مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

كيف أروّض طباع ولدي السيئة؟

كيف أروّض طباع ولدي السيئة؟

كيف أروّض طباع ولدي السيئة؟

نلاحظ جميعًا مدى حضور طباع الآباء والأمّهات في الأبناء حتى قيل: "إنّ الولد سر أبيه"، و"إنّ الخال أحد الضجيعين"، و"إنّ العرق دسّاس"، وأمثالها. وهنا يبرز سؤال مهم يرتبط بما إذا كان بالإمكان أن نمنع تسلّل طباعنا السلبية كوالدين وطباع آبائنا وأجدادنا إلى أبنائنا. حتى إذا تسلّل من بين إجراءات التربية الجيدة، واستطاع هذا الطبع أن يستقر في نفس الولد، فكيف ينبغي أن نتعامل معه لننجي ولدنا منه ومن آثاره، أو نخفّف عنه الكثير من عناء الرياضة وتهذيب النفس فيما بعد.
للطبع منشأ جسماني أكيد يرتبط بالتكوين العصبي للبدن؛ وهو أمر لا نعلم عنه شيئًا. وكل ما نعرفه من مجموع الأحاديث والروايات المنقولة عن أهل بيت العصمة والطهارة أنّ لبعض الأغذية والأطعمة والمواد تأثيرًا واضحًا على هذا التكوين. ففي بعض الروايات يتم تحذير الأم الحامل من تناول بعض الأطعمة لأنّها تؤدّي إلى شكاسة خُلق الصبي، وفي بعضها حث على تناول التمر أو الرمان أو السفرجل لما لها من تأثيرات إيجابية على مستوى الحلم والذكاء والوداعة والهدوء. وعلى أساس ذلك، فإنّ قسمًا مهمًّا من معالجة الطباع السيّئة ينبغي أن يبدأ في مرحلة الحمل وتكوّن الجنين؛ هذا فيما إذا وقعت الواقعة، ولم نأخذ الاحتياط اللازم عند اختيار الشريك، وظهر وجود طباع حادّة أو خسيسة أو سلبية فيه أو فيها.
وإذا بقي الطبع السيّئ أو شيء منه بعد الولادة، تأتي مرحلة العلاج في السنوات الأولى بحكمة فائقة تتطلّب نفسًا طويلًا وصبرًا جميلًا. فإذا وجدنا في الطفل جُبنًا واضحًا على سبيل المثال، علينا أن نعمل كل ما بوسعنا من أجل إيجاد الشجاعة فيه وتقويتها في نفسه، من قبل أن يستحكم طبع الجُبن ويصبح صعب الزوال؛ وذلك من خلال تعاملنا كمربّين مع الأشياء التي يخشاها ويخاف منها بطريقة السيطرة والهيمنة مع رعاية كل شروط السلامة. فإن كان يخاف من القطط أكثر من الحد الطبيعي، نحمل القطة بأيدينا ونربّت على ظهرها ونمسّد عنقها ونحثّه على أن يفعل ذلك شيئًا فشيئًا؛ وإذا كان يخاف من بعض الحشرات غير المؤذية، نمسكها بأصابعنا أمامه ونشجّعه على تقليدنا. وإن كان يخاف من المرتفعات خوفًا مبالغًا به نشجّعه على القفز من فوق الطاولة أو الكنبة وهكذا... فلا ينبغي أن نهمل الطباع السيّئة في المرحلة العمرية الأولى، مع الالتفات إلى أنّ معالجتها وإزالتها في هذه المرحلة تكون أسهل ممّا يأتي فيما بعد. فالعلاج بالضد والمخالفة، مع رعاية التوازن والتدرّج هو أفضل ما نفعله تجاه الطباع السلبية. 
وسواء انتقل هذا الطبع إلى المرحلة اللاحقة ـ التي تتفتّح فيها الإدراكات العقلية ويصبح الطفل قادرًا على ملاحظة السلبيات والإيجابيّات والأضرار والمنافع التي تنجم عن تصرّفاته وسلوكياته ـ أم لا، فمن المهم جدًّا أن نعمل على ترسيخ الرؤية الأخلاقية في نفوس أبنائنا، وتعميقها، وإيجاد الحساسية المفرطة تجاه كل ما يرتبط بعالم الأخلاق والطباع. ويمكن تحقيق ذلك عبر كثرة الحديث عنها، وتحليلها وتصوير أسبابها وآثارها في الدنيا والآخرة وكيفية التخلّص منها و...
إنّ تعميق الثقافة المرتبطة بالأخلاق والروح والمعنويات يمثّل أحد مهام التربية الكبرى. وإنّما يتحقّق ذلك بالدرجة الأولى من خلال الإكثار من ذكر النماذج البارزة للضدّين، وخاصّة بأسلوب القصّة التي تصوّر العواقب الدقيقة للأفعال الأخلاقية والحالات المعنوية. وبهذه الطريقة يمكن أن تتمثّل هذه المعاني أمام ناظري أبنائنا، وتصبح جزءًا لا ينفك من رؤيتهم للأمور وفهمهم للوقائع والأحوال. فلا يوجد علّة أقوى وأبرز من أخلاق الإنسان فيما يرتبط بواقعه وما يحقّقه وينجزه ويحصل له. وحين يدرك أبناؤنا الدور البارز للأخلاق على مستوى النجاح والفشل والسعادة والتعاسة والغنى والفقر، فهذا يعني أنّ تلك الرؤية قد امتزجت بكيانهم وطريقة نظرتهم إلى كل تفاصيل الحياة.
ما أحوجنا كمربّين إلى القصص التي تتناول جميع الأخلاق، فاضلها ورذيلها، وتبيّن بأسلوبٍ جذّاب وعميق تلك العلاقة السببية. فللقصّة أثرٌ كبير في حفر المفاهيم الأساسية في عمق القلب والفكر، خصوصًا إذا صارت مصباحًا يضيء لأبنائنا على أحداث الحياة والمواقف التي تواجههم، وتزوّدهم بالقدرة على فهم حقيقة ما جرى ويجري.
إنّ الأطفال بحاجة إلى قراءة العديد من القصص البليغة التي تتناول عواقب طغيان الغضب، والتي نشاهد الكثير من نماذجها ومصاديقها على مستوى النفس والآخرين والمجتمع والأشياء، وكل تفاصيل الحياة. 
وهم بحاجة إلى قصص تبيّن روعة الحلم والصفح وآثاره العظيمة على مستوى تحقيق النتائج الجميلة والوصول إلى الأهداف العظيمة. 
والقصّة المعبّرة هي التي تسرد تسلسل الأحداث المتعاقبة بصورة منطقية وسببية، حيث تظهر في نهايتها العلاقة الوثيقة بين الفعل الاختياريّ والنتائج المنسجمة معه. وكلّما كان ظهور حقيقة الاختيار أشد وضوحًا، واستطاعت القصّة أن تتغلغل إلى منشئه، يفترض أن يكون ظهور النتائج أكبر. 
ولا شك بأنّ أفعالنا الاختيارية تنشأ من عمق أخلاقنا ونوايانا. كما قال تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى‏ شاكِلَتِهِ}.1 فتكون القصّة البليغة هي تلك التي تتناول عواقب الأفعال الأخلاقية. 
 فإن كان لدينا رصيد واسع من هذه القصص الأخلاقية فسوف نمنح أبناءنا عمقًا فكريًّا يعينهم على فهم الحياة وما يجري فيها، قبل أن ينطلقوا في آفاقها وهم غير مدركين لأسباب النجاح والفلاح وعوامل الإخفاق والفشل..

 

 

____________________
1. سورة الإسراء، الآية 84.

 

المصدر: مركز باء للدراسات.

السيد عباس نورالدين

التعليقات (0)

اترك تعليق