مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

الولد الصالح صنع يديك

الولد الصالح صنع يديك

مقدمة:
لكي نبني أجيالا صالحة ولكي نحقق هذا الهدف الكبير علينا أن نهتم بالأسرة، فالأسرة الصالحة أساس المجتمع الصالح، لذلك نجد أنّ الإسلام حرص كل الحرص على أن تقوم الرابطة الزوجية -التي هي النواة الأولى للأسرة- على المحبّة والتفاهم والانسجام، حتى تؤدي العمليات التربوية الناجحة وتساهم في تكوين المجتمع السليم.
وقد شرّع الإسلام جميع المناهج الحيّة الهادفة إلى إصلاح الأسرة ونموها وازدهارها، فعُني بالبيت عناية خاصة، وشرّع آداباً مشتركة بين أعضاء الأسرة، وجعل لكل واحد منهم واجبات خاصة تجاه أفراد أسرته لبناء مجتمع صالح وسليم.
وقد تواترت الروايات والأحاديث المروية عن رسول الله(ص) والأئمة الأطهار التي تدعو إلى كثرة الاهتمام بالنسل وتنميته واعتباره إحدى الضرورات المقررة في الشريعة الغراء، كما حثّ رسول الهدى(ص) أمته على كثرة النسل حيث روي عنه(ص) قوله(ص): "تناكحوا تناسلوا، أباهي بكم الأمم يوم القيامة". وعنه(ص)، أنه قال: "ولمولود في أمتي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس".[1]
وعنه(ص)، أنه قال: "تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأنبياء"[2].
فعن أبي عبد الله(ع) قال: لما لقي يوسف أخاه قال له: يا أخي كيف استطعت أن تتزوج النساء بعدي؟ قال: إن أبي أمرني وقال: إن استطعت أن تكون لك ذرية تثقل الأرض بالتسبيح فافعل". وعنه(ع) أنه قال: "إن فلانا -رجلا سماه- قال: إني كنت زاهداً في الولد حتى وقفت بعرفة فإذا إلى جانبي غلام شاب يدعو ويبكي ويقول: يا رب والدي والدي، فرغبني في الولد حين سمعت ذلك"
ومن شروط المباهاة بين الأمم أن يكون هذا التكاثر والتناسل سبباً في التنمية والخير الذي يعود على الإنسان بالسعادة والرقي، من خلال بناء جيل صالح يحمل همّ الرسالة والدعوة إلى الله ويتطلع لفعل الخير والذود عنه، دفع الشر أو محاربته، ومن المعلوم أنّ بناء هذا الجيل إنما يتوقف على صناعة الولد الصالح داخل الأسرة الذي يبقى ذخراً وشرفاً لوالديه، ذلك بأنّ الولد الصالح المؤمن يحمل اسم أهله ويحمل الدعوات الصالحة لهم من خلال أخلاقه ودينه، ولذا ورد في الرواية عن رسول الله الأكرم(ص): "من سعادة الرجل الولد الصالح".[3]
وعن الرضا(ع) قال: إن الله تبارك وتعالى إذا أراد بعبد خيرا لم يمته حتى يريه الخلف. وروي: أن من مات بلا خلف فكأن لم يكن في الناس، ومن مات وله خلف فكأن لم يمت.[4]
فللأهل الذين علّموا أولادهم التعاليم الإسلاميّة وحلّوهم بمحاسن الأخلاق وكريم الفعال الأجر، من خلال عمل أولادهم بهذه التعاليم وفي هذا السياق يُروى عن الرسول الأكرم(ص): "مرّ عيسى ابن مريم(ع) بقبر يُعذب صاحبه ثم مر به من قابل فإذا هو لا يعذب، فقال: يا رب مررت بهذا القبر عام أول فكان يعذب ومررت به العام فإذا هو ليس يعذب؟ فأوحى الله إليه أنه أدرك له ولد صالح فأصلح طريقا وآوى يتيما فلهذا غفرت له بما فعل ابنه، ثم قال رسول الله(ص): ميراث الله[5]عز وجل من عبده المؤمن ولد يعبده من بعده، ثم تلا أبو عبد الله(ع) آية زكريا(ع) «(رب) هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيَّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً»[6][7].
والولد الصالح الذي يُمثّل تطلعات والديه ريحانة حقيقية، فعن الرسول(ص): "إن الولد الصالح ريحانة من رياحين الجنة".[8]
وعن أبي عبد الله(ع) قال: قال رسول الله(ص): الولد الصالح ريحانة من الله قسمها بين عباده وإن ريحانتي من الدنيا الحسن والحسين، سميتهما باسم سبطين من بني إسرائيل شبرا وشبيرا"[9]
وعلى عكسه الولد غير الصالح الذي قد يشكّل لوالديه مأساة كبيرة، ويعرضهما للمهانة في الدنيا، والسؤال في الآخرة، فعن أمير المؤمنين(ع)، أنه قال: "ولد السوء يهدم الشرف ويشين السلف"[10]
إنّ صناعة الولد الصالح لا تتوقف على مراعاة الجوانب التي تساهم في تربية الطفل فحسب، وإنما هناك مجموعة من العوامل التي تتضافر فيما بينها إلى الحد الذي تصبح فيه مؤثرة بشخصية الطفل بحيث تمثل في مجموعها جوهر صناعة الولد الصالح، تبدأ هذه العوامل من المراحل الأولى التي يقدم فيها الرجل على بناء الأسرة عبر عملية اختيار الزوجة الصالحة التي ستكون في المستقبل أماً لبنيه وإلى ذلك أشار الله عز وجل في محكم كتابه: «وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ»[11]، وذلك ليضمن الأصل الصالح والمنبت الطيب للأبناء.
كذلك اهتم الإسلام بالمرأة الحامل باعتبارها ركناً أساسياً في صناعة الولد الصالح، فأمر بالعمل على راحتها وتوفير الغذاء لها، مما يحسن من النسل، حيث قال تعالى: «وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى * لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا»[12].



الهوامش:
1- النوري، الميرزا: مستدرك الوسائل. ط2، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، بيروت – لبنان، 1408 - 1988 م. ج14، ص153.
2-  ن.م، النوري، الميرزا. ج14، ص178.
3- الكافي، الشيخ الكليني، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري. ط3، 1367ش، دار الكتب الإسلامية، طهران، ج6، ص3.
4- مكارم الأخلاق، الطبرسي، ص223.
5- "ميراث الله" أي ما يبقى بعد موت المؤمن فإنه لعبادة له تعالى كأنه ورثه من المؤمن، وقيل: إضافة إلى الفاعل أي ما ورثه الله وأوصله إليه لنفعه ولا يخفى بعده (آت).
6- الآية في سورة مريم آية 6 و 7 وقال الفيض: أشار(ع) بتلاوته الآية إلى أن زكريا إنما سأل الولد الصالح ليرثه عبادة الله حتى يصلح أن يكون ميراث الله منه لعبادته.
7- م.س، الكافي، الشيخ الكليني. ج6، ص4.
8- ن.م، الكافي، الشيخ الكليني. ج6، ص3.
9- ن.م، الكافي، الشيخ الكليني. ج6، ص2.
10- م.س، النوري، الميرزا. ج14، ص215.
11- سورة البقرة، الآية: 221.
12- سورة الطلاق، الآية: 6-7.

المصادر:
1- القرآن الكريم.
2- مستدرك الوسائل: النوري، الميرزا. ط2، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، بيروت – لبنان، 1408 - 1988 م. ج14.
3- الكافي: الشيخ الكليني، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري. ط3، 1367ش، دار الكتب الإسلامية، طهران، ج6.
4- مكارم الأخلاق، الطبرسي. منشورات الشريف الرضي، قم، 1410 ه‍ـ.

التعليقات (0)

اترك تعليق