(ردَّنا إلى حرم جدِّنا) هل صح عن السيدة زينب عليها السلام؟
(ردَّنا إلى حرم جدِّنا) هل صح عن السيدة زينب؟
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمَّدٍ وآل محمَّد
يُكثِرُ البعضُ من القول: إنَّ السيِّدة زينبَ(ع) كانت تقولُ للإمام الحسين(ع): بعد اشتداد الحصار وفي ليلة العاشر وقبل نشوب المعركة وأثنائها -رُدَّنا إلى حرم جدِّنا (ص)-، فهل صحَّ شيءٌ من ذلك؟!
إنَّ بصيرةَ السيِّدة زينب(ع) مِن بصيرة الحسين(ع) وصبرَها من صبرِه وعزمَها من عزمه الراسخ، إنَّ هؤلاء الإخوة يُوحون للسامعين من حيثُ لا يشعرون أنَّ السيِّدة زينب(ع) لم تكن تُدركُ ما يدورُ حولَها، ولم تكن مستوعبةً للغاية من نهضة الحسين(ع)، ولم تكنْ تَعي ما هو الدور الذي أُنيط بها.
إنَّ هذه المقولة لو صحَّت –وهي لا تصحُّ- لكان مؤدَّاها أنَّ الحسين(ع) قد ساقها إلى مصيرٍ تجهلُه، فلم يُخبرها إلى ما ستؤول إليه الأمور مِن استشهاده واستشهاد أهلِ بيته وأنصارِه وأنَّ مصيرَ مَن سيكون معه من النساء هو السبي.
حرص الإمام على التعريف بحجم الأخطار ومآلات الأمور:
وهذا مضافًا إلى منافاته مع مكارم أخلاق الحسين(ع) فإنَّه منافٍ لما نصَّت عليه الأخبار من تصدِّيه لتعريف أصحابه فضلًا عن أهل بيته بواقع الظروف القاسية التي سوف تكتنفُ نهضته وذلك حذرًا من التغرير بهم واِلجائهم إلى مصيرٍ عن غير اختيارٍ منهم.
فحين بلغَه مقتل عبد الله بن يقطر ومسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وهو في طريقه إلى الكوفة قام خطيبًا فيمَن كان معه فقال: "بسم الله الرحمن الرحيم أمَّا بعد: فإنَّه قد أتانا خبرٌ فظيع قُتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وعبد الله بن بقطر وقد خذلَتنا شيعتُنا، فمَن أحبَّ منكم الانصراف فلينصرفْ، ليس عليه منَّا ذمام".
قال: فتفرَّق الناسُ عنه تفرُّقًا فأخذوا يمينًا وشمالًا حتى بقيَ في أصحابه الذين جاءوا معه من المدينة، وإنَّما فعل ذلك لأنَّه ظنَّ أنَّما اتَّبعه الأعراب لانَّهم ظنُّوا أنَّه يأتي بلدًا قد استقامت له طاعةُ أهلِه، فكرِهَ أنْ يسيروا معه إلا وهم يعلمون علامَ يُقدمون، وقد علِمَ أنَّهم إذا بيَّنَ لهم لم يصحبْه إلا مَن يُريد مواساته والموتَ معه"(1).
ومثل هذا الموقف تكرَّر صدورُه عن الإمام الحسين(ع) فقد جمع أصحابه –كما في الإرشاد للمفيد وغيره- عند قرب المساء. قال عليُّ بن الحسين زين العابدين (عليه السلام): "فدنوتُ منه لأَسمعَ ما يقولُ لهم، وأنا إذ ذاك مريض، فسمعتُ أبي يقولُ لأصحابه: أُثني على الله أحسن الثناء، وأحمدُه على السرَّاء والضرَّاء، اللهمَّ إنِّي أحمدُك على أنْ أكرمتنا بالنبوَّة وعلَّمتنا القرآن وفقَّهتنا في الدين، وجعلتَ لنا أسماعًا وأبصارًا وأفئدة، فاجعلنا من الشاكرين.
أمَّا بعدُ: فإنِّي لا أعلمُ أصحابًا أوفى ولا خيرًا من أصحابي، ولا أهلَ بيتٍ أبرَّ ولا أوصلَ من أهل بيتي فجزاكم الله عنِّي خيرا، ألا وإنِّي لأظنُّ أنَّه آخرُ يومٍ لنا مِن هؤلاء، ألا وإنِّي قد أذنتُ لكم فانطلقوا جميعًا في حلٍّ ليس عليكم منِّي ذِمام، هذا الليل قد غشيَكم فاتِّخذوه جملا.."(2).
وبين هذين الموقفين وقبله ومنذُ أنْ كان في مكَّة كان يؤكِّدُ أنَّه يسلك طريقًا محفوفًا بالمكاره والأخطار وقد ينتهي باستشهاده واستشهاد الصفوة ممَّن معه من أهل بيته وأصحابه.
مضافًا إلى ما نعتقدُه من أنَّ أهل البيت(ع) وفي طليعتهم السيِّدة زينب(ع) كانوا على درايةٍ إلى ما ستؤولُ إليه نهضة الحسين(ع) المباركة وذلك لترادُف الأخبار في ذلك عن الرسول الكريم(ص) والإمام أميرِ المؤمنين(ع) والإمام الحسن المجتبى(ع).
وبقطع النظر عن ذلك فإنَّ السيِّدة زينب(ع) كانت امرأةً عاقلة ولبيبة بل هي في أعلى درجات التعقُّل والفطنة كما تشهدُ لذلك مواقفُها وخطبُها وكما هو مقتضى السنِّ الذي بلغته والأحداث التي عاصرتها وعايشتها، فهي إذن تُدركُ حجمَ الصعوبات والمكارِه التي تكتنفُ هذا الطريق الذي اختاره الإمامُ الحسين(ع) فكان بوسعِها أنْ تختارَ البقاءَ في المدينة مع أُسرتها أو تعودُ من مكَّة إليها بعد أنْ اختار الإمامُ الحسين(ع) المسيرَ إلى الكوفة كما وقع ذلك للعديد من الهاشميَّات لكنَّها لم تفعل واختارتْ بمحضِ إرادتها طريقَ الجهاد مع سيِّد الشهداء(ع).
البصيرة التي كان عليها عموم مَن كان في الركب الحسيني:
ثم إنَّ دعوى طلب السيِّدة زينب المتكرِّر من الحسين(ع) أنَّ يردَّها مع النسوة إلى حرم جدِّها في ذلك الظرف العصيب يستلزمُ البناء –والعياذ بالله- على أنَّ بصيرتها هي دون بصائر أنصار الحسين(ع) اللذين لم يكدِ الحسين(ع) يُنهي خطبته حتى وثبوا دون تريُّث للتعبير عن إبائهم التخلِّي عن الحسين(ع).
يقول الإمامُ زينُ العابدين –بحسب رواية الشيخ المفيد في الإرشاد-: "فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وأبناء عبد الله بن جعفر: لِمَ نفعلُ ذلك؟! لنبقى بعدك؟! لا أرانا اللهُ ذلك أبدا. بدأهم بهذا القول العباسُ بن عليٍّ رضوان الله عليه واتبعته الجماعة عليه فتكلَّموا بمثله ونحوه" إلى أنْ قالوا: "لا والله ما نفعلُ ذلك، ولكنْ تفديك أنفسُنا وأموالُنا وأهلونا، ونقاتلُ معك حتى نردَ موردَك، فقبَّح اللهُ العيشَ بعدك".
"وقام إليه مسلم بن عوسجة فقال: أنخلِّي عنك ولمَّا نعذر إلى الله سبحانه في أداء حقِّك؟! أما والله حتى أطعنَ في صدورهم برمحي، وأضربَهم بسيفي ما ثبت قائمُه في يدي، ولو لم يكن معي سلاح أُقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة، والله لا نُخليك حتى يعلمَ اللهُ أنْ قد حفظنا غيبةَ رسول الله صلى الله عليه وآله فيك، والله لو علمتُ أنِّي أُقتل ثم أَحيا ثم أُحرق ثم أَحيا ثم أُذرى، يُفعلُ ذلك بي سبعين مرَّة ما فارقتثك حتى ألقى حِمامي دونَك، فكيف لا أفعلُ ذلك وإنَّما هي قتلةٌ واحدة ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا.
وقام زهيرُ بن القين البجلي -رحمة الله عليه- فقال: والله لوددتُ أنِّي قُتلتُ ثم نُشرتُ ثم قتلتُ حتى أقتل هكذا ألف مرَّة، وأنَّ الله تعالى يدفعُ بذلك القتل عن نفسِك، وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك. وتكلم جماعة أصحابه بكلام يُشبه بعضُه بعضا في وجهٍ واحد، فجزاهم الحسين عليه السلام خيرا وانصرف إلى مضربه"(3).
وقيل لمحمّد بن بشير الحضرمي –أحد أنصار الحسين(ع)- قد أُسر ابنُك بثغر الرَّي، فقال: عند الله أحتسبُه ونفسي .. فسمِع قولَه الحسينُ (عليه السلام)، فقال له: رَحِمَكَ اللهُ أَنْتَ في حِلٍّ مِنْ بَيْعَتي فَاعْمَلْ في فِكاكِ ابْنِكَ. فقال(رحمه الله): أكَلتْني السباعُ حيًّا إنْ فارقتُك"(4).
أفيصحُّ البناءُ على أنَّ بصائر هؤلاء الصفوة أنفذُ من بصيرة ربيبة بيت الوحي؟!
إنَّ هؤلاء الكِرام اللذين لم يُظهروا استعدادًا للموت وحسب بل اشتياقًا له أملًا في الذبِّ عن مهجة الرسول(ص) وريحانتِه ثم نقبلُ على السيِّدة زينب التخلِّي عن سيِّد الشهداء وتتركه -وقد أُحيط به روحي فداه في صحراء كربلاء- ليلقَى مصيرَه وحده!! تُلحُّ عليه وهو مكروب أنْ يجدَ لهنَّ مَن يَعودُ بهنَّ إلى المدينة!!
إنَّنا نقبلُ على السيِّدة زينب(ع) أنْ تُدركها الرقَّة عند معاينة الأحداث فتبكي -رغم أنَّ بكاءها سيكونُ على الحسين(ع)– إلا أنَّه مِن غير المقبول على السيِّدة زينب(ع) أنْ يخطرَ في رُوعها التخلِّي عن سيِّد الشهداء وعن دورها الثقيل الذي أُنيط بها واقتضته المشيئة الإلهيَّة التي عبَّر عنها الإمام الحسين(ع) بقولِه لمحمَّد ابن الحنفيَّة -بحسب الرواية عن الإمام الصادق-: "إنَّ الله قد شاءَ أنْ يراهنَّ سبايا"(5).
ما يُصحِّح الإخبار بلسان الحال:
وأمَّا ما قد يُقال من أنَّ مقصود الخطباء من قولِهم إنَّ السيِّدة زينب(ع) طلبتْ من الإمام الحسين(ع) أنْ يردَّها إلى حرم جدِّها وطلبت من العباس(ع) أنْ يُشير بذلك على الإمام الحسين(ع) إنَّ مقصودهم من ذلك هو الحديث بلسان الحال وليس الإخبار عن الواقع.
فجوابُه إنَّ ذلك لا يُناسِبُ حال السيِّدة زينب(ع) قطعًا، فمعنى لسان الحال هو الإخبار عن واقع حالِ المخبَر عنه، فهو حكايةٌ لحالٍ يعيشه المخبَر عنه وإنْ لم ينطقْ به كأنْ يُقال مثلًا زيدٌ يستنكرُ هذا الفعل ويُقصَد من ذلك أنَّ واقعَ حالِه أنَّه يستنكره لا أنَّه نطقَ بما يُعبِّر عن الاستنكار، إنَّ الإخبار عن ذلك لا يصحُّ إلا إذا علمنا مِن واقع حال زيدٍ أنَّه يستنكرهُ واقعًا وإنْ لم ينطق به.
فهل كان واقعُ حال السيِّدة زينب(ع) أنَّها تُريد التخلِّي عن الإمام الحسين(ع) والعودة إلى المدينة؟! وهل كان واقعُ حالِها هو إرادة التخلِّي عن دورها الذي أنيط بها واقتضته المشيئة الإلهيَّة؟! وهل كان يخطرُ في رَوعها أنَّه لم يكن ينبغي لها اختيار المسير مع الإمام الحسين(ع)؟!
فإذا لم يكن ذلك هو واقع حال السيِّدة زينب(ع) قطعًا فعن أيِّ لسانِ حالٍ يتحدّثُ هؤلاء الإخوة الأعزاء وينشدون عليه الأشعار ويتفنَّون في تمثيله وصياغته؟!
السيِّدة كانت على علمٍ بتفاصيل ما سيقع واستعدادٍ للتحمُّل:
وهنا ننقلُ شطرًا من روايةٍ عن زين العابدين(ع) تكشفُ عن شيءٍ من جلالة قدر هذه السيدة الجليلة وبصيرتها وعلمها التفصيلي عن رسول(ص) وعن أمير المؤمنين(ع) بما سوف يُصيبهم من رزايا في كربلاء وما بعدها وبما عليهم فعله إزاء ما سوف ينالهم.
أورد هذه الرواية الشريفة الحسين بن أحمد بن المغيرة عن شيخه أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه (رحمه الله) في هامش كتاب كامل الزيارات بسنده عن قدامة بن زائدة، عن أبيه زائدة، عن عليِّ بن الحسين (عليهما السلام) قال: قال عليُّ بن الحسين (عليهما السلام): بلَغني يا زائدة أنَّك تزورُ قبر أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) أحيانًا، فقلتُ: إنَّ ذلك لكما بلغَك.. فقال(ع): ابشرْ ثم ابشرْ ثم فلأُخبرنَّك بخبرٍ كان عندي في النخب المخزون.
فإنَّه لما أصابَنا بالطفِّ ما أصابنا وقُتل أبي (عليه السلام) وقُتل مَن كان معه من وُلدِه وأخوته وسائر أهله .. فعظم ذلك في صدري.. فكادت نفسي تخرج، وتبينتْ ذلك مني عمَّتي زينبُ الكبرى بنت علي (عليه السلام)، فقالت: ما لي أراك تجودُ بنفسك يا بقيَّة جدِّي وأبي وأخوتي، فقلتُ: وكيف لا أجزعُ وأهلع وقد أرى سيِّدي وأخوتي وعمومتي وولد عمي وأهلي مضرَّجين بدمائهم، مرمَّلين بالعرى، مسلَّبين، لا يُكفَّنون ولا يوارون، ولا يعرجُ عليهم أحد، ولا يقربُهم بشر، كأنَّهم أهل بيتٍ من الديلم والخزر، فقالتْ: لا يُجزعنَّك ما ترى، فوالله إنَّ ذلك لعهدٌ من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى جدِّك وأبيك وعمِّك، ولقد أخذ الله ميثاقَ أناسٍ من هذه الأمَّة لا تعرفهم فراعنةُ هذه الأمَّة، وهم معروفون في أهل السماوات أنَّهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها، وهذه الجسوم المضرَّجة وينصبون لهذا الطفِّ علمًا لقبر أبيك سيِّد الشهداء، لا يدرسُ أثرُه ولا يعفو رسمُه على كرورِ الليالي والأيام، وليجتهدنَّ أئمةُ الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه، فلا يزدادُ أثرُه إلا ظهورا، وأمرُه إلا علوا.
ثم حدَّثته عن أمِّ أيمن عن رسول الله(ص) فقالت: -إنَّ رسول الله(ص) أخبر عليًّا(ع) عن جبرئيل قال:- قال لي جبرئيل: يا محمَّد إنَّ أخاك مضطهدٌ بعدك، مغلوبٌ على أمتك، متعوب من أعدائك، ثم مقتول بعدك، يقتله أشرُّ الخلق والخليقة وأشقى البريَّة، يكون نظير عاقر الناقة.. وإنَّ سبطك هذا -وأومى بيده إلى الحسين (عليه السلام)- مقتولٌ في عصابة من ذريِّتك وأهل بيتك وأخيارٍ من أمتك بضفَّة الفرات بأرضٍ يُقال لها: كربلاء، من أجلها يكثر الكرب والبلاء على أعدائك وأعداء ذريِّتك في اليوم الذي لا ينقضي كربُه ولا تفنى حسرتُه، وهي أطيبُ بقاع الأرض وأعظمُها حرمة، وإنَّها من بطحاء الجنَّة، فإذا كان ذلك اليوم الذي يُقتل فيه سبطُك وأهلُه وأحاطت به كتائبُ أهل الكفر واللعنة تزعزعت الأرض من أقطارها.. فعند ذلك يضجُّ كلُّ شيءٍ في السماوات والأرضين بلعن من ظلَم عترتَك واستحلَّ حرمتَك، فإذا برزتْ تلك العصابة إلى مضاجعها تولَّى الله عز وجل قبض أرواحها بيده، وهبطَ إلى الأرض ملائكةٌ من السماء السابعة.. فغسلوا جثثهم بذلك الماء.. صلَّت الملائكة صفًّا صفًّا عليهم، ثم يبعثُ الله قومًا من أمتك لا يعرفُهم الكفَّار لم يشركوا في تلك الدماء بقولٍ ولا فعل ولا نيَّة، فيوارون أجسامهم، ويُقيمون رسمًا لقبر سيِّد الشهداء بتلك البطحاء، يكون علمًا لأهل الحقِّ وسببًا للمؤمنين إلى الفوز، وتَحفُّهُ ملائكةٌ من كلِّ سماء.. ويصلُّون عليه ويُسبِّحون الله عنده، ويستغفرونَ الله لمَن زاره، ويكتبون أسماء من يأتيه زائرا من أمتك متقرِّبًا إلى الله تعالى وإليك بذلك.. وسيجتهد أناسٌ ممَّن حقَّتْ عليهم اللعنة من الله والسخط أنْ يُعفوا رسمَ ذلك القبر ويمحوا أثره، فلا يجعل اللهُ تبارك وتعالى لهم إلى ذلك سبيلا.
قالت زينب: فلمَّا ضرب ابنُ ملجم لعنه الله أبي (عليه السلام) ورأيتُ عليه أثرَ الموت منه، قلتُ له: يا أبه حدَّثتني أمُّ أيمن بكذا وكذا وقد أحببتُ أنْ أسمعَه منك، فقال: يا بنيَّة الحديث كما حدثتْك أمُّ أيمن، وكأنِّي بك وبنساء أهلك سبايا بهذا البلد أذلاء خاشعين، تخافون أنْ يتخطَّفكم الناس، فصبرًا صبرا، فوالذي فلَقَ الحبَّة وبرأ النسمة ما لله على ظهر الأرض يومئذٍ وليٌّ غيركم وغير محبِّيكم وشيعتِكم .."(6).
وخلاصة القول: إنَّ ما يتداولُه بعضُ الخطباء –شعرًا ونثرًا- أنَّ السيِّدة زينب(ع) كانت تطلبُ من الإمام الحسين(ع) بعد الوصول إلى كربلاء وليلة العاشر ويومِه أنَّ يردَّها ومَن معها من النساء إلى حرم جدِّها لا أصلَ له في كتب الأخبار المعتبرة والمعوَّل عليها في الجملة(7) وهو في ذات الوقت منافٍ لواقع حال السيِّدة زينب(ع) ومنافٍ لمقامِها الشامخ وعظيمِ قدرِها وثاقبِ بصيرتها ورسوخ عزمِها.
والحمد لله ربِّ العالمين
________________________________________
1- الإرشاد – الشيخ المفيد- ج2 / ص 75، 76، إعلام الورى – الطبرسي- ج1 / ص 447، تاريخ الطبري – الطبري- ج4/ ص 300، 301، روضة الواعظين – الفتال النيسابوري- ص 179. وغيرها.
2- الإرشاد – الشيخ المفيد- ج2/ ص91، الأمالي – الشيخ الصدوق- مع تفاوت يسير ص 220، تاريخ الطبري – الطبري- ج4 / ص 317، تجارب الأمم – ابن مسكويه- مع تفاوت يسير ج2 / ص 75، الكامل في التاريخ – ابن الأثر – مع تفاوت يسير ج 4/ ص 57، 58، وغيرها.
3- الإرشاد – الشيخ المفيد – ج2 / ص 92، 93، المصادر السابقة.
4- تاريخ مدينة دمشق- ابن عساكر- ج14/ ص 182، تهذيب الكمال – المزي – ج6 / ص 407، مثير الأحزان – ابن نما الحلِّي- ص 39، اللهوف – السيد ابن طاووس- ص 75.
5- اللهوف – السيد ابن طاووس – ص 39، 40.
6- كامل الزيارات – جعفر بن محمد بن قولويه- ص 444.
7- الظاهر أنَّ هذا الذي يتداوله بعضُ الخطباء مأخوذٌ من مثل كتاب أسرار الشهادات للفاضل الدربندي (رحمه الله) ج2 / ص 182 وهذا الكتاب غير معوَّلٍ على ما يتفرَّد بنقله أو ما ينقله عن متأخرين مثله، على أنَّ الكاتب (رحمه الله) معروفٌ بالتساهل الشديد في النقل وهو قد صرَّح بنفسه بذلك بل صرَّح بأنه ينقل في كتابه هذا حتى ما هو مظنون الكذب، وحكي كذلك عن غيره من كتب المتأخرين الذين هم ليسوا أحسن حالًا من كتاب أسرار الشهادات على أنَّ ما يتداولُه بعض الخطباء يزيد على ما يذكره هؤلاء الكتَّاب، فقد أضفوا عليه الكثير من الزيادات والرتوش وأخرجوه عن سياقه وتفنَّنوا في صياغته شعرًا ونثرًا.
المصدر: موقع الهدى.
سماحة الشيخ محمّد صنقور
اترك تعليق