مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

مكانة المرأة في الإسلام

مكانة المرأة في الإسلام: دور المرأة في انتصار الثورة الإسلامية


بسم الله الرحمان الرحيم


والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين.
[...] ما أراه مناسباً اليوم لأعرضه [...] يتلخّص في موضوعين أو ثلاثة في مجال قضية المرأة.
الموضوع الأول: هو أنّ ثمة معضلة قائمة اليوم لا في بلدنا –إيران- فقط، بل في جميع أرجاء العالم، وهي أنّ هناك تقصيراً وحيفاً فيما يتعلق بحقوق وشخصية المرأة في بعض قطاعات الحياة، أي أنّ النساء يتعرضن للظلم. قد يتصوّر البعض أنّ هذا التقصير والحيف يختص بالبلدان الشرقية أو البلدان الإسلاميّة، وهذا وهم، فالظلم الذي تلقاه النساء في البلدان الغربية –مع كل ما تدّعيه بشأنهنّ- إن لم تفق البلدان الإسلامية والشرقية فهو [الظلم] لا يقل عنها. وهنالك إحصائيات تتحدث عن الأذى الذي يلحق بالمرأة من قبل الرجال في داخل الأسرة سواء من الزوج، أم من الأب، أم من الأخ، وقد قرأت هذه الإحصائيات فوجدتها مثيرة وتبعث على الدهشة. إذن فهذه المعضلة موجودة في كل أرجاء العالم وينبغي العمل لحلّها.
دور المرأة في انتصار الثورة الإسلامية:
لا شكّ أنّ الوضع في بلدنا بعد انتصار الثورة قد تغيّر إلى حد بعيد، أي ابتداءً من مقدّمات انتصار الثورة حيث شاركت النساء في ميادين المواجهة السياسية الكبرى وأثبتن دورهنّ الفاعل. أقول للسيدات الكريمات وأخواتي وبناتي: يحتمل أنّ دور حشود النساء في انتصار الثورة كان أكبر من دور الحشود الخاصة بالرجال، أي أنّ مشاركة النساء في المواجهة العامة والسياسية كانت متعددة الجوانب. فالرجل كان شخصاً واحداً يأتي بنفسه ويشارك في المواجهة وفي التجمعات وفي المسيرات فحسب، ولكن حينما كانت ربة البيت تعتبر نفسها شريكة في المواجهة وتنزل إلى الساحة، فإنّها في الواقع تصطحب معها بيتها إلى ساحة الصراع والمواجهة، وتأتي بجميع أفراد البيت الذي فيه الرجل والمرأة والأولاد، وتُحضرهم إلى ميدان الصراع.
وفي الحرب أيضاً، لولا صبر أمهات وزوجات الشهداء لواجهت الحرب مشاكل كبرى. فدور النساء فيها كان دوراً بارزاً. وهذا الدور في المجتمع جعل نساءنا يتحلّين بالوعي والنضج السياسي، وحينما يوجد الوعي السياسي فلا يمكن لأحد أن يفرض عليها بسهولة ما يشاء، أو يهضم حقّها، وهذا ما حصل في عهد الثورة.
أرجو من الفتيات المثقفات والسيدات الواعيات الفاهمات الالتفات بدقّة إلى أنّه يمكن النظر إلى المرأة من ثلاثة أبعاد: لأجل أن تتضح الرؤية الإسلامية لها:
البعد الأول: دور المرأة بصفتها إنساناً في طريق التكامل المعنوي والنفسي، وفي هذا البعد لا تفاوت بين الرجل والمرأة: إذ كانت هنالك نساء جليلات وبارزات مثلما كان هنالك رجال كبار وبارزون. وفي القرآن الكريم حينما يريد الله أن يضرب مثلاً للمؤمنين يضرب لهم مثلاً بالمرأة: «ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً للذينَ آمَنُوا امرَأَةَ فِرعون»(التحريم: 11)، باعتبارها عنصراً مؤمناً وبارزاً لا نظير لها بين بني الإنسان، أو قلّ نظيرها بينهم آنذاك.
البعد الثاني: في مجال النشاطات الاجتماعية والسياسية والعلمية والاقتصادية، فباب هذه النشاطات مُشرّع أمام المرأة بالكامل. ولو شاء أحد حرمان المرأة من مزاولة النشاط العلمي والسعي الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، فإنما يتكلم خلافاً لحكم الله. فلا مانع من مزاولة هذه الأعمال بالقدر الذي تبيحه القدرة الجسديّة، وتستدعيه الحاجات والضرورات. والشرع المقدّس لا يمانع في بذل الجهود الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسية قدر المستطاع.
ولمّا كانت المرأة بطبيعة الحال أرقّ جسدياً من الرجل؛ لذلك فإنّ لهذه الحالة ضروراتها، وفرض العمل الثقيل على المرأة ظلم لها. إنّ الإسلام لا يوصي بهذا، ولكنه في الوقت نفسه لا يمنع ممارسة النشاط العلمي والجهد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
طبعاً هناك رواية منقولة عن نبي الإسلام الكريم (ص) قال فيها: "المرأة ريحانة وليست بقهرمانة" أي أنّ المرأة زهرة وليست قهرمانة، القهرمان يعني الكادح والخادم المجد. والخطاب في هذه الرواية موجّه للرجال؛ أي أنّ المرأة في داركم لطيفة كالزهرة ويجب معاملتها بمنتهى الرقّة، وهي ليست خادمة لكم فتتوهمون وجوب فرض الأعمال الثقيلة عليها، وهذا أمر مهم.
[...] وما يشترطه البعض -حين يبغي الزواج- في أنّ المرأة يجب أن تعمل ولا بدّ أن يكون لها عمل ودخل خطأٌ طبعاً. إنّ هذا لا يتعارض مع الشريعة، إلّا أنّ الإسلام لا يوصي بمثل هذا العمل أيضاً. فالذي يُطرح -استناداً إلى رأي الإسلام- بمنع المرأة من ممارسة النشاط الاقتصادي والاجتماعي، خطأ؛ فالإسلام لا يقول بمثل هذا.
ولكن من الجهة الأخرى، فإنّ إرغام المرأة على مزاولة أعمال ثقيلة وتكاليف شاقة اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، لم يوصِ به الإسلام أيضاً. رأي الإسلام رأي وسط؛ أي أنّ المرأة إذا كان لديها الفراغ والوقت، ولا تمنعها تربية الأطفال، وكانت لديها الرغبة والاندفاع والقوّة والقدرة وأرادت الدخول في مجال النشاطات الاجتماعيّة والسياسيّة أو الاقتصادية، فلا مانع من ذلك. ولكن أن تُرغم ويقال لها: يجب أن تتخذي لك عملاً، وتعملي بهذا القدر يومياً ليكون لك دخل وتشاركين بقسم من دخل الأسرة ونفقاتها، فهذا أيضاً ممّا لم يطلبه الإسلام من المرأة، وهذا يعد نوعاً من الفرض على المرأة.
ذكرنا إذن في البعد الثاني -حيث مجال النشاط العلمي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي وما شابه ذلك- بإيجاز أنّ الإسلام لا يجيز فرض شيء على المرأة أو إرغامها عليه، ولكن في الوقت نفسه لا ينبغي إغلاق الطريق بوجهها.
إذا أرادت النساء الدخول في النشاطات الاجتماعية والسياسية، فلا مانع من ذلك، كما أنّ النشاط العلمي -بطبيعة الحال- محمود جداً وله الأرجحيّة. إنّني أوصي العوائل بالسماح لفتياتها بالدراسة. ولا يتوهمنّ أب أو أم –من باب التعصب الديني- بوجوب منع الفتاة من مواصلة الدراسات العليا، كلا، فالدين لم يأمر بمثل هذا، وهو لا يُفرّق في اكتساب العلم بين البنت والابن. فإذا كان ابنكم يدرس الدراسات العليا، دعوا ابنتكم أيضاً تواصل دراستها العليا. دعوا فتياتنا يدرسن ويكسبن العلم والوعي ليقفن على شأنهن ويعرفن قدر أنفسهن وليدركن مدى عقم وتفاهة وخواء دعايات الاستكبار العالمي حول المرأة. ومثل هذه الأمور يمكن إدراكها في ظل الثقافة.
فأكثر فتياتنا تديناً وثورية وعفّة وإيماناً اليوم، هنّ من بين الشرائح المتعلمة. أمّا المتعلقات بشؤون الزينة والبذخ، ومن يبغين الانسياق الأعمى وراء النموذج الغربي في نمط الملابس وطراز الحياة فهنّ على الغالب فارغات من الثقافة والمعرفة والمعلومات الكافية. ومن لديه معلومات كافية يمكنه التحكم بسلوكه، والانقياد لكل ما هو حق وحقيقة وجميل.
وعلى هذا ينبغي أن تكون جميع الطرق مفتوحة في المجال العلمي ليتاح التعلّم للفتيات حتّى في القرى. أوصي الآباء والأمهات بالسماح لبناتهم الصغيرات بالذهاب إلى المدرسة للتعلم، وإذا كان لديهن الاستعداد والرغبة فليكملن مراحل أعلى من الابتدائية حتى يبلغن مراحل الدراسات العليا والدراسات الجامعية ليصبحن من جملة الناس المتعلمين والمثقّفين في مجتمعنا الإسلامي.
البعد الثالث: ينظر إلى المرأة بصفتها عضواً في الأسرة، وهو الأهم من كل ذلك. أيّها الأعزة، لم يعط الإسلام الرجل إذناً بالتسلط على المرأة وفرض شيء عليها. قد جُعلت للرجل حقوق محدودة في الأسرة من باب كمال الحكمة والمصلحة، وكل من يوضّح له ذلك يؤمن حتماً أن قد جُعل للمرأة في مقابل ذلك ومن باب المصلحة حقوق أيضاً.
لكل من المرأة والرجل خصائص وطباع وغرائز خاصّة به. ولو استثمرت تلك الطباع الخاصة بالرجل والمرأة بشكل سليم فإنّهما يشكلان في الأسرة ثنائيّاً متكاملاً ومتجانساً ومنسجماً. ولكن التوازن يختلّ إذا تمادى الرجل، وكذا الحال إذا تمادت المرأة.
الإسلام جعل في الأسرة جزئين شبيهين بمصراعي الباب، أو كالعينين في وجه الإنسان، أو كرفيقي السلاح في خندق صراع الحياة، أو كشريكين في دكان واحد، لكل واحد منهما خصائصه، وطباعه، وخصاله، ولكل منهما جسمه، وروحه، وفكره، وغرائزه، وعواطفه الخاصة به. للمرأة خصائصها، وللرجل خصائصه. ولو عاش هذان الجزءان بنفس تلك الحدود والموازين التي عيّنها الإسلام فسيشكّلان أسرة خالدة، وعطوفة، ومباركة ونافعة.
وفي العالم الغربي تتميّز الأسرة –اليوم- بأنّ بناءها في غاية الوهن، وتعاني فيه الأسرة من التفكك، والمرأة بالذات من أعباء العمل. فإذا اضمحلّت العائلة لا سمح الله، فإنّ كلاً من الرجل والمرأة يقع في الضياع والحيرة والشقاء، إلّا أنّ المرأة لأكثر شقاءاً. وفي العالم الغربي تواجه المرأة مثل هذا الشقاء، لأنّ نظم الأسرة ينفرط بسهولة فتتلاشى وتزول. وفي بعض الأحيان تكون المبادرة من المرأة إلّا أنّها هي التي تتحمل النتائج المريرة.
القضيّة المهمة -كما ذكرت- هي أن يعيش هذان العنصران وهذان الموجودان -مع ما لهما من خصائص- بانسجام وتعايش مشترك في نطاق الأسرة، إلّا أنّ أحدهما أرق جسماً والآخر أقوى وأشد. فإذا لم يحمِ القانون المرأة فقد يحيف عليها الرجل. ولهذا فإنّ على القانون واجبات ثقيلة جداً لحماية النساء اللاتي كوّنّ أسراً، وفي إطار أجوائهن العائلية. وهذا ما يجب علينا متابعته بجد في بلدنا. وهذه أيضاً نقطة أخرى.
بطبيعة الحال حصلت بعد الثورة إصلاحات كثيرة في قوانين الزواج وقوانين حماية الأسرة، إلّا أنّ هذا لا يكفي. وما نوصي به جميع المسؤولين -سواء من هم في المجلس، أم في أجهزة الدولة، أم الذين يرتقون منابر الوعظ والخطابة، وحتّى النساء أنفسهن- هو وجوب الحماية الأخلاقية والقانونية للمرأة، لكي لا يتاح للرجل ظلمها في الجو الأسري.
وهذه هي النقطة الأساسيّة التي قدّم الإسلام بشأنها إنجازاته، وهي القضية نفسها التي جعلت المرأة في العالم الغربي تعاني من وطأة المظلوميّة الشديدة.
البعض ينظر إلى ظواهر الأمور، ينظر إلى البيئة الاجتماعية في الغرب، فيرى أنّ النساء يمشين بلا وجل، فيتصور أنّهنّ يتصرفن أيضاً في داخل الأسرة بلا وجل. إلّا أنّ هذا التصور خاطئ، ففي محيط المرأة والأسرة تلقى المرأة الكثير من الظلم، والإسلام يحول دون هذا. وإذا كان في مجتمعنا نقصٌ في هذا المجال فلا بدّ من التصدي له، ولا بدّ أن تتم الحماية القانونية للمرأة بكل قوّة. طبعاً توجد في البيئة الاجتماعية نشاطات تكون المرأة أكثر كفاءة فيها. ولا بأس أن أشير إلى هذا الجانب بمناسبة يوم الممرضات؛ فإحدى تلك المسؤوليات هي مسؤولية التمريض، حيث كانت النساء منذ السابق أكثر نشاطاً من الرجال فيها. وهو عمل فائق الأهمية وله قيمة رفيعة.
أيتها السيدات الفاضلات وأيتها الأخوات الكريمات، المهم هو أنّ الإسلام اليوم متأهب بقوانينه ومعارفه لحماية جميع الشرائح الاجتماعية في بلدنا، من النساء والرجال، الريفي والحضري، وجميع الطبقات وخاصة الضعيفة منها.
وفي جانب آخر، وانطلاقاً من هذه الرؤية دأب الاستكبار اليوم على التآمر ضد الجمهورية الإسلامية. وقلّما يمضي شهر لا يكون فيه الاستكبار بكل أجهزته ومؤسساته وشركاته، وبكل الأدمغة المأجورة ودوائر التخطيط لديه -التي دأبها التخطيط للتآمر على الشعوب والحكومات الحرّة- بصدد التآمر وتوجيه ضربة لنظام الجمهورية الإسلامية، وهذا النهج متواصل أسبوعياً وأحياناً يومياً وبشكل مستمر.
وبفضل الله فقد حبطت واندحرت جميع مساعي الاستكبار المناوئة للجمهورية الإسلامية؛ بفعل هذه التجمعات، وهذا الانسجام والتلاحم، وبسبب ما يتحلّى به النساء والرجال –بحمد الله- من وعي في بلدنا، وقد تمرّغ أنف الاستكبار بالتراب مرّات ومرات في ساحة المواجهة مع هذا الشعب العظيم.
وفي هذا المجال كان الدور الأوفر لوعي ومشاركة الشعب في الميادين المهمة اجتماعياً وسياسياً.
وكان لكُنّ أنتن السيدات -ولا زال- تأثير فاعل في هذا الصدد. اليوم توجد وبحمد الله جامعات وحوزات علمية في جميع أرجاء البلد، والفتيات يدرسن في الحوزات العلمية وفي الجامعات ويكسبن العلوم والوعي في المجالات المختلفة.
وما دامت هذه الروح الشابّة، المتحمّسة، الواعية، والتي تتميز بالإرادة والمحبّة موجودة -وهي بحمد الله كثيرة في مجتمعنا- فلن يقدر الاستكبار وأمريكا وأعداء هذا الشعب صغاراً وكباراً على ارتكاب أية حماقة.
أوصي أخواتي وبناتي العزيزات بالاستزادة من هذا الوعي. ويجب أن تعتبر النساء أنفسهنّ مكلّفات اليوم كالرجال بالاهتمام بالكتب، والمطالعة، والدقّة، والتحقيق، والدراسة، والخوض في القضايا موضع الابتلاء اليومي، والاهتمام بالشؤون الدينية التي هي من جملة الواجبات الحتمية والبديهية. أنتن اللاتي تربّين الأولاد الصالحين، وأنتن اللاتي تشجعن أزواجكنّ على دخول الميادين الصالحة، الكثير من النساء يجعلن من أزواجهن من أهل الجنّة ويستنقذنهم من مشاكل الدنيا والآخرة.
أدعو الله أن يشمل الجميع بلطفه وفضله، وأشكر جميع الأخوات الكريمات اللاتي قدمن من أماكن قريبة وبعيدة لتشكيل هذا الحشد المهيب [...].
أستودعكنّ الله جميعاً، وأسأله أن يمنّ عليكنّ بلطفه وفضله الوفير.

المناسبة في: زيارة لمحافظة آذربيجان.
الزمان والمكان: 4جمادى الأولى 1417هـ- آذربيجان.
الحضور: جموع من النساء في محافظة آذربيجان.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

التعليقات (0)

اترك تعليق