مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

نساء في حياة النبي (ص)(2)

نساء في حياة النبي (2): كافلته فاطمة بنت أسد.

كافلته فاطمة بنت أسد

وتكفله [أي رسول الله] فاطمة بنت اسد زوجة عمه الكريمة كأحسن ما تكون الكفالة. تحله في المحل الرفيع من قلبها ورعايتها وتمد له يد العون والحدب بكل ما تستطيع. وفاطمة هي المرأة الثالثة في حياة الرسول العظيم (ص) فلم تكن تحس أن محمداً يختلف بقليل أو كثير عن أولادها الباقين، بل إنها كانت تحس بأن لمحمد شأناً يخوله أن يحتل الصدارة في قلبها، وعواطفها، وكانت تتابعه بعينها وهو ينمو إلى الشباب الزاهر، ثمّّ يكتمل شبابه ويغدو رجلاً ملء السمع والبصر. كانت ترى فيه حصناً ورصيداً لها في مستقبل أيامها وكانت تستمد من وجوده العزيمة والمضاء. ولشد ما كانت تعتز بأن تراه وهو يحتضن وليدها الغالي علي فهي فخورة بهذا الاحتضان الروحي ومتفائلة به خيراً. فمحمد هو أول شخص أبتسم له ابنها علي بعد اذ خرجت به من الكعبة، وهي تحمله بين ساعديها الحنونين، فهي لا تنسى أبداً أن علياً ولد في الكعبة وفي أشرف بقعة فيها، وها هو عليُّها العزيز، وقد أخذ ينمو ويترعرع تحت رعاية وتوجيهات ابن عمه الصادق الأمين محمد بن عبد الله ومحمد رسول الله أيضاً بعد إذ غدا شابا. وفي أوج شبابه لم يكن لينسى لفاطمة بنت أسد حبها ولم يكن ليتنكر لحنانها مطلقاً، فهو لها كولدها في كل أدوار حياته وفي كل أحواله، وقد استخلص لنفسه ولدها علي بعد إذ عمت المجاعة في مكة. وكان عمه أبو طالب كثير العيال مرهقاً بتكاليف العيش، وكان رسول الله قد استقل في ذلك الحين ببيته ومع زوجه خديجة ومنذ أن فتح لابن عمه بيته وقلبه لم يفترق عنه يوماً واحداً في كل الظروف والملابسات. وكانت فاطمة بنت أسد ترى هذا الامتزاج العاطفي بين ابنها وابن عمه فتسر له، وتفرح فيه فهي تُكْبر محمداً وتعجب فيه وتعتمد عليه، وتركن إليه، وكان الاثنان يحلانها محل الأم لا فرق بين ابنها وابن عمه. فقد جاء في الروايات أن الإمام علي بن أبي طالب لما أخبر رسول الله بوفاة أمه قال: إن أمي قد توفيت يا رسول الله، فيرد عليه رسول الله بل أمي أيضاً يا علي.. وناهيك عما تحمل هذه الكلمة من تسلية للإبن الفاقد أمه، وما تعطي للأمة من دروسٍ في الوفاء والإخلاص، وحفظ الجميل، وقد أعطاها ثوبه المبارك لتلف به مع كفنها كي يكون لها ستراً ومعاذاً، وجلس على قبرها بعد أن انفض الجمع، وأخذ يدعو لها ويسأل الله أن يجزيها عنه خيراً ويستعيد في فكره أيامها معه، إذ هو طفل صغير، وحنانها عليه حينما كان يتيماً وحيداً، ورعايتها له وهو شاب فتي. وأخيراً قام عن قبرها وهو حزين كئيب. فقد كانت هي المرأة الثالثة التي دخلت في حياته صلوات الله عليه والتي نشأ في ظلال عواطفها إلى حين استقر به المطاف عند قرينته خديجة بنت خويلد.

المصدر: آمنة الصدر (بنت الهدى): المرأة مع النبي (ص)، الدار الإسلامية

التعليقات (0)

اترك تعليق