من يقوم مقامهم يمنعون الطفل من ممارسة أنشطة حسية- حركية، يتولد لديه الميل لممارستها، تبعاً لنمو استعداداته العصبية العضلية من دون مساعدتهم (المشي، الركض، الاستدارة، القفز، الحجل، ركوب الدراجة، اللعب مع آخرين..)، وذلك خوفاً من أي أذى يلحق به، ما يحرمه من اكتشاف قدراته ومحاولة تطويرها، وصولاً إلى تشكيل مهارات حسية- حركية تعطيه الثقة بنفسه.
والتدخل لمساعدته بصورة دائمة حتى بعد تأمين شروط السلامة والأمن، تحرمه من المحاولة المستقلة واكتشاف الخطأ والعمل على تجاوزه بنفسه، ما يضعف قدرته على الاستقلال.
والوقاية من كل ذلك تكون بترك الولد يمارس هذه الأنشطة بحرية واستقلالية ومن دون مساعدة إلا في الحدود الضرورية لتدريبه وتأمينه من الخطر.
كما تكون بتقديم الدعم له، أي بامتداح أي نجاح يحققه، وتقبل أي فشل يتعرض له، وتشجيعه على متابعة المحاولة وعدم مقارنته بغيره ممن ينجحون حيث فشل.
• والعطف الزائد يدفع الأهل أو من يقوم مقامهم إلى إنجاز أعمال للطفل حتى عندما تبرز لديه الرغبة بمحاولة إنجازها بنفسه من مثل النظافة واللباس والطعام وترتيب السرير والكتب والألعاب... كما تدفعهم إلى اختيار ما يرونه ملائماً له أو مفيداً وعدم تركه يفاضل بنفسه ويختار تعويداً له على اتخاذ القرار... وإذا كان لابد من مساعدة فيجب أن تنحصر بالتشجيع والتعليم فحسب.
والوقاية تكون بدفعه إلى إنجاز هذه الأعمال بنفسه، وتشجيعه عليها ومساعدته على كيفية القيام بها (تدريبه) والإصرار على عدم القيام بها نيابة عنه إلا عندما يوجد ما يعوقه عن ذلك كالمرض مثلاً.
• والمبالغة بإشعارالطفل بأهميته قد تجعله يستثمر موقعه هذا لفرض ما يريده على الأهل بشتى وسائل الضغط، بما فيها الوسائل المعتمدة في الطفولة المبكرة، كالبكاء والصراخ، والتظاهر بالمرض. والمبالغة بإشباع رغباته، تعويضاً عن شعور بالتقصير تجاهه قد تجعله عاجزاً عن تأجيل إشباع رغبة أو استبدالها بأخرى.
والوقاية تكون بالتجاوب مع طلبات الطفل، حتى لو بدت غير منطقية، فلا تقابل بالرفض السريع والحاسم أو التسويف والإهمال، بل تقابل بإظهار الاهتمام وتقديم أسباب مقنعة للرفض أو التأجيل واقتراح بدائل وإظهار أفضليتها، وبعد ذلك ممارسة الحزم، أي عدم الاستجابة لضغوط الطفل.. كما تكون بتعويد الطفل على تأجيل إشباع رغبة أو استبدالها بإشباع رغبة أخرى أفضل منها، وتوسل حاجته أو رغبته، لإرضاء أهله في مساعدته على النجاح في ذلك، لأن الرغبة في محبة الأهل وإرضائهم ذات فاعلية كبيرة بالنسبة للطفل في هذا المجال.
مهما كانت الأوضاع التي تجعل الأهل أو من يقوم مقامهم يشعرون بالخوف أو العطف أو التقصير تجاه الطفل، فعليهم أن لا يبالغوا في هذا الخوف أو العطف أو الشعور بالتقصير، فيحولوه إلى محبة خانقة تعرض ولدهم للإصابة بأعراض الاتكالية التي أشرنا إليها، لأنها تؤدي إلى قتل الشخصية وخنق قدرتها على التعاطي مع مهمات حياتها بثقة واستقلالية ومبادرة خلاقة.
إن الحب المحكوم بالحكمة والاعتدال، والمستنير بمعرفة الطفل واستعداداته المختلفة وما يساعد على إنمائها هو الحب المطلوب عموماً، وفي تربية الطفل بصورة خاصة، وفي تربيته على الاعتماد على نفسه بصورة أخص.
المصدر: موقع مدارس المهدي(عج) للتربية والتعليم.
اترك تعليق