مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

كيف تنشئين ولدًا شجاعًا؟ نصائح مهمة لأم قلقة

كيف تنشئين ولدًا شجاعًا؟ نصائح مهمة لأم قلقة

كيف تنشئين ولدًا شجاعًا؟ نصائح مهمة لأم قلقة

تلاحظ بعض الأمهات ومنذ الأشهر الأولى أنّ ولدها جبان! فهو يخاف من أبسط الأمور بخلاف العديد من أقرانه. يرتعب بمجرّد سماع صوت المكنسة الكهربائية، ويخاف من البرّاد، وعند قدوم كل شخص غريب يقفز إلى حضنها باكيًا. ومع مرور السنوات، تزول هذه الظواهر، لكنّها تبقى تشاهد فيه آثار الجبن والخوف من أشياء لا تخيف أقرانه على العموم.


وهنا تعلو الصرخة: ابني جبان ماذا أفعل؟
في هذا العصر المليء بالتحدّيات والمخاطر حيث يتهدّدنا الأعداء من كلّ جانب، مستعملين آلة الحرب المتطوّرة لإرعابنا وسلب إرادتنا، فإنّ أمسّ ما نحتاج إليه هو الشجاعة التي تكون بمستوى التهديدات الكبرى؛ ولا ننسى أنّه لولا شجاعة المقاومين لما كنّا لنخرج من مستنقع الأسر والاستعباد الذي أوقعنا فيه الصهاينة. لم يكن هناك أي تكافؤ في العدّة والعدد، ومع ذلك انطلقت ثلّة من المؤمنين وسط ضجيج الرعب الذي هيمن على شعبنا، لتقاتل في سبيل الله غير عابئة بالتخويف.
إنّ معرفتنا بمنشأ الخوف الذي قد يتحوّل إلى حالة نفسية مرضية تُسمّى الجبن، تساعدنا كثيرًا على تربية أولادنا بطريقة تساهم مساهمة كبيرة في إزالة هذه المشكلة، وفتح الباب أمام تنمية حسّ الشجاعة فيهم.
الخوف الطبيعيّ الذي هو من اللوازم الذاتية لشخصية الإنسان هو ردّة الفعل المتوقّعة تجاه ما يمكن أن يؤدّي إلى خسارة أو تلف ما في النفس أو البدن أو المال أو المتعلّقات. لا يُلام الإنسان على مثل هذا الخوف الابتدائيّ، لكن المشكلة تكمن في الموقف الذي ينبغي أن يتّخذه بعد ذلك؛ فإذا لم ينطلق للدفاع عن نفسه أو متعلّقاته وتراجع أمام التهديد الجدّي، يكون مصابًا بداء الجبن الذي سيتسبّب له بخسارة واقعية.
غالبًا ما يؤدّي التراجع عن الموقف الدفاعيّ إلى تثبيت هذه المشكلة في النفس؛ وخصوصًا إذا تكرّر الأمر. وفي المقابل، فإنّ الإقدام والقيام بالدفاع والمواجهة، يساهم في إزالة الخوف والجبن بالكامل. 
يتميّز الشجعان بأنّهم لا يمرّون في مرحلة الخوف المصحوبة بالاضطراب والقلق؛ فبمجرّد مواجهة التهديد، تكون ردّة فعلهم عبارة عن حركة دفاعية أو هجومية دون المرور في مرحلة الخوف تلك.
إنّ تحديد التهديد الذي يتسبّب بالخوف وإدراكنا لطبيعته هو العنصر الأساسيّ في تشخيص المشكلة والحل.فكثيرًا ما يكون هذا التحديد واهمًا حيث ينشأ من مقدّمات خاطئة أو مجرّد أوهام وأباطيل. وهو أمرٌ متوقَّع عند الطفل نظرًا لعدم قدرته على تحديد ماهية الأشياء التي تخيفه. لا يُتوقّع من طفل بلغ عدّة أشهر من العمر أن يعرف ماهية المكنسة الكهربائية. وأمّا القطة التي تجوب بيت الجدّة، فهي مخلوق غريب لا يمكن تحديد خطره أو توقّع تصرفاته! تسيطر على الطفل في مثل هذه الحالة أسئلة، مثل: هل هو مؤذٍ؟ وهل يمكن أن يفاجئني بعضّة أو خربشة؟ وفي هذه المرحلة العمرية لا يمتلك الطفل قدرة سريعة على فهم الطبيعة الأليفة أو غير المؤذية للقطّة أو غيرها من الحيوانات المنزلية!
وبمعزل عن الآثار التي تخلّفها البيئة غير الآمنة في شخصية الطفل المستقبلية، فإنّ التواجد في مثل هذه البيئة لن يساعده على تجاوز مشكلة الخوف والجبن ما لم يكن تحت إشراف ومتابعة تربوية هادفة.
وعليه، يمكن للأم أن تساهم مساهمة كبيرة في تأمين البيئة المناسبة لتجاوز هذه العقدة في الأيام الآتية. فحين يشاهد الابن ثبات أمّه ويدرك في قرارة نفسه أنّها الحضن الآمن الذي يمكن أن يلجأ إليه عند المخاوف، يدرك معنى الأمن والأمان والاستقرار الذي يحتاج إليه للتوازن النفسيّ والذهنيّ. هنا بالتحديد يمكن لصوت العقل أن يُسمع؛ وفي ظلّ الطمأنينة يمكن له أن يشكّل التصوّرات الصائبة عن الأشياء من حوله ويعي حجم مخاطرها. وهنا بالذات سيتمكّن من تجاوز الأوهام التي يدرك أنّها أوهام لا حقائق. أشد ما يمكن أن يمر على الطفل هو أن لا يعرف للأمن معنًى في حياته وفي محيطه. وهي حالة تحصل عادةً عند فقدان الأب أو غيابه المتواصل من دون أي تعويض.
تؤدّي الأم دورًا محوريًّا في تأمين التوازن النفسيّ العقليّ الذي يساهم مساهمة أساسيّة في تحليل الأشياء وتحديد المخاطر الجدّيّة من الوهمية؛ وهو ما يمثّل الانطلاقة الصحيحة نحو بناء الشجاعة بمعناها الواقعيّ.فالشجاعة وخلافًا للتهوّر تقوم على أساس التعقّل. فليس كل إقدام مطلوبًا، وإلّا صار رميًا للنفس في التهلكة. وعليه يكون الإدراك العقليّ والبنية العقلية السليمة أوّل خطوة على الطريق.
حين تسير التربية العقلانية جنبًا إلى جنب الرعاية التأمينية، ويدرك الطفل أنّ هناك من يمكن أن يساعده على مواجهة المخاطر مثلما أنّه يساعده على تحديد حقيقتها، فإنّه يقدم على التعامل مع المخاطر المحدودة كمواجهة قطّة أو الدخول إلى الغرفة وحيدًا، ويكتشف في هذه الحالة بعض قواه وقدراته. هنا بالذّات لا تبقى الأم المصدر الوحيد للأمن والاستقرار، فقد اكتشف هذا الطفل أنّه يقدر على التعامل مع المخاطر المحيطة، والتي سرعان ما تزول بزوال وهمها أو حجمها. 
تمثّل القوى العقلية، بالإضافة إلى القوى الجسمانية، عنصرًا أساسيًّا؛ فمبقدار ما تنمو هذه القوى تزداد ثقة الطفل بنفسه وبقدرته على المواجهة. فمعادلة الشجاعة تقوم على اكتشاف القوى والإمكانات المتاحة للمواجهة، بالإضافة إلى تحمّل النتائج. 
وهنا يحتاج الطفل إلى مضاعفة تجاربه في عملية المواجهة بشرط أن يكون هذا الأمر ضمن نطاق قدراته. فلا ينبغي أن يُطلب من طفل لم يتجاوز الرابعة أن يقطع الشارع بمفرده حتّى يصبح شجاعًا. ينبغي لحجم التجارب أن يكون مدروسًا ومتناسبًا مع القدرات الذهنية والبدنية. كتسلّق بعض الأشجار أو الدخول إلى بعض زوايا البيت المظلمة أو إحضار بعض الإغراض من الشرفة ليلًا. 
يمثّل الثبات النفسيّ والاستقرار المعنويّ الأرضية الصلبة لبناء القوّة الذهنية والتحليلية والتي سيكون لها دورٌ أكبر في المستقبل. وذلك حين مواجهة الأخطار الكبرى التي تتطلّب مستويات من الشجاعة تعادل بذل النفس والتضحية بكلّ غالٍ ورخيص. فهناك لن يقدم إلا من يقارن الحياة الدنيا بالحياة الآخرة وهو قادر على معرفة الفارق الكبير بينهما؛ هناك حين يهدّد الأعداء بالقتل من أجل الاستسلام، لن يقبل هذا الطفل، الذي صار شابًّا، بالذلّة؛ ولن يبيع كرامته التي بُنيت على القيم الدينية بأيّ ثمن؛ بل سيشتري الحياة الأخرى بالدنيا الفانية؛ وهذا هو منتهى الشجاعة.


خطوات على طريق بناء الشجاعة:

  •  تأكدّي أنّ ابنك يتواجد في محيطٍ آمن بالنسبة إليه.

  • ساعدي ابنك على تحليل حجم المخاطر التي يتوهّمها.

  • ضاعفي من التجارب ومواجهة التحديات عنده بالتدريج.

  • تذكّري أنّ معادلة الشجاعة تقوم على اكتشاف القوّة الربانية أيضًا.

  •  اذكري له عند مرحلة البلوغ العقليّ معنى الحياة الدنيا والآخرة.
     

 

 

المصدر: مركز باء للدراسات.

السيد عباس نور الدين

التعليقات (0)

اترك تعليق