مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

الزهراء (عليها السلام) و دور المرأة فی المجتمع الصالح (2)

الزهراء (عليها السلام) و دور المرأة فی المجتمع الصالح (2)

[فی مجمل النصوص الواردة فی موضوعنا هذا، نری أنّ الإسلام أکّد کثیرا علی شخصیة فاطمة الزهراء (ع) و دورها الکبیر فی الحیاة الإسلامیة،  وذلك من أجل إيضاح الرؤية الاسلامية حول دور المرأة من خلال التأكيد على الشخصية القدوة والتي تحاكي في كل جوانب حياتها الاسلام بكل أبعاده... وكنا قد أوردنا في المقال السابق دورين هامين للمرأة نستكمل بآخرين هما الدور السياسي والدور في الأسرة]*

الدور الثالث ـ الدور السیاسی للمرأة
الدور السیاسی الخاص الذی یمکن أن تقوم به المرأة فی المجتمع الإسلامي، فلقد أُرید من المرأة أن تدخل العمل السیاسي، وتمارس هذا الدور المهم فی الأعمال السیاسیة وفی المجتمعات الإنسانیة. المرأة فی هذا المجال کالرجل، تتحمل المسؤولیات الخاصة فی خدمة المجتمع والتضحیة من أجله، و الجهاد فی سبیل الله تعالی و فی البذل و العطاء إلی حد الاستشهاد فی سبیل الله تعالی، فلا بد للمرأة أن تقوم بهذا الدور أداءا للواجب و التکلیف، حسب القانون الإلهی والأحکام الشرعیة التی وضعها الشارع المقدس لها، وهو من الأدوار التی فُتحت أمام المرأة فی حرکتها.
إن تضحیة الزهراء (ع) کانت من أجل نصرة إمامة الإمام علي (ع)، وترسیخ مبدأ الولایة، و الدفاع عن هذا الحق الذی أرید له أن یثبت فی التاریخ ویستمر، وإن لم یحصل (ع) علی موقعه المطلوب منذ الیوم الأول، فنجد الزهراء (ع) تبادر إلی هذا الدور، وتنهض به بأفضل ما یمکن أن یؤدیه الإنسان، فی ظرف حساس یمکن لنا أن نقول إنه لم یکن من الممکن لغیر الزهراء (ع) أن یقوم فیه.
ومع وقفة عند هذه النصوص الواردة عن النبی (ص) فی الزهراء، مثل قوله: «إن الله یغضب لغضب فاطمة»، یتبین لنا أن الله سبحانه وتعالی قدّر فی قضائه وقدره، أن فاطمة الزهراء (ع) سوف تمر بأوضاع سیاسیة واجتماعیة تثأر فیها الزهراء، وتغضب لله تعالی لا لنفسها، ولذلک یغضب الله تعالی لغضبها ویرضی سبحانه وتعالی لرضاها (ع).
وعلی خطی الزهراء (ع) کان دور المرأة فی الثورة الحسینیة، باعتبار أن الثورة الحسینیة -کما هو معروف- مثلت القمة فی التضحیة و الفداء و البذل والعطاء فی حرکة الإنسان السیاسیة و الاجتماعیة. وقد شارکت المرأة الرجل مشارکة فعالة فی کل الأدوار التی قام بها فی الثورة الحسینیة، وکان لهذا الدور خمسة أبعاد هي: البعد القتالي، و البعد السیاسي، و البعد الإعلامي، و البعد الإنساني، و البعد الأخلاقي و المعنوي العام، وهی أبعاد رئیسیة ومهمة نهضت بها المرأة فی هذه الثورة الخالدة.
إذن المرأة یمکنها فی تفاصیل حیاتنا الفعلیة الحاضرة أن تقوم بالکثیر من الأدوار الهامة، فی هذه المعرکة الجهادیة وفی صراعنا الذي نخوضه کمسلمین ضد الطغیان و الکفر العالمي، وضد الاستکبار و الاستبداد.

فیمکن للمرأة أن تساهم مساهمة فعالة وحقیقیة فی الفعالیات الجهادیة طبقا للأحکام الشرعیة، وضمن المواصفات الشرعیة التی حددتها الشریعة الإسلامیة المقدسة، مع ملاحظة أن قسما من هذه الأعمال یتحملها الرجل وحده، فی حین أن هناک اعمالاً تتحملها المرأة وحدها، و أعمال أخری یتحملها الاثنان.


الدور الرابع ـ دور المرأة فی الأسرة
إن النظریة الإسلامیة فی فهمها للمجتمع الإنسانی ورؤیتها لترکیبته العامة، تری أنّ اللبنة الأساسیة فی هذا البناء الاجتماعي، والتي تشکل الوحدة المرکزیة فیه هی الأسرة.
النظریة الإسلامیة تری أن الأسرة تمثل وحدة رئیسیة ومرکزیة فی بناء المجتمع، ولا یمکن أن یُبنی المجتمع الصالح ویتکامل دون أن وجود الأسرة الصالحة، ومن هنا نجد أن الإسلام لطالما أکد علی أهمیة دور الأسرة فی المجتمع، علی خلاف رؤیة المجتمعات والحضارة الغربیة، التی لا تری للأسرة مثل هذا الدور المهم فی بناء المجتمع وقوته وتکامله.
فالإسلام یری أن قوة الأسرة وصلاح الأسرة وتماسکها وتکاملها واتصافها بالمواصفات المطلوبة، هی التی تمکنها من أن تحوّل المجتمع إلی مجتمع صالح متکامل. و لا شک أن الزوجة الأم تمثل الرکن الرئیس فی الأسرة وبنائها، إن لم نقل الرکن الأهم فی هذا البناء من الناحیة الداخلیة و الذاتیة. ولعل هذا هو السر فی الترکیز الخاص علی شخصیة الزهراء (ع) فی تفاصیل دورها فی الأسرة.
وفی هذا المجال أود أن أنبّه لنقطة مهمة جدا فی شخصیة الزهراء (ع)، لم توجد فی غیرها من النساء الصالحات اللاتی تحدث عنهن القرآن الکریم، وتحدث عنهن الرسول الأکرم (ص)، من قبیل آسیة ومریم بنت عمران (ع) التی لم تحصل لها ظروف أسرة کاملة، کما لم تحصل لآسیا زوجة فرعون ظروف أسرة کاملة وصالحة فی حرکتها، حیث کانت زوجة لکن لم یکن لها أولاد، وکانت زوجة لکنها زوجة لطاغیة، ولم تکن قادرة علی أن تعبر عن تلک العلاقة القویة فی إحکام الأسرة وعلاقات الأسرة وبنائها.


شخصية الزهراء (ع) وتكامل الأدوار
وأما خدیجة (ع) فقد کان لها دور الأسرة، فهی زوجة لرسول الله (ص) وأم لذریته؛ لأنها أم الزهراء (ع) فهی تشبهها من هذه الناحیة، ولکن الزهراء (ع) امتازت علی أمها خدیجة بالأدوار الأخری التی مارستها فی حیاتها، و التی استطاعت أن تحفظ فی شخصیتها قضیة الموازنة بین هذه الأدوار، و الموازنة غایة فی الأهمیة بالنسبة لحرکة المرأة.
فبعض النسوة قد یُوفّقن لأن ینهضن بدور مهم فی الجانب الأول، أو فی الجانب الثانی فی العبادة وفی جهاد النفس و القیام بالأعمال الصالحة، ثم الوصول إلی الکمالات العالیة، وقد یکون لهن دور مهم فی الجانب الثالث، فی الرعایة المنزلیة وفی ترتیب وضع الأسرة وجعلها أسرة قویة صالحة، و البعض منهن یکون دورهن الکبیر فی موضوع التضحیة و الفداء، لکن الجمع بین کل هذه الأدوار، و إیجاد حالة الموازنة بین هذه الأعمال وهذه الأدوار هی قضیة هامة جدا، لکامل للمرأة أنه کلما تمکنت المرأة من أن تقترب فی صورتها النموذجیة، التی تکون الزهراء (ع) فیها قدوتها و أسوة لها فی هذه الحرکة التکاملیة، تمکنت من أن تقترب من حالة المحافظة علی هذه الموازنة، بمعنی أن تکون لها مساهمة فعالة فی کل هذه الأدوار، وتکون المرأة فی صورتها أقرب إلی الکمال نحو الزهراء (ع)، وکلما ابتعدت عن هذه الموازنة کانت بعیدة عن حالة الکمال.

أقول ربما لا تتهیأ للمرأة فرص أن تمارس الدور الرابع (دور الأسرة)، لأن هذا الدور من الأمور التی لا تکون دائما فی اختیار المرأة، فربما لا تتزوج المرأة، أو تتزوج و لا یکون لها أولاد، وربما لسبب ما لا یکون الزواج ناجحا، وغیر ذلک مما یمکن ألاّ یکون فی اختیار المرأة وقدرتها، ولذلک فأنا أشیر إلی الحالة الغالبة، وهی أن المرأة عندما تکون فی دور الأسرة، یکون أمامها فرص أخری مهیأة، کما کان الأمر بالنسبة للزهراء (ع)، فهی ربة بیت تطحن الحنطة فی بیتها وتنظف البیت، وهی فی نفس الوقت المرأة العالمة الفاضلة التي تواصل تعليم الناس، فلم تطلب مثلاً جاریة لتدبیر أمور المنزل، لتقول مثلاً أرید أن أتفرغ للعلم والتعلیم، وإنما عبرت عن هذا الجانب فی کمالها فی حفظ الموازنة بین إدارة البیت والعلم، وکما عبرت عن ذلک فی عبادتها وزهدها وتواضعها، وفی مساهماتها فی العمل الاجتماعی و السیاسی العام.

ربما لا تتهیأ فرصة للعمل الاجتماعی لبعض النساء، أو لا تتهیأ لها فرصة للعمل الجهادی، فیکون الاهتمام فی الجانب الاجتماعی أو فی العمل الثقافی أو العمل العبادی حسب الفرص المتاحة لها. المهم للمرأة أن تسعی لاستثمار الفرصة الحاصلة من خلال الامکانات الموجودة، وأن تواکب فی حرکتها التکاملیة هذه الفرص، وتوازن بین هذه الأدوار الأربعة التی ذکرتها؛ لأجل أن تکون امرأة کاملة فی هذه الحرکة.

مـأخــذ:
http://www.islamwomen.org/
تاليف: الحکیم، السید محمد باقر \ رسالة الثقلين العدد 30
بتصرف
* محرر الموقع

التعليقات (0)

اترك تعليق