دعاء الزهراء (ع) في تعقيب صلاة الظهر
سبحان ذي العز الشامخ المنيف، سبحان ذي الجلال الباذخ العظيم، سبحان ذي الملك الفاخر القديم، والحمد لله الذي بنعمته بلغت ما بلغت من العلم به والعمل له، والرغبة إليه والطاعة لأمره. والحمد لله الذي لم يجعلني جاحدا لشيء من كتابه، ولا متحيرا في شيء من أمره، والحمد لله الذي هداني إلى دينه، ولم يجعلني أعبد شيئاً غيره. اللهم إني أسألك قول التوابين وعملهم، ونجاة المجاهدين وثوابهم، وتصديق المؤمنين وتوكلهم، والراحة عند الموت، والأمن عند الحساب، واجعل الموت خير غائب أنتظره، وخير مطلع يطلع علي، وارزقني عند حضور الموت وعند نزوله، وفي غمراته، وحين تنزل النفس من بين التراقي، وحين تبلغ الحلقوم، وفي حال خروجي من الدنيا، وتلك الساعة التي لا أملك لنفسي فيها ضراً ولا نفعاً، ولا شدة ولا رخاء، روْحا من رحمتك، وحظاً من رضوانك، وبشرى من كرامتك. قبل أن تتوفى نفسي، وتقبض روحي، وتسلط ملك الموت على إخراج نفسي ببشرى منك.
يا رب، ليست من أحد غيرك تثلج بها صدري، وتسر بها نفسي، وتقر بها عيني، ويتهلل بها وجهي، ويسفر بها لوني، ويطمئن بها قلبي، ويتباشر بها ساير جسدي، يغبطني بها من حضرني من خلقك، ومن سمع بي من عبادك، تهوّن عليّ بها سكرات الموت، وتفرّج عني بها كربته، وتخفف عني بها شدته، وتكشف عني بها سقمه، وتذهب عني بها همه وحسرته، وتعصمني بها من أسفه وفتنه، وتجيرني بها من شره وشر ما يحضر أهله، وترزقني بها خيره وخير ما يحضر عنده، وخير ما هو كائن بعده.
ثم إذا توفيت نفسي وقبضت روحي، فاجعل روحي في الأرواح الرابحة، واجعل نفسي في الأنفس الصالحة، واجعل جسدي في الأجساد المطهرة، واجعل عملي في الأعمال المتقبلة، ثم ارزقني في خطتي من الأرض حصّتي، وموضع جنبي، حيث يرفت لحمي، ويدفن عظمي، وأُترك وحيدا لا حيلة لي. قد لفظتني البلاد وتخلا مني العباد، وافتقرت إلى رحمتك، واحتجت إلى صالح عملي، وألقى ما مهدت لنفسي، وقدمت لآخرتي، وعملت في أيام حياتي، فوزاً من رحمتك، وضياء من نورك، وتثبيتاً من كرامتك، بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، إنك تضل الظالمين وتفعل ما تشاء.
ثم بارك لي في البعث والحساب، إذا انشقت الأرض عني، وتخلى العباد مني، وغشيتني الصيحة، وأفزعتني النفخة، ونشرتني بعد الموت، وبعثتني للحساب. فابعث معي يا رب نوراً من رحمتك، يسعى بين يدي وعن يميني، تؤمنني به، وتربط به على قلبي، وتظهر به عذري، وتبيض به وجهي، وتصدق به حديثي، وتفلج به حجتي، وتبلغني بها العروة الوثقى من رحمتك، وتحلني الدرجة العليا من جنتك، وترزقني به مرافقة محمد النبي عبدك ورسولك، في أعلى الجنة درجة، وأبلغها فضيلة، وأبرها عطية، وأوفقها نفسة مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.
اللهم صل على محمد خاتم النبيين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وعلى الملائكة أجمعين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أئمة الهدى أجمعين، آمين رب العالمين.
اللهم صل على محمد كما هديتنا به، وصل على محمد كما رحمتنا به، وصل على محمد كما عززتنا به، وصل على محمد كما فضلتنا به، وصل على محمد كما شرفتنا به، وصل على محمد كما بصّرتنا به، وصل على محمد كما أنقذتنا به من شفا حفرة من النار.
اللهم بيّض وجهه، وأعل كعبه، وأفلج حجته، وأتمم نوره، وثقّل ميزانه، وعظّم برهانه، وافسح له حتى يرضى، وبلّغه الدرجة والوسيلة من الجنة، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته، واجعله أفضل النبيين والمرسلين عندك منزلة ووسيلة، واقصص بنا أثره، واسقنا بكأسه، وأوردنا حوضه، واحشرنا في زمرته، وتوفنا على ملته، واسلك بنا سبله، واستعملنا بسنته، غير خزايا ولا نادمين، ولا شاكين ولا مبدلين. يا من بابه مفتوح لداعيه، وحجابه مرفوع لراجيه، يا ساتر الأمر القبيح ومداوي القلب الجريح، لا تفضحني في مشهد القيامة بموبقات الآثام، ولا تعرض بوجهك الكريم عني من بين الأنام، يا غاية المضطر الفقير، ويا جابر العظم الكسير، هب لي موبقات الجرائر، واعف عني فاضحات السرائر، واغسل قلبي من وزر الخطايا، وارزقني حسن الاستعداد لنزول المنايا، يا أكرم الأكرمين ومنتهى أمنية السائلين، أنت مولاي، فتحت لي باب الدعاء والإنابة، فلا تغلق عني باب القبول والإجابة، ونجّني برحمتك من النار، وبوئني غرفات الجنان، واجعلني متمسكا بالعروة الوثقى، واختم لي بالسعادة، وأحيني بالسلامة يا ذا الفضل والكمال، والعزة والجلال، لا تشمت بي عدواً ولا حاسداً، ولا تسلط علي سلطاناً عنيداً ولا شيطاناً مريداً، برحمتك يا أرحم الراحمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلّى الله على محمد وآله وسلم تسليما.
المصدر: صحيفة الزهراء (ع): جمع الشيخ جواد القيومي. ط1، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1373 ش
اترك تعليق