مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

كيف أجعل ابني محبًّا للقرآن؟

كيف أجعل ابني محبًّا للقرآن؟

كيف أجعل ابني محبًّا للقرآن؟
 
إن أحبّ أحدُنا كتابَ الله المجيد، فأحبّ قراءته والرّجوع إليه والاستضاءة بنوره، فسوف يجده خير هادٍ ومعين في كلّ منعطفات حياته وقضاياها.
وللّذين يفتّشون في هذا الزّمن عن ضمانة قويّة لتربية أبنائهم على الصّلاح والطّهارة والاستقامة، فلا شيء يعدل القرآن في ذلك. فهو الكتاب الذي يهدي للتي هي أقوم، ويرشدنا إلى الإمام العادل والأسوة الصالحة والمبيّن الراشد. فنكتشف به الثقل الآخر الذي ما إن تمسّكنا بهما لن نضل بعدها أبدًا.
ولكن ماذا نفعل في عصرٍ أصبحت تجربة الكثير من أبنائنا مع القرآن تجربةً محصورة في إطار القراءة الصّعبة؟ القراءة التي تتطلّب منهم جهدًا كبيرًا من ناحية التّجويد والتّحريك!
يبدو لأكثر طلّاب مدارسنا أنّ قراءة القرآن أشبه بقراءة نص بلغة أجنبيّة. فإذا كانت الخطوة الأولى نحو القرآن مقرونة بمثل هذه الصّعوبة والتّعقيد، فكيف يمكن أن نحبّب قراءة القرآن لأبنائنا؟
أجل، لو كانت القضيّة بهذا النحو، لأصبح العلاج صعبًا والإنجاز ضئيلًا. لكن القرآن كما نعلم يمثّل ما هو أعظم بكثير من كونه نصًّا لغويًّا صعبًا (على أبناء مدارس اليوم)؛ فهو قبل أي شيء كلام الله الذي خاطب به جميع عباده. ومن أراد أن يستمع إلى خطاب الله وكلامه، فلن يجد ما هو أجمل وأقرب من القرآن.
نحن نُقبل على قراءة القرآن من أجل أن نلجأ إلى الله ونشعر بحضوره؛ وفي هذا عزاء كبير لنا فيما نواجهه من مصاعب الحياة ومشاكلها، ولذّة عظيمة فيما نطلب من معاني الوجود وروحانيّته الصّافية.. ومن كان مؤمنًا بالله يستحيل أن لا يُقبل على قراءة كتابه والاستماع إلى تلاوة آياته.
إنّ الخطوة الأولى بالنّسبة لمعظم الناس تتمثّل في هذه الرّغبة الإيمانيّة الفطريّة التي تجذب المؤمن إلى الله وإلى الاتّصال به. وكلّما حصل هذا الاتّصال، قويت هذه الرّغبة واشتدّت؛ لأنّها تجربة رائعة تترك أثرًا مستمرًّا في النّفس وتحفر عميقًا في القلب.. لهذا، لا يمكن أن نقارن قراءة القرآن بقراءة أي نص لغويّ آخر مهما كان. فوراء هذه الصّعوبة اللغويّة يوجد لذّة معنويّة خاصّة تجعل تجاوز هذه الصّعوبة وتسهيلها أمرًا مطلوبًا مرغوبًا.
وعلى هذا الأساس، فإنّ توعية أبنائنا لما يعنيه القرآن في الوجود وفي الحياة هي المهمّة الأساسيّة التي يمكن أن نحقّق من ورائها هذا الاتّصال والتّواصل.
ويساعدنا على ذلك بالدّرجة الأولى تلك الأحاديث والرّوايات الكثيرة الواردة بشأن عظمة القرآن ودوره وتأثيره ونتائج الارتباط به في الدّنيا والآخرة. وهي أحاديث تبعث الرّغبة الشّديدة في نفوس أهل الإيمان تجاه القرآن وتحثّهم على قراءته والتدبّر فيه. وفي الوقت نفسه، تحفل هذه الرّوايات بالتّحذير من مغبّة الغفلة عنه وترك قراءته والتفكّر فيه؛ وهذا ما يرسّخ المسؤولية الإيمانية تجاه القرآن الكريم.
إنّ حبّنا لأهل البيت عليهم السلام يجعلنا مهتمّين بما يقولون ويفعلون. ولو نظرنا إلى موقع القرآن في حياة هؤلاء العظماء ومن سلك سبيلهم، لوجدنا أنّه لا يضاهيه أي شيء مهما بلغ. ويكفي أن نعلم أنّهم عليهم السّلام قد جاهدوا وضحّوا وبذلوا كلّ غالٍ ونفيس من أجل إقامة القرآن في الحياة البشريّة. ويستحيل لمن كان محبًّا بصدق لأهل البيت عليهم السّلام أن لا يكون إنسانًا قرآنيًّا.
وباختصار، إنّ رفع مستوى الوعي والمعرفة بحقيقة القرآن ودوره وموقعيّته في عالم الوجود من شأنه أن يرفع مستوى الإقبال عليه وقراءته بصورة ملحوظة. ونحن نعوّل على هذه التجربة أكثر من تجربة القراءة الخالية من الوعي والانتباه إلى الحقيقة.
يتمتّع الأطفال والنّاشئة، وحتّى الشباب، بمنسوبٍ مهمّ من الطّيبة (التي هي نحو من الطّهارة) وحبّ الخير والإقبال على المعاني الجميلة. وهذا الرّصيد الجوهريّ يحتاج إلى العلم والمعرفة حتى يتحوّل إلى عملٍ وسلوكٍ ونهج حياة. فمتى اجتمعت الطّيبة مع العلم ولّدت العمل. 
إنّها معادلة أساسيّة في الحياة. وينبغي اغتنامها بأفضل ما يكون. وهذا ما يتطلّب منّا الثقة بقدرات الأطفال الذهنيّة لاستيعاب الكثير من الحقائق والمعاني المرتبطة بالقرآن.
لقد جمعنا معظم الأحاديث المنقولة عن أهل بيت العصمة والطّهارة حول القرآن الكريم، واطّلعنا على مدى غناها واستيعابها للكثير الكثير ممّا ينبغي أن نعرفه عن القرآن، ثمّ نشرنا ذلك في كتاب "المعجزة الكبرى"، على أمل أن يكون هذا الكتاب مرجعًا ملهمًا لكلّ من يريد أن يتعرّف إلى القرآن. ويمكن للمربّين أن يستفيدوا من الأحاديث المذكورة فيه لتفعيل عمليّة ترسيخ الوعي والمعرفة بالقرآن بصورة ممتازة.
هذا ما نعوّل عليه كثيرًا، بالإضافة إلى الدوافع الإيمانية والأجواء القرآنيّة الناجحة التي قد تكون في بعض المدارس والمساجد والأندية.

السيّد عبّاس نورالدين

التعليقات (0)

اترك تعليق