مسائل المرأة والأسرة: كلمة الإمام القائد في اللقاء الثالث للأفكار الاستراتيجية (حول موضوع المرأة والأسرة) 14/1/2012م
[...]
مسألة المرأة والأسرة:
إنّ مسألة المرأة والأسرة هي من مسائل الدرجة الأولى بالنسبة للبلاد. لقد أثبت الأصدقاء والسيدات والسادة الذين حضروا وتحدّثوا هنا هذا المعنى، لا ضرورة لأن نضيف شيئاً على ما قلتم وبيّنتم بشكل واسع وجيد، لقد دلّ الكلام هذا على أنّ المسألة مهمة جداً. إن دور وحصة السيدات في النظام دور استثنائي وممتاز؛ مثلما كان دور السيدات في أصل الثورة ممتازاً. ربما لا يعرف الشباب الأعزاء الحاضرون في هذا اللقاء –ممن لم يكونوا في زمان الكفاح أو الثورة- ما الذي حدث حينها، ومعلوماتهم هي عن طريق التقارير التي يشوبها النقص جميعاً؛ وللأسف، كل التقارير والأخبار التي خرجت من قلب الكفاح والثورة ناقصة وذات بُعد واحد ومختصرة. لدينا عمل كبير ينبغي إنجازه في هذا المجال –وإن لم يكن من الأفكار الاستراتيجية إلّا أنّه من الأعمال الاستراتيجية- وينبغي أن يتم متابعته إن شاء الله؛ أولئك الذين شاركوا وكان لهم حضور فعال منذ بداية الثورة يعلمون بأنّ النساء كان لهن دور (مميز) سواء في بدايات النهضة أو في زمن الثورة، أي في تلك السنة والنصف من التحركات الجماهيرية الثورية، كان للنساء دور مؤثّر ولا بديل له حتى أنهنّ لو لم يشاركن فقط في هذه التحركات والتظاهرات الحاشدة والعظيمة، لما كان لهذه التحركات كل ذلك الأثر، بل إنه في بعض الأماكن، مثلاً عندنا في مشهد كان انطلاق التظاهرات بواسطة النساء أي أنّ أول حركة شعبية كانت حركة نسائية وقد تصدّت لهن الشرطة وانطلقت فيما بعد التحركات من الرجال، هكذا كان الأمر في الثورة والمواجهات؛ وكذلك بالنسبة إلى دورهن في تشكيل النظام، وما جرى بعده بشكل سريع؛ أي زمن الحرب، زمن المحنة، زمن الامتحان الصعب ‹حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ› (التوبة: 118)، لقد كانت الأوضاع قاسية في زمن الحرب. والحال فإنّ البعض شاهد الحرب عبر التلفاز والإذاعة وما شابه، والبعض كان وسط ميدان الحرب بجسده وروحه، ما يتم عرضه من تقارير وأخبار مفعمة بالحماس والشوق في الحرب، كلّه صحيح وحقيقي، حيث إنّني أقرأ الكثير من الكتب المتعلّقة بذكريات المقاتلين وأعلم بأنها صحيحة، كلّ ذلك الشوق والحرقة والعشق للجهاد والاشتياق للشهادة وعدم الرهبة من الموت وما شابه، هو ما يُعرض في التقارير وهو صحيح؛ لكنّ النظرة العامة للحرب، كانت نظرة مثقلة بالمحنة والحزن. حسناً تلك الكتيبة التي تتقدّم وتحارب بشوق ولهفة لا تعلم ما هي الحالة الموجودة في المركز الرئيسي حول كل أوضاع الجبهة، وما هي الهواجس الجدية. وما وراء المركز الرئيسي على المستوى العام للبلاد، ما هي النواقص والمخاوف الموجودة.
لقد كان زمناً صعباً، وفي هذا الزمن الصعب كان دور النساء دوراً استثنائياً؛ دور أمهات الشهداء، دور زوجات الشهداء، دور النساء المباشر المتصل بساحة الحرب مباشرة، في أعمال الدعم والمؤازرة، وأحياناً وبشكل نادر في الأعمال العسكرية والعمليات. ولقد شاهدتُ عن قرب أعمال الدعم الحربي للنساء في الأهواز حيث كان دوراً منقطع النظير. لقد كانت النساء فاعلات حتى في الأقسام العسكرية. القصة التي كتبتها السيدة حسيني "دا" تدل على هذا الأمر، لقد شكّلن فريق عمل لا يمكن قياسه بأي معيار ولا ميزان. أن تكون أمّاً، أمّاً لشهيد، أمّاً لشهيدين، لثلاثة شهداء، لأربعة شهداء، ليس الأمر بالمزحة؛ يسهل ذكره على اللسان. إذا تعرّض طفل للزكام، وسعل عدة مرات كم نقلق عليه؟ فلماذا لو ذهب الولد فقُتل ثم قُتل الثاني وثم الثالث، هل هذه مزحة؟ وهذه الأمّ بكل عواطفها الأمومية المرهفة والملتهبة، تؤدي دورها بشكل تتشجّع معه مائة أمّ أخرى لإرسال أولادهن إلى ساحة الحرب، لو أنّ تلك الأمهات –حين وصلتهن جثامين أبنائهن أو لم تصل- صدرت منهنّ آهات وأنين، عتاب وشقّ للجيوب أو اعتراض على الإمام [الخميني] وعلى الحرب، فلا شكّ أنّ الحرب كانت ستُشلّ في تلك السنوات والمراحل الأولى للحرب، وهذا هو دور أمهات الشهداء، الزوجات الصابرات للشهداء. نساء شابات يفقدن أزواجهن في بداية الحياة الجميلة التي كن يتمنينها، أن يرضين أولاً بأن يذهب أزواجهن الشباب إلى حيث من الممكن أن لا يرجعوا؛ ومن ثم يتحملن شهادتهم، ثم يفتخرن بهذا ويرفعن رؤوسهن شموخاً، هذه أدوار لا بديل لها ولا مثيل. ثمّ المعاناة المستمرة حتى الآن لزوجات المعوّقين من جرحى الحرب. سيدات تزوّجن بمعوّق جسده ناقص[...]، أن تقوم سيدة بملء إرادتها وبشكل ملتزم ومسؤول وتتحمّل هذا بشكل تطوّعي وبدون أي إجبار، تكون قد قامت بعمل فدائي كبير. أحياناً قد تقلن [أيتها السيدات] أنّنا نجيء في اليوم لزيارة أحد الجرحى لمدة ساعتين، حسناً في كل مرة تذهبن تُشكرن على تعبكن، ولكن أحياناً يكون العكس، أنتن تخترن إن تكنّ زوجات لهؤلاء الجرحى، تصبحن دائنات! أي أنّ طبيعة الحال أن تقمن أنتنّ بهذا العمل؛ لكن هؤلاء النسوة قمن بهذه التضحيّة. وفي الحقيقة إنّ دور النساء لا يمكن أن يُحدّ ويُحسب.
قيمة الشعب عند الإمام الخميني:
وإنني أقرّ وأعترف بأنّ إمامنا العظيم كان أول من أدرك هذا الدور –كالكثير من الأمور الأخرى التي كان أول من أدركها ولم يكن أحد منّا يعرفها- ولذلك فقد أدرك الإمام دور الشعب، أدرك الإمام تأثير حضور الشعب، في الوقت الذي لم يكن أحد يُدرك ذلك. [...] عرف قدر الشعب، وعرف الشعب، أدرك قدراته وكشفها واستنهضها؛ لأنّ الإمام كان صادقاً، لأنّ كلامه كان يخرج من ذلك القلب النوراني الكبير، فإنّه كان يؤثّر (في الناس)، لذلك فإنّ الجميع قد نزل إلى الساحة.
في ذلك اليوم الذي تشكّلت فيه اللجان، جميع الفئات جاءت إليها، من الطالب الجامعي إلى الأستاذ وطالب العلم، عالم الصف الأول، الناس العاديين، كلّهم جاءوا وانتسبوا للّجان. حين بدأت الحرب بأمر الإمام في أواخر عمره: يجب أن تذهبوا وتبنوا وتصنعوا للوصول إلى الاكتفاء تحرّك الجميع نحو إعادة البناء، لكن الفتوحات لا تزال مستمرة حتى اليوم.
أعتقد أنّنا حيثما تقدّمنا اليوم إلى الأمام فإنّ ذلك بفضل الإمام، لقد أطلق عنان هذه الحركة بشكل متين بحيث إنّ أمثالي ينبغي أن يركضوا اليوم وراءه. لقد تحرّك هذا الشعب، ولا تزال الراية تنتقل من جيل إلى جيل ومن يد إلى يد.
المرأة في الثورة:
وهكذا كان الإمام أيضاً في مجال المرأة، لقد أدرك الإمام دور النساء، وإلّا فقد كان هناك علماء كبار حيث كنّا نتجادل معهم حول مسألة مشاركة النساء في التظاهرات أو عدم المشاركة، وكانوا يقولون بعدم مشاركة النساء في التظاهرات.
[...]
أسباب البحث في مسألة المرأة:
على أي حال، فإنّ دور النساء لا بديل له، لذا فإنّ هذا الدور ضروري لأنّ له مستقبلاً، لقد مضى على عمر الثورة 32 عاماً، وهو عمر شباب حتى عند الإنسان فما بالك بهكذا مدّة في التاريخ. ينبغي أن يُعمّر هذا النظام الإلهي لمئات السنين، نحن لا نزال في ريعان شبابه، المستقبل محتاج لهذا الحضور النسائي في حشود الحضور الوطني، لذا فإنّ علينا أن نبذل الجهد في مسألة المرأة والحفاظ على هذه السّعة الموجودة في مجتمعنا، وهذا هو السبب الأول لكي نتصدى لبحث مسألة المرأة.
السبب الثاني هو مسألة الأسرة، لقد كان للمتكلمين المحترمين بالأمس أبحاث جيدة، إن أردت أن أحكم، فسأقول إنّ متوسط الأبحاث كان فوق مستوى "الجيد"، كلام صحيح، إحصاءات جيّدة، استنباطات واستنتاجات جيدة، من زوايا مختلفة، فقضية متعدّدة الأبعاد، قام كل مفكر بدراستها من أحد أبعادها، سلّطوا الأضواء على تفاصيل هيكل هذا الموضوع المهمّ والحساس. يمكن للإنسان أن يشاهد هذه الزوايا، في الواقع كانت محل إفادة لنا.
بناءً على هذا، إنّ مسألة الأسرة هي مسألة مهمة جداً، القاعدة الأساس في المجتمع، وليس بمعنى أنه إذا كانت هذه الخلية سليمة، فإنّ السلامة ستُرى في بقية الأجزاء أو أنّها إذا فسدت فإنّ باقي الأجزاء ستفسد بتبعيتها، بل إنّها إذا كانت سليمة فإنّ الجسم سالم، لأنّ الجسم ليس شيئاً آخر غير الخلايا، كل جهاز هو عبارة عن مجموعة من الخلايا، إذا استطعنا أن نحفظ هذه الخلايا سالمة، فسيكون الجهاز سليماً، المسألة مهمّة إلى هذا الحد.
في الأساس؛ لا يمكن للمجتمع الإسلامي أن يتقدم ما لم ينعم البلد بمؤسسة أسرية سليمة وحيوية ونشيطة. لا إمكان للتقدم في المجالات المختلفة والمجالات الثقافية خاصة بدون أُسر جيدة؛ فالأسرة ضرورة، ولا يتناقض ذلك مع القول بأنّه لا يوجد أُسرة في الغرب ولكن يوجد تقدّم، إنّ ما تظهر مؤشراته بشكل أكبر يوماً بعد يوم في خراب مؤسسة الأسرة في الغرب، سوف يلقى بظلاله وآثاره [على الغرب]، لا داعي للاستعجال، فالأحداث العالمية والتاريخية ليست بالأمر الذي تظهر آثاره فوراً وبسرعة، بل تظهر بشكل تدريجي؛ مع أنّه لا يزال يؤثّر حتى الآن، في الزمن الذي أنتج الغرب هذا التطوّر، كانت الأسرة هناك لا تزال محافظة على بنيانها، حتى مسألة العلاقة بين الجنسين كانت لا تزال مضبوطة من خلال رعاية الأخلاق الجنسية –بالطبع ليس بشكلها الإسلامي، وإنّما بأسلوبها الخاص- من لديه اطلاع على المعارف الغربية سواء في أوروبا أو في أمريكا يرى ويشاهد هذا الأمر، حيث كان هناك رعاية للأخلاق بين الجنسين وكان هناك حياء واجتناب للتهم وما شابه. لقد نشأ هذا الفلتان والإباحيّة بشكل تدريجي، وقد مهّدوا الأرضية في ذلك الزمن واليوم وصلوا إلى هذا المستوى. لذلك فإنّ أوضاعهم اليوم ستنتج غداً مرّاً وصعباً جداً لهم. هذا هو السبب الثاني.
والسبب الثالث هو أنّه في هذه الاثنتين والثلاثين عاماً، لطالما كانت مسألة المرأة على رأس لائحة الاعتراض علينا من قبل الأعداء، منذ بداية الثورة، اعترضوا علينا وجعلوها في مستوى الإرهاب ونقض حقوق البشر، يومها لم يكن معلوماً [بالنسبة لهم] كيف سيتعامل المجتمع الإسلامي مع جنس النساء، بدأوا بحملتهم: الإسلام ضد المرأة، الإسلام هو هكذا وهكذا. وبالطبع فإنّهم لا يزالون مستمرين في هذا حتى اليوم.
حسناً، كان علينا أن نواجه وندافع في المقابل، لا يمكن الاستخفاف بالرأي العام العالمي، فلا يمكن اعتبار الجميع مُغرضين وليس الكل خبيث، الخباثة خاصة بمجموعة معيّنة، من السياسيين وصنّاع السياسة والمخططين وأمثالهم، ينبغي لنا أن لا نسمح بأن يصبح عامّة الناس عرضة لهذا التضليل الكبير، لذا ينبغي أن نتصدى.
علينا أن نذكر أيضاً، أنّ الغرب يتهرّب عمداً من طرح مسألة الأسرة، في جميع الأبحاث التي يجرونها، هناك بحث للمرأة ولكن لا يوجد أثر لبحث الأسرة، إنّ الأسرة هي نقطة ضعف الغرب، إنّهم يطرحون مسألة المرأة ولكن لا يذكرون حتى اسم الأسرة، مع أنّ المرأة ليست منفصلة عن الأسرة؛ وبناءاً على هذا، فإنّ التصدي لهذه المسألة أمر ضروري.
مسؤولية المؤسسات والنخب في مجال المرأة والأسرة:
1- مجال التنظير:
حسناً، لقد كان هذا اللقاء أيضاً جيداً جدّاً، ما أدركناه في هذا اللقاء، بالإضافة إلى ما كسبناه من مضمون أبحاث الأصدقاء –وهو مهم- أنّنا عرفنا أنّه في مجال المرأة والأسرة لدينا على المستوى العلمي التخصّصي من الأعمال التي تنتظر الإنجاز إلى ما شاء الله تعالى [...].
2- إنتاج الخطاب:
كذلك في مجال إنتاج الخطاب وأيضاً في مجال تقريب هذا الخطاب من مرحلة التنفيذ، والذي –بطبيعة الحال- إن تمّت صياغته بشكل خطاب فلن يكون من الصعب إجراؤه عملياً. [...] إنّ الخطاب في المجتمع هو مثل الهواء يتنفسه الجميع –سواء عرفوا بهذا أم لم يعرفوا، سواء أرادوا أم لم يريدوا- ينبغي صياغة هذا الخطاب والذي يقع دور بارز ومهم فيه على عاتق وسائل الإعلام وكذلك بشكل خاص على علماء الدين وكبار الشخصيات وأساتذة الجامعات.
حسناً، علينا أن نملأ الفراغ النظري في هذا المجال. وستكون النتيجة بأنّ الاستثمار في مجال الأبحاث أمر ضروري بقدر الإمكان ونحن نؤيّد هذا [...].
3- دراسة النظريات الرائجة ونقدها:
يجب دراسة النظريات الرائجة في العالم ونقدها بدون انفعال، والتأكيد على عدم الانفعال هو أمر مهمّ جداً، ولقد شاهدتُ الليلة هذه الروح من الكلمة الأولى للمشاركين وحتى الكلمة الأخيرة، حيث رأيتُ أنّ النظرة هي نظرة انتقادية للوضع الموجود في الغرب فيما يتعلق بالمرأة وخاصة في مسألة الأسرة. والملاحظ أنّ أغلب الانتقادات التي وجهتموها للغرب كانت في مجال الأسرة، ولكنني أعتقد أنّ الجريمة الأكبر التي اقترفها الغرب في مسألة المرأة والأسرة كانت في نظرته للمرأة، وهذا لا يمكن وصفه بجملة أو اثنتين.
إنّ السياسة الغربية توجّه أكبر ضربة وإهانة لكرامة المرأة، حتى هؤلاء النسويون (الفمينيزم)(1) والمتشدّدون –ولديهم مستويات وطبقات مختلفة- يوجّهون ضربة للمرأة من حيث لا يشعرون، فهم يتصرّفون من باب حسن الظنّ –أي أنّ العاملين في هذا المجال حسب الظاهر لا يفهمون ماذا يفعلون- ويحتمل أن يكون صنّاع السياسات والمخططون للبرامج خلف الكواليس على علم كامل بما يفعلون.
كما أنّ هذا الاحتمال قد ورد في بروتوكولات بني صهيون بشكلٍ كامل. حيث إنّ تضييع جنس النساء وجعلهنّ مظهراً للاستغلال الشهواني للرجال قد ذُكر في مواد ذلك الكتاب. وهنا قد يأتي شخص ويُشكّك في سند واعتبار هذه البروتوكولات؛ لكن عندما يشاهد الإنسان المؤسّسات الصهيونية والشبكات الإعلانية الصهيونية يُدرك أنّ هذا الأمر يتمّ تنفيذه بشكل عملي، ولأنّه لم يصبح واجباً بالنسبة لهم، فإنّهم يقومون به بشكل مستحب، لقد التزموا بهذا العمل وهم ينفّذونه، يهملون المرأة ويحقّرونها؛ أي أنّهم قاموا بتثبيت رسوم وأعراف وعادات لا تقبل المخالفة ولا التجرؤ عليها. [فعندهم مثلاً] ينبغي للرجل في أي مجلس عام [لقاء رسمي]، أن يرتدي بذلة رسمية، وأن يضع "بابيون" ويقفل ياقة البدلة ويسدل أكمامه حتى المعصم، وليس له أن يرتدي بنطلوناً قصيراً ولا قميصاً قصير الأكمام، ولكن على السيدة في ذلك اللقاء الرسمي نفسه أن تُظهر أقساماً من جسدها بشكل عار، وإذا حضرت بلباس كامل فهذا محل إشكال! إن لم تكن متبرجة ومتزينة فهذا محل إشكال! لقد أصبح هذا عرفاً، ويفتخرون به أيضاً.
يوجد في الغرب وخاصة في أميركا وفي شمال أوروبا –البلدان الاسكندنافية- مراكز مهمّة عملها الأصلي هو عرض النساء للرجال، ويتم الإعلان عن هذا في الجرائد والمجلات، ولا أحد يعترض! أصبح هذا عرفاً وعادة.
أيُّ ضربة أشدّ على النساء من هذا؟ بأن يتم صناعة نموذج للنساء على تلك الشاكلة -لنسائهم هم وللبلدان التي تتبعهم وليس لنسائنا- فهذه من أشدّ الضربات التي يوجّهونها حالياً. وعليه ينبغي ألّا يتملكنا الانفعال في مواجهة هذه الثقافة الخاطئة. إنّ الغرب في مسألة المرأة والأسرة يعيش في ضياع وضلالٍ عميق، لا الأسرة فقط، بل الأمر يتعلّق بشخصية المرأة وهوية المرأة، والغرب واقع في ضلالٍ عجيب.
إنّ علينا أن نستفيد في هذه الدراسات من مخزوننا العلمي –والذي ليس بالقليل- حيث يمكن استخراج عشرات النظريات والنماذج الراقية في مجال المرأة والأسرة. ينبغي صياغتها بشكل نظريات، وتدوينها وعرضها بتفاصيلها وأجزائها. هذه أعمال متوسطة المدى وطويلة المدى وينبغي أن تُنجز. ينبغي الاستفادة من التعاليم الأصيلة والراقية للإسلام في القرآن والحديث.
المرأة والأسرة في المنظور الإسلامي:
ولقد دوّنتُ هنا عدّة ملاحظات، ولكن بما أنّ الوقت ضيّق، وكذلك فإنّ الكثير من الأفكار قد تم طرحها؛ فعليه، فلا حاجة لأن أكرّرها، ومن مجموع الأمور التي كتبتُها، ما أرغب أن أطرحه هنا، هو أنّ نظرة الإسلام بشكل إجمالي للمرأة –كجنس- هي نظرة ممّيزة ومتعالية جداً، وكذلك نظرته للمرأة في العائلة؛ باعتقادي أنّ الكثير من هذه المشكلات المتعلّقة بالمرأة ناشئة من مشكلات الحياة الجمعية للأسرة، حيث إنّ المرأة هي محورها.
لدينا فراغات قانونية وعرفية تقليدية عجيبة ومتعددة، أحياناً حين تتصل بنا السيدات [...] وتطرحن مشكلاتهن نلاحظ أنّ هذه المشكلات تتعلّق بشكل أساسي بالمشكلات داخل الأسرة، إذا كان للمرأة داخل الأسرة أمان نفسي وأمان أخلاقي وراحة وسكن، وكان الزوج لباساً لها بشكل حقيقي –كما أنّها هي لباس للزوج أيضاً- وكما أراد القرآن أن يكون بينهما مودة ورحمة وإذا تمّ رعاية «وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالمَعْرُوفِ»[ البقرة: 228] في الأسرة –هذه الأمور التي هي أصول كلية وأساسيّة؛ حينها ستكون مشكلات المرأة خارج الأسرة قابلة للتحمّل، وستتمكّن المرأة من التغلب على هذه المشكلات. إذا تمكنت المرأة أن تخفّف من هذه المشكلات في مركز استراحتها وفي متراسها الأساسي، فستتمكّن بلا شكّ، من أن تفعل ذلك في ساحة المجتمع.
في كلا المسألتين؛ في قضية المرأة نفسها وكذلك في قضية الأسرة، لدى الإسلام أفكار جذّابة وبارزة ومهمّة.
أولاً إنّ نظرة الإسلام إلى الجنس، هي نظرة من الدرجة الثانية. النظرة الأولى وذات الدرجة الأولى، هي البعد الإنساني، والتي لا دور فيها للجنس. الخطاب للإنسان، وهناك «يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا» ولا يوجد " يا أيتها اللواتي آمنّ" أي إنّ الصيغة آمنوا هي صيغة ذكورية وليست صيغة أنثوية، ولكن هذا لا يعني أبداً بأنّ هناك أفضليّة للرجل على المرأة في هذا الخطاب، وإنّما هذا ناشئ من عوامل أخرى، وتلك العوامل واضحة بالنسبة لنا. ولا أريد هنا أن أدخل في بحث، مثلاً لماذا نقول في اللغة الفارسية للشعب "مردم" [كلمة فارسية تعني رجل] وهي مشتقة من الرجل "مرد" ولا نقول "زنم" مثلاً [زن= امرأة] وكذلك في الإنكليزية هناك human لماذا man؟ فليست هذه علامة على أنّها موجودة بسبب غلبة الثقافة الذكورية وتصرّفوا في اللغة على أساسها، لا، ليس كذلك بل هناك عوامل أخرى.
في نهاية الأمر؛ الرجل هو الواجهة الخارجية داخل الأسرة، والمرأة هي الواجهة الداخلية، وإن شئتم أن تُعبِّروا بلطفٍ أكثر، فإنّ الرجل هو غلاف (قشرة) حبة اللوز بينما المرأة هي لبّها. ويمكن استخدام مثل هذه التعابير، الرجل هو أكثر ظهوراً، بنيته هي هكذا، لقد خلقه الله وجعله لهذا العمل وخلق المرأة لعمل آخر. بناء على هذا فإنّ البروز والظهور والعرض والإطلالة هي أكثر عند الرجل لهذه الخصوصيات وليس بمعنى الأفضلية. في القضايا الأساسية للإنسان –والتي تتعلق بالإنسان- فلا فرق بين الرجل والمرأة.
حسناً –انظروا إلى مسألة التقرب من الله، هناك نساء- كالزهراء وكزينب وكمريم- مقامهنّ فوق قدرة أمثالنا على الوصف والتصوّر. ففي الآية الشريفة من سورة الأحزاب، لا فرق بين المرأة والرجل، ولعلّ المقصود ضرب التصوّرات الجاهلية حول المرأة «إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالْصَادِقِينَ وَالْصَادِقَاتِ وَالْصَّابِرِينَ وَالْصَابِرِاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالْصَائِمِينَ وَالْصَائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالْذَاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالْذَاكِرَاتِ» [الأحزاب: 35] فهناك فاصلة بين الإسلام والذكر في الآية، إذ توجد سلسلة أوصاف لو دقّق المتأمل فيها يجد هذا: «أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيمَاً» [الأحزاب: 35]. فحيثما وُجد الرجل هناك امرأة، رجل خاشع، امرأة خاشعة، رجل متصدّق، امرأة متصدّقة، لا فرق بينهما أبداً.
في سورة آل عمران المباركة، يقول بعد تكرار "ربّنا": «فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُم مِن ذَكَرٍ أَو أُنثَى بَعْضُكُم مِنْ بَعْض» [آل عمران: 195] لا فرق بين الرجل والمرأة، حتى أنه في مورد –ولأجل ضرب تلك الأفكار الجاهلية التي ذكرتها- رفع من شأن المرأة أكثر من الرجل، حيث إنّ هكذا حالة لا يجدها المرء في القرآن سوى في أشخاص ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَروا امْرَأَتَ نُوْحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ» [التحريم: 10]. مثالاً للكفار، هاتين الإمرأتين ليستا مثالاً للنساء، كلا، إنّهما مثالاً للمرأة والرجل. «كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا» [التحريم: 10]. إلى آخر الآية. «وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلّذِينَ آَمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ» [التحريم: 11] هنا أيضاً سمّى الله للمؤمنين امرأتين. لاحظوا أنتم، على مرّ التاريخ وإلى نهاية العالم، كم عدد المؤمنين، من الكبار، الصلحاء، الأولياء والأنبياء جاؤوا وذهبوا. عندما يريد الله أن يعرفهم على معيار، نموذج، رمز: يعرّفهم على امرأتين: "الأولى امرأة فرعون- «إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتَاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ» [التحريم: 11] إلى آخر الآية، والثانية مريم بنت عمران، «الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا» [التحريم: 12]. إنّه أمرٌ عجيب.
إذ إنّ الجنس هو أمر ثانوي، هو أمرٌ عارض. يتجلّى عملياً في الحياة. في السير الأساسي للبشر ليس له أي تأثير ولا معنى. حتّى إنّ أعمالهم تختلف فيما بينها. "جهاد المرأة حسن التبعّل" [الكافي، ج5، ص9] لكنّه جهاد؛ أي إنّ ثواب ذلك الشاب المجاهد الذي وضع دمه على كفّه وذهب إلى ميدان الحرب يُعطى لهذه المرأة. لأنّ هذا العمل لا يقلّ تعباً عن الجهاد. بالتأكيد إنّ التبعّل أمرٌ صعبٌ جداً، مع توقّعاتهم، انتظاراتهم، مع سوء أخلاقهم، وصوتهم المرتفع وطولهم الفارغ؛ فأن تستطيع امرأة مع هذه الظروف أن تحافظ على محيط المنزل دافئاً وهانئاً، وحنوناً وفيه سكينة وهدوء، فذلك فنّ كبير. هذا حقاً جهاد. هذا فرع من ذلك الجهاد الأكبر الذي تكلّموا عنه، الجهاد مع النفس.
دور الزوجية لدى المرأة:
بالنسبة لموضوع العائلة، يوجد كلام كثير، مسألة الزوجيّة، مسألة الأمومة، كلّها مسائل ينبغي التفصيل فيها. لدى المرأة في الأسرة دور الزوجيّة؛ دور الزوجية هذا هو دور استثنائي؛ حتى لو لم يكن هناك دور أمومة. افرضوا أنّ هناك امرأة، إمّا أنّها لم ترغب في الإنجاب، أو أنّها ولأي سبب آخر لم تنجب؛ ولكنّها زوجة. لا ينبغي الاستخفاف بدور الزوجية. إذا أردنا أن يكون الرجل شخصاً مفيداً في المجتمع، ينبغي لهذه المرأة أن تكون امرأة جيّدة في المنزل، وإلّا فلن يحصل هذا. نحن اختبرنا (هذا الأمر) في زمن المقاومة وما بعدها في زمن انتصار الثورة؛ الرجال الذين كانت ترافقهم زوجاتهم في حركتهم؛ استطاعوا أن يصمدوا في نضالهم وكذلك استطاعوا أن يتابعوا استقامتهم على الطريق الصحيح. وبالطبع كان هناك حالات معاكسة. أحياناً عندما كنتُ أقوم بعقد قران لتلك الشابات والشباب الذين كانوا يأتون –فيما مضى كنتُ أقوم بهذا ولكن حاليّاً لا أحظى بهذا التوفيق- كنتُ أقول لهم: "إنّ الكثير من السيدات يجعلن أزواجهن من أهل الجنّة؛ والكثير من السيّدات أيضاً يجعلن أزواجهن من أهل النار. هذا رهنٌ بهنّ. وبالتأكيد فإنّ للرجال هذا الدور أيضاً. في مجال الأسرة لا ينبغي تجاهل دور الرجال كذلك. بناءً على هذا، إنّ دور الزوجية هو دور بالغ الأهميّة. ثمّ هناك دور الأمومة؛ وحسناً، لقد أُلقيت كلمات مفصّلة وجرى بحث وافر حوله.
عمل المرأة:
من جملة المسائل التي تُطرح، مسألة عمل السيدات. إنّ عمل السيدات هو من جملة الأشياء التي نوافق عليها. إنّني موافق على أنواع المشاركة سواء كان من نوع العمل الاقتصادي أو من نوع العمل السياسي والاجتماعي والأنشطة الخيرية وأمثالها؛ فهي جيدة أيضاً. النساء نصف المجتمع وأمر جيد جداً أن نتمكّن من الاستفادة من نصف المجتمع هذا في المجالات المتنوّعة. ولكن خلاصة القول: إنّ هناك أصلين أو ثلاثة ينبغي رعايتها وعدم تجاهلها.
الأول: أن لا يلقي هذا العمل بظلاله على العمل الأساسي –والذي هو عمل الأسرة والزوجية والأمومة والتدبير المنزلي- وهذا أمر ممكن. أعتقد أنّ لدينا نماذج من سيّدات كنّ يقمن بهذا ولا شك بأنّهنّ واجهن بعض الصعوبات؛ درسن وكذلك درَّسن، أنجزن أعمال البيت، أنجبن أطفالاً، قمن بتربيتهم والاهتمام بهم. فإذن نحن موافقون على العمل والمشاركة، على ألّا تؤثر وتضرّ بهذه المسألة الأصليّة؛ لأنّه لا بديل عنهنّ فيها. فإن لم تقمن بأنفسكن بتربية أبنائكن في المنزل أو لم تقمن بفكّ عقد خيوط عواطف الطفل الظريفة جداً –والتي هي أنعم من خيوط الحرير- حتى لا يتعقّد عاطفياً، فلا يمكن لأي أحد آخر أن يقوم بهذا العمل؛ لا أبوه، ولا غيره بطريق أولى؛ إنّه عمل الأم فقط. أمّا ذلك العمل الذي لديكن في الخارج، فإن لم تقمن به أنتن فإنّ هناك عشرة أشخاص آخرين سيقومون بهذا العمل. بناءً على هذا، فإنّ الأولوية هي للعمل الذي لا بديل عنكن فيه، هذا هو المطلوب والمتعيّن.
وهنا تقع المسؤولية على عاتق الحكومة، ينبغي القيام بمساعدة تلك النساء اللواتي ولأي سببٍ أو أي حيثية أو ضرورة، يقمن بعمل بدوامٍ كاملٍ أو جزئي، كي يتمكنّ من الاهتمام بشؤون الأمومة وأمور المنزل؛ من خلال الإجازات وسنّ التقاعد وساعات الدوام اليومي، ينبغي على الحكومة أن تساعد بشكلٍ ما، كي تتمكّن هذه السيدة والتي تقوم بالعمل لأي سبب من الأسباب، من متابعة تلك الشؤون.
الثاني: هي مسألة المحرم وغير المحرم [الاختلاط]. إنّ هذه المسألة جدية في الإسلام، ولا شكّ بأنّ الجزء الأكبر من هذه القضية يرجع إلى الأسرة. أي أنّ العين الطاهرة والقلب الخالي من الوسوسة والشك، لكل من الزوجين، يؤدي إلى تمتين أواصر الأسرة وبثّ الحنان فيها؛ مثل مدفأة للحرارة تبعث الدفء في محيطه. إذا كان الطرف المقابل طاهر العين والقلب، فإنّ هذا سيصبح من كلا الطرفين، وستكون أجواء الأسرة مفعمة بالحنان والمحبة.
إن لم يكن الأمر كذلك، فكانت العين الخائنة واليد خائنة واللسان ذا وجهين والقلب خالٍ من المحبة ولم يكن هناك اعتقاد بالزواج والزوجية فإنّ أجواء الأسرة ستكون باردة حتى إن كان هناك تظاهر وتمويه.
قرأتُ في مقالات الأصدقاء أنّ الخروج والعمل يؤدي أحياناً إلى نشوء سوء ظنّ في غير محله. ولكن لا يوجد فرق؛ فحينما ينشأ سوء الظنّ فإنّه سيترك أثره، سواء كانت الأسباب وجيهة أو لا، مثل الرصاصة التي تخرج من فوهة السلاح، حين تصطدم بصدر أحدهم فإنّها تقتله، سواء كان الرامي قاصداً، أو أنّ يده ضغطت خطأ على الزناد. الرصاصة لا تميّز، ولن تقول: "لأنّ الذي أطلقني لم يكن يقصد ذلك، فلن أؤذي الطرف المقابل، كلا، فالرصاصة تقتل. سوء الظن هذا يفعل فعله، سواء كان منشأه صحيحاً، أو كان ناتجاً عن الوسواس، أو الأوهام الباطلة مثلاً.
ضرورة المحافظة على قداسة الزواج:
هناك نقطة أيضاً في مسألة الزواج، إنّ للزواج قداسةً من وجهة نظر الأديان التي أعرفها. وأنا لم أدقّق كثيراً في هذا الخصوص، لا بأس كذلك بأن يقوم بعض الأصدقاء المستعدّين للعمل في التدقيق في هذا المجال. في الغالب، مراسم الزواج هي مراسم دينيّة، يجريها المسيحيّون في الكنيسة، واليهود في معابدهم، المسلمون وإن لم يجروا مراسم الزواج في المساجد، إلّا إنّهم يجرونها حين يقدرون في المشاهد المشرّفة أو في الأيام المباركة وبواسطة علماء الدين، حين يقوم عالم الدين بعقد القران فإنّه يُبيّن بعض التعاليم الدينية. بناء على هذا، فإنّ الصبغة صبغة دينية.
إنّ للزواج بُعداً مقدّساً، ولا ينبغي نزع هذا البُعد المقدّس عن الزواج. سلب القداسة يتم عبر هذه الأعمال القبيحة والتي للأسف أصبحت رائجة في مجتمعاتنا. هذه المهور الباهظة التي يتم وضعها، ويتخيلون بأنها تستطيع أن تدعم الزوجية وتحفظ الأسرة. والحال بأنها ليست كذلك. فالحد الأقصى أن يقوم الزوج بالامتناع عن دفع المهر، فيؤخذ إلى السجن، ليبقى هناك سنة أو سنتين. وفي هذه الحال لا تستفيد المرأة شيئاً، لا تحظى بشيء، سوى أنّ بنيان الأسرة سيتهدّم.
في الإسلام حين يُنقل عن الإمام الحسين(ع) قوله إنّنا لم نزوّج بناتنا وأخواتنا ونساءنا إلّا على مهر السُنّة، فلأجل هذا الأمر، وإلّا فإنّه كان يستطيع لو شاء الإمام أن يزوّج بألف دينار لفعل ولم يكن من الضروري مثلاً أن يُلزم نفسه بخمسمائة درهم –المعادل لاثنتي عشر أوقية ونصف- لقد كانوا يستطيعون ذلك لكنّهم قلّلوا المهور. هذا التقليل للمهور كان مدروساً ومحسوباً بدقة؛ هذا جيد جداً. وهناك أيضاً المبالغات الزائدة في الزواج –صرف المبالغ الطائلة وإقامة الحفلات المتعددة- والتي يغتّم قلب الإنسان في الحقيقة عندما يسمع بها. هذه من النقاط التي ينبغي صياغة خطاب لها والترويج لثقافة حولها، حيث إنّ السيدات مؤثّرات والسادة مؤثّرون وكذلك أساتذة الجامعات وعلماء الدين وشكل خاص الإذاعة والتلفاز ووسائل الإعلام، إنّ عليهم جميعاً أن يعملوا في هذا المجال، وأن يُخلّصوا الأجواء من هذه الحالة.
مسؤولية الرجل تجاه المرأة:
كذلك نطرح هنا أمراً حول دور الرجال، حيث دائماً يُقال دور المرأة في الأسرة والسبب واضح، وهو أنّ المرأة هي عنصر محوري في الأسرة، ولكن هذا لا يعني أن لا دور ولا واجب ولا مسؤوليّة للرجل في الأسرة. الرجال اللامبالون والرجال غير العاطفيين والرجال اللاهون والرجال الذين لا يُقدّرون أتعاب النساء في البيت هؤلاء يوجّهون ضربة إلى أجواء الأسرة. على الرجل أن يكون عارفاً للجميل. على المجتمع أن يكون عارفاً للجميل. ينبغي أن يتم تقدير عمل النساء في المنازل بشكلٍ خاص. بعضهن يستطعن أن يذهبن إلى العمل، بعضهن يستطعن الحصول على الشهادات العليا، وبعضهن لديهن شهادات عليا، أنا شاهدتُ نساءً من هذا النوع وقد قُلن نحن نريد أن نهتم بهذا الطفل ونربّيه تربيةً جيدة، لذا لم نذهب للعمل خارج المنزل. لم تذهب تلك المرأة للعمل وبدوره فإنّ العمل هذا لم يبقَ معطّلاً، أولئك العشرة أشخاص الآخرون ذهبوا وقاموا به.
ينبغي تقدير هكذا امرأة. في الكلمات التي أُلقيت ذُكرت مسائل كالضمان والتأمين لتلك النساء، أجل ينبغي تخصيص هذه المسائل الضروريّة لهنّ، كالتأمين الاقتصادي والضمان وباقي الأمور اللازمة. كذلك فإنّ الأبناء لهم دور، فهم من أهمّ أجزاء الأسرة، دورهم هو احترام الوالدين، وهذا الأمر له حكاية مفصّلة.
على كل حال فإنّني أشكركم إنني راضٍ عن هذا اللقاء. الحمد لله كان لقاءً جيداً. نسأل الله أن يكون راضياً عنّا وعنكم وأن تكون جهودكم مشمولة بنظر بقية الله أرواحنا فداه وأن تجري متابعة هذا العمل وإكماله إن شاء الله.
التمهيد لمشروع دولي حول المرأة:
هناك طرح مشروع جيد لعمل دولي حول المرأة حيث لم تسنح الفرصة للحديث حوله. لقد رأيتُ هذا المشروع وأؤيّده. يمكن الاستفادة من وجهات نظر السيدة التي تكلمت حول المسائل الدولية. أمر جيد أن يتم القيام بعمل دولي في مجال النساء. جزاكم الله خيراً.
اللهمّ أنزل رحمتك وفضلك وهدايتك على هذا الجمع. اللهمّ اجعل ما قلناه وسمعناه وفعلناه وما سنفعله لك وفي سبيلك واجعله خالصاً ومُخلصاً. اللهمّ أنزل توفيقاتك على هذا الجمع وعلى الشعب الإيراني وخاصّة على المسؤولين الذين يحملون على عاتقهم مسؤوليات جسام في هذا المجال. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الهوامش:
(1) النسويّة، هي مجموعة مختلفة من النظريات الاجتماعية، والحركات السياسية، والفلسفات الأخلاقية، التي تحرّكها دوافع متعلقة بقضايا المرأة.
اترك تعليق