مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

دور المرأة في الحياة الإنسانيّة

دور المرأة في الحياة الإنسانيّة

بسم الله الرحمن الرحيم
 
يوم المرأة في ذكرى ولادة سيدة نساء العالمين الزهراء (ع):
[...] أذكر مسألة بشأن المناسبة التي أُقرّت في بلادنا في ذكرى ولادة سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين، وأعني بذلك يوم المرأة.
   إنّ يوم المرأة، يعني النظرة الصحيحة، والقائمة على المنطق، للنساء اللاتي يشكّلن نصف المجتمع الإنساني, ولو أردنا بنظرة فاحصة مقارنة دور المرأة بدور غيرها، لوجدنا أنّ دور هذا النّصف يمثّل الدّور الأكثر خطورة ودقّة وخلوداً وتأثيراً في حركة التاريخ الإنساني ومسيرة الإنسانيّة نحو الكمال، فقد خلق الله المرأة على هذه الشّاكلة.
أهمية دور الأمومة:
   ولو أردنا تقسيم خلق الإنسان والعالم إلى قسم الأعمال اللطيفة والدقيقة، وقسم الأعمال المحكمة أو الصلبة كما في عبائر البنّائين، لوجدنا أنّ المرأة تمثّل الجانب الأوّل من هذا القسم.
   وتكمن الخطيئة الكبرى للحضارة المادّيّة في تضعيف هذا الدور بل ونسيانه أحياناً، فحيثما تمّ الحديث عن تضعيف الأسرة فقد تمّ التّغافل عن دور هذا النصف المهم، وحيثما تمّ الحديث عن عدم الإهتمام بفنّ الأمومة وتربية الذريّة في حضن الأم العطوف، فقد تمّ تجاهل هذا الدّور.
   إنّ خطيئة العالم الغربي الكبرى تكمن في تضعيفه لهذا الدور، بل وتجاهله في بعض الموارد، ويعود شطر من هذه المعصية الكبيرة في أنّهم يمارسون هذه المأساة باسم الدفاع عن المرأة، في حين أنّها خيانة للمرأة والإنسان.
   يبدأ دور المرأة من بداية الحمل ويستمر إلى نهاية حياة الإنسان، فحتّى لو بلغ الرجل مرحلة الشباب أو تجاوزها، فإنّه يبقى رازحاً تحت وطأة عطف وحنان الأم وأساليبها الخاصّة.
   ولو أنّ نساءنا قمن برفع مستواهن المعرفي والعلمي فسوف لا يمكن مقارنة دورهن بأي مؤثر آخر من المؤثّرات الثقافيّة والأخلاقيّة أبداً؛ فتارةً يكون المستوى المعرفي لدى الأم متدنّياً، وبطبيعة الحال لا يمكنها أن تكون مؤثرة في مراحل الكبر، إلاّ أنّ هذا يعود لقلّة معلوماتها لا لنقصٍ في أمومتها.
   فالأم هي التي تعمل على نقل الثقافة والمعرفة والحضارة والسمات الأخلاقيّة للمجتمع من خلال جسمها وروحها وأخلاقها وسلوكها إلى ولدها عن قصدٍ أو غير قصد منها؛ فالكل واقع تحت تأثير الأم، والذي تُكتب له الجنّة إنّما تُكتب له بفضل الأم، فإنّ (الجنّة تحت أقدام الأمهات).
   وطبعاً فإنّ دور المرأة بوصفها زوجة، له بحث طويل آخر.
إنّ العالم الذي ينتزع المرأة من وسط الأسرة إنّما يعمل على خلق كارثة:
   إنّ العالم الذي ينتزع المرأة من وسط الأسرة ويخرجها من خلال الوعود الزائفة، ويجرّدها من أدوات دفاعها تجاه نظرات المجتمع وحركاته المتهتّكة، ويفتح المجال للنيل من حقوقها، إنّما يعمل على إضعاف المرأة، وتقويض الأسرة، وتعريض الأجيال القادمة للخطر.
   إنّ كل حضارة وثقافة تحمل هذا المنطق إنّما تعمل على خلق كارثة، وهذا ما عليه العالم حالياً، وهو في طريقه إلى الإتساع والإزدياد تدريجياً، وألفت انتباهكم إلى أنّ هذه الكارثة تعدُّ من السيول الجارفة التي تظهر آثارها الهدّامة على المدى البعيد، وأنّها ستعصف بأسس الحضارة الغربيّة وتقوّض دعائمها, فلا يبدو شيءٌ في المدى القصير، فإنّ آثار ذلك تظهر على مدى مئة سنة ومئتي سنة، وها هي بوادر هذه الأزمة الأخلاقية تطفو على سطح العالم الغربي.
   لقد كرّم الإسلام المرأة بالمعنى الحقيقي للكلمة، ولو أنّه أكّد  على دور الأم وحرمتها في الأسرة، أو دور المرأة وتأثيرها وحقوقها ووظائفها وحدودها داخل الأسرة، لا يعني بحال من الأحوال منعها من الإسهام في المسائل الإجتماعيّة وخوض النضال والنشاطات العامة.
   فقد أساء بعضٌ الفهم، وقد أساء بعض المغرضين الإستفادة من هذا الفهم الخاطئ، وكأنّ المرأة لا تخلو، إمّا أن تكون أُمّاً أو زوجة صالحة، وإمّا أن تشارك في الأنشطة الإجتماعيّة، في حين أنّ المسألة ليست كذلك، وبالإمكان الجمع بين الأمرين، وقد كانت فاطمة الزهراء(ع) مظهراً جليّاً للجمع بين مختلف الشؤون، وهكذا زينب الكبرى(ع) كانت نموذجاً آخر، وهكذا سائر العظيمات في صدر الإسلام، فقد كنَّ حاضرات في وسط المجتمع.
   لقد امتزج عدم استيعاب مفهوم تكريم الإسلام للمرأة بالتعاليم الخاطئة المستقاة من الغرب بوصفها تكريماً للمرأة، فأدّى إلى ظهور تيار فكري خاطئ.
   إنّ المرأة في داخل الأسرة عزيزة ومكرّمة، وهي محور إدارة الأسرة داخليّاً، وهي بمنزلة الشمعة بين أفراد الأسرة، وهي مصدر أنس وسكينة وطمأنينة.
   إنّ محيط الأسرة –التي تمثّل دعة الحياة المليئة بالعقبات والجهود لكل إنسان- إنّما يستقر ويسكن ويطمئن من خلال وجود المرأة، سواء أكانت زوجة أو أُمّاً أو بنتاً، فهي تحظى بالتكريم على الدوام.
   وعليه يجب إعادة تدوين قيمة المرأة وكرامتها في الإسلام، واستعراض هذه القيمة وبيانها.
عظمة الصديقة الزهراء(ع):
   المسألة الأخرى هي أنّنا نصف هذه المرأة العظيمة بألسنتنا القاصرة، وقد ذكر شعراؤنا الأعزاء هنا هذا المضمون عدة مرّات, وهو أنّنا نصف فاطمة الزهراء (ع) ببياننا الناقص ونظرتنا القاصرة؛ إنّ هذه النظرة لا يمكنها بلوغ تلك المقامات المعنوية؛ إذ ليس بمقدورنا فهمها أو إدراكها.
   وأحياناً تُطلق بعض التعابير التي تفتقر إلى الدقة الكافية، مثل التعبير القائل: "عرش الله تحت قدميك" فما الذي يعنيه هذا التعبير؟ إنّه مبهم وغير واضح, فلما كان ذهننا القاصر لا يستوعب واقع المطلب، ومع ذلك يراد التكريم والتعظيم، يتم اللجوء إلى مثل هذه التعابير التي تتصف بالجودة أحياناً وبالرداءة أحياناً أخرى, وبالصحة تارةً، وعدمها تارةً أخرى، فلا ندرك من الحقيقة إلاّ جزءها.
   والذي أريد قوله هو أنّ قيمة فاطمة الزهراء(ع) تكمن في عبوديتها لله، ولولا عبوديتها لَما اتّصفت بالصّدّيقة الكبرى، فالصّدّيق هو الشّخص الذي يظهر ما يعتقده ويقوله على سلوكه وفعله، وكلّما كان هذا الصدّيق أكبر، كانت قيمة الإنسان أكثر، فيكون صدّيقاً، كما قال تعالى: «فَأوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ»[1] حيث جاء ذكر الصدّيقين بعد النبيين.
   فكانت هذه العظيمة صدّيقة كبرى، أي أفضل صدّيقة؛ وكانت صدّيقيتها بعبادتها لله، فالأساس هو عبادة الله؛ وهذا لا يختصّ بفاطمة الزهراء (ع) فحتّى أبوها الذي يعد مصدر فضائل المعصومين جميعاً، والذي يشكّل أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء(ع) قطرات بحر وجوده المتلاطم، إنّما كانت قيمته عند الله بفضل عبوديّته "أشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله" فقد جاء ذكر العبوديّة قبل الرسالة، بل إنّ الرسالة إنّما أعطيت له لعبادته، لأنّ الله تعالى يعلم بمخلوقه وما تصنع يداه، أفلسنا نقرأ في زيارة الزهراء(ع) : "امتحنك الله الذي خلقك قبل أن يخلقك"؟
   إنّ أعمالنا معلومة لله تعالى، فعندما نتعرّض للمعاصي والأهواء والأموال والشهرة، فهل نحاول الوصول إليها، وإن على حساب التخلّي عن الشرف والإيمان والتكليف وأمر الله ونهيه أوْ لا؟ هنا يكمن اختيارنا، فأي طريق نسلك؟ فحينما يؤدّي التكلّم بشيءٍ إلى إلحاق ضرر مادي بشخص ما، وحينما يُلبي فعلُ هوى الإنسان في اقتراف المعاصي، نقف على مفترق طريقين، فأي الطريقين ننتخب؟ هل نختار طريق الهوى والمعصية والمال، أو طريق العفّة والتّقوى وعبادة الله؟ سنختار واحداً من هذين الطريقين، فالنتيجة نحن من يختار، والله تعالى يعلم ما سنختاره، لأنّه من علم الله سبحانه وتعالى؛ فإذا كنت شخصاً قادراً على الصمود أمام جبل من القيم المادّية التي تلبّي الأهواء، فعندها سيكتب لك الله مقاماً محموداً: «وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا»[2].
   إنّ الله سبحانه وتعالى لم يتفضّل على مريم بلطفه اعتباطاً، فهذا كلام القرآن، فقد حافظت عل عفّتها بكل وجودها، فاستحقّت أن تكون أمّاً لعيسى(ع)... كما أنّ النبي يوسف (ع) قد ركل الهوى مع ما كان عليه من الجمال والشباب والرخاء المادّي في بيت عزيز مصر، فاستحق مقاماً محموداً عند الله، فكان نبيّاً.
   إنّ الله يعلم أنّ عبده هذا يمتلك مثل هذه الذات، وأنّه سوف ينتفع بهذه الإرادة في سبيله، ولذلك يرصد له مسؤوليات جسيمة وكبيرة أخرى، لكل واحدة منها أجور بحجمها.
   "امتحنكِ الله الذي خلقكِ قبل أن يخلقكِ فوجدكِ لمّا امتحنكِ صابرة".
   إنّ الله تعالى يعلم كيفيّة انتخاب فاطمة الزهراء (ع) في مدّة حياتها. إنّ عبوديّة الله هي المعيار والميزان، وقد غدا ذلك لنا خطّاً واضحاً.
   أيّها الأخوة الأعزاء من (المدّاحين) أنتم أشخاص تفوح من ألسنتكم وحناجركم أطياف ساطعة، وعبقات عطرة في مدح بنت النبي (ص)، وأئمة الهدى (ع) لتستقر في قلوب السامعين، وهذه قيمة عالية.
[...]
   لقد افتتح القارئ العزيز اجتماعنا هذا بآيات مهمة من القرآن، وسأذكر بعض الآيات التي تسبقها من قوله تعالى: «يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً»[4] وذلك لمكان انتسابهن من الرسول(ص) وتظلّ هذه المعادلة باقية حتى في جانبها الإيجابي «وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنُّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ»[5] أي أنّ صلاة زوج النبي لها ضعف ثواب غيرها، وهكذا سائر عباداتها، وكذلك لو أنّها اغتابت شخصاً والعياذ بالله سيكون جزاؤها ضعف جزاء غيرها، ثم تبدأ الآية التي تلاها الأخ من قوله تعالى: «يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ» إذ إنّ لنساء النبي امتيازاً على سائر النساء، ثم جاء بعد ذلك: «فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً»[6] وما ذلك لخصوصيّة في نساء النبي سوى انتسابهنّ إليه(ص) وهكذا بالنسبة لنا، فكلّما كان انتسابنا إلى رسول الله(ص) أوثق وكان منصبنا الإجتماعي خطيراً وممتازاً، كانت لنا تلك الخصوصيّة.[...]
                                                                                                                              والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


الهوامش:
[1]سورة النساء، الآية 69.
[2]سورة التحريم، الآية 12.
[3]سازكار: أحد قرّاء القرآن المعروفين في الجمهوريّة الإسلاميّة.
[4]سورة الأحزاب، الآية 30.
[5]سورة الأحزاب، الآية 31.
[6]سورة الأحزاب، الآية 32.
  
الزمان: 5/5/1384هـ ش 20/6/1426هـ ق 27/7/2005م
المكان: مشهد المقدّسة
الحضور: شعراء ومدّاحي أهل البيت (ع)- مشهد المقدسة.
                                                                                  

التعليقات (0)

اترك تعليق