مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

حقوق الأبناء في القرآن والسنة

حقوق الأبناء في القرآن والسنة

بسم الله الرحمن الرحيم
يقول سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ(1).
الأولاد الصلحاء هم زينة الحياة، وربيع البيت، وأقمار الأسرة، وأعز آمالها وأمانيها، وأجل الذخائر وأنفسها. لذلك أثنى عليهم أهل البيت وغيرهم من الحكماء والأدباء.
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «الولد الصالح ريحانة من رياحين الجنة»(2). وفي حديث آخر، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «من سعادة الرجل الولد الصالح»(3). وقال أبو الحسن (عليه السلام): «إن الله تعالى إذا أراد بعبد خيراً لم يمته حتى يريه الخلف»(4).
وقال حكيم في ميت: «إن كان له ولد فهو حي، وإن لم يكن له ولد فهو ميت». وفضل الولد الصالح ونفعه لوالديه لا يقتصر على حياتهما فحسب، بل يسري حتى بعد وفاتهما وانقطاع أملهما من الحياة.
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلا ثلاث خصال: صدقة أجراها في حياته وهي تجري بعد موته، وسنّة هدى سنّها فهي يعمل بها بعد موته، أو ولد صالح يدعو له»(5).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): مرّ عيسى بن مريم بقبر يعذّب صاحبه، ثم مرّ به من قابل فإذا هو لا يعذّب. فقال: يا ربّ، مررت بهذا القبر عام أول وكان يعذب!. فأوحى الله إليه. إنه أدرك له ولد صالح فأصلح طريقاً، وآوى يتيماً، فلهذا غفرت له بما فعل ابنه. ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ميراث الله من عبده المومن ولد يعبده من بعده. ثم تلا أبو عبد الله (عليه السلام) آية زكريا على نبينا وآله وعليه السلام: «فهب لي من لدنك وليّاً يرثني ويرث من آل يعقوب، واجعله ربيّ رضيا»(6)(7).
ومن الواضح أن صلاح الأبناء واستقامتهم لا يتسنيان عفواً وجزافاً، وإنما يستلزمان رعاية فائقة واهتماماً بالغاً في إعدادهم وتوجيههم وجهة الخير والصلاح. من أجل ذلك وجب على الآباء تأديب أولادهم وتنشئتهم على الاستقامة والصلاح، ليجدوا ما يأملون فيهم من قرة عين، وحسن هدى وسلوك. قال الإمام السجاد (عليه السلام): «وأما حق ولدك: فان تعلم انه منك، ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره. وإنك مسؤول عمّا وليته من حسن الأدب، والدلالة له على ربه عز وجل، والمعونة له على طاعته. فاعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه، معاقب على الإساءة إليه»(8).
فالآباء مسؤولون عن تهذيب أبنائهم وإعدادهم إعداداً صالحاً، فان أغفلوا ذلك أساؤوا إلى أولادهم، وعرضوهم لأخطار التخلف والتسيب الديني والاجتماعي. ويحسن بالآباء أن يبادروا أبناءهم بالتهذيب والتوجيه، منذ حداثتهم ونعومة أظفارهم، لسرعة استجابتهم إلى ذلك قبل تقدمهم في السن، ورسوخ العادات السيئة والأخلاق الذميمة فيهم، فيغدون آنذاك أشد استعصاءاً على التأديب والإصلاح.

حكمة التأديب:
وهكذا يجدر بالآباء أن يتحروا القصد، والاعتدال في سلطتهم، وأساليب تأديب أبنائهم، فلا يسوسونهم بالقسوة والعنف مما يعقّدهم نفسياً، ويبعثهم على النفرة والعقوق. ولا يتهاونوا في مؤاخذتهم على الإساءة والتقصير، فيستخفون بهم ويتمردون عليهم، فإن «من أمن العقوبة أساء الأدب». وخير الأساليب في ذلك هو التدرج في تأديب الأبناء وتقويمهم، وذلك بتشجيعهم على الإحسان، بالمدح والثناء وحسن المكافأة، وبنصحهم على ترك الإساءة. فإن لم يجدهم ذلك، فبالتقريع الرادع، والتأنيب الزاجر.
 
المدرسة الأولى للطفل:
والبيت هو المدرسة الأولى للطفل، يترعرع في ظلاله، وتتكامل فيه شخصيته، وتنمو فيه سجاياه، متأثراً بأخلاق أبويه وسلوكهما. فعليهما أن يكونا قدوة حسنة، ومثلاً رفيعاً، لتنعكس في نفسه مزاياهم وفضائلهم.

منهاج التأديب:
1– وأول ما يبدأ به في تهذيب الطفل، تعليمه آداب الأكل والشرب: كغسل اليدين قبل الطعام وبعده، والأكل بيمينه، وإجادة المضغ، وترك النظر في وجوه الآكلين، والرضا والقنوع بالمقسوم من الرزق. ونحو ذلك من الآداب.
2– ويراض الطفل على أدب الحديث، والكلام المهذب، والقول الحسن. ومنعه عن الفحش، والبذاء، والاغتياب، والثرثرة. وما إلى ذلك من مساوئ اللسان وأن يحسن الإصغاء، كما يحسن الحديث، فلا يقاطع متحدثاً حتى ينتهي من حديثه.
3– وأهم ما يعني به في توجيه الأولاد، غرس المفاهيم الدينية فيهم، وتنشئتهم على العقيدة والإيمان، بتعليمهم أصول الدين وفروعه بأسلوب يلائم مستواهم الفكري، ليكونوا على بصيرة من عقيدتهم وشريعتهم، محصنين ضدّ الشبه المضللة من أعداء الإسلام: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ(9).
4– وعلى الآباء أن يروّضوا أبناءهم على التخلق بالأخلاق الكريمة والسجايا النبيلة: كالصدق، والأمانة، والصبر، والاعتماد على النفس. وتحريضهم على حسن معاشرة الناس: كتوقير الكبير، والعطف على الصغير، وشكر المحسن، والتجاوز ما وسعهم عن المسيء، والتحنّن على البؤساء والمعوزين.
5– ومن المهم جداً منع الأبناء من معاشرة القرناء المنحرفين الأشرار، وتحبيذ مصاحبة الأخدان الصلحاء لهم، لسرعة تأثرهم بالأصدقاء، واكتسابهم من أخلاقهم وطباعهم، كما قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل». وقد شهد الناس كثيراً من مآسي الشباب الذين انحرفوا عن النهج السوي، وتدهوروا في مهاوي الرذيلة والفساد، لتأثرهم بقرناء السوء، وأخدان الشر.
6– وهكذا يحسن بالآباء أن يستطلعوا مواهب أبنائهم وكفاءاتهم، ليوجهوهم، في ميادين الحياة وطرائق المعاش، حسب استعدادهم ومؤهلاتهم الفكرية والجسمية: من طلب العلم، أو ممارسة الصناعة، أو التجارة. ليستطيعوا الاضطلاع بأعباء الحياة، ويعيشوا عيشاً كريماً.


الهوامش
(1) سورة التحريم، الآية: 6.
(2) الوافي: ج12، ص196، عن الكافي.
(3) الوافي: ج12، ص196، عن الفقيه.
(4) الوافي: ج12، ص197، عن الفقيه.
(5) الوافي: ج13، ص90، عن الكافي.
(6) سورة مريم، الآيتان: 5– 6.
(7) الوافي: ج12، ص197، عن الكافي.
(8) رسالة الحقوق، للإمام علي بن الحسين عليه السلام.
(9) سورة التحريم، الآية: 6.


المصدر: شبكة نور الإسلام الثقافيّة.

التعليقات (0)

اترك تعليق