من سيرة وحياة المجاهدة هيام حسن زيدان من بلدة جويا الجنوبية
وأعدّوا لهم..
وتبدأ هيام مشواراً جديداً في حياتها الحافلة بالعمل والجد والنشاط، فهي الآن حوراء المقاوِمة التي يجب أن تبقى هويتها غير معلنة، لأن حقيقة الهدف والوجهة هو التقرب إلى الله، من خلال خدمة المقاومة.
تدخل هيام غرفتها تمسك كتاباً تضع الرسالة بين صفحاته كي لا يلاحظ أحد أنها تقرأ ورقة، تمعن النظر في كل كلمة؛ المطلوب هو عمليات رصد في جويا لعدد من العملاء المذكورة أسماؤهم في الرسالة، وفي حارات متعددة مدة أسبوعين على التوالي، وتدوين المعلومات بالتفصيل مع اليوم والتاريخ والساعة.
وتخاطب هيام نفسها: "هذا العمل يحتاج إلى ثلاث أخوات، ويجب أن يكون الخيار صائباً من المرة الأولى، إذا بدأت بالخطأ سوف أستمر بالخطأ، وغلطة الشاطر لا تغتفر في هذه الأيام".
وتجد الحل بعد مضي أقل من ساعة، تخرج من الغرفة، وتتنقل بين المطبخ وغرفة الجلوس بحثاً عن أختها ضحى، تجدها فتقول لها: إمشي على برندة المطبخ بدي إحكي معك.
وتستند كل منهما على درابزين البرندا أمام الطبيعة، وتبدأ هيام حديثها: حبيبتي أختي، عندي كم شغلة بدي مساعدتك على شرط دون علم أي مخلوق قريب أو بعيد، الأمور حساسة جداً، وأنا ثقتي فيك كتير كبيرة وعارفة مع مين عم بحكي.
ضحى: ماشي، تفضلي.
هيام: في كم عميل بدنا نراقبهم ونجيب عنهم معلومات لمدة أسبوع، أي ساعة يخرجون من المنزل، ساعة عودتهم، مين بيجي لعندهم، أو أي معلومات مفيدة غير هيك، "ثمَّ ذكرت لها الأسماء".
تفاجأت ضحى من طلب هيام، حاولت الاستفسار، لم تجبها هيام على أسئلتها بشكل صريح، لكنها ذكرت لها أن المسألة دقيقة جداً، وأن مساعدة المقاومين في هذه المرحلة تتطلب الكتمان. أومأت ضحى موافقة على كلام هيام، رغم الفضول الذي انتابها وقالت: بصراحة الموضوع صعب، بدك حدا يقدر يعمل هيك.
هيام: ما في شي صعب، المهم نلاقي الأخوات يلي يقدروا يساعدونا بهيدا العمل.
ضحى: أعطيني وقت شي نص ساعة، بفكر بهدوء، طالما عرفت الأسماء بفكر مين من الأخوات موجودة بالحارة وتكون كتومة.
هيام: اتكلي على الله، بس نص ساعة.
ضحى: ماشي، الله بعين.
وتقلب ضحى أسماء الأخوات والحارات في عقلها، لتجد أنه في إحداها لا يوجد أخت نعرفها، وتحلل من ناحية الأقارب للأخوات فلا بدّ من أن تجد حلاً للمسألة، وفعلاً بعد نصف ساعة تبلورت لديها الأمور، فتجلس مع هيام لمناقشة الأسماء.
ضحى: عندي الأخت بتول، والأخت إيمان، وفي عنا كمان الأخت زهراء بالنسبة لبتول الموضوع كتير مناسب لأن هي الوحيدة يلي عندها أقارب بهيديك الحارة، والموضوع عندك.
هيام: أحسنتِ، كل الأسماء جيدة، بدي منك تروحي لعندهم لأن بدي شوف كل وحدة لحالها، وما بدي حدا منهم يعرف إني وكلت غيرها بشي، ويكون بين اللقاء واللقاء نص ساعة تقريباً، ولازم التقي معهم اليوم إن شاء الله، بعد الغداء بتروحي الله بعينك. وتحدد هيام المواعيد.
ضحى: اتكلنا على الله ماشي.
وتلتقي هيام الأخوات كل واحدة على حدة، تشرح لهنّ باقتضاب أهمية هذا العمل، ودقته، وما يتطلبه من سرية، ورغم تفاجئهن بالطلب، لكنّهن يوافقن على أداء المهمة، ويتحمسن لأداء هذا الدور.
ويتفقن على موعد تسليم المعلومات: "بعد أسبوع من اليوم، أي السبت القادم قبل الغروب".
وفي الموعد المحدد تستلم هيام من كل أخت الجدول الأسبوعي للمراقبة التي عملت عليها، ثمَّ تأكدت من المعلومات أنها يومية.
وفي اليوم نفسه تطلب هيام محادثة والديها على انفراد وتضعهما في الأجواء من ناحية العمل مع المقاومة، وتشرح لهما الحاجة الملحة أحياناً إلى إيواء المجاهدين في منزلهم, ويبدي والداها الترحيب، فلا مانع لديهما بل على العكس، كذلك والدتها وافقت ورحبت، وهما حاضران لتقديم المساعدة.
ويبقى موعد اللقاء بالأخ هادي، تقول هيام في نفسها: "ولكن هناك مشكلة، الغرفة مشتركة مع أخواتي، ماذا سأفعل إذا لاحظوا شي، ويمكن نام وما فيق على الدقة، يا رب شو بدي إعمل؟ لازم دبر الأمر، كيف ما انتبهت للموضوع؟ لا، ما لازم استسلم وأكيد أختي ضحى راح تساعدني، وأهم شي إنها ما ألحت يوم بالسؤال عن الشغل، خلص رح إحكي معها والله كفيل بالأمور".
وعند الغروب، تبوح هيام لأختها ضحى أن أحد المقاومين سيأتي وإذا سمعت الطرق على النافذة فهذه إشارة وسوف تتكرر باستمرار، وفي حال كانت هيام نائمة عليها أن توقظها فوراً دون الإتيان بأي حركة.
ليل الشتاء طويل، وهيام لا تطيق السهر كثيراً لتأثيره السلبي في صحتها بشكل عام، ولكن لا بأس أن تسهر هذه الليلة كونها المرة الأولى التي سيأتي فيها الأخ هادي.
وعند منتصف الليل وفي الوقت المحدد تسمع هيام طرقاً على النافذة، تقترب بهدوء وتسأل: مين؟ فيجيب أحدهم: الأخ ساجد، تجيبه: معك حوراء، سألاقيك على برندا المطبخ. وتخرج من غرفتها بهدوء،
تتوجه إلى برندا المطبخ، فتجد الأخ هادي، شاب في مقتبل العمر، لم تبن ملامحه في العتمة جيداً، وعندما يراها يطرق برأسه إلى الأرض حياء. تلقي عليه السلام وتعطيه الأوراق التي جمعتها من الأخوات، وبدوره يسلّمها رسالة وينصرف كلمح البصر.
وتعود هيام إلى غرفتها، تضع الرسالة تحت الوسادة وتقول: "الحمد لله انقضت على خير، بعد صلاة الصبح أطّلع على الرسالة إن شاء الله".
وكعادتها قبل آذان الفجر تستيقظ هيام لأداء الصلاة وتلاوة القرآن الكريم، وبعد الانتهاء من واجباتها، تجلس على السرير وتمسك بيدها كتاب الدعاء وتضع الرسالة بين صفحاته، تقرأ ما فيها: "السلام عليكم، سوف يأتي شخصان من المقاومة نهار الاثنين بعد منتصف الليل مع الأخ هادي، وهما بحاجة إلى مأوى لعدة ساعات وسيغادران بعد صلاة الفجر إن شاء السميع العليم".
وتهزّ هيام رأسها إيجاباً، وتعمد في الصباح على شراء بعض البسكويت والحلوى المعلبة، وتحفظها في درج الخزانة، وبعد الظهر من نهار الاثنين تضع ثلاثة كراسي و"طراحة" في غرفة المونة المتطرفة عن المنزل والقريبة من الشرفة التابعة للمطبخ، والبسكويت الذي ابتاعته ومياه للشرب، ويبقى أن تؤمّن سجادة الصلاة مع إبريق من المياه تحسباً أنهم قد يحتاجون إلى الوضوء. والآن كل شيء جاهز وعلى ما يرام.
وفي تلك الليلة تسير الأمور على أحسن ما يرام، يأتي هادي وبرفقته اثنان من المقاومين، يضعهما في عهدة هيام وينصرف، فيبيتان في الغرفة إلى ما بعد صلاة الصبح.
المصدر: قصة "فراشة الليل"، سيرة المجاهدة هيام زيدان، الكاتبة: فاطمة شحادة، من إصدار سلسلة المرأة المقاومة في جمعية الرابطة اللبنانية الثقافية.


اترك تعليق