أهمية الأسرة في الإسلام
لقيت الأسرة اهتمام القرآن الكريم على عدة أسس ثابتة أهمها:
1- وحدة الأصل والمنشأ: فجميع أفراد الأسرة من أصل واحد، وأن الرجل والمرأة من منشأ واحد. وجاءت الآية الكريمة مؤكد لذلك: "يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالا كثيرا ونساء"، "وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة".
2- المودة والرحمة: فمن أهداف الأسرة تحقيق المودة والرحمة لإقامة مجتمع قوى متماسك فاضل «وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً» «وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا». «هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ».
3- العدالة والمساواة: فقد وزع القرآن الكريم الحقوق والواجبات على كل فرد من أفراد الأسرة بالعدالة والمساواة، وذلك في قوله تعالى، «وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ». وقوله تعالى: «مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ»
4- التكافل الاجتماعي: حيث ينظر القرآن الكريم للأسرة على أنها مجموعة متراحمة تقوم على أساس التعاون بين جميع أفرادها وعلى هذا الاعتبار شرعت أحكام النفقات والميراث والوصية: بقوله تعالى «لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنِ السَّبِيلِ».
ومن خلال الآيات البينات والسنة النبوية وما استنبطه الفقهاء من أحكام، تتحدد الحقوق والواجبات لكل من الزوجين التي يجب أن تكون واضحة حتى تستقيم حياة الأسرة. ولذلك اهتم القرآن الكريم بأحكام الأسرة، حيث وردت معظمها حول الميراث والزواج والطلاق والوصية مفصلة غير مجملة. وذلك فيما عدا الأمور التي من شأنها أن تتغير وتتبدل بحيث جاءت أحكامها في القرآن مجملة بمبادئ عامة وقواعد كلية وترك للزمن أمر تطورها وتطبيقها مثل أحكام المعاملات ونظام الحكم... وغير ذلك. ولقد ربط الإسلام أحكام الأسرة بالعقيدة. ووصف الزواج بأنه من آيات الله، وشواهد قدرته وعظمته، وجعل الزوجة كالزوج في الحقوق والواجبات، إلا ما جاء النص على خلاف ذلك في أصل المساواة، فحق الزوج على زوجته الطاعة وحقها عليه النفقة كما جاءت أحكام الأسرة في القرآن الكريم مقسمة لنوعين: أحكام خلقية ودينية، وأحكام واقعية قضائية إلزامية. وجعل أحكام الأسرة وحدة متكاملة وأحاطها بإطار يمنع الاعتداء عليها بمخالفة أحكامها أو المس من كرامتها وسمعتها، فشرع من القواعد ما يكون وقاية لها، وما يكون علاجا، وما فيه التحذير والتوجيه والإرشاد. ولم يكتف القرآن الكريم بجعل الضمير والوازع الديني رقيبا وحده وكفيلا لتطبيق أحكام الأسرة، بل أعطى للقاضي ممثل المجتمع الحق في الإشراف والتوجيه لحسن تطبيق هذه الأنظمة لأنه يجب أن نفرق دائما بين هذه التشريعات كنظام وبين واقع المسلمين كتطبيق.
وإذا كان ما سبق يوضح بعض الأسس التي بينها القرآن الكريم, فان تأكيد الإسلام على أهمية الأسرة جاء تأكيدا لما تحققه الأسرة من أهداف اجتماعية واقتصادية وخلقية وصحية وسياسية وروحية.
ويتمثل الهدف الاجتماعي من تكوين الأسرة في تحقيقها لتماسك المجتمع وترابطه وتوثيق الأخوة بين أفراده وجماعاته وشعوبه بالمصاهرة والنسب. فقد حث الإسلام على الزواج من الغرائب لأنه يحقق مالا يتحقق بزواج ذوى القربى. فالمرأة الغريبة يكون الزواج منها سبباً في إيجاد صلات جديدة لم تكن قائمة من قبل بين العائلات والقبائل وبين الشعوب والأجناس، وبالتالي يزداد المجتمع الإسلامي قوة وإخوة.
ويأتي الهدف الاقتصادي لتكوين الأسرة من قول الرسول(ص) "تزوجوا النساء فأنهن يأتين بالمال" والمعنى أن الزواج من أسباب البركة فالزواج عاصما للنفوس من الخواطر ويرتفع بالمستوى الاقتصادي للزوجين ويعينهما على تقوى الله. ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب وللأسرة أثر في نهضة الأمة ورفع مستواها فهي نتيجة طبيعية لتوفر الأيدي العاملة اللازمة لاستصلاح الأراضي واستثمار الموارد واستخراج الثروات الطبيعة. وفى كل هذا وغيره قوة للأمة وتحقيق الاكتفاء الذاتي لاحتياجاتها وحماية لها من سيطرة الأعداء عليها.
أما الهدف الخلقي فينحصر في اعتبار الأسرة وسيلة فعالة لحماية الشباب والنساء ووقاية للمجتمع من الفوضى, باعتبارها الوسيلة الوحيدة لإقامة العلاقات الزوجية. ومن الناحية الصحية يهدف الإسلام إلى صيانة صحة الشباب وقوتهم من أن تستنفذها العادات الضارة وما يترتب عليها من انهيارات جسمانية ومعنوية لا تخفى خطورتها أو أن تفتك بها الأمراض الخبيثة. "ما ظهرت الفاحشة في قوم قط إلا أصابهم الطاعون والأوباء التي لم تكن في أسلافهم".
وينظر الإسلام إلى تكوين الأسرة كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية لها أثرها في عزة الأمة وسيادتها فقد بدأت الجماعة الإسلامية كقطرة في بحر بالنسبة لقوى الشرك، ثم استجاب المؤمنون للتوجيه النبوي، "تناكحوا تناسلوا فاني أباهى بكم الأمم يوم القيامة" وكان التكاثر في النسل من أهم العوامل التي حفظت للقلة المؤمنة كيانها وعاونتها على البقاء. كما ينظر الإسلام إلى بناء الأسرة باعتبارها خير وسيلة لتهذيب النفوس وتنمية الفضائل الإنسانية إذ تقوم الحياة في محيطها على التراجم والتعاطف والتعاون في أداء الواجبات.
المصدر: كتاب علم الاجتماع العائلي: د. مهدي محمد القصاص، أستاذ علم الاجتماع المساعد، كلية الآداب، جامعة المنصورة.
اترك تعليق