مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

التربية الجنسية في المراحل العمرية الثلاث

التربية الجنسية في المراحل العمرية الثلاث

التربية الجنسية في المراحل العمرية الثلاث

في البداية حين لا يكون هناك أي داعي للتمييز أو للتوجّه الى المسألة الجنسية بحدودها ومسؤولياتها وآدابها، فلا ينبغي أن يُطرح هذا الموضوع على الأطفال. وهذا ما يكون في الأغلب في المرحلة العمرية الأولى التي تمتد حتى السنة السابعة.
 قد تحصل ظروف أو أوضاع تؤدّي إلى تفتّح الطفل على بعض القضايا الجنسية من دون أن يكون مستعدًّا للتعامل معها كما ينبغي، وفي هذه الحالة الأفضل أيضًا إغلاق هذا الموضوع أو سد هذا الباب بأسلوب التغافل، حتى لو وجدناه يسأل ويهتم ويبحث. فمن شأن الإهمال والتغافل في هذه المرحلة العمرية أن ينسيه. ونسيانه ضروري لما ذكرنا من أنّه غير مستعد للتعامل بحكمة بالإضافة إلى أنّه ليس في مرحلة تحمّل المسؤولية.
 لذلك، ينبغي أن تتميّز المرحلة الأولى من التربية الجنسية بالإهمال والإغفال مع رعاية كل أشكال الوقاية لأجل ضمان السلامة النفسية التي تتناسب مع أعباء الطفولة. 
نعم، قد تظهر عند بعض الأطفال تصرّفات تدل على ميول مبكرة نحو المسائل الجنسية. فإذا ما قام الأهل بالتركيز على مثل هذه التصرّفات ونعتها بـ "العيب"، التي لا يراها الطفل كذلك، فإنّهم سوف يثيرون فضولية الطفل وحشريته وربما تتحوّل هذه التصرّفات عنده إلى ما يشبه العادة والإدمان. وإذا أعقب الأهل ذلك بالضغط عليه أكثر وقمعه، فقد يخبئ ذلك في باطنه، ويتحوّل إلى عقدة تظهر آثارها فيما بعد بصور مختلفة؛ فإمّا أن يصبح الطفل شديد الخجل، أو تتكون لديه مشكلة ترتبط بالتواصل مع الجنس الآخر، أو تظهر بصورة شاذّة أو تتحوّل إلى هوس، أو يصبح لدى الطفل نفور شديد واشمئزاز من المسائل الجنسيّة، ولكن يكون مصاحبًا برغبة شديدة، ممّا يولّد آلامًا نفسية مبرحة. فيفقد الفرد توازنه ويظهر مكانه سلوكيات غريبة تجاه هذا الأمر. إضافة إلى ذلك، تبقى آثار القمع التي تعرّض لها ماثلة في نفسه. وفي حال لم يبادر الى استيعاب حجم المشكلة فقد يتحوّل هذا الأمر إلى حقد تجاه من عاقبوه أو تجاه المجتمع. 
في المرحلة الثانية، نواجه تحدّيًا من نوعٍ آخر وهو ما يمكن أن نُعبّر عنه بأسباب الاستثارة قبل أوانها، وذلك لأنّنا من الصعب ـوربما ليس من الصحيحـ أن نبعد الطفل عن التساؤل والبحث حول القضايا التي يواجهها. فإن سأل ابن السنوات العشر مثلًا عن كيفية الإنجاب، فلا يمكن أن يقبل بالإجابات السطحية، وليس من المصلحة تقديم أجوبة غير منطقية. فنحن نريد لأبناء هذه المرحلة أن يبدأوا بالتعرف إلى القضية الجنسية بالتدريج وضمن إطار الوعي والعقلانية والمسؤولية قبل أن تنقض عليهم هجمات الإثارة الناشئة من محفزات البلوغ. وكذلك قبل أن يبادرهم الشياطين وغير العقلاء بطرح هذه القضايا. ففي معظم الحالات أن تعرف ابنتك منك كل ما يرتبط بالجنس هو أفضل بكثير من أن تعرف من زميلاتها. لأنّه الله أعلم ما الذي ستسمعه!
 ففي هذه المرحلة نمنع من المثيرات كأن نفرّق بهدوء بين الجنسين سواء في البيت أو في المدرسة، لأنّ الطفل في هذه المرحلة سيكون منفتحًا بفكره باحثًا فضوليًّا كما يُعبَّر، فلا ينبغي أن ينفتح على هذا العالم بالخيال دون العقل. 
وبالتأكيد لا يوجد حاجات جنسية ملحة في بدايات هذه المرحلة، وإن كانت ستتفتح في أواخرها. ومن البعيد أن يندفع أبناء هذه المرحلة نحو الارتباط الجنسي إلا إذا تواجدوا في بيئة غربية منحطة. ولهذا النوع من التحديات كلام مفصّل. لكن الخير كل الخير هنا هو في تجنيب أبناءنا كل أنواع المثيرات والعمل على ترسيخ قضية التواصل العلمي والمعرفي بيننا وبينهم، مع احتمالنا أن نُسأل عن ذلك في أي وقت؛ فنجهّز لكل سؤال جوابه الذي يتناسب مع الاستعداد الذهني والنفسي. 
إن ابن العاشرة قادر على تقبل وجود اتّصال جسدي ما بين الزوجين من دون أن يحتاج إلى تفاصيل إضافية؛ كما أنّه مستعد لفهم وجود الاختلاف الجسماني من دون أن يحدث هذا التصوّر في نفسه خيالات مرعبة. وحين يحصل البلوغ يصبح بحاجة إلى استيعاب قضية الاتّصال الجنسي بصورة دقيقة. فإن فهمها في جو علمي وشرعي بحت، لن يكون لهذا التصوّر تأثير سلبي لأنّ ضغط الشهوة لا يُفترض أن يكون شديدًا. 
حين يحصل البلوغ الجنسي وتكتمل كل الأجهزة التناسلية (فيصبح الإنسان مستعدًّا للإنجاب)، تبدأ النوازع الجنسية القهرية (الشهوة) بالتحرّك. وقد يختلف سن البلوغ بين الفتيات والصبيان، كما أنه يختلف بين صبي وآخر. لكن المعدل العام للجميع هو من السنة الثانية عشر والثالثة عشر. وغالبًا ما تنشأ بعض الخيالات المرتبطة بالجنس بصورة قهرية لا يملك أبناء هذه المرحلة تفسيرًا واضحًا لها. وربما يبدأون بالبحث حولها في الأمكنة غير المساعدة. لذلك كان من الضروري أن تسبق التربية العلمية مرحلة البلوغ حتى تسقط الخيالات في قوالب غير محيرة ومسببة للاضطرابات والنوازع السلبية.
يمكن أن تكون بعض هذه الخيالات ذات وقع شديد، لأنّها مقرونة بأمور كانت حتى الأمس من المحظورات؛ وفي بعض المجتمعات أو الأسر كانت عيبًا كبيرًا. فهل ما يشاهده هذا الصبي يدل على سقوطه وانحرافه وكونه شخصًا سيئًا و...؟ أسئلة يمكن أن تطرأ على باله نتيجة هذه الخيالات. لكن التربية العلمية المناسبة ستكون مانعًا من انحرافها أو حتى انبعاثها بالشكل الذي يسبب ذلك القلق.
 لا ينبغي أن يغيب عن بالنا أنّ الحديث عن الإنجاب ينبغي أن يقترن بتعظيم الزواج واعتباره ثمرة طيبة لهذه الحياة و.. وهو شيء محبوب جدًّا عند الله سبحانه وتعالى، وذلك لكي لا تضطرب علاقته بوالديه، فيقبل على هذه القضية بشغف واهتمام. 
وهكذا يصبح ابن المرحلة الثالثة مُرتاحًا ومستقرًّا من الناحية الفكرية لأنّه استوعب كامل القضية، وأيضًا مُرتاحًا من الناحية العملية والسلوكية لأنّه مصون بنسبة كبيرة من الضغوط التي تسببها الحشرية والفضولية والبيئة المثيرة، وأيضًا منسجمًا مع هذا البلوغ الجنسيّ، لأنّه يعرف كيفية التعامل معه من الناحية الشرعية  والسلوكية، ويعرف تكليفه ومسؤوليته تجاهه. 
حين تبدأ الشهوة الجنسية بالتأجّج، يجب طرح قضية الزواج بشكل جاد رغم أنّ الشاب لا يكون مستعدًّا له من الناحية الاجتماعية والإدارية؛ لكنّ التوجّه نحو الزواج هو أفضل طريقة لتسليك كل الخيالات التي من شأنها أن تضغط بقوة على ذهنه وقلبه وروحه وتحرمه من الكثير من التوجهات اللازمة في الدراسة والتكامل والعبادة و... وما نتوقّعه من أبناء المرحلة الثالثة هو أن يكون موضوع الزواج قد اختمر وتبلور في أذهانهم وفي وجدانهم وتوجّهاتهم. وهكذا ينتقل أبناؤنا إلى تحمّل المسؤوليات الجنسية المرتبطة بأنفسهم وبأجسادهم وبمن يحق لهم، بصورة سليمة بعيدة عن أي تعقيد أو ضغط سلبي.

 

المصدر: مركز باء للدراسات.
السيد عباس نورالدين.

التعليقات (0)

اترك تعليق