مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

الإسلام وحقوق المرأة: والمنهج الإسلامي في إعداد شخصية المرأة

الإسلام وحقوق المرأة: والمنهج الإسلامي في إعداد شخصية المرأة.. بمناسبة ولادة الصديقة الطاهرة (ع) ويوم المرأة 19 ج2 1418ه

بسم الله الرحمان الرحيم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبيينا أبي القاسم محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين.
أهنّئ جميع الحضور الكرام والمسلمين كافة وخاصة النساء في هذا البلد الإسلامي بالولادة السعيدة لكوثر النور والمعرفة، الصديقة الطاهرة المرضية المطهرة فاطمة الزهراء(ع). هذه الولادة الكبرى من أبرز الأعياد الإسلامية، لأن فاطمة الزهراء(ع) شخصية عظيمة من المرتبة الأولى في الإسلام، بل من المرتبة الأسمى على مدى التاريخ  كما نقل عن رسول الله(ص) أنه قال لها: "أما تحبي أن تكوني سيدة نساء العالمين؟" فسألته سلام الله عليها: "فكيف مريم؟" وقد قال القرآن أنها سيدة النساء، فقال لها:إن مريم كانت سيدة نساء زمانها، وأنت سيدة نساء الأولين والآخرين".
ولو توضحت شخصية فاطمة الزهراء(ع) لأذهاننا البسيطة وأنظارنا التي لا تبصر إلا القريب، لآمنّا نحن أيضاً أنها(ع) سيدة نساء العالم أجمعين. إنها المرأة التي بلغت في عمرها القصير مراتب معنوية وعلمية توازي مراتب الأنبياء والأولياء.
والواقع أن فاطمة فجر ساطع انبلجت من جنبه شمس الإمامة والولاية والنبوّة، وهي سماء عليا ضمت بين جوانحها كواكب الولاية الوضّاءة. وكان الأئمة(ع) بأجمعهم يولونها تكريماً واحتراماً قلّما كانوا يولونه لشخص آخر.
وعلى هذا الأساس، فهذا عيد إسلامي وعيد بشري ويحمل لشعبنا على وجه الخصوص بعداً سياسياً، وذلك أن نساء بلدنا قد جعلن من فاطمة الزهراء(ع) عبر استشراف حياتها ومجاهدتها وكلماتها الحكيمة منهاجاً ومساراً، جعلنه نصب أعينهن وسرن من خلاله، ويجب عليهن السير فيه أكثر فأكثر. ولهذا السبب أكرّس حديثي في هذا الحشد النسوي الكريم عن قضايا المرأة في بلدنا وفي عصرنا وفي الرؤية الإسلامية.
لا ريب أن جهوداً حثيثة قد بذلت من بعد انتصار الثورة في سبيل المرأة والدفاع عن حقوقها. ويجب القول أن المرأة من بعد انتصار الثورة قد حظيت بالتكريم، وكان رائد هذا التكريم والسبّاق إليه هو الإمام القائد الذي كان يحترم المرأة الإيرانية المسلمة كمال الاحترام، وهذه النظرة هي التي استقطبت النساء لمناصرة الثورة الإسلامية بحيث يمكن القول أنه لولا مشاركة النساء فيها لكان من المحتمل جدا أن لا يكتب لها النصر بتلك الكيفية، أو لا تنتصر أساساً، أو تعترضها مشاكل كبرى. وعلى هذا الأساس أدى حضور النساء إلى تهافت المعوقات أمام طريق الثورة، وهكذا كان موقفها أيضاً طوال فترة الحرب، وفي كافة قضايا الثورة الأخرى منذ انطلاقتها ولحد الآن.
وخلاصة القول هي أن مساع لا يستهان بها قد بذلت في هذا السبيل، ولكن في الوقت نفسه لا زال هناك الكثير من العمل الثقافي الذي يجب أن يؤدّى من أجل المرأة وإحقاق حقوقها ورفع الحيف عنها وتمهيد الأجواء المناسبة لها. وأنا اليوم أتحدث هنا على أمل أن يؤدي حديثي إلى إرساء مثل هذا الجو الثقافي.
إذا اتسم الجو الثقافي بالشفافية في مجال قضايا المرأة وتوضحت أحكام الإسلام وآراء القرآن في هذا الباب، فمن الطبيعي أن ينتهي الأمر إلى تمهيد السبيل أمام المرأة لبلوغ الغاية المنشودة والأهداف المرجوة، حتى إن كان المطروح في هذا الموضوع ظاهره كلام وبحث إلا أنه في الواقع عمل، لأن مثل هذا الكلام  يجلي الفكرة الثقافية للمجتمع وينير أذهان أبنائه.
[قضية المرأة بين الطرح الغربي والطرح الإسلامي]:
شاهدنا في السنوات الأخيرة عملاً جديراً بالثناء في الأفق الفكري والثقافي المتعلق بقضية المرأة، ولكن لا بد من استيعاب الهدف الذي نسعى إليه من وراء إحقاق حق المرأة، أو توفير الظروف الكفيلة بتكاملها ورفع الظلم عنها، أو الحديث عن أوضاعها، وما هي الغاية التي نرمي إليها عبر هذه المساعي والكتابات والأقوال والتشريعات القانونية؟ هذا السؤال لا مناص من الإجابة عليه.
السؤال الثاني هو ما هي الشعارات والأدوات الكفيلة بإيصال المرأة إلى مكانتها الحقيقية؟ إننا نلاحظ اليوم في البلدان الغربية والبلدان السائرة في ركب الثقافة الغربية شيئاً باسم حركة الدفاع عن حقوق المرأة، فهل ما نشاهده اليوم في إيران الإسلامية هو عين ما يجري هناك، أو ما شابه له، أم مغاير له؟ يجب أن يعرض في هذا الصدد سؤال جاد ويلقي الجواب الجاد. وأنا اليوم أتحدث عن هذا الموضوع شيئاً ما وأعرض رأي الإسلام في هذا الموضوع بإيجاز.
الهدف من السعي الثقافي والحقوقي لإيصال المرأة إلى المرتبة المنشودة على الصعيدين الاجتماعي والفردي، يمكن أن يصور بأحد الوجهين:
الأول: أننا نسعى ونكافح ونكتب ونتكلم من أجل بلوغ المرأة كمالها، أي أن تنال المرأة في المجتمع حقوقها الإنسانية والحقيقية أولاً، وثانياً من أجل ازدهار طاقاتها ولتبلغ نضجها الحقيقي والإنساني لتصل في نهاية المطاف إلى كمالها الإنساني، ولتتخذ المرأة في المجتمع صورتها الإنسانية الكاملة وتصبح إنسانة قادرة على المساهمة في تقدم الإنسانية وتقدم مجتمعها، ولتعمل في حدود إمكاناتها لتحويل العلم إلى بناء مزدهر وجميل.
الثاني: إننا نرمي من وراء هذا الجهد وهذا العمل خلق حالة من الصراع والتناحر والتنافس العدائي بين جنسي الرجل و المرأة، وإيجاد عالم محوره التنافس، وكأن الرجال في المجتمع الإنساني في جانب والنساء في الجانب الآخر ويتناحران على مكسب وتريد المرأة في هذا الحقل التغلب على الرجل! فهل هذا هو الهدف؟
إذن يمكن تصور شكلين من الغاية لهذا المسعى ولهذه الحركة، أولهما إسلامي، وثانيهما محور لرؤية قصيرة النظر، وهو ما نشاهده بشكل أكبر في المساعي الجارية في البلدان الغربية. وسأقدم من خلال حديثي المزيد من الإيضاحات بشأن هذا الموضوع. فالسؤال الأول الذي يستلزم الإجابة والتوضيح هو ما هو الهدف المراد انجازه عبر الجهود الداعية لضمان حقوق المرأة؟
السؤال الثاني الذي يحظى بنفس القدر من الأهمية، هو أننا حينما نتحدث عن المرأة وندافع عن حقها، ما هي الشعارات التي نطرحها وبماذا نطالب وما هي الغاية التي نسعى من أجل بلوغها؟ هذه النقطة لها أهميتها. وهنا نجد أيضاً أن الرؤية الإسلامية -أي ما يستشف من الدراسات الإسلامية والمعارف حول المرأة والتعاريف الإسلامية لها- تختلف عمّا هو موجود اليوم في الغرب.
الشعار المرفوع في الغرب بالدرجة الأولى هو حرية المرأة، وكلمة الحرية هذه لها معنىً فضفاض، قد يقصد به التحرر من العبودية، وقد يراد به التحرر من الأخلاق -لأن الأخلاق أيضاً نوع من قيود وحدود- وقد تعني التحرر من استغلال رب العمل الذي يستثمر جهود المرأة بأجور زهيدة، ولربما يراد بها الإنعتاق من القوانين التي تكبل إرادة المرأة أمام الزوج، كلمة الحرية قد تشمل كل هذه المعاني. ناهيك عن أن الشعارات المرفوعة التي تطالب بحقوق المرأة تضم سلسلة من المطالب التي يتناقض بعضها مع البعض الآخر، فما معنى هذه الحرية؟
من المؤسف أن أكثر ما يفهم من (الحرية) في العالم الغربي هو معناها المغلوط والضار -أي التحرر من القيود العائلية، ومن الهيمنة المطلقة للزوج، والتحرر حتى من التزامات الزواج وتشكيل الأسرة وتربية الأولاد في الموارد التي تحصل فيها حالات الشهوة العابرة- وليس هذا معناها السليم. ولهذا يلاحظ من جملة ما يثار في العالم الغربي هي مسألة الإجهاض وهي مسألة خطيرة رغم ما تتسم به ظاهرياً من بساطة أو عدم أهمية. هذه هي الشعارات والمطالب التي غالباً ما تثار في الغرب.
ولهذا يقال أن حركة تحرير المرأة إذا كانت تسير في سياق صحيح وتنادي بمطالب صحيحة وتنتهج أسلوباً كفاحياً صحيحاً، لا يمكن أن تحمل كل هذا المعنى الواسع الذي ينطوي بعضه على أبعاد مضرة قطعاً، حتى وإن كانت فيه جوانب مفيدة. وهذا ما يوجب التنقيب عن شعارات أفضل، وأقوم، وأصح، وأكثر قدرة على معالجة المشكلة.
المقصد الأساس في كلامي هذا موجه إليكن أنتن أيتها النساء الكريمات وخاصة الفتيات منكن، فأمامكم عمر أطول، وينبغي أن تسخّرن الإمكانات التي خلقها الله في هذا العالم من أجل تكامل الإنسان، فيجب معرفتها معرفة دقيقة ومعرفة السبيل المؤدي إليها. فأنتن إذن بحاجة إلى التفكير في هذا. وأمامكن أيضاً قضية المجاهدة لرفع الحيف عن المرأة، ولا بد لكن من معرفة الآراء المعروضة، وما هو الضروري، وما هو المضر منها.
كل حركة اجتماعية إنما تكون صحيحة وتحقق مكاسب سليمة وذات أهمية، ذلك فيما لو كانت أسسها مبنية على العقل والتأني والتشخيص والمصلحة. ولا بد من وجود عين هذه المثل في كل حركة يراد بها إحقاق حق المرأة، أي أن تتصف بالرؤية العقلانية المبنيّة أسسها وفقاً لحقائق الوجود، أي بمعنى دراسة طبيعة وفطرة الرجل والمسؤوليات والمشاغل الخاصة بكل من المرأة والرجل، وكل ما هو مشترك بينهما، بعيداً عن المواقف الانفعالية وأسلوب تقليد الآخرين، إذ أن أية حركة منشؤها الموقف الانفعالي والقرار المتسرّع والتقليد الأعمى، ستكون بغير شك حركة ذات ضرر بليغ.
إذا كان البعض في مجتمعنا وفي بلدنا يتحدث عن المرأة وحقوق المرأة كرد فعل على ما تشيعه التقارير أو المجلات الغربية، أو بعض الساسة الغربيين ويتهمون فيه إيران الإسلامية بعدم مراعاة حقوق المرأة، فموقفهم هذا مغلوط، ويجب عدم الدخول إلى المعترك بمثل هذه الغاية وبهدف عدم التخلف عن الركب الغربي في هذا المجال، فسنوقع أنفسنا في الزلل. وإذا فعلنا ذلك بهدف أن لا يحملوا عنّا نظرة سلبية، نكون مخطئين. وإذا فعلنا ذلك معتقدين أنهم قد سلكوا المسار الصحيح نكون مخطئين أيضاً، لا ينبغي أساساً دخول الساحة بمثل هذه الغايات والنوايا المغلوطة.
من دواعي الأسف أنني ألاحظ اليوم بعض المقالات التي تكتب بقصد الدفاع عن المرأة، وبعض الأحاديث التي تتداولها الألسن في حقل إحقاق حقوق النساء، نابعة من مواقف انفعالية مؤداها أن الغربيين قالوا كذا، أو أن الأوروبيين كتبوا كذا، أو أنهم نسبوا إلينا كذا. ونحن إذا أردنا في مثل هذه الحالة اتخاذ موقف دفاعي أو سلوك سبيل معين فستكون هذه الحالة سبباً للزلل والانحراف. ولهذا السبب يجب علينا النظر إلى الحقائق الموجودة في عالم الكون، وجملة هذه الحقائق تتضمنها التعاليم الإسلامية.
[الإسلام ومبدأ التوازن والعدالة]:
الإسلام يدعو إلى تكامل الإنسان، ولا فرق في هذا عنده بين الرجل والمرأة، وهو يمجّد مكانة المرأة تارة ويمجّد مكانة الرجل تارة أخرى حسب ما يقتضيه الموقف باعتبارهما يشكّلان ركني الكيان البشري، وهما لا يختلفان عن بعضهما قيد أنملة من حيث الصفة الإنسانية والبعد الإلهي. والقرآن حينما يريد التمثيل بالإنسان الصالح أو الإنسان السيئ يضرب مثلاً بالمرأة: »وَضَرَب اللهُ مَثَلاً لِلذِينَ كَفَروا امرَأَة نُوْح وَامْرَأَة لُوْط» (التحريم: 10)، ويضرب مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون. ويذكر المرأة في كلتا الحالتين كمثاَل لطريق الخطأ مرة، ولطريق الصواب أخرى كما ويتحدث في مواضع أخرى عن الرجال بنفس الأسلوب.
الإسلام لا يعير أهمية لجنس الإنسان كأن يكون رجلاً أو امرأة، وإنما المهم لديه هو الأخلاق الإنسانية، وازدهار الطاقات، وأداء التكاليف الملقاة على عاتق كل واحد من الجنسين: الذكر والأنثى. وهذا ما يفرض التعرف على طبيعة كل منهما. والإسلام طبعا يعرف طبيعة كل من الرجل والمرأة حق المعرفة.
وينصبّ اهتمام الإسلام على مبدأ التوازن، أي رعاية مبدأ العدالة التامة بين أبناء البشر، ومن جملة ذلك التوازن بين الرجل المرأة. وينصب اهتمامه أيضاً على المساواة في الحقوق، بيد أن الأحكام قد تتفاوت أحياناً بينهما حسب ما تقتضيه الخصائص المتفاوتة بين طبيعتهما. ووفقاً لما سلف ذكره، يتبين أن أكثر الحقائق عن الفطرة والطينة البشرية لكل من الرجل والمرأة ملحوظة في الشريعة الإسلامية.
ونحن اليوم إذا شئنا إيجاد حركة حقيقية وأساسية للمرأة في بلدنا ليتسنّى لها بلوغ مكانتها المنشودة، لا بد وأن نأخذ الأحكام الإسلامية بعين الاعتبار ونستلهم منها ما ينبغي فعله، فأحكام الإسلام هي التي تحدد لنا مسارنا، كما وأنها تتسع لكل أسلوب عقلائي وترتضيه. فان كانت ثمة تجربة مقبولة في موضع ما، فلا بأس بالاستفادة من تجارب الآخرين، على أن لا يكون فيها تقليد. ولهذا ينبغي على الأشخاص الذين يبذلون اليوم جهوداً من أجل إحقاق حقوق المرأة وتفتّح طاقاتها -وهي جهود ينبغي أن تبذل طبعاً- أن يعرفوا الهدف الذي يبتغون تحقيقه والشعارات التي يجب عليهم المناداة بها.
[الغرب ومأساة المرأة والأسرة]:
أشير هنا إلى ما وقع فيه الغربيون من مآس في هذا الصدد، ثم أعرّج بعده على ذكر رأي الإسلام. وقع الغربيون في مسألة معرفة طبيعة المرأة وكيفية التعامل معها بين موقفين متضادين من الإفراط والتفريط، والنظرة الغربية للمرأة قائمة أساساً على عدم المساواة. لا تنظروا إلى ظاهر المبادئ التي ينادي بها الغرب فهي مجرد شعارات جوفاء ليس فيها أي نصيب من الحقيقة. والثقافة الغربية لا يمكن استيعابها عبر إجالة النظر في الشعارات، بل لا بد من التنقيب عنها عبر استقراء أعمالهم الأدبية.
يعلم المطلعون على الآداب الغربية والقصص والأشعار والروايات والمسرحيات الأوروبية، أن الثقافة الأوروبية منذ القرون الوسطى وما سبقها إلى أواخر القرن الحالي كانت تنظر إلى المرأة على أنها موجود من الدرجة الثانية، وكل ادعاء يخالف هذه النظرة فهو ادعاء باطل. انظروا إلى المسرحيات الشهيرة للكاتب الانجليزي شكسبير لتروا بأية لغة وبأي نفس وبأية لهجة يتحدث هو وسائر أدباء أوروبا عن المرأة.
الرجل في الآداب الأوروبية هو السيد والمالك لناصية المرأة. وما برحت بعض نماذج تلك الثقافة وآثارها ماثلة حتى يومنا هذا، فبعد أن تتزوج المرأة تفقد لقبها وتكسب لقب زوجها، هذه السنّة موجودة عند الغربيين. أما في بلدنا فلم تكن هذه الظاهرة موجودة ولا هي موجودة حالياً، فالمرأة تحتفظ بلقب عائلتها حتى بعد الزواج. وهذا العمل عند الغربيين يعكس ثقافتهم القديمة القائلة بسيادة الرجل.
عندما تتزوج المرأة -في ظل الثقافة الأوروبية- لا تصبح هي وحدها ملكاً للزوج، وإنما تصبح جميع ممتلكاتها وأموالها وكل ما لديها من أبيها ومن عائلتها ملكاً للزوج أيضاً! وهذا ما لا يمكن للغربيين إنكاره لأنه كان في صلب ثقافتهم. بل وحتى روح المرأة كانت تحت تصرف الزوج! ولهذا السبب يلاحظ في القصص والأشعار الغربية أن الزوج كثيراً ما يقتل زوجته لأدنى خلاف يقع بينهما، ولا يمكن لأحد أن يتوجه إليه باللوم! كما وأن الفتاة في دار أبيها محرومة من أي خيار في حياتها.
كانت المعاشرة بين الرجال والنساء عندهم -حتى في ذلك العصر- مباحة إلى حد ما، بيد أن قرار الزواج واختيار الزوج كان بيد الأب. وهذا ما يلاحظ في الكتابات المسرحية التي أشرت إليها والتي يشاهد فيها فتاة ترغم على الزواج، وامرأة تقتل على يد زوجها، وأسرة تعاني فيها المرأة العنت والعناء. وقد استمرت الثقافة الغربية تسير على هذه الوتيرة حتى أواسط القرن الحالي، علماً أن حركات تحت عنوان تحرير المرأة قد بدأت نشاطها منذ أواخر القرن الميلادي التاسع عشر.
على السيدات الكريمات وخاصة الفتيات اللواتي تحدوهن رغبة للتفكير في هذا المضمار، الالتفات إلى هذه الجوانب بدقة. ففي أوروبا حتى حينما شرّعوا للمرأة حق الملكية، فقد كان الدافع إليها -وفقاً للدراسات التي أجراها علماء الاجتماع الأوروبيون أنفسهم- هو حاجة المصانع إلى المزيد من الأيدي العاملة، في وقت كانت فيه التقنية الحديثة والصناعات قد اتسع مداها وتطورت، وكان ذلك الإجراء بمثابة محفز لاستقطاب هذه الأيدي العاملة التي كانوا يدفعون لها عادة أجوراً أدنى، ولم يشرّع حق الملكية هذا إلا في مطلع القرن العشرين. هكذا كانت تلك النظرة المتخلّفة الظالمة للمرأة في الغرب وفي أوروبا.
مثل هذا الإفراط يقابل من جهة أخرى بالتفريط، فحيثما تنبثق نهضة في مثل تلك الأجواء للدفاع عن حق النساء فمن الطبيعي أن يعتريها مثل هذا التفريط، ولهذا يلاحظ هذا الفساد والتحلل الذي تفشى في الغرب بسبب الحرية المفرطة للمرأة على مدى عقود عديدة، بحيث أثار الهلع حتى لدى المفكرين الغربيين، وأوجد الرعب لدى الحريصين والمصلحين والعقلاء والخيّرين في البلدان الغربية، إلا أنهم باتوا عاجزين عن الوقوف بوجهه. أولئك كانوا يبتغون تقديم خدمة للمرأة إلا أنهم ألحقوا بها أكبر الضرر؛ لأن إشاعة الفساد والتفسخ الخلقي والحرية المطلقة في العلاقات بين الرجل والمرأة أدى إلى زعزعة بناء الأسرة.
الأسرة التي يستطيع الزوج فيها إطفاء لهيب شهوته الجنسية في المجتمع بدون أية قيود، ويباح للزوجة الاتصال برجال من شتى المشارب بلا أية مؤاخذة، لا يكون فيها الزوج زوجاً صالحاً ولا الزوجة كذلك، ومن هنا ينهار صرح الأسرة.
إحدى المعضلات الكبرى التي تعاني منها البلدان الغربية اليوم كثيراً وأودت بها إلى الوقوع في منحدرات سلبية حادّة هي مشكلات الأسرة. وهذا ما جعل كل من يرفع شعار إصلاح الأسرة شخصاً محبوباً ويحظى عندهم -خاصة  بين النساء- بمكانة مرموقة، ويُعزى سبب ذلك إلى شدّة ما يكابدونه من عناء جراء انهيار العلاقة الأسرية، ولأن الأسرة فقدت هناك وللأسف موجبات الأمن والاستقرار لكلا الزوجين وخاصة المرأة، فتلاشت الكثير من الأسر، وبقيت نساء كثيرات يعشن بمفردهن إلى آخر حياتهن، ولا يجد أكثر الرجال امرأة يرتضونها وتنال إعجابهم، وتفشل الكثير من حالات الزواج في سنواتها الأولى.
الأسس القوية والجذور العميقة التي تتصف بها الأسرة في بلداننا قلّما تتوفر اليوم لدى الأسر في تلك البلدان، ويندر جداً في الغرب وجود الأسرة التي يكون فيها الجد والجدة والأحفاد والأقارب وأبناء العم وبنات العم وسائر فروع العائلة إلى جانب بعضهم ويعرفون بعضهم، وليس لدى الزوج والزوجة هناك الإخلاص اللازم لبعضهما. وهذا البلاء الذي أحاق بالمجتمع البشري والمرأة الغربية على وجه الخصوص جاء كردّ فعل لذلك النهج المتطرف في كبت حق المرأة آنذاك.
الواقع أن حركة الدفاع عن المرأة في الغرب كانت حركة مضطربة وبعيدة عن المنطق وقائمة على الجهل، ومجردة من القيم الإلهية والاستناد إلى الفطرة الطبيعية لكل من الجنسين. فلحقت أضرارها -في نهاية الأمر- بالجميع، رجالاً ونساءً، وأكثر ما لحق ضررها بالنساء.
إنّ حركة كهذه غير جديرة بالتقليد، ولا تستحق أن ينظر إليها بلد إسلامي ليستقي منها شيئاً، بل يجب أن تجابه بالرفض. أجل لا بدّ من انبثاق حركة في المجتمع الإسلامي وفي مجتمعنا لإحقاق حقوق المرأة، ولكن بشرط أن تقوم على أساس إسلامي ولأهداف إسلامية. بيد أن البعض قد ينبري ليقول: وما الداعي لمثل هذه الحركة؟ وما الذي تعوزه المرأة في مجتمعنا؟ من المؤسف أن البعض يفكر بهذا النمط وهذه النظرة السطحية، فالمرأة في كل المجتمعات -ومنها مجتمعنا- تعاني من الظلم ومن نواقص تفرض عليها. ولا نعني من النقص الذي نرفضه، هو ما يعنيه الغربيون، بل المقصود به قلة ميادين وفرص التعلم والمعرفة والتربية والأخلاق والتقدم وتفتح الطاقات. وهذا ما يجب التنقيب عنه وضمانه. وهذا هو ما أكد عليه الإسلام.
[المنهج الإسلامي في إعداد شخصية المرأة]:
إذا استطاع المجتمع الإسلامي تربية المرأة وفقاً للأسوة الإسلامية، اقتداءً بالزهراء (ع) وبزينب (ع)، وأن ينشأ نساء عظيمات قادرات على التأثير على العالم وعلى التاريخ، حينذاك تبلغ المرأة مقامها الحقيقي والشامخ. وإذا حصلت هي على نصيبها، الذي فرضه الله والشريعة الإلهية للناس جميعاً رجالاً ونساءً، من العلم والمعرفة والكمالات المعنوية والأخلاقية، فستكون تربية الأطفال عند ذاك أفضل، وأحضان العائلة أكثر دفئاً ونقاءً، والمجتمع أكثر تقدماً، ومشاكل الحياة أسهل حلاً بمعنى أن الرجل والمرأة يذوقان طعم السعادة. لهذه الغاية يجب أن تبذل الجهود، وهو الهدف المنشود، ليست الغاية حشد النساء في خندق في مجابهة الرجال أو لإثارة تنافس عدائي بينهما. الغاية هي أن تسلك النساء والفتيات نفس المسار الذي إذا سلكه الرجل يغدو إنساناً عظيماً وكبيراً، ليصبحن هن عظيمات أيضاً. وهذا الأمر يسير المنال وقد وقع في الإسلام.
يا أخواتي، ويا بناتي، ويا سيدات هذا البلد الإسلامي اعلمن أن أية امرأة متى نشأت على هذه التربية وحيثما كان وفي أية أسرة كانت، يمكنها بلوغ نفس تلك العظمة التي لا تختص بعصر صدر الإسلام، بل يتيسر بلوغها حتى في عهود الكبت وفي عهود تسلط الكفر. وكل أسرة تربي فتاتها تربية سلمية، تصبح تلك الفتاة امرأة عظيمة.
[نموذج شخصية الشهيدة بنت الهدى]:
وكانت لدينا في إيران نساء من هذا النمط، وكان لدينا حتى العصر الحاضر، في عصرنا هذا استطاعت امرأة شجاعة عالمة مفكرة بارعة في مقتبل العمر اسمها السيدة بنت الهدى -أخت الشهيد الصدر- أن تترك بصماتها على التاريخ، وأن تؤدي دوراً في العراق المظلوم إلى أن استشهدت. عظمة مثل هذه المرأة لا تقل عن عظمة أي من الرجال الشجعان والعظماء. لقد كان موقفها موقفاً نسوياً وموقف ذلك الرجل "أخوها الشهيد محمد باقر الصدر" موقفاً رجولياً، ولكن كلاهما ينمّان عن حركة تكاملية ويعبّران عن عظمة وتألّق جوهر هذا الإنسان وهكذا فلتربّى النساء.
وفي مجتمعنا أيضاً كانت لدينا الكثير من أمثال هذه النساء حتى في عهود الكبت، وفي عهود المواجهة. ولدينا من بعد قيام النظام الإسلامي نساء عظيمات استطعن تربية أبناء مستعدين للبذل والتضحية، وقدّمن أبناءهن للدفاع عن البلد وعن الثورة، وللدفاع عن كيان وكرامة الشعب، ومثل هذا العمل الكبير استطاعت أن تنجزه المرأة. وقد شاهدت أنا بنفسي حالات متعددة من هذا القبيل.
الكثير ممّن يذرف الدموع اليوم على حقوق المرأة هو في الواقع يطالب بالحرية الغربية والتحلل، ينازع من أجل تقليد الغربيين، ويكتب لهذا الغرض بين الحين والآخر. هؤلاء لا نصيب لهم في تلك المفاخر التي سطرتها المرأة الإيرانية خلا الثمان عشر سنة التي تلت انتصار الثورة، وإنما كان اهتمام الكثير منهم منصباً على أمواله ودخله وثرائه ومستلزمات رفاهه، من غير أن تكون لهم مأثرة أو منقبة تذكر.
لقد كانت نسخة الدواء الغربية نسخة مغلوطة، ولو لم تكن كذلك لما اضطروا هم بعد سبعين أو ثمانين أو مائة سنة إلى القيام بنهضة جديدة تطالب بحقوق المرأة، وهو ما حصل في السنوات الأخيرة.
ما هو السبب الذي دعاهم إلى إيجاد حركات وتجمعات من عشر سنوات أو عشرين سنة للدفاع عن حقوق المرأة؟ لو كانت الحرية الغربية علاجاً شافياً، وكان الدفاع عن حقوق المرأة إجراءً حقيقياً لما كانت هناك أية ضرورة تدعو إلى أن تهب جماعة منهم بعد مائة سنة لإنشاء الحركات وإثارة الضجيج حول هذا الموضوع. نستنتج من هذا أن علاجهم ذاك كان مغلوطاً وكذا علاجهم الحالي، ولا ينطوي إلا على التعاسة والشقاء لكلا الجنسين، وللمرأة على وجه الخصوص.
أما طريقة الإسلام، فإن هدفه في الدفاع عن حقوق المرأة، كما سبق القول هو أن لا تقع فريسة للجور، وأن لا يرى الرجل ذاته حاكماً عليها. وأن للأسرة حدوداً وحقوقاً، وللرجل حقوقه وللمرأة حقوقها، وإن حقوق كل منهما قد جعلت بشكل عادل ومتوازن. ونحن نرفض كل أمر مغلوط ينسب إلى الإسلام. ورأي الإسلام في هذا الشأن واضح وبيّن ويقّر حقوقاً متوازنة لكل من الرجل والمرأة في إطار الأسرة.
انظروا إلى هذه الآية الشريفة وما فيها عن المرأة والرجل -في أجواء الأسرة على وجه الخصوص- تقول الآية: «وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً»(الروم: 21). أي جعل لكم أيها الرجال نساءً, وجعل لكنّ أيتها النسوة رجالاً مِنْ «أَنْفُسِكُمْ» أي ليس من جنس آخر، ولا من مرتبتين متفاوتتين بل من حقيقة واحدة ومن جوهر واحد ومن ذات واحدة. ومن الطبيعي أنهما يختلفان في بعض الخصائص بسب تفاوت وظائفهما.
ثم يقول تعالى «لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا»أي جعلت الزوجية في الطبيعة البشرية لهدف أكبر وذلك هو الاستقرار والسكينة إلى جانب الزوج ذكراً كان أو أنثى. فالرجل حينما يأوي إلى داره يجد جوّاً آمناً وزوجة عطوفة وأمينة إلى جانبه، وكذا يمثل الرجل بالنسبة للمرأة ملاذاً تعشقه فتركن إليه وتحتمي به -لأنه أقوى منها بدنياً- والأسرة تضمن هذه الأجواء لكلا الجنسين. الرجل يحتاج إلى المرأة ضمن إطار الأسرة من أجل توفير السكينة والاستقرار لنفسه، والمرأة بحاجة إلى الرجل ضمن إطار الأسرة من أجل الحصول على الاستقرار والأمن. وكلاهما بحاجة إلى بعضهما من أجل تحقيق السكينة والاستقرار.
إنّ أهم ما يحتاجه الإنسان في حياته هو الاستقرار، وسعادته تكمن في أن يكون بمأمن من الاضطراب والقلق. وهذه الأجواء الأمنية تتوفر له في ظل محيط الأسرة، رجلاً كان أو امرأة. المقطع الآخر من الآية له معنى جميل أيضاً، قال تعالى: «وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً» وهذه الموّدة لا يكتمل معناها بدون المحبة، ولا الرحمة تصدق فيما إذا رافقها العنف.
الطبيعة التي أودعت في الرجل والمرأة -في ظل الجو الأسري- توجب قيام علاقة محبة ومودة فيما بينهما. بيد أن هذه العلاقة إذا ما طالها التغيير، كأن يتصرف الرجل في البيت وكأنه المالك، أو أن ينظر إلى المرأة بعين الاستغلال والاستخدام فهذا ظلم. ومما يؤسف أن الكثيرين يمارسون هذا الظلم. وهكذا الحال أيضاً خارج إطار الأسرة. فإذا لم تتوفر للمرأة أسباب الأمن للدراسة والعمل وللكسب أحياناً، وللاستراحة، فهذا ظلم يجب أن يتصدى القانون والمجتمع الإسلامي لكل من يقترفه. وإذا لم يسمح للمرأة بالتعلم والحصول على التربية السليمة، فهذا أيضاً ظلم. وإذا كانت الظروف بشكل لا يتيح -بسب كثرة الأعمال والمشاغل- الاهتمام بشؤون دينها وتهذيب أخلاقها، فهذا ظلم، وإذا لم تجد نفسها قادرة على التصرّف بممتلكاتها الخاصة بحريتها وإرادتها، فهذا ظلم. وإذا فرض على المرأة عند الزواج، زوج لا دور لها في اختياره، ولم تؤخذ إرادتها ورغبتها فيه بالحسبان، فهو ظلم. وإذا كانت لدى المرأة طاقات في المجال العلمي أو في مجال الاختراعات والاكتشافات أو قدرات سياسية، أو اجتماعية، ولكن لا يسمح لها باستثمار هذه الطاقات فهو ظلم.
[أهمية تحمل مسؤولية الأسرة من كل من المرأة والرجل]:
قد توجد أنواع من المظالم في المجتمع فيجب إزالتها ولكن في الوقت ذاته يجب النظر بعين الاعتبار إلى مسؤولية المرأة وإلى مسؤولية الرجل اللذان يتحمل كل منهما إزاء الآخر مسؤولية تشكيل الأسرة، لأنها موئل سعادة الرجل وسعادة المرأة. يتوهم البعض أن ما ينقص المرأة هو المشاغل الكبرى والمناصب الرنّانة، كلا، هذه ليست مشكلة المرأة، لأن المرأة التي تشغل منصباً مهماً كذلك تحتاج إلى جو الأسرة الآمن، وإلى زوج عطوف، وإلى ملاذ تجد فيه الهدوء النفسي. هذه هي طبيعة المرأة ومتطلباتها العاطفية والروحية التي يجب تلبيتها.
القضية الأخرى هي قضية العمل، وهي طبعاً ليست ذات أهمية من الدرجة الأولى. ومع أن الإسلام لا يمنع المرأة من العمل والمسؤولية -إلا في حالات استثنائية يتفق العلماء في بعضها، ويختلفون في بعضها الآخر، وهذا من المجالات التي تستلزم مزيداً من البحث والدراسة- لكن المسألة الرئيسية للمرأة ليست أن يكون لديها عمل أو لا يكون. وإنما المسألة الأساسية -والتي فقدها الغرب اليوم وللأسف- تتلخص في استشعارها الأمن والسكينة، وإتاحة الفرص لازدهار طاقاتها، وأن لا تقع ضحية لظلم المجتمع والزوج والأب وما شابه ذلك. وهذه هي الحقول التي ينبغي أن يركّز عليها العاملون في مجال قضية المرأة.
أشير هنا إلى بعض النقاط الأساسية التي تسترعي الاهتمام وهي:
أولاً: تنمية فكر المرأة معنوياً وأخلاقياً، والنساء أنفسهن مطالبات بالنظر في إشاعة الأفكار السليمة بينهن، والاتجاه صوب المعارف والمعلومات والمطالعة والشؤون الأساسية في الحياة. لقد كانت التربية الغربية المغلوطة في العهد الطاغوتي في هذا البلد هي التي دفعت المرأة نحو التبرج والزينة والتظاهر الذي لا مبرر له. وهذه الظاهرة أيضاً من علائم سيادة الرجل عند الغربيين هي أنهم أرادوا أن تكون المرأة للرجل، لذلك تجد نفسها مدعوّة للزينة والتبرّج لأجل أن يلتذ الرجل! وهذا من مظاهر سيادة الرجل، وليس فيه حرية للمرأة بل يمثل في الواقع حرّية الرجل الذي يراد له أن يتلذذ حتى ببصره، وهو سبب تشجيعهم المرأة على السفور والتبرّج. هذه الأنانية تستحوذ على الكثير من الرجال في المجتمعات البعيدة عن دين الله منذ العهود القديمة ولا زالت مستشرية حتى اليوم، ويعكس الغربيون أعلى مظاهرها.
إذن لا بدّ من أن تكون النظرة الجادة إلى قضية اتجاه المرأة نحو المعرفة والعلم والمطالعة والوعي واكتساب المعلومات، وأن تعطى لعا الأهمية اللازمة من قبل النساء أنفسهن.
ثانياً: إصلاح القوانين، حيث أن بعض القوانين التي تتعامل مع الرجل ومع المرأة تتطلب الإصلاح. وهذا يفرض على ذوي الاختصاص دراسة تلك القوانين وإصلاحها.
ومن الأعمال الأخرى المهمة هي وجوب تبيين وإيضاح رأي الإسلام بشأن حقوق المرأة وحقوق الرجل. والسيدات أنفسهن مطالبات ببذل الجهود في هذا المجال. ولكن العبء الأكبر يقع على عاتق المطلعين على المعارف الإسلامية، إذ يجب عليهم بيان مواضع التفاوت بين حقوق المرأة وحقوق الرجل، ليدرك الجميع أنها مسنونة على أساس الفطرة والطبيعة البشرية لكل منهما ووفقاً لمصالح المجتمع. ولا شك أن أعمالاً جيّدة قد أنجزت في هذا المضمار، واليوم يجب أن يصاغ هذا المضمار بلغة العصر، وإلاّ فمن يدقق النظر في الأعمال التي أنجزت في ما مضى في هذا المضمار يذعن ويصدّق أن الأحكام الإسلامية مبنية تماماً على جوهر الفطرة والطبيعة البشرية.
النقطة الأخرى هي وجوب الابتعاد عن الدراسات المنحرفة في هذا الموضوع. فالبعض قد ينزلق إلى بحوث منحرفة تحت مظلة الدفاع عن حق المرأة، كأن يعمد إلى إثارة المسائل من قبيل مسألة الديّة وما يحذو حذوها، والحال أن هذه المباحث إنحرافية لأن رأي الإسلام بشأن المرأة والرجل صريح لا لبس فيه. وكما سبقت الإشارة فإن رأي الإسلام في شؤون الأسرة صريح أيضاً وواضح. وليس ثمة فائدة تجنى من إثارة أمثال هذه المواضيع، ولا يتمخض عنها سوى اللف والدوران وإيجاد الانحراف في الأذهان، وعمل كهذا لا يوصف بالصواب والمنطق. يجب اجتناب البحوث المضّلة لأنها لا تصب في مسار الاتجاه السليم لهذا الموضوع.
[وجوب الدفاع الأخلاقي والقانوني عن المرأة]:
ثمة قضية أخرى تسترعي الاهتمام بها وهي وجوب الدفاع الأخلاقي والقانوني عن المرأة وخاصة داخل الأسرة. والدفاع القانوني يتم عبر إصلاح القوانين -كما سبقت الإشارة- ومن خلال تشريع القوانين الكفيلة بإنجاز هذه المهمة. أما الدفاع الأخلاقي فإنجازه يتيّسر عن طريق مواجهة الأشخاص الذين لا يدركون الحقائق ويعاملون المرأة في البيت كمستخدمة ويظلمونها ويعتبرونها غير مؤهلة للرقي المعنوي. ويجب التصدي لمثل هذه الآراء بشدّة ولكن بشكل منطقي وعقلاني.
القضية الأخرى هي الاهتمام بشأن العفاف عند المرأة. وكل حركة تنبغي الدفاع عن المرأة يجب أن تجعل ركنها الأساسي التمسك بعفاف المرأة. وكما سبق لي القول بأن الغرب وبسبب إهماله لهذا الجانب، آلت الأمور فيه إلى ما آلت إليه من التفسخ والتحلل.
جانب العفاف عند المرأة -وهو أهم عنصر في شخصيتها- يجب أن لا يكون عرضة للإهمال. عفّة المرأة وسيلة لتكريمها ورفع منزلتها في نظر الآخرين، وحتى في نظر الرجال المتحلّلين وأتباع الشهوات، وهي في الحقيقة جوهر احترامها وتقديرها. وليست مسائل الحجاب والأجنبي وغير الأجنبي، وإباحة النظر أو تحريمه إلا لأجل صيانة العفاف.
الإسلام يُعنى كثيراً بعفاف المرأة. كما أن عفاف الرجل -بطبيعة الحال- مهم أيضاً. لأن العفاف لا يختص بالمرأة، فالرجل أيضاً يجب أن يكون عفيفاً ولكن بما أن الرجل يتمتع بقوّة بدنية تفوقها، فهو قادر على الإساءة إليها ومعاملتها بما لا ترضاه. ولهذا كان التأكيد على عفّة المرأة أكثر.
ولو أنكم نظرتم اليوم إلى العالم لوجدتم أن من جملة المشاكل التي تكابدها المرأة في العالم الغربي وخاصة في الولايات المتحدة هي ركون الرجل إلى قوّته في التجاوز على عفّة المرأة. وقد اطلعتُ على الإحصائيات الصادرة من جهات رسمية في نفس أميركا، كانت إحداها صادرة عن العدلية، والثانية من جهة أخرى، كانت الأرقام رهيبة حقاً، ففي كل ست ثوان تقع في أميركا حادثة تجاوز قسري! لاحظوا مدى أهمية العفّة، وما تؤول عليه الأمور إذا قوبلت بالإهمال! حادثة اعتداء بالعنف كل ست ثوان، رغم إرادة المرأة يقوم بها الرجل الظالم المتسلط المتهتك، فيعتدي على حريم عفّة المرأة. الإسلام يلاحظ كل هذه الجوانب، وهذا هو تأكيد الإسلام بشدة على مسألة الحجاب.
إذن الاهتمام بموضوع العفّة والتمسك بالحجاب من الأمور الأخرى التي يؤكد عليها الإسلام. هناك أيضاً موضوع تربية وتعليم المرأة وهو ما أكدت عليه مراراً. ومن حسن الحظ أن تعليم وتربية المرأة من الأمور الشائعة في مجتمعنا ولكن في الوقت نفسه لا زالت هناك عوائل تمنع بناتها من اكتساب العلوم. فإذا كانت أجواء الدراسة يوماً ما موبوءة، فهي ليست كذلك اليوم في عهد النظام الإسلامي. يجب على العوائل السماح للفتيات بالتعلم والدراسة والمطالعة والإطلاع على المعارف الدينية والإنسانية من أجل تقوية أذهانهن. هذا العمل له ضرورة قصوى ولا بدّ من تحقيقه.
الموضوع الآخر هو وجوب التصدي الشديد قانونياً وأخلاقياً لمن يبيح لنفسه التجاوز على المرأة. والقانون أيضاً يجب أن يتضمن عقوبات صارمة لمثل هذه المخالفات. وأشير ثانية إلى أن الدول الغربية ورغم جميع الشعارات التي تنادي بها إلا أنها لم تستطع حتى الآن ضمان عدم وقوع هذه التجاوزات. أي أن هناك نساءً يتعرضن للضرب من أزواجهن، وفتيات يُضربن وقد يحصل الجرح على يد آبائهن. وهناك إحصائيات رهيبة ومثيرة في هذا الخصوص، ناهيك عن شيوع ظاهرة أخرى هناك وهي القتل، إذ إن الدماء هناك تراق بكل بساطة. واستقباح القتل في الأجواء الإسلامية، ليس موجوداً –وللأسف- في تلك الأجواء التي لا تعرف شيئاً عن المعارف الإلهية.
وظاهرة قتل النساء هي من البلايا المستهجنة القبيحة جداً، أمر شائع في البلدان الغربية -خاصة أميركا- ومن حسن الحظ انها ليست كذلك في بلدنا ولا تقع إلا في حالات نادرة جداً. ولكن على كل الأحوال لا بدّ من التصدي بشدة لأي اعتداء بدني على المرأة لكي يتسنى لمجتمعنا بلوغ المستوى الذي يصبو إليه الإسلام في هذا المجال.
إذا استطاع مجتمعنا تعليم المرأة المعارف التي يريدها الإسلام، فلا شك في أن البلد سينال نصيباً مضاعفاً من الرقي والتقدم. وكل ميدان تدخله المرأة وهي شاعرة بالمسؤولية تتصاعد وسيلة التقدم فيه. وتتميز مشاركة النساء في أي ميدان -في حال كونها متزوجة ولديها أسرة- فإنّ كل تلك الأسرة تدخل ذلك الميدان. وهذا ما يعطي أهمية بالغة لمشاركة النساء في مختلف القطاعات.
أسأل الله العون والتوفيق لكافة المسؤولين في هذا البلد ولمن يسنّون القوانين ولمن يضعون الخطط والبرامج ولكل العاملين في مجال قضايا المرأة، ليتمكنوا من شق الطريق الإسلامي القويم بلا ميل ولا انجراف إلى المناهج الأجنبية المغلوطة والمرفوضة، وأن يسيروا على هذا المسلك، وأن تتمكن النسوة في بلدنا بلوغ المستوى الذي أراده لهن الإسلام، ألا وهو الرفاه المادي والمعنوي والسعادة في الدنيا والآخرة.
اللهم أقسم عليك بفاطمة(ع) وزينب الكبرى(ع) أن تساعد النساء في بلدنا على تحقيق أهدافهن الإسلامية والرفيعة، وأن تزيل كافة العراقيل التي تحول دون تطور وتقدم النساء.
اللهم واجعلنا من المشمولين بالأدعية الزاكية لحضرة بقية الله الأعظم، وأدعوه تعالى أن يوفقكم ويسلمكم جميعاً.
  

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


الحضور: جمع غفير من المؤمنات.
المناسبة: ولادة الصديقة الطاهرة(ع) ويوم المرأة.
الزمان والمكان: 19 جمادى الثانية 1418 هـ. ق، استاد الحرية الرياضي بطهران.

التعليقات (0)

اترك تعليق