مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

علي وزوجته السيدة الزهراء(ع) نموذجاً رائداً يُحتذى به

علي وزوجته السيدة الزهراء(ع) نموذجاً رائداً يُحتذى به

علي وزوجته السيدة الزهراء(ع) نموذجاً رائداً يُحتذى به:
بالعودة إلى حياة الإمام علي(ع) وسيرته وتحديداً فيما يتصل بعلاقته مع المرأة، فإني* لا أعتقد أنّ أحداً يخالفني الرأي في أنّ حياة الرجل -أيَّ رجل كان- مع زوجته هي أهم مرآة تعكس -إلى حدٍّ كبير- نظرته للمرأة عموماً، فإنّ الحياة الزوجيّة تمثّل احتكاكاً يوميّاً ومباشراً للرجل بالمرأة، وبالتالي فهي تكشف مصداقيّة الرجل وتفضح زيفه وتختبر نواياه، فالواقع والممارسة هما مختبر الشعارات والكلمات، ولا ريب أنّ سيرة علي(ع) مع زوجته السيدة الزهراء(ع) كانت سيرة عطرة ونموذجاً رائداً يُحتذى، فقد كان يجلّها ويحترمها ويقدّرها أفضل تقدير ويكرّمها أفضل تكريم، ويقاسمها العمل في البيت، ولم تبدر منه تجاهها كلمةٌ واحدةٌ تؤذي مشاعرها، أو تحطّ من كرامتها.
صحيح أنّ الزهراء(ع) هي امرأة استثنائية ومميّزة في أخلاقها ومتسامية في روحانيتها، لكنّ ذلك لا يُلغي دلالة سيرة علي(ع) معها على رؤيته للمرأة عموماً، لأنّه لو كان لديه نظرةٌ سلبيّة تجاه المرأة فمن الطبيعي أن ينعكس ذلك على فلتات لسانه أو صفحات وجهه تجاه المرأة التي هي في مواجهته صبحاً ومساءً، لكننا لا نجد شيئاً من ذلك، بل الأمر على العكس تماماً، فقد كانت الزهراء(ع) مصدر الأنس والراحة لعلي(ع)، وقد عبّر(ع) عن هذا المعنى خير تعبير عندما قال فيما روي عنه: «فوالله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمرٍ حتى قبضها الله عز وجل إليه، ولا أغضبتني ولا عَصَتْ لي أمراً، ولقد كُنْتُ أنظرُ إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان»[1]. فلاحظ المقطع الأخير من كلامه(ع) لتعلم مكانة الزهراء(ع) عند علي(ع).
ولو دخلنا إلى تفاصيل حياته المنزليّة، لوجدناه يتقاسم مع زوجته مسؤولية البيت، فلم يكن يرى أنّ العمل في البيت كالكنس والاستسقاء (طلب الماء) أو غير ذلك من الأعمال منافياً لرجوليته، كما لا يزال مركوزاً في أذهان بعض الرجال في الكثير من البلدان والمجتمعات، وقد ورد في الحديث عن أبي عبدالله الصادق(ع) بيان هذا الأمر، قال: «كان عليٌ(ع) أَشْبَهَ النَّاس طُعْمَةً وسِيْرَةً برسول الله(ص)، وكان يأكلُ الخبز والزيت ويُطْعِمُ الناسَ الخبزَ واللحم، قال: وكان علي(ع) يستقي ويحتطب، وكانت فاطمة(ع) تطحن وتعجن وتخبز وترقع..»[2].
ومن أبلغ وأجمل كلمات علي(ع) التي تدلل على مكانة الزهراء(ع) السامية لديه، قوله(ع) بعد دفنها مخاطباً رسول الله(ص): «السلام عليك يَا رَسُولَ اللَّه عَنِّي، والسَّلَامُ عَلَيْكَ عَنِ ابْنَتِكَ وزَائِرَتِكَ والْبَائِتَةِ فِي الثَّرَى بِبُقْعَتِكَ والْمُخْتَارِ اللَّه لَهَا سُرْعَةَ اللَّحَاقِ بِكَ، قَلَّ يَا رَسُولَ اللَّه عَنْ صَفِيَّتِكَ صَبْرِي، وعَفَا عَنْ سَيِّدَةِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ تَجَلُّدِي، إِلَّا أَنَّ لِي فِي التَّأَسِّي بِسُنَّتِكَ فِي فُرْقَتِكَ مَوْضِعَ تَعَزٍّ.. قَدِ اسْتُرْجِعَتِ الْوَدِيعَةُ وأُخِذَتِ الرَّهِينَةُ وأُخْلِسَتِ الزَّهْرَاءُ فَمَا أَقْبَحَ الْخَضْرَاءَ والْغَبْرَاءَ، يَا رَسُولَ اللَّه أَمَّا حُزْنِي فَسَرْمَدٌ، وأَمَّا لَيْلِي فَمُسَهَّدٌ وهَمٌّ لَا يَبْرَحُ مِنْ قَلْبِي أَوْ يَخْتَارَ اللَّه لِي دَارَكَ الَّتِي أَنْتَ فِيهَا مُقِيمٌ..»[3].
ولو غضضنا الطرف وصرفنا النظر عن علاقة علي(ع) بزوجته السيدة الزهراء(ع)، ولو بلحاظ ما ألمحنا إليه قبل قليل من أنّ لها خصوصيةً لا تدانيها ولا تساميها فيها امرأة أخرى ما قد يستدعي نوعاً خاصاً من التعاطي معها، فإنّ من الممكن أن نستجلي موقفه من المرأة من تعامله مع سائر زوجاته. فإنّ علياً(ع) قد تزوج بعد وفاة الزهراء(ع) بنساء أخريات، ولم يَكُنَّ في مكانة الزهراء(ع)، ولم يرقيْن إلى مقامها السامي، ومع ذلك لم ينقلْ عنه أنّه أساء إليهن أو أهانهن. بل كان -بحسب ظاهر الحال- يحترمهن جميعاً من موقع احترامه لإنسانية المرأة، ولم يتصرّفْ معهن بما يوحي بدونيّة المرأة أو احتقارها.
 
الهوامش:

[1]  انظر: كشف الغمة في معرفة الأئمة، ج1، ص 373.

[2]  الكافي، ج8، ص 165.

[3]  المصدر نفسه، ج1، ص 459.

*سماحة الشيخ حسين الخشن

التعليقات (0)

اترك تعليق