مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

انهضن لتوديع الإمام..

انهضن لتوديع الإمام..

ينقل الشيخ محمّد تقي الهمداني: يـوم الإثـنـيـن الثـامن عشر من شهر صفر عام (139ه‍) أصيبت زوجتي بسكتة جزئيّة قعدت بها، وذلك على أثر وفاة ولديها بعد سقوطهما من جبال شميران (فى طهران). و لم تجدها نفعا مراجعاتها الأطباء.
حـتـى إذا كـانـت ليـلة الجـمـعة (22) صفر (أي بعد أربعة أيام على مرض زوجتى). ذهبت في الساعة الحادية عـشرة إلى غرفتي للاستراحة. فعنّ لي أن أتلو قبل الاستراحة آيات من القرآن الكريم، و أدعية ليلة الجمعة، وأتوسل بالإمام بقيّة اللّه(ع)، لشفاء زوجتي من دائها. فلعلّ اللّه (تعالى) يأذن للإمام(ع) في إغاثتنا.
وسـبـب تـوجـّهي مـبـاشـرة إلى الإمام(ع) دون أن اطلب حاجتي من اللّه(تعالى) أنّ ابنتي الصغيرة فـاطـمـة كانت قد أرادت قبل مرض زوجتي بشهر تقريبا أن أقرأ لها قصص الذين حصلوا على عنايات من الإمام بقيّة اللّه (روحي فداه) وشملهم عطفه وإحسانه. فوافقت على طلب هذه البنت ذات العشر سنين، فكنت أقرأ لها أحياناً في كتاب "النجم الثاقب" للميرزا النوري.
مـن أجـل هـذا خـطـر لي هـذا التـسـاؤل:
لمـاذا لا أتوسل أنا كـذلك بالإمام(ع) وأحظى بمرادي كما فـعـل مـئات الذيـن لقـوا الإمام ونـالوا مـبـتـغـاهـم؟! ولهـذا -وكـمـا قـلت- رحـت في حدود الساعة الحادية عشرة أتوسّل بالإمام(ع) بقلب مغموم وعينين باكيتين. حتى نمت. و فى الساعة الرابعة بعد منتصف ليلة الجمعة أفقت، كما هي العادة، من النوم. عندها لفت انتباهي صوت همهمة يأتي من الغرفة السفلى التي ترقد فيها مريضتنا. ثمّ أخذ الصوت يقوى شيئا فشيئا ويشتدّ. نزلت إلى الغرفة فوجدت ابنتي الكبرى -التي عادة ما تكون غافية في مثل هذا الوقت- في حالة عالية من النشاط والسرور. و ما إن وقع نظرها عليّ حتى قالت: أبشرّك يا بابا.. شفيت أمّي! قلت: ومن شفاها؟! قـالت: قـبـل دقـائق أيقظتنا أمّي (نـحـن الثـلاثـة) مـن النـوم بـصـوت عـال وبـعـجـلة واضـطراب، وهي تقول: انهضن لتوديع الإمام.. انهضن لتوديع الإمام. ولأنها فكرت أنّ الإمام سوف يذهب قبل أن ننهض.. فقد قامت هي نفسها وذهبت تتبع الإمام إلى باب الدار، مع أنها لم تستطع أن تتحرك من مكانها منذ أربعة أيام.
ولأني كنت أتولى رعايتها (والكلام ما يزال للبنت الكبرى) فقد مضيت خلفها بعد أن أيقظني صوتها. وعجبت هـي -كـمـا عـجـبـت أنا- مـن هـذه القـدرة التي جـاءتـهـا بـحـيـث اسـتـطـاعـت أن تهرول إلى هذا المكان! في هذه اللحظة: سألتني أمي: أأنا نائمة أم يقظى؟! قلت لها: ماما.. لقد عافاك. أين كان الإمام لمّا كنت تناديننا لنودّع الإمام؟ وإذن لماذا لم نره نحن؟! قـالت أمي: كـنـت نـائمـة وأنا عـلى حـالي لا أقوى على الحركة.. فشاهدت سيّداً شريفاً عظيماً رفيع الشأن يـرتـدي زي أهل العـلم. لم يـكـن شـابـاً يـافـعـاً و لا كـبـيـر السـنّ جـدّا. جـاء إلي وقال: قومي، لقد عافاك اللّه. قلت له: لا أستطيع القيام . فقال لي بنبرة جادّة: عوفيت.. فقومي.
وإزاء هـيـبـة الرجـل العـظـيـم (الذي هـو يـقـيـنـا الإمام صـاحـب الزمـان(ع)) قـمـت. وقـال لي الإمام: لا تـتـنـاولي الدواء بـعـد الآن، ولا تـبـكـي. ولما أراد الانصراف أيقظتكن لتودّعْنَه، ولكني إذ وجدتكنّ متثاقلات نهضت بنفسي، وذهبت وراءه حتى باب الدار.


 

التعليقات (0)

اترك تعليق