مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

أفضل طرق القضاء على المشاغبة المدرسية
لماذا يجب تغيير الطرق الشائعة؟

أفضل طرق القضاء على المشاغبة المدرسية لماذا يجب تغيير الطرق الشائعة؟

أفضل طرق القضاء على المشاغبة المدرسية
لماذا يجب تغيير الطرق الشائعة؟


تُعد المشاغبة إحدى أهم عوامل تضييع الجهود في التعليم المدرسيّ على الإطلاق. ويبذل المعلّمون القسم الأكبر من أوقاتهم وهم يسعون لضبط الصفوف الدراسية؛ ومع ذلك فإنّهم قلّما يوفّقون في هذه المهمّة الشاقّة.
كل معلّم يحلم بأن يكون له تلامذة ينصتون باهتمام إلى كل كلمة يقولها ويفعلون كل شيء يطلبه؛ لكن هذا الحلم أصبح بعيد المنال في عصر يتميّز بالتشتت العجيب مع تراكم المهام الصفية وازدحام متطلّبات المناهج الدراسية.
اتّضح أنّ قسمًا كبيرًا من عوامل المشاغبة يرجع إلى شعور الطلّاب بالملل، الذي ينتج عادة من عجزهم عن التواصل الفعّال مع المدرّس. وقد تكون أسباب هذا العجز من ضعف التعليم، أو عدم تمكّن المعلّم من تقديم الاهتمام الكافي لكلّ تلميذ (كما يحصل في الصفوف المزدحمة)، أو كون ما يقدّمه من معلومات ومعارف فوق قدرة استيعاب التلميذ، الذي سيلجأ إلى المشاغبة للتعبير عن سخطه. وقد يكون الأمر بالعكس، حين يشعر هذا التلميذ بالملل نتيجة التكرار، وهو يرى أن ما يتعلّمه يعرفه سابقًا.
ما يهم هنا هو أن يتفهّم المعلّم الحصيف أسباب المشاغبة، بدل اعتبارها تعبيرًا عن خباثة التلميذ وشرّيته؛ (فكثير من التلامذة الطيبين يشاغبون كما تثبت الملاحظة الميدانية)؛ وبدل اعتبارها موجّهة ضدّه بالخصوص. فكثيرًا ما تكون المشاغبة تعبيرًا عن رفض غير واعٍ للضغوط التي يفرضها النظام المدرسيّ أو حتى تلك التي يحملها التلميذ معه من المنزل.
إنّ الانطلاق من دراسة واعية لأسباب المشاغبة يمكن أن يساعد المعلّمين في التخفيف من الضغوط، التي لا تزيدها إلّا شدّة وخطورة. فلا ينبغي للمعلّم أن يصبّ الزيت على النار عبر إضافة ما يفاقم المشكلة، لأنّ المزيد من الضغط لا يولّد إلّا الانفجار.
رُغم أنّ المعلّم واقعٌ تحت ضغط إنهاء المنهاج، لكنّ عمله هذا لا يساعد بتاتًا على تحقيق ما يريد. ولهذا، يُبتلى هذا النوع من المعلّمين بمشكلة الهروب من قبضة الأسد إلى فمه. فالمطلوب إنهاء المطالب الدراسيّة بصورةٍ صحيحة، وليس كيفما كان. وما الذي يحدث حين يقدّم المعلّم المادّة الدراسية غير عابئٍ بما فهمه التلامذة واستوعبوه؟! ألا يفترض حينئذ أن يكون تدريس فصل واحد، بدقّة وعناية، أفضل من عشرة فصول باعتباط وعدم مراعاة للنتائج المنشودة؟!
يتهرّب الكثير من المعلّمين من إخفاقهم هذا، بإلقاء اللوم على جيل هذا الزمن (وأتصوّر أنّ هذا النق كان منذ أن نشأ التعليم الإلزاميّ قبل حوالي مئتي سنة!)؛ لكنّ المشكلة الواقعية تكمن في العجز المتفاقم عن ضبط المشاغبين وتوجيههم بالشكل اللازم لاستيعاب المادّة والتفاعل معها كما ينبغي.
لا يُتوقّع من المعلّم وحده أن يحل مثل هذه المشكلة، التي تولّدت من اجتماع عوامل خارجٌ بعضُها عن حيطته ومسؤوليته. فعلى المدرسة والأسرة والمنهاج أن يتعاضدوا مع المعلّم من أجل انتشال التلامذة من تحت ركام الضغوط الشديدة؛ ولكلٍّ مسؤولية ودور في هذا المجال. لكن للمعلّم الدور الأكبر في الحد من الضغوط الأسرية والإدارية والمنهاجية؛ وهذا ما يتحقّق حين يقدّم دوره التربويّ على التعليميّ.
هنا تكمن المشكلة في كثيرٍ من الأحيان في: افتقاد المعلّمين للنظرة التربوية، وإهمالهم لهذا البعد، الذي يؤدّي دورًا مصيريًّا في نجاح التعليم.. فالتغلّب على العوامل النفسيّة السلبيّة المانعة من التفاعل مع التعليم، أولى من التعليم نفسه. وما لم يصل التلميذ إلى حالة الوعي التام تجاه عمليّة التعلّم التي يخضع لها، ويفهم ما يمثّله العلم في حياته، ويتحمّل مسؤولية نفسه فيه، فمن المستحيل أن تنجح عملية التعليم أو تؤتي ثمارها المنشودة.
ويبدأ هذا الوعي من خلال إشعار التلميذ بكينونته وتقدير إنسانيته وشخصيته واحترامه. فما لم يشعر التلميذ بأنّه كائنٌ محترم عزيز له أهميته في البيئة التعليمية، لا يمكن أن يبدأ بالتفكّر والتأمّل في نفسه وفي مشاعره وتصرّفاته ومستقبله.
إنّ الوعي الذاتيّ، الذي هو أساس كل حركة تكاملية إيجابية، يحتاج قبل أي شيء إلى هذا الشعور الذي يتم فرضه من الخارج. فاحترامنا لأبنائنا مقدّمة لاحترامهم أنفسهم. واحترامهم لأنفسهم مقدّمة للتأمّل والنظر في تبعات سلوكيّاتهم وآثار تصرّفاتهم على الآخرين. وبمقدار ما يشعر التلميذ بأنّه محترم، فسوف يحترم من يحترمه ويبتعد عن التسبّب بأي أذية أو إساءة له.
إنّ احترامنا للتلميذ يبدأ أيضًا من احترامنا لأنفسنا كمعلّمين. وهذا ما يتطلّب احترام أهم ما نمثّله، وهو العلم. ولا شك بأنّ البيئة المدرسية السائدة هي أبعد ما يكون عن احترام العلم؛ سواء من ناحية اختيار المعلّمين، على مستوى الكفاءة والأداء التربويّ أو على مستوى إدارة العمليّة التعليمية بكلّ تفاصيلها (النظام المدرسيّ العسكريّ، وقمع التلاميذ وحشرهم كالأنعام والتحكّم بالكثير من حاجاتهم الطبيعيّة، وفرض ما لا ينبغي فرضه عليهم و..).
إنّ النظام المدرسيّ، الذي لا يحترم التلميذ، لا يُتوقّع منه أن يساهم في تفعيل حالة احترام الذات عنده. ومع إنّ الأسس الأخلاقية والشرعية والقيمية الإسلامية ليست بعيدة المنال عن مؤسّساتنا، لكنّها مُبعدة ومطرودة من قبلها؛ حيث يتم الدوس عليها وتجاهلها، تحت حجّة تغليب متطلّبات التعليم والمنهاج على التربية.
إنّ تأسيس العلاقة بين المدرسة والتلميذ على قاعدة تبادل المنافع، هو الركن الأوّل الذي ينبغي أن تقوم عليه العلاقة السليمة البنّاءة؛ وذلك بدل التظاهر بالمنّة أو ممارسة دور الوكيل عن الشرطة الحكومية.
أجل، لقد قامت مدارس هذا الزمان على إيكال مهمّة إيواء الصبية من الشوارع للمدارس. ونعم، ينسى الكثير من المعلّمين ومدراؤهم ونظّارهم أنّهم يعتاشون من الأقساط المالية التي يدفعها الأهالي من عرق جباههم ودمائهم وزهرة حياتهم. لكن لو تذكّر المدراء والمعلّمون أنّهم يقدّمون خدمة مقابل خدمة، لما تعاملوا بمثل هذا المستوى من الاستعلاء مع من هم أولياء نعمتهم. وهل يستغل هؤلاء جهل التلميذ بذلك، أو عدم قدرة الأطفال على استيعابه؟!
ربما.
لكن، حتى لو كان المعلّم مظلومًا في حقوقه وراتبه ويستحق المزيد وما هو أكثر لقاء خدماته الجليلة، وحتى لو كان التعليم في المدارس الحكومية المجانية؛ فهذا لا يسقط الحقّ الإلهيّ والإنسانيّ للتلميذ في أن يكون معزّزًا محترمًا مكرّمًا. ويجب أن نُشعر هذا التلميذ بأنّه وليّ نعمة وصاحب حقّ وهو يدفع مقابل ما يأخذ. 
وفي المقابل، يجب تفعيل هذا الوعي عند التلميذ تجاه ما يقّدمه المعلّم والمدرسة من خدمات لا تضاهيها خدمات أخرى. ويبدأ ذلك، كما قلنا، من خلال احترامنا للعلم الذي نقدّمه ونعمل عليه، كمعلّمين وكمدراء. ولكي يتحقّق هذا الاحترام، على المدرسة أن تساعد المعلّم في هذه المهمّة الأساسية، عبر تعظيم شأنه وتقدير موقعيته بواسطة مجموعة من الإجراءات والتدابير المناسبة، التي تمنعه أيضًا من إسقاط شخصيته وإهانة نفسه والتقليل من شأنيته أمام الآخرين؛ وعلى رأس هذه التدابير منع المعلمين من إتيان التلاميذ في صفوفهم! بل ينبغي أن يسعى التلامذة نحو معلّمهم (وباختيارٍ تام)، ولو تطلّب ذلك تغيير البيئة الفيزيائية والهندسية للمدرسة. 
إنّ مجيء المعلّم إلى الصفّ الدراسيّ (أو كما يُسمّى الفصل في بعض الدول العربية) هو أوّل خطوة تحط من كرامته وشأنيته. وهي الخطوة التي ترسّخ حالة الضغط والفرض والقمع، التي تتسبّب بالكثير من المشاغبة. فيجب أن نجعل الطالب متحرّكًا ساعيًا بملء إرادته نحو أستاذه، بحيث يكون خروجه من الصف أيضًا كذلك. وحين يشعر التلميذ أنّه جاء باختياره، وأنّه يستطيع أن يخرج متى ما شاء باختياره، ومن دون أي عقوبة إدارية، فإنّه سيحترم أستاذه ومعلّمه.
 

المصدر: مركز باء للدراسات.

السيد عباس نورالدين

التعليقات (0)

اترك تعليق