مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

كيف نصبح مربين ناجحين؟

كيف نصبح مربين ناجحين؟

كيف نصبح مربين ناجحين؟

نظرة عامّة إلى أهم أركان النجاح في مسؤولية تربية الأبناء
{يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْليكُمْ نارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ}.[1]
إنّ مهمة تربية الأطفال في المدارس والمعاهد المختلفة، أو في محيط الأسرة والعائلة لهي مهمة كبيرة وثقيلة، تتشعّب وتتعقّد يومًا بعد يوم نظرًا لاتّساع قضايا الحياة وتعمّقها. فما يواجهه أبناؤنا في سنّ العاشرة اليوم ربما لم يكن ليواجهه أجدادنا حتى في سن الأربعين. إنّنا أمام نحو جديد من التحديات التي تنفذ إلى عمق كيان الإنسان بسرعة وخفاء، وتهدّد كل مقوّمات إنسانيته من قبل أن يُعطى الفرصة ليستعد لها أو يدرك حقيقتها، ممّا يتطلّب قدرات متميزة ومهارات تربوية استثنائية.
 لقد بات على المربين في هذا الزمن أن يعدّوا الأبناء ويجهّزوهم لمواجهة تحدّيات المستقبل أيضًا، لأنّ المستقبل سرعان ما يصبح حاضرًا.. والكل يعترف بصعوبة هذه المهمّة وضخامتها، فضلًا عن الغموض والإبهام الذي يكتنفها. 
 أقل ما يمكن أن يُقال عن زماننا هذا هو أنّ نظام الباطل فيه بات يمتلك من الأدوات والوسائل ما يمكن أن ينفذ إلى أعماق أطفالنا وهم في المهد، فلا يترك صغيرة ولا كبيرة من مضلّات الفتن إلا ويستفزهم بها. فهو نظام تغيير الإنسان تغييرًا جوهريًّا، ينبغي الاستعداد له بالتربية التي تحفظ هذا الجوهر وتصونه وتبلغ به أعلى الدرجات. 
الاعتزال لا يجدي نفعًا، وإقامة السدود قلّما تساعد. فالمواجهة الذكية الفعّالة الهادفة هي السبيل الوحيد للتعامل مع التحدّيات المتزايدة. والخبر المفرح هنا هو أنّ بحوزتنا الكثير من الوسائل والأفكار التي تعيننا على ذلك.
قد نتوقّف عند كل تحدٍّ ونضع له الخطّة المناسبة؛ وقد نتوصّل إلى تلك الأصول والمبادئ التي ترفدنا بالحكمة اللازمة للتعامل الصحيح مع كل تحدٍّ مهما كان جديدًا.  
لذا، فهدفنا الأساسي يتمثّل في اكتشاف هذه الحكمة الشاملة التي يحتاج إليها الآباء والأمهات والمربّون في تعاملهم مع الأطفال والناشئة وحتى الشباب في مختلف الساحات والمجالات.
ولا يخفى أنّ الحكمة الشاملة تتجلّى في مجموع القواعد والمعادلات التي يمكن تطبيقها في كل حالة نواجهها مهما اختلفت معطياتها، طالما أنّنا قادرون على وضع متغيّراتها في المكان الصحيح. وهذا ما يتطلّب معرفة ودراية من نوع آخر ترتبط بفهم الواقع وتشخيصه بدقة.
لا يكفي أن نمتلك المعرفة بالقواعد، بل ينبغي أن نحدّد المشكلة أو القضية التي نتعامل معها تحديدًا صحيحًا. فإذا كنّا نعرف كيف نتعامل مع المشاغبة أو التوحّد أو العدوانية، فهل أنّ ابننا هو فعلًا مُصاب بهذا المرض أو يُعاني من تلك المشكلة!
وقد يفاجئك أن تعلم أنّ العنصر الجوهريّ في التربية يكمن في الاعتراف أولًا وقبل أي شيء بالعجز عن التأثير والتربية، حتى لو كنّا نتعامل مع أبنائنا الذين وُلدوا من أصلابنا وأرحامنا. ففي كثيرٍ من الأحيان يخفق المربّون حين يسيطر عليهم الشعور بأنّهم قادرون على صياغة أبنائهم كما يحلو لهم؛ ثمّ تأتي الأيام لتكشف عن أمرٍ مغايرٍ تمامًا.
إنّ امتحان التربية كغيره من امتحانات الحياة لا ينعزل عن القضية الجوهرية في الوجود وهي أنّه لا مؤثّر في الوجود إلا الله. وإذا كان صغر الطفل وعجزه وضعفه يغرينا بالقدرة والمعرفة، فهذا هو الامتحان بذاته. فلا شيء أعمق وأعقد من قضية التربية. ولا يوجد سوى حقيقة واحدة هنا وهي أنّه لا مربّي ولا هادي إلا الله تعالى. وإنّما قد يجري الله تعالى على أيدينا وألسنتنا وسلوكنا أنوار الهداية والتربية إن أراد. وكلّما تبرّأنا من حولنا وتأثيرنا أصبحنا أقرب لهذا التوفيق.
بيد أنّ هذا لا يعني أبدًا أن نتبرّأ من قواعد الحكمة في التربية ولا نسعى للحصول عليها وتطبيقها. ففي الواقع، إنّ هذا هو السبيل الأوحد لاكتشاف مدى عجزنا وضعفنا؛ أي إنّنا كلّما توغّلنا في الحكمة علمًا وعملًا، كنّا أقرب إلى مقام ظهور تأثير الله تعالى فينا.
إنّ ما نرجوه من الله تعالى هو هذا التوفيق؛ توفيق شهود تربيته وتأثيره؛ توفيق معاينة وحدانيته في الهداية والإرشاد؛ ولا يحصل ذلك إلا إذا سعينا بكل ما أوتينا من قوّة وجهد لأجل تربية أبنائنا وفق قواعد الحكمة الربّانية.
تربية الأبناء مسرح واسع وكثير المشاهد، يحمل معه فرصة عظيمة لإدراك أعظم حقائق الحياة. فنحن نتعامل مع المخلوق الذي جعله الله تعالى محور هذا الكون وسر هذا الخلق. وقد أوكل الله إلينا هذه المهمّة الأولى التي كلّف بها رسله وأنبياءه، حين أنعم علينا بالأبناء، وجعلهم تحت وصايتنا ومسؤوليتنا. إنّها مهمّة صناعة الإنسان وتكميله، وفي ظلّ العمل الصحيح قد نشاهد أعظم آيات الخلق وأجمل مظاهره. 
للتربية أصول وقواعد، ترتبط بعناصرها الأساسية وأركانها. حيث ينبغي أن نؤدّي لكلّ واحدٍ منها حقّه.

ولأجل أداء هذا الحقّ لا بدّ من معرفته ومعرفة حدوده أوّلًا. وأهم هذه الأركان:

المتربّي: فلا بدّ أن نعرف حقيقة المتربّي وماهيته، لأنّ التربية يجب أن تطال جوهر المتربّي. ولأنّنا نتعامل مع الطفل كإنسان، فلا ينبغي أن نغفل عن استعداداته الكامنة وطاقاته الخفية أثناء العمل على تربية إمكاناته وقدراته الفعلية. وإذا قيل بأنّ التربية عبارة عن الاستفادة من الإمكانات المتحقّقة لاستخراج الطاقات الكامنة، فليس في هذا الكلام أي مبالغة. 

هدف التربية: فلأي شيء نريد أن نربّي هذا الكائن وما هي الغاية التي ينبغي أن يصل إليها. وما لم تكن التربية هادفة ولم يكن هدفها صحيحًا، فإنّ جهودها تبوء بالفشل. وكلّما تجلت الأهداف التربوية أمامنا أصبحنا أكثر وعيًا لقضايا التربية ومستلزماتها.

المنهاج التربويّ: وهو عبارة عن مجموع القواعد التربوية التي تنتظم فيما بينها وتقدم لنا أطروحة شاملة لتكميل الإنسان وإيصاله إلى غايته المنشودة.. وفي هذا المجال تتضافر القيم المشكّلة للمنظومة الأخلاقية الروحانية الإسلامية مع نظامٍ تشريعيّ يرتبط بكل مجالات الحياة وابتلاءاتها، لينبثق منهما ذاك المنهاج المتكامل الذي يصلح لتحقيق جميع الأغراض المنشودة من التربية. بيد أنّ هذه القيم والأحكام يجب أن تنبثق من وعيٍ عميق وإدراكٍ ممتزج بالإيمان لتلك الرؤية الكونية التي تفسّر لنا حقيقة الوجود ومعنى الحياة، وتجيبنا عن جميع الأسئلة المصيريّة التي نحتاج إليها لإدراك المغزى والمعنى الكامن وراء وجودنا.  
ولا يخفى بأنّ تحديد صفات وكفاءات وخصائص المربي الناجح يأتي ليكمل أركان الرؤية التربوية ويجعل الحديث عنها والنقاش بشأنها مثمرًا ومفيدًا.
ورغم ما يكتنف هذه القضايا من عمق وجدية، إلا أنّها أبعد ما يكون عن التعقيد والصعوبة والإبهام. لهذا فنحن مدعوّون للتفكّر فيها من موقع المسؤولية قبل أي شيء. وحين نحمل هذه الأمانة برجاء أدائها إلى أهلها، فإنّ الله تعالى يتكفّل بهدايتنا وتسديدنا وإمدادنا بكل ما نحتاج إليه فيها.


 
 ________________
[1]. سورة التحريم، الآية 6.

 

المصدر: مركز باء للدراسات.

السيد عباس نور الدين

التعليقات (0)

اترك تعليق