مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

أمهات كان لهن الفضل في بلوغ أبنائهن درجة عالية من العلم

أمهات كان لهن الفضل في بلوغ أبنائهن درجة عالية من العلم

 أم صالحة لولد صالح:
رأت في المنام والدة الشيخ مرتضى الأنصاري _وهو من مراجع القرن الثاني عشر الهجري_ أنّ الإمام الصادق (ع) أهدى لها قرآناً مذهباً! وكان تفسير هذه الرؤيا أن الله سيرزقها ولداً عالماً يروّج لأحكام الله ويبلغ لفقه أهل البيت -الذي أحياه الإمام الصادق-، وهكذا أصبح ولدها الشيخ الأنصاري المرجع الأعلى للطائفة الشيعية في العالم.
ورد أنه بعد عودته من كل درس كان يمر على منزل والدته الصالحة ليلقي عليها السلام والتحية، يجلس عندها ويتحدث لها عن التاريخ الإسلامي والدين ويلاطفها بالقصص الفكاهية ذات المعاني الهادفة حتى يدخل السرور على قلب أمه التي عانت في حياتها كثيراً. ذات يوم خاطبها مازحاً وهو يذّكرها أيام زمان:
هل تذكرين يا أماه يوم كنت أدرس المقدمات (العلوم الابتدائية للعلوم الدينية)، كنت ترسليني لشراء حاجيات للطبخ وأنا أؤجل ذلك إلى انتهائي من دروسي، وأنت تغضبين عليّ وتقولين: أنا بلا خلف (يعني بلا ولد يعينها) فهل لا تزالين اليوم بلا خلف يا أماه؟
فترد عليه أمه العجوز وهي مازحة أيضاً:
أجل... اليوم كذلك، أنا بلا معين! لأنك تلك الأيام لم تكن تحضر حاجيات البيت، واليوم صرت شيئاً في هذه الدنيا، تحتاط في إعطائنا من بيت مال المسلمين، فلا زلت تجعلنا في ضيق!
وهذه الأم التي تحملت طول عمرها صعوبات الفقر.. ذات مرة فتحت لسانها عتابها على ولدها المرجع الكبير قائلة: كم هي الأموال التي تبعثها إليك الشيعة من أطراف البلاد الإسلامية؟ فلماذا لا تساعد بها أخاك منصور...إنه محتاج ولا يكفيه ما بيده، أعطه قدر حاجته!
فنهض الشيخ مرتضى الأنصاري وقدّم إليها مفتاح الغرفة التي كان يحفظ فيها أموال المسلمين..وهو يقول لها:
أي مقدار تريدين خذيه لابنك، ولكنك مسؤولة أمام الله يوم القيامة!
كان الشيخ يعرف كيف يعالج أمه المؤمنة التي تتألم من الفقر وتفكر عاطفياً لولدها منصور، ولقد استفاد الشيخ من شعورها الديني من دون أن يجرح قلبها الحنون.
لذلك حصل الشيخ على الموقف الذي كان يتوقعه من أمه التقية النقية والتي قالت له: أبداً لن أرمي نفسي بمهالك يوم القيامة من أجل رفاه أيام لولدي، هيهات ذلك.
بدايات التربية الصالحة:
كان والد الشيخ محمد تقي المجلسي بيّاع حنطة، أراد أن يسافر لمدة قد تطول... فجاء بولديه (محمد تقي ومحمد صادق) إلى العالم الكبير الشيخ عبد الله التستري، وطلب منه أن يدرسهما العلوم الإسلامية وأوصاه بولده محمد تقي، فهو أكثر ذكاء وأكثر رغبة في طلب العلم.
مرت الأيام حتى دخل يوم العيد، فأعطى الأستاذ لتلميذه محمد تقي ثلاثة توامين (عيدية)، وقال له: اصرف هذه في حاجتك الضرورية.
إمتنع الصبي من أخذ هذا المبلغ، وقال: إنني لا آخذ شيئاً من دون إذن والدتي، فعليّ أن أستأذنها أولاً!
عاد إلى البيت وأخبر أمه بالموضوع، وقالت له:" يا ولدي لقد ترك أبوكما حنطة في الدكان وقد قسّمتها لسدّ حاجاتكما، وإذا أخذت العيدية من الشيخ فسوف تتعود على طلب المال من الآخرين، أو أن تتوقع منهم أن يعطوك دائماً ، وهذا أمر لا يليق بنا".
وفي اليوم الثاني دخل محمد تقي على أستاذه، وأخبره بما قالت أمه، فرفع الشيخ يديه بالدعاء لهذا الصبيّ، أن يوفقه الله للعلم النافع والعمل الصالح وطول العمر.
ولقد استجاب الله تعالى هذا الدعاء، فأصبح هذا الصبي فيما بعد أحد كبار علماء الإسلام، كما وأصبح له ولد عظيم الشأن رفيع المنزلة، هو العلامة الكبير الشيخ محمد باقر المجلسي صاحب الموسوعة الإسلامية الشهيرة (بحار الأنوار) التي طبعت حديثاً في أكثر من مائة وعشرة مجلدات، له غيرها من المؤلفات التي خدم بها الفكر الإسلامي، ذلك من نتاج التربية الصالحة.   

المصدر: المهتدي البحراني، عبد العظيم: قصص وخواطر من أخلاقيات علماء الدين، مؤسسة البلاغ، لبنان بيروت، ط1، 2003م.   

التعليقات (0)

اترك تعليق