مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

خطوات عملية لتطوير عقول أبنائنا

خطوات عملية لتطوير عقول أبنائنا

خطوات عملية لتطوير عقول أبنائنا
هناك الكثير من التمارين التي تساعد في هذا المجال


حين يؤمن المربّون بأهمية العقل ومحوريته، بعد معرفة حقيقته وكيفية عمله، فإنّ قسمًا مهمًّا من التربية سيعتمد على المواقف التفصيلية والمهارة المناسبة لترسيخ قيمة العقل. هذا، بالإضافة إلى أنّ هناك هامشًا واسعًا للإبداع والابتكار. والمقصود من الإبداع هنا، أنّ لكل من ينهض بأمر التربية مجالات وفرصًا يمكنه أن يستفيد منها لإيصال الفكرة اللازمة وتعميق القضية؛ ولا يلزمه إلا الإيمان والانتباه والحرص والاهتمام. 
وكالعادة، فإنّ تأثير التربية ونفوذها يعتمد بشكل أساسي على مصداقية المربّي، التي تنشأ من صدقه والتزامه بما يأمر به ويدعو إليه. فلو شاهد أبناؤنا مواقفنا المختلفة في تدبير المنزل والتعامل مع الجيران وحلّ الأزمات، وعرفوا منًا الموضوعية والإنصاف والاحتكام إلى المنطق والرجوع إلى الأصول والمبادئ، فسوف يكون ذلك أفضل عامل في تربيتهم على العقل.
حين ندعو أبناءنا للاعتماد على العقل، ثمّ نطلب منهم أن يتصرّفوا بحسب ما يراه الناس أو العرف، نكون قد طعنّا العقل في الصميم. فللعقل منطقه الذي يعلو على كل منطق ويهيمن عليه. ولأجل ذلك، كان العقل عند الله تعالى أحب مخلوق، كما جاء في الحديث: عن أَبِي جَعْفَرٍ(ع) قَالَ: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلَ اسْتَنْطَقَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ، ثُمَّ قَالَ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي مَا خَلَقْتُ خَلْقًا هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكَ وَلَا أَكْمَلْتُكَ إِلَّا فِيمَنْ أُحِبُّ، أَمَا إِنِّي إِيَّاكَ آمُرُ وَإِيَّاكَ أَنْهَى وَإِيَّاكَ أُعَاقِبُ وَإِيَّاكَ أُثِيبُ".[1]
إنّ للعقل قدرات عظيمة جدًّا، ومن المهم أن يتعرّف أبناؤنا إلى النتائج العملية والثمار المعرفية الكبيرة التي يحقّقها العقل؛ كما في مورد معرفة خالق العالم وهدف وجوده. ولو قيل لهم إنّ هذه أمور لا يمكن للإنسان أن يدركها أو إنّه لا سبيل إلى معرفتها إلّا من خلال النقل والقرآن، فسوف يسقط العقل بنظرهم من موقعه الشامخ.
ومن المهم أيضًا أن يشاهدوا عمل العقل في التوصّل إلى الحقائق بكلّ مراحله، مع السماح لهم بالاعتراض والإشكال والسؤال. فجزءٌ مهمٌّ من تربية العقل تعتمد على التدريب والتمرّن، مع ما يعنيه ذلك من إخفاق في بعض الأحيان؛ لكن ما هو أهم من الكل: التأكيد على الانطلاق من روح العقل وجوهره الذي أشرنا إليه تحت عنوان "قدرة التمييز بين النقص والكمال". وهذا يعني فهم عمق عمل العقل.
يحتاج أبناؤنا إلى معرفة المنظومة الصحيحة لحقائق العالم. والمقصود بالمنظومة تلك الصورة التي تبيّن موقع كل حقيقة بالنسبة للأخرى، أو موقع كل نوع من الموجودات والكائنات فيما بينها. فإذا سُئلوا عن أهم قضايا الوجود والحياة استطاعوا أن يميّزوا بين الكبير والمتوسّط والصغير. فمن خلال هذه المنظومة، يعرفون لماذا تكون قضية الله والآخرة والمصير أهم من قضية الاختصاص الجامعيّ أو الزواج أو المهنة أو اللعبة الرياضية الفلانية، ولماذا تكون الصلاة أهم من النوم، ولماذا يُعدّ الدعاء أفضل وسيلة للارتباط بالله كما جاء: "إنّ الدعاء مخ العبادة".
فللحقائق الوجودية منظومة، وللقيم والفضائل منظومة، وللأعمال والسلوكيات منظومة أخرى ترسم حجم كل عمل ودوره وتأثيره على غيره. ومن نتائج هذا الفهم إدراك موقعية الصلاة بين العبادات. ولهذا، يُنصح بضرورة عرض منظومة الفرائض الدينية واستعراضها وتمرين الأبناء عليها. وقد أشرتُ إلى هذه المنظومة في الجزء الأول من كتاب خطّة الإسلام.
 وهكذا يصبح تشخيص الأولويات في الحياة أحد أبرز مظاهر العقل. وينبغي لكلّ من يعمل على تربية العقل أن يستخدم أسلوب تحديد الأولويات انطلاقًا من جوهر هذا العقل ودوره في التمييز بين الضار والنافع. 
وقد يواجه أبناؤنا العديد من المواقف التي ينحصر الاختيار فيها بين شرّين (أحلاهما مرّ)؛ وهنا أيضًا ندرك لماذا ذكر أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّ علامة العاقل هي قدرته على التمييز بين أهون الشرّين وليس بين الشر والخير، لأنّ إدراك النقص الأكبر دليل على عمق التمييز بين النقص والكمال.
فهذه عناوين لتمارين مفيدة في التربية العقلية، لا نحتاج معها إلى إمكانات إبداعية كبيرة، وذلك لأنّ الحياة حافلة بالمواقف التي تحفّز التعقّل وتستدعي هذا النمط من التفكّر. وما علينا إلّا أن نثق بعقول أبنائنا، أو بتعبيرٍ أدق أن نمنحهم الثقة بأنّه يمكنهم استجلاب نور العقل للتعامل معها.
ومن القضايا التي يمكن استخدامها لتنمية القدرة العقلية عند أبنائنا هي قضية التكنولوجيا والعلوم التي يعتاد الناس على النظر إلى جهات الخير فيها من دون أن يدركوا حجم الآثار الهدّامة ومقدار التخريب والضرر الذي تؤدّي إليه. فمن الممكن أن نناقش فائدة السيارة وفائدة الهاتف وفائدة الطائرة وفائدة العلاج بالأدوية الكيميائية، وغيرها من مظاهر الحياة المادية التي قامت على تغليب المنفعة، بمعزل عن حجم الأضرار التي تنجم عنها.
 

 

__________________
[1].الكافي، ج1، ص 10.

 

 

المصدر: مركز باء للدراسات.

السيد عباس نور الدين

التعليقات (0)

اترك تعليق