كلمة الإمام الخامنئي في لقائه جمعاً من الرواديد ومادحي أهل البيت(ع) بمناسبة ذكرى ولادة السيدة الزهراء(ع) 2018/03/08
كلمة الإمام الخامنئي في لقائه جمعاً من الرواديد ومادحي أهل البيت(ع) بمناسبة ذكرى ولادة السيدة الزهراء(ع)
الزمان: 2018/03/08.
بسم الله الرحمن الرحيم(1)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، سيما بقية الله في الأرضين.
عيدكم مبارك أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، نتمنى إن شاء الله أن تكونوا على الدوام في خدمة آل النبوة والولاية والصرخة الصاخبة المطالبة بالحق في زمن غلبة الظُلمة والباطل، وهذا هو حالكم اليوم والحمد لله. شبابنا المؤمن، وأعزاؤنا، هؤلاء المجموعة من مدّاحي أهل بيت العصمة والطهارة هم بحق صرخة الحق الصاخبة في هذا العالم المليء بالظلم والطغيان.
لساني وألسنة أمثالي قاصرة عن وصف المقام السامي لابنة الرسول الأعظم(ص) الذي لا يوصف. لا يستطيع البشر توصيف المراتب المعنوية والعظمة الروحية للأفراد الإلهيين والسماويين العِظام بمن فيهم السيدة فاطمة الزهراء(سلام الله عليها). يجب الاستماع والتعلُم من الله تعالى ومن عباد الله العظماء والأولياء الإلهيين فنتخيل مراتبهم في حدود قدرات فهمنا. قال الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) حول فاطمة الزهراء(سلام الله عليها): «سيدة نساء أهل الجنة»(2)، وبالطبع ثمة روايات أخرى «سيدة نساء العالمين» و«سيدة نساء الدنيا»(3)، وهذه كلها روايات منقولة بأسناد متقنة عن طرق الشيعة والسنة، لا أنَّ الشيعة وحدهم هم الذين رووها. ولكن في رأيي الأهم من كل ذلك هو «سيدة نساء أهل الجنة». لاحظوا أنَّ الله تعالى يقول في الآية القرآنية، هذه الآية التي تلاها القارئ المحترم اليوم «وضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْن»(4) نموذج لكل المؤمنين وليس للنساء فقط، بل «لِلَّذينَ آمَنُوا» أي إنَّ الله تعالى جعل امرأتين نموذجين لكل المؤمنين. «وضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْن» إحداهما زوجة فرعون السيدة آسيا التي يقول عنها عدة جُمل، ثم يقول «مَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْران»(5) والثانية هي السيدة مريم.
حسنٌ، هاتان المرأتان نموذجٌ لكل البشرية، ولكل المؤمنين في العالم. هاتان المرأتان وكل النساء المميزات من الأولياء الإلهيين كلهن في الجنة، فمكانهن الجنة، والسيدة فاطمة الزهراء «سيدة نساء أهل الجنة»(6)، إنها سيدتهن جميعاً. إننا لا نستطيع إدراك تلك المراتب والدرجات أكثر من هذا.
طبعاً ألقى شعراؤنا الأعزاء والقراء المحترمون الأعزاء كلمات وقد كانت حسنة جداً لكنها كلها أقل من ذلك المستوى الرفيع للصدِّيقة الزهراء(سلام الله عليها). بيان الرسول وكلامه وكلام الله أبلغ من كل هذا.
لقد مضى الوقت وقد سجَّلت نقاطاً هنا لأذكرها ولكن الوقت قريب الظهر لذلك سأذكرها على نحو الإجمال. يوم ولادة الصديقة الزهراء(سلام الله عليها) هو يوم المرأة. للمرأة في منطق الإسلام وفي المعرفة الإسلامية نموذجها فهناك إطار تم تعيينه للمرأة، وهذا الإطار إطار كامل؛ بمعنى أنَّ المرأة الإسلامية عبارة عن ذلك الكائن الذي يتحلى بالإيمان ويمتاز بالعفاف ويتصدى لأهم جزء من تربية الإنسان، ويؤثر في المجتمع، ويمتاز بالرشد العلمي والمعنوي، وهو مدير لمؤسسة على جانب كبير جداً من الأهمية هي مؤسسة الأسرة، وهي مبعث استقرار وسكينة الرجل، هذا كله إلى جانب خصوصيات الأنوثة مثل اللطافة ورقة القلب والاستعداد لتلقي الأنوار الإلهية، هذا هو نموذج المرأة المسلمة.
ما قاله الرسول الأكرم(ص) في كلمات عديدة في تمجيده لفاطمة الزهراء(سلام الله عليها) أو خديجة الكبرى، أو بخصوص المرأة على نحو عام، هذا هو النموذج الإسلامي. وفي مقابل ذلك يوجد نموذج منحرف كان مختلفاً على اختلاف فترات الزمن، وهذا النموذج المنحرف اليوم هو نموذج المرأة الغربية. المرأة الغربية في هذه الفترة التي نعيشها وبدل كل السمات المميزة والبارزة التي شاهدناها للمرأة الإسلامية، الميزة الأساسية للمرأة الغربية اليوم هي أن تستطيع لفت أنظار الرجال وتوفير اللذة لهم. هذه هي خصوصيتها، لذلك ترون أنَّ مؤشر المرأة الغربية اليوم هو التعري.
في المجالس الرسمية التي يشارك فيها الرجال والنساء، يتوجب على الرجل أن يكون مستوراً تماماً والمرأة يجب أن تتعرى ما استطاعت، [كلُّ هذا] في المجالس الرسمية!، أما في الأوساط الاجتماعية فالأمر واضح [وأكثر افتضاحاً]. هذه الحال تتعلق بالفترات الأخيرة في العالم الغربي، ولم تكن أوروبا وأمريكا في الماضي على هذا النحو. وفق معلوماتنا واطلاعنا لم يكن هناك إلى ما قبل 150 سنة أو 120 سنة عند المرأة الغربية ما يوجد عندها اليوم من تحلل وعري ولامبالاة، وبالطبع لم يكن هنالك الحجاب بالمعنى الإسلامي، فما هي السياسة التي جرّت المجتمع الغربي بهذا الاتجاه وما هو هدفها، هذا يحتاج لدراسات طويلة وتفصيلية، بيد أنَّ الواقع الآن هو أنَّ المرأة الغربية مظهر الاستهلاك والتبرّج والإثارة مقابل الرجال ووسيلة للإثارة الجنسية لدى الرجل. هذا هو الحال. وباقي الأمور التي يطرحونها ويتكلمون عنها مثل قضية العدالة الجنسية وما شاكل هي مجرد كلام وهو ظاهر القضية أما باطن القضية فذاك.
سمعتم أنَّ عدداً ملحوظاً من السيدات صاحبات المناصب في الغرب قبل أشهر من الآن أعلنَّ الواحدة تلو الأخرى أنَّهنَّ خلال فترة شبابهن في سياق الأمور الإدارية التي كنَّ أعضاء فيها تعرضن للاستغلال بالقوة والعنف، هذا ما قلنه بألسنتهن، هؤلاء لسن نساء عاديات بل هنَّ نساء بارزات في الغرب، وقد أغلق الإسلام عبر الحجاب الباب أمام الطريق الذي ينتهي بالمرأة إلى هذه المحطة من الانحراف، ولم يسمح بذلك.
الحجاب الإسلامي وسيلة لصيانة المرأة، الحجاب ليس وسيلة لتقييد المرأة. إنَّ راية استقلال هوية النساء وثقافتهن بيد النساء الإيرانيات. السيدات الإيرانيات اليوم بحفظهن للحجاب يُعلنَّ عن استقلال هويتهن واستقلالهن الثقافي، ويُصدّرنه للعالم؛ أي إن العالم يسمع كلاماً جديداً، فالمرأة تستطيع أن تشارك مشاركة فعّالة في الميادين الاجتماعية، ويكون لها تأثيرها الاجتماعي العميق، ولنساء بلادنا في الوقت الحاضر مثل هذا التأثير في القطاعات المختلفة، إلى جانب الحفاظ على الحجاب والعفاف ووجه التمايز والاختلاف بين المرأة والرجل والحدود الفاصلة بين المرأة والرجل وعدم التعرض لاستغلال الرجل، وعدم الهبوط بأنفسهن وإهانتها إلى مستوى جعلها وسيلة للذة الرجال الأجانب، هذه من خصوصيات المرأة الإيرانية والمرأة المسلمة اليوم. نحن طبعاً لدينا هذا النموذج، لدينا هذا الإطار، هناك بين سيداتنا أفراد بمستويات جيدة جداً والبعض بالمستويات العليا لهذا النموذج، والبعض في الحدود المتوسطة، على كل حال هذا نموذج موجود، وهذا هو أساس وضع المرأة الإيرانية.
حسناً، الذين يهينون المؤسسة العائلية يرتكبون الخيانة بحق الشعب والمرأة والمجتمع النسائي. الذين يتظاهرون بأنَّ العدالة الجنسية تعني أنه يجب أن تخوض المرأة في كل الميادين التي يخوض فيها الرجال، هؤلاء يخونون ثقة المرأة وحرمتها وشخصيتها وهويتها.
المرأة محترمة ولم يقل أحدٌ إنها يجب أن لا تخوض غمار الساحات الاجتماعية أو لا تتولى مسؤوليات أو لا تكتسب العلم، لا، إنَّ من أفضل علمائنا اليوم، ومن أفضل كُتَّابنا، ومن أفضل شخصياتنا الثقافية نساء عديدات متواجدات اليوم في مجتمعنا، وهذه هي ميزة الثورة، هذه ميزة الثورة. اعلموا ذلك، لم يكن مثل هذا الشيء قبل الثورة، فقد كانت النساء اللواتي استطعن الارتقاء إلى مراتب علمية وثقافية وأدبية عالية قليلاتٌ جداً جداً، وهنَّ اليوم كثيرات جداً، لقد كانت هذه ميزة الثورة أن استطاعت القيام بهذا الشيء، والسبب هو أنَّ هذا هو أساساً نموذج المرأة المسلمة. لكنها في الوقت ذاته مديرة العائلة فالمرأة هي محور العائلة، والأمومة أهم مشاغل المرأة، وكذلك الزوجية وتوفير الاستقرار والسكينة «وَخلق مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا»(7) إنها مبعث سكنٍ واستقرار، هذه هي خصوصية المرأة في الإسلام، وعلى الإنسان التنبه إلى هذه الأمور في يوم المرأة. طبعاً نوصي السيدات الإيرانيات والمسلمات المحترمات المؤمنات بهذه المفاهيم الإسلامية والقرآنية نوصيهن بالحفاظ عليها ومضاعفتها يوماً بعد يوم.
ليجتنبن آفات من قبيل الإسراف ومدّ الأعين إلى ما متع الله به الآخرين من نِعم، وحالات التنافس السلبية واستلهام نموذج المرأة الغربية المنحرفة، وأن يراقبن ويرعين أنفسهن.
إنَّ المرأة المسلمة في بلادنا اليوم شامخة، وتمتاز بأنَّ لها هوية ثقافية مستقلة ولا تتأثر بالآخرين. عليكن المحافظة على هذا الشيء في أنفسكن. ولهذه الحالة أعداؤها، وأقولها لكم إنَّ جزءاً مهماً من الحرب الناعمة والحرب النفسية التي يشنها العدو في بلادنا موجهة نحو هذه القضية، جزء مهم جداً.
إنكم المنادون بالحق، ويجب أن تُدرجوا هذه القضايا في بيانكم وأقوالكم وأشعاركم، وقد كانت هذه القضايا اليوم طبعاً في بعض الأشعار والأقوال التي قُرئت، ويجب أن تنشروها، فهذا واجبكم المهم جداً. إنكم وسيلة إعلام، ومن أهم وسائل الإعلام، وسيلة إعلام مدّاحي أهل البيت والقراء الدينيين الذين ازدادوا في بلادنا اليوم والحمد لله، وسيلة الإعلام هذه مهمة جداً.
وأشير هنا إلى مسألة واستفيد من الوقت وأحاول الاختصار ما أمكن إن شاء الله. لاحظوا أنَّ أعداء الثورة الإسلامية يعملون على التآمر بشكل مستمر، وهذا مبعث فخرٍ لنا. إنهم يتآمرون بشكل مستمر ضد النظام الإسلامي وضد إيران الإسلامية منذ أربعين سنة، فالأموال تنفق لأجل ذلك بالمليارات، والشخصيات الفكرية تجتمع حول بعضها من أجل توجيه ضربة لهذا النظام واستئصاله، ولكن منذ أربعين سنة وهذه الشجرة المباركة هذه الشجرة الطيبة آخذة بالنمو والرُّشد يوماً بعد يوم، وهذا مبعث فخر لنا.
لو لم ينشطوا ضدنا لما شعرنا أننا موضع لطفٍ إلهي إلى هذا الحد. كلُّ هذا العمل يُطلَق ضد الجمهورية الإسلامية، ولم يكن هذا الحجم من المؤامرات ضد أيِّ شعبٍ وضد أيِّ بلدٍ [في يوم من الأيام]، ومع ذلك لم يستطيعوا ارتكاب أية حماقة، فقد تقدمت الجمهورية الإسلامية في طريق رشدها وكمالها، ولا يزال الحال هكذا إلى اليوم. وقبل عدة أشهر اجتمعوا في غرفة عملياتهم كما يسمونها؛ بمعنى أنَّ جماعات فكرية خاصة اجتمعت وناقشت وحاولت التخطيط للجمهورية الإسلامية، وقد عينوا زمناً، شهر دي، شهر بهمن، شهر اسفند [الأشهر الثلاثة الأخيرة من السنة الإيرانية والمتزامنة مع الفترة من 21 كانون الأول إلى 20 آذار] أي هذه الأيام التي نحن وإياكم فيها. نفعل كذا في شهر دي، ونفعل كذا في شهر بهمن، ونفعل كذا في شهر اسفند، ونُسقط الجمهورية الإسلامية في آخر السنة. أحلام صبيانية. فهل شاهدتم كيف ردَّ عليهم الشعب الإيراني في شهر دي؟ وهل شاهدتم كيف ردَّ عليهم الشعب في شهر بهمن؟ وفي شهر اسفند الذي نحن فيه [اليوم] الشعب الإيراني مستعدٌ وجاهزٌ لردع ومواجهة كل معتدٍ وكل غاشمٍ وكل من تسول له نفسه ارتكاب أية حماقة.
تنبهوا إلى أنَّ ما أريد قوله الآن ليس هذا، فقد قلنا هذا مراراً وكلنا يعلم والكل يعلم وأعداؤنا يعلمون أنَّ الجمهورية الإسلامية تعتمد في قوتها على الشعب وعلى إيمان الشعب وعلى الشباب المتحمس المُحب، وعلى ذلك الخط والدرب الصحيح الذي رسمه الإمام الخميني الجليل، فنحن نسير فيه وليفعل الآخرون ما يريدون وليقولوا ما يريدون [إنهم] لا يستطيعون ارتكاب أية حماقة، هذا شيء واضح. ينفقون أموالاً كثيرة، وأريد الإشارة إلى قضية الحجاب، ينفقون أموالاً كثيرة ويقومون بنشاطات كثيرة ويستخدمون مئات الوسائل الإعلامية بأنواعها عسى أن يستطيعوا التأثير على هذ النقطة الحساسة؛ نقطة الهوية الثقافية المستقلة للمرأة المسلمة. إنهم يبذلون قصارى جهدهم، أعداؤنا في خارج البلاد وبطرق مختلفة، وكم من الأموال تنفق في سبيل أن يستطيعوا استخدام هذه القنوات التلفزيونية والإذاعات والفضاءات الافتراضية والمواقع الإنترنتية ويُرَوَّجوا ويُرَوِّجوا ويكرروا أقوالهم مئات المرات ليحصل ماذا؟ لتكون النتيجة بالتالي أن تنخدع بضع فتيات مثلاً فينزعن حجابهن في الشارع، بضعة أشخاص. كل تلك الإنفاقات، وكل تلك الجهود، وكل تلك الأفكار التي وراء هذا الأمر، فهم يعملون ويسعون، كلها عقيمة، مساعيهم عقيمة.
النتيجة أن ينخدع بضع أشخاص، بضعة فتيات هنا وهناك ويتحفزن بمحفزات مختلفة، وربما يكسب بعضهن المال، ولا أدري ولا أستطيع تأكيد ذلك، فينزعن الحجاب عن رؤوسهن ليقلن إننا أصبحن كذا. كلُّ تلك المساعي تتلخص في هذه النتيجة الحقيرة والصغيرة. حسنٌ، ليست هناك مشكلة لحد الآن، لكنَّ ما يثير الحساسية والانتباه بالنسبة لي أنكم ترون فجأة جماعة من الأفراد يُعتبرون من الخواص يطرحون قضية الحجاب الإجباري، لاحظوا، تنبهوا. هذا معناه أنَّ هناك عدداً، وأنا أقول الآن إنهم غير متنبهين –أسأله تعالى أن يكونوا غير متنبهين، عدد من الأفراد غير المتنبهين وغير الواعين يتبعون الخط نفسه الذي لم يستطع العدو أن يصل به إلى نتيجة رغم كل تلك الإنفاقات والأموال، يتابعون الخط نفسه، وفيهم صحفيون، وفيهم من يدّعي الوعي [والثقافة] وفيهم معممون ورجال دين، أنْ: نعم، حين قال الإمام الخميني إنَّ النساء يجب أن يتحجبن لم يقصد كل النساء، إنه كلامٌ تافه. لقد كنا في ذلك الحين ولدينا اطلاعنا، فكيف يكون ذلك؟ لقد وقف الإمام الخميني كالجبل بوجه منكَرٍ واضح أوجده بهلوي [شاه إيران إبَّان الحكم الملكي البائد] وأتباع بهلوي في البلاد، وقال يجب أن يكون هناك حجاب. لقد وقف الإمام الخميني هكذا بهذه القوة بوجه كل المنكرات. في ذلك الحين كان هناك كلام حول تجارة المشروبات الكحولية، وقد كنا في شورى الثورة ولدينا اجتماعاتنا المشتركة مع الحكومة، وكان هناك من يعتقدون أنَّ تجارة المشروبات الكحولية فيها فائدة للبلاد، فكيف نغضُّ الطرف عن هذه الفائدة؟ كانوا يرغبون أن تستمر هذه التجارة، فيأتون بالمشروبات من الخارج ويفعلون في الداخل كذا.
لكن الإمام الخميني وقف بكل صلابة وقوة. كان الإمام الخميني الجليل يقف بوجه المحرمات الإلهية، وقد كان هذا محرماً إلهياً. وإذا بشخص يظهر من جانب ويقول إن هذه المعصية ليست أكبر من الغيبة، فلماذا لا تلاحقون أحداً بسبب الغيبة وتلاحقون من تنزع حجابها. لاحظوا عدم التشخيص، ما يؤلم الإنسان هو عدم التشخيص. لم نقل إنَّ امرأة في بيتها إذا نزعت حجابها أمام غير المحارم فسوف نلاحقها، فنحن لا نلاحقها فهي في بيتها وهذا عمل شخصي. العمل الذي يتم في الملأ العام وفي الشارع هو عمل عام وعمل اجتماعي وتعليم عام، وهو يوجد تكليفاً وواجباً على الدولة التي تحكم باسم الإسلام، وليس في ذلك حرام صغير وحرام كبير. ما هو حرام شرعي يجب أن لا يحصل في البلاد بشكل علني. أما أن يرتكب شخص سوءاً لنفسه فهذا شيء آخر، بينه وبين الله، لكن من يرتكبه مقابل أعين الناس وفي أجواء المجتمع فالدولة الإسلامية [مقتديةً] بدولة الإمام علي أمير المؤمنين(ع) ودولة الرسول الأكرم(ص) من واجبها الوقوف بوجهه.
المنطق الذي يقول اسمحوا للناس أن يختاروا ينسحب على بيع الخمور أيضاً، لنترك الخمور أيضاً حرة وكل من أراد أن يشرب يشرب ومن لم يشأ لا يشرب، هل هذا كلامٌ [منطقي]!؟ هذا كلام يطرح حول كل المعاصي الاجتماعية الكبيرة، فهل هو كلامٌ [منطقي]؟ لقد كلَّف الشارع المقدس الحكومة الإسلامية بأن تمنع رواج الحرام الإلهي في المجتمع. من واجب الحكومة الإسلامية الوقوف بوجه الحرام والمعصية. إننا اليوم نفخر بالحجاب داخل البلاد، بحجاب نسائنا.
النساء الإيرانيات يرتدين العباءة الإيرانية [الشادر] وهو حجاب إيراني، بالشادر وبالحجاب الإسلامي وصلت نساؤنا إلى أرقى المراتب العلمية، ووصلن إلى أرقى المراتب الفنية والثقافية، وصرن من أكثر الشخصيات البارزة، وصرن مؤثرات في المسائل الاجتماعية، وفي الوقت نفسه قمن بواجبات البيت وربين أولادهن وقمن بواجبات التبعل. أن نأتي ونلتفّ هكذا على القوانين من أجل أن نخلق في بلادنا الميول المنحرفة الخاطئة للثقافة الغربية فهذا خطأ كبير يرتكبه البعض.
وهناك قضية تكثير النسل، طُرحت في المجتمع قضية زيادة عدد الأولاد والأبناء، وقد واكب المسؤولون ووافقوا [على هذا الشيء] وأنا أسمع أنَّ هناك من يعمل بخلاف هذا الشيء هنا وهناك. هذا شيءٌ يريده الغربيون. الغربيون يعارضون زيادة عدد المسلمين، من الواضح أنَّهم يعارضون زيادة عدد أفراد شعبٍ يستطيع شبابه الظهور في الساحات والأخذ بيد البلد إلى الذرى. يجب أن لا نعمل بحيث نحقق أهدافهم. يجب أن تتحركوا بحيث تحققوا أهداف الإسلام، هذا هو واجبنا، وهذا هو واجب مسؤولينا.
ثقافتنا ثقافة إلهية، وهذه الثقافة تضمن لنا استقلالنا وتضمن لنا حريتنا. الذين يروِّجون التحلل في المجتمع باسم الحرية هؤلاء ليسوا أحراراً بل هم أسرى مغلولون بالثقافة الغربية. الثقافة الغربية هي التي توجههم، فأية حرية هذه؟ الحرية أن تكون لكم نواياكم ويكون لكم إيمانكم ويكون لكم فكركم ويكون لكم قرآنكم ونموذجكم الإسلامي وتتابعوه، هذه هي الحرية، وهذه هي العظمة، وهذا ما يجب تأمينه.
في المجتمع الإسلامي في مجال التربية والتعليم، قضية [وثيقة] 2030(8) هذه التي طرحناها وتابعها البعض وتم إنجاز أعمال جيدة، وتصلني تقارير تفيد بأنَّ أعمالاً مخالفة تتم وتحصل هنا وهناك، لذا يجب الحؤول دونها، من واجب المسؤولين الحيلولة دون أية مخالفة لا تنسجم مع السياسة الإسلامية للبلاد. في مجال التربية والتعليم وفي مجال القضايا المتعلقة بالمرأة، وعنوان العدالة الجنسية وما شاكل مجرد كلام، هذا كلامٌ قاله الآخرون، قاله الغربيون، ويقلِّدهم البعض ويتحولون إلى مكبرات لأصواتهم، أية عدالة، هل هذه عدالة؟!
أكثر حالات الاعتداء والاغتصاب الجنسي بالعنف تحصل الآن في الغرب، تحصل في أمريكا وأوروبا، أكثر بكثير مما في البلدان الأخرى، والحال أنَّ هناك حسب الظاهر وحسب ما يقولون حرية للمرأة. طبقاً للإحصائيات الموجودة أكثر حالات عنف الرجال داخل البيت ضد المرأة تحصل هناك. وتقول الإحصائيات ذاتها أنَّ الكثير من النساء هناك لا يتجرأن على أن يشتكين، وهذه الإحصائيات تقتصر فقط على اللواتي يشتكين، وهذه ليست كل الحالات. توجد مشاكل هناك، توجد مشاكل حياة، توجد مشاكل ثقافة، توجد مشاكل إدارة مجتمع. أية عدالة؟ لا توجد عدالة. يذكرون اسم العدالة، العدالة الجنسية، من أجل أن يستطيعوا تنفيذ مقاصدهم وأهدافهم. لا، العدالة الجنسية في الإسلام بأن تكون المرأة محترمة ولا تتعرض للأذى، ولا يسمح الرجل لنفسه بسبب قواه الجسمانية الأقوى من المرأة وبسبب جسمه الأكبر من المرأة أن يعامل المرأة بمنطق القوة أو يمارس العنف ضدها، هذه هي العدالة.
يجب أن يتم سنُّ قوانين [جديدة] في البلاد ويجب أن تراعى [هذه الأمور] في هذه القوانين. سمعت أنهم يُعدِّون مشروع قانون لهذه القضايا العائلية وممارسة العنف ضد المرأة، فلينتبه المسؤولون الحكوميون ومسؤولو مجلس الشورى ويحذروا من تطبيق الثقافة الغربية وإجرائها في هذا القانون؛ بأن يُقال مثلاً إنه لو تدخل الوالد في قضية زواج البنت فهذا عنف [ويُعرِّفوا العنف بهذه الطريقة]. لا، يجب أن لا يُفهم "ما هو العنف وما هو اللاعنف" من الغرب، إنما ينبغي أن يُفهم ذلك ويُعلم من منطقنا العقلاني ومن فكرنا الإسلامي.
إننا نواجه اليوم مثل هؤلاء الأعداء الخبثاء لذا يجب الحذر.
وأقول هنا في آخر كلامي لكم أنتم مجتمع مداحي أهل البيت، عملكم مهم كما قلت، وأنتم وسيلة إعلام مهمة جداً، وواجب مجتمع مداحي أهل البيت واجب جسيم وثقيل. تذهبون إلى كل مكان وتلتقون بشتى صنوف الناس ولديكم ميادينكم وساحاتكم للتكلم والحديث وهناك آذان مستعدة لسماع أصواتكم، وهذا ما يضاعف من جسامة واجبكم. ما سجلته هنا لأقوله لكم أولاً ارفعوا من معرفة متلقيكم وإيمانهم. اختاروا الأشعار والبيان بحيث ترتفع درجة معرفة المتلقي وإيمانه؛ ترتفع معرفته العقلانية الدينية وأيضاً إيمانه القلبي.
رفع مستوى المعرفة والإيمان والتنوير السياسي، قضايانا السياسية المتنوعة اليوم بحاجة إلى تنوير [إيضاح] واضح ومقنع، تحتاج إلى هذا الشيء، يجب أن تتقنوا هذه الأمور حتماً وتنقلوها للناس. وهناك ترويج الأخلاق والسلوك الإسلامي، تعلَّموا الأخلاق الإسلامية والسلوك الإسلامي من كتب الأخلاق ومن علماء الأخلاق وانقلوها إلى الناس باستخدام الفن، وعملكم عمل فني، عمل يرتبط بالشعر والألحان وكلُّ هذه فنون، فأشيعوا الأخلاق باستخدام هذا الفن، أشيعوا السلوك الإسلامي الصحيح، أشيعوا الأخوّة بين الناس والمحبة والعاطفة وأشيعوا الاتحاد الوطني والأنس بالقرآن والأنس بالصلاة والتوجه إلى الله واجتناب المعاصي والذنوب، وذكّروا متلقيكم بهذه الأمور. هذه التذكيرات لها قيمة كبيرة، لها قيمتها لمتلقيكم ولكم أيضاً، ولها قيمتها لنا أيضاً، عندما ننصح، عندما ننصح شخصاً نكون قد نصحنا أنفسنا أيضاً، لذلك فإن لها قيمتها بالنسبة لنا أيضاً.
يبثُّ الأعداء الشبهات في المجالات السياسية باستمرار، وهم اليوم يتحدثون [ويبثون الشبهات] عن سبب تواجد إيران في المنطقة، ومن صاحب الادعاء في هذا؟ أمريكا التي لها تواجدها المفسد والمثير للفتن في كل مكان. أينما كانت أمريكا كان الفساد وكانت الفتنة. الحكومة الأمريكية المثيرة للفتن والفساد تقول لنا لماذا تتواجدون في المنطقة. حسناً، وهل ينبغي علينا أن نأخذ إذناً منكم للتواجد في المنطقة؟ من أجل التواجد في المنطقة يجب أن نتفاوض ونتحاور مع حكومات المنطقة فلماذا نتحاور معكم؟ نعم، متى ما أردنا التواجد في أمريكا يجب أن نتحاور معكم(9).
وكذا الحال بالنسبة للبلدان الأوروبية يأتون ويقولون نريد أن نتحاور مع إيران حول تواجدها في المنطقة، وما شأنكم أنتم؟ لماذا تتواجدون أنتم في المنطقة؟ هل هذه منطقتنا أم منطقتكم؟ إذا كانت منطقتنا فماذا تفعلون هنا؟ إنها منطقتنا ونحن نتفاوض ونتحدث ونتفق مع شعوب المنطقة وحكومات المنطقة، وقد اتفقنا والحمد لله ونجحنا وتقدمنا إلى الأمام والحمد لله، وسوف نتقدم أكثر بعد الآن إن شاء الله. هذه قضايا سياسية ليست كلها قضايا فئوية وداخلية بل هي قضايا سياسية ويجب أن يعرفها الناس.
نتمنى أن يوفقكم الله تعالى ويعينكم لتستطيعوا النهوض بواجبكم المهم في هذه الأيام إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.
الهوامش:
1 ـ في بداية هذا اللقاء ألقى عدد من مداحي أهل البيت(ع) أشعارهم وتراتيلهم في مدح السيدة فاطمة الزهراء(سلام الله عليها).
2 ـ كامل الزيارات، ص 310.
3 ـ مناقب آل أبي طالب، ج 3، ص 358.
4 ـ سورة التحريم، شطر من الآية 11.
5 ـ سورة التحريم، شطر من الآية 12.
6 ـ أمالي الصدوق، ص 125.
7 ـ سورة الأعراف، شطر من الآية 189.
8- وثيقة 2030: خطة التنمية المستدامة لعام 2030 التي أقرتها اليونيسكو ووافقت على إجرائها الحكومة الإيرانية في بادئ الأمر، وأعقبها اعتراض الإمام الخامنئي والمجلس الأعلى للثورة الثقافية على بعض بنودها.
9- ضحك الحضور.
اترك تعليق