مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

عبادة الزهراء (1)

عبادة الزهراء (1): كانت (ع) إذا قامت في محرابها زهر نورها لأَهل السماء، كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض

مقامها العبادي:
إن الباحث في الروايات العديدة المروية في حق الزهراء(ع)، يدرك علوّ مقامها الإنساني، ويلامس خصوصية علاقتها مع الله، وعبوديتها الحقة في ساحة قدسه تعالى...
وفي هذه المقالة نورد بعض الروايات التي تتعلق بمقام الزهراء(ع) العبادي:
1- نورها يزهر من قلب عبادتها فيضيء السماء:

سُئل الإمام الصادق(ع) عن فاطمة(ع) لِمَ سمّيت الزهراء؟ فقال(ع): "لاَنّها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأَهل السماء، كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض"(1)
عن جعفر بن سهل الصيقل، عن محمد بن إسماعيل الدارمي، عمن حدثه، عن محمد بن جعفر الهرمزاني، عن أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام يابن رسول الله لم سميت الزهراء زهراء؟ فقال: لأنها تزهر لأمير المؤمنين(ع) في النهار ثلاث مرات بالنور، كان يزهر نور وجهها صلاة الغداة والناس في فراشهم، فيدخل بياض ذلك النور إلى حجراتهم بالمدينة، فتبيض حيطانهم فيعجبون من ذلك فيأتون النبي(ص)، فيسألونه عما رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمة(ع) فيأتون منزلها فيرونها قاعدة في محرابها تصلي والنور يسطع من محرابها من وجهها، فيعلمون أن الذي رأوه كان من نور فاطمة. فإذا انتصف النهار، وترتبت للصلاة زهر نور وجهها عليها السلام بالصفرة، فتدخل الصفرة في حجرات الناس فتصفر ثيابهم وألوانهم، فيأتون النبي(ص)، فيسألونه عما رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمة(ع)، فيرونها قائمة في محرابها وقد زهر نور وجهها -صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها- بالصفرة فيعلمون أن الذي رأوا كان من نور وجهها فإذا كان آخر النهار وغربت الشمس أحمر وجه فاطمة فأشرق وجهها بالحمرة فرحا وشكرا لله عز وجل، فكان تدخل حمرة وجهها حجرات القوم، وتحمر حيطانهم فيعجبون من ذلك ويأتون النبي(ص)، ويسألونه عن ذلك فيرسلهم إلى منزل فاطمة فيرونها جالسة تسبح الله وتمجده ونور وجهها يزهر بالحمرة، فيعلمون أن الذي رأوا كان من نور وجه فاطمة(ع) فلم يزل ذلك النور في وجهها حتى ولد الحسين(ع) فهو يتقلب في وجوهنا إلى يوم القيامة في الأئمة منا أهل البيت إمام بعد إمام.
2- مباهاة الله بها الملائكة:
عن رسول الله(ص) في فاطمة: متى قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله زهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض ويقول الله عزّ وجلّ للملائكة يا ملائكتي انظروا إلى أَمتي فاطمة سيدة إمائي قائمة بين يدي ترتعد فرائصها من خيفت(3).
3- كانت مفرغة وقتها لطاعة الله وقد امتلأ قلبها يقيناً (والذي هو هدف العبادة)، لذلك كانت تملك روح العبادة: عن الإمام الباقر(ع) قال: "قال رسول الله(ص): إنّ ابنتي فاطمة ملأ الله قلبها وجوارحها إيماناً ويقيناً إلى مشاشها، ففرغت لطاعة الله"(4)
4- ومن مظاهر عبادتها(ع): طول قيامها في الصلاة وكثرة خشوعها، فقد روي عن الحسن البصري أنه قال: ما كان في هذه الاُمّة أعبد من فاطمة، كانت تقوم حتى تتورّم قدماها.(5)
وقال الديلمي وابن فهد: "روي أنّ فاطمة(ع) كانت تنهج في صلاتها من خيفة الله تعالى"(6)
5- هي المذكورة في الآية الكريمة: «فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَ يُذْكرَ فِيهَا اسمُهُ يُسبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَ الاَصالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ» (النور 36-37).
أخرج الحاكم عن أبي برزة، قال: قرأ رسول الله(ص) «فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَ يُذْكرَ فِيهَا اسمُهُ»، قال: هي بيوت النبي.
قيل: يا رسول الله أبيت علي وفاطمة منها؟
قال: أفضلها.(7)
وأخرج السيوطي عن ابن مردويه عن أنس بن مالك وبريدة مثله، وكان السائل أبو بكر قال: فقام إليه أبو بكر فقال: يا رسول الله، هذا البيت منها، بيت علي وفاطمة، قال: نعم أفضلها.(8)
روى الصدوق في الخصال عن النبي(ص): أن الله اختار من البيوتات أربعة، ثم قرأ هذه الآية: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (آل عمران: 33-34)(9)
فالمراد من البيت، بيت الوحي و بيت النبوة، و من يعيش في هذه البيوت من رجال لهم الأوصاف المذكورة في الآية الكريمة.
روى الحافظ السيوطي عن أنس بن مالك وبريدة، إنّ رسول الله(ص) قرأ قوله تعالى: «في بيوت أذن الله أن ترفع...»، فقام إليه رجل وقال: أي بيوت هذه يا رسول الله؟
فقال(ص): «بيوت الأنبياء».
فقام إليه أبو بكر وقال: يا رسول الله، وهذا البيت منها؟ وأشار إلى بيت علي وفاطمة(ع).
فقال النبي(ص): «نعم من أفاضلها». (10)
6- وهي المذكورة في قوله تعالى: «وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا» (الجمعة 11)، روى ابن شهر آشوب عن تفسير مجاهد وأبي يوسف، يعقوب بن سفين، قال ابن عباس في قوله تعالى: «وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا»
جاء دحية الكلبي يوم الجمعة من الشام بالميرة، فنزل عند أحجار الزيت، ثم ضرب بالطبول ليؤذن الناس بقدومه، فمضوا الناس إليه إلا علي والحسن والحسين وفاطمة(ع) وسلمان وأبو ذر والمقداد وصهيب، وتركوا النبي(ص) قائما يخطب على المنبر، فقال النبي (ص): "قد نظر الله يوم الجمعة إلى مسجدي، فلولا هؤلاء الثمانية الذين جلسوا في مسجدي، لأضرمت المدينة على أهلها نارا، وحصبوا بالحجارة كقوم لوط، ونزل فيهم رجال لا تلهيهم تجارة".(11)
وقد وصف الإمام أمير المؤمنين(ع) هؤلاء الرجال الذين يسبحون في تلك البيوت، عند تلاوته: «رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله»: وإن للذكر لأهلا أخذوه من الدنيا بدلا، فلم يشغلهم تجارة ولا بيع عنه، يقطعون به أيام الحياة، ويهتفون بالزواجر عن محارم الله في أسماع الغافلين، ويأمرون بالقسط ويأتمرون به، وينهون عن المنكر ويتناهون عنه فكأنما قطعوا الدنيا إلى الآخرة وهم فيها، فشاهدوا ما وراء ذلك، فكأنما اطلعوا غيوب أهل البرزخ في طول الإقامة فيه، وحققت القيامة عليهم عداتها، فكشفوا غطاء ذلك لأهل الدنيا، حتى كأنهم يرون ما لا يرى الناس ويسمعون ما لا يسمعون.(12)
«اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ» (النور: 35).
قال أبو عبد الله(ع) في قوله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ: فاطمة، "فِيهَا مِصْبَاحٌ": الحسن ،"الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ": الحسين، "الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ": فاطمة كوكب دري بين نساء أهل الدنيا. "نُورٌ عَلَى نُور" إمام منها بعد إمام.(13)
7- كما أنها وصلت في عبادتها وطاعتها لله إلى أن تكون محدَّثة، تحدّثها الملائكة وتطلب منها القنوت والخشوع لله جلّ وعلا.
والمُحَدَّث: من تكلّمه الملائكة بلا نبوّة ولا رؤية صورة، أو يُلهم له ويلقى في روعه شيء من العلم على وجه الإلهام والمكاشفة من المبدأ الأعلى، أو ينكت له في قلبه من حقائق تخفى على غيره(14).
وهذه كرامة يكرم الله بها من شاء من صالح عباده، ومنزلة جليلة من منازل الأولياء، حضيت بها الزهراء بنت النبي(ص) على ما جاء في كثير من الروايات، منها ما روي عن الإمام الصادق(ع) أنّه قال: «إنّما سميت فاطمة(ع) محدّثة، لأنّ الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران، فتقول: يا فاطمة، إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين. يا فاطمة، اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين، فتحدّثهم ويحدّثونها. فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إنّ مريم كانت سيدة نساء عالمها، وإنّ الله عزَّ وجلَّ جعلك سيدة نساء عالمك وعالمها، وسيدة نساء الأولين والآخرين»(15) هي المذكورة في قوله تعالى: «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» (النحل: 43).
عن ابن عباس في قوله «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ» قال هو محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهما هم أهل الذكر والعلم والعقل.(16) هي المؤمنة التي في صلاتها خاشعة، عن اللغو معرضة... كما ورد: «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ» (المؤمنون: 1-2).
عن الإمام موسى بن جعفر(ع) قال: "نزلت في محمد رسول الله وفي أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين".(17)
8- هي المذكورة في الآية الكريمة: «تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ» (السجدة: 16).
نزلت في علي وفاطمة ليلة زواجهما. وفي صبيحة اليوم التالي سأل(ص) عليا: "كيف وجدت أهلك، قال نعم العون على طاعة الله".(18)
9- «كانوا قليلا من الليل ما يهجعون» (الذاريات: 17): نزلت في علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين (ع)(18).


الهوامش:
1- معاني الأخبار|الشيخ الصدوق: 64|15. وعلل الشرائع|الشيخ الصدوق 1: 181|3. ودلائل الإمامة: 149|59. وبحار الأنوار 43: 12|6.
2- بحار الأنوار ج43 ص11.
3- بحار الأنوار 172:43.
4- دلائل الإمامة|الطبري: 139|47. والمناقب|ابن شهر آشوب 3: 337. والثاقب في المناقب|ابن حمزة الطوسي: 291، بحارالأنوار: 43: 29.
5- وعن الطبرسي، قال: سُمّيت فاطمة عليها السلام بالبتول لانقطاعها إلى عبادة الله: مجمع البيان|الطبرسي 10: 568. والمصباح|الكفعمي: 659.
6- المناقب | ابن شهر آشوب 3: 341. ومقتل الحسين عليه السلام|الخوارزمي 1: 80. وربيع الأبرار، الزمخشري 2: 104.
7- إرشاد القلوب|الديلمي: 105. وأعلام الدين|الديلمي: 247ـ. وعدة الداعي|ابن فهد: 151ـ دار المرتضى. بيروت.
8- شواهد التنزيل للحاكم النيسابوري 1: 532.
9- الخصال:1/ 107.
10- الدر المنثور للسيوطي: 6: 203.
11- تفسير الدر المنثور:5/50.
12- البرهان في تفسير القرآن:3/ 139.
13- نهج البلاغة: الخطبة: 222.
14- مرآة العقول للمجلسي 2: 358. البرهان 3: 135.
15- الغدير|الأميني 5: 42. علل الشرائع 1: 182 |1. ودلائل الإمامة: 80|20. وبحار الأنوار 43: 78|65
16- إحقاق الحق 3: 483. البحار 23: 186.
17- البرهان 3: 106.
18- المناقب لابن شهر آشوب. 3: 356.
19- شواهد التنزيل: 2: 268. عوالم العلوم: فاطمة الزهراء (ع) في المستدرك:85.


اعداد موقع ممهدات



 

التعليقات (0)

اترك تعليق