دليلك الكامل لغذاء الطفل في العام الأول
دليلك الكامل لغذاء الطفل في العام الأول
لطالما تغنّى الجميع بقيمة وفوائد الرضاعة الطبيعية، ولطالما وضعناها –ولنا كل الحق- في مرتبة لا يضاهيها أي نمط تغذية آخر، ولكن إلى متى ستظل هي المصدر الأوحد لتغذية الطفل؟ ثم إلى متى ستظل المصدر الأساسي؟ ثم إلى متى يظل دورها قيّمًا بجانب الأطعمة الأخرى؟
هذه الأسئلة الثلاث ستكون إجاباتها أعماراً مختلفة لطفلك، فعندما نبدأ إدخال الطعام الصلب للطفل لن تكون الرضاعة هي المصدر الوحيد لتغذيته لكنها ستظل المصدر الأساسي، ثم يتناقص دورها التغذوي تدريجيًا لكن سيبقى دورها المناعي والنفسي، بل ودورها في دعم ذكاء طفلك وتطوره بشكل عام.
هذا المقال يوفر الإجابة عن أشهر الأسئلة المتعلقة بمراحل تغذية طفلك في العام الأول من عمره.
1. إلى متى تُعتبر الرضاعة الطبيعية الغذاء الأوحد لطفلي؟
في الإجابة على هذا السؤال، يُرجع إلى منظمة الصحة العالمية، مثلما يرجع إلى توصياتهم في مساحات الصحة العامة والتغذية وصحة الأم والطفل وغيرها، وذلك لأسباب تتعلق بمدى شمولية دراساتهم وقابليتها للتعميم ومراعاتها للتنوع العرقي والاجتماعي والثقافي من ناحية، ومن ناحية أخرى لكون معظم الجهات الأخرى المعنية بصحة الطفل تصدر توصياتها لمواطنيها المحليين بشكل خاص وقليلاً ما تراعي التعميم العالمي، ولكن حتى هذه الجهات لا تتباين توصياتها كثيرًا، وبمتابعة آخر مستجداتها تجد أنها بدأت تقترب من فلك توصيات منظمة الصحة العالمية، والتي توصي بإرضاع الأطفال رضاعة طبيعية مطلقة (دون إضافة أي طعام أو شراب أو ماء إلى لبن الأم) طيلة الأشهر الست الأولى من عمرهم، على أن يبدأ الإدخال التدريجي للطعام بعد 180 يومًا من ميلاده.
في هذا التوقيت تبدأ احتياجات طفلك في الخروج عمّا يقدمه لها لبنك، ويبدأ مخزون جسده من بعض العناصر والمعادن والفيتامينات التي ولد بها يقل تدريجيًا، وعادة ما تبدأ أسنانه في الظهور، وتشتدّ عضلات ظهره ويتطور جهازه العصبي بشكل يدعم جلوسه لتناول وجبته الأولى دون القلق من انزلاق الطعام لجهازه التنفسي، كما تبدأ بعض منكسات رد الفعل الفطرية في الاختفاء، فمثلاً يتوقف عن إخراج لسانه كلما لامس شيئاً ما فمه أو ما يعرف بالـ Tongue thrust.
مع ملاحظة أن اهتمام طفلك بالطعام ومحاولته لجذبه إلى فمه لا يُنظر له كإحدى علامات استعداده لتناول الطعام الصلب، لأن السنة الأولى من عمر طفلك كلها تتمحور حول اكتشاف الأشياء عن طريق فمه كحاسة أساسية وطريقة تعلم رئيسة، كما يقول فرويد، فلو حاول طفلك مضغ «شبشب الحمام» أو مص «المفتاح الإنجليزي» فهذا لا يعني استعداده الفطري والتلقائي لتناولهم كجزء من نظامه الغذائي.
2. ماذا يأكل طفلك في وجبته الأولى؟
مع بداية الشهر السابع من عمر طفلك نبدأ الإدخال التدريجي للطعام، يحبذ البدء بالخضروات (مثل الكوسة/ اليقطين والجزر والبطاطس والبطاطا) ثم الحبوب (مثل: الأرز والقمح والشوفان) ثم الفاكهة (مثل: التفاح والكمثرى والبلح). الفكرة من تقديم الخضروات وتأخير الفواكه نسبيًا هي أن نسمح للطفل بأن يستكشف الطعم الحلو الطبيعي للخضروات قبل أن نقدم طعمًا أكثر حلاوة كما في الفاكهة.
ثم نضيف تدريجيًا إلى قائمة الطعام: البقوليات، ولحم الدجاج والأرانب وأكبادها، وصفار البيض قبل بياضه. ثم يأتي دور منتجات الألبان واللحوم الحمراء والأطعمة عالية التحسس مثل الفول السوداني والمأكولات البحرية، والتي يفضل أن تقدم مع نهاية العام الأول من عمر طفلك.
كما يجب مراعاة القوام المناسب للطعام عند تقديمه للطفل، فلا داعي في الإفراط في خفق الطعام أو تخفيفه حتى يقترب من القوام السائل منه إلى القوام الصلب، لأن الهدف من تغذية الطفل في هذه المرحلة هو تعويده تدريجيًا على الانتقال من الرضاعة إلى الطعام الصلب، والخفق أو الطحن المبالغ فيه يجعل الأمر أقرب إل الشرب منه إلى الأكل، الأمر الذي من شأنه أن يترك عضلات المضغ ضعيفة وغير مدربة، فيجد الطفل صعوبة كبيرة في الانتقال إلى الأطعمة التي تحتاج بعض المضغ مثل اللحوم والدواجن، وهذا أحد أشهر أسباب رفض الأطفال لمثل هذه الوجبات.
فعندما نبدأ تعريف الطفل على الطعام، نحاول جعل القوام متوسط الصلابة، أقرب إلى (البيوريه)، فلا هو صلب يحتاج أسناناً وضروساً طاحنة، ولا هو سائل يُبلع دون تحريك عضلات الفك، فأنسب قوام في هذه المرحلة هو ما يجعل الطفل يحرك فكيه ليلوك طعامه قليلاً حتى دون أسنان.
ومن المهم جدًا أن تتبع طريقة إدخال فردية وتدريجية عند تقديم أي صنف جديد من الطعام، كالتالي:
1. الأسبوع الأول نبدأ بصنف واحد فقط من الطعام، ويكون اليوم الأول بملعقة أو اثنتين كتجربة ثم تكتمل وجبته المعتادة برضاعة طبيعية.
2. ثم نكرر نفس الصنف في نفس الموعد في اليوم الثاني والثالث على أن تزداد كمية الوجبة تدريجيًا حتى نصل إلى وجبة مشبعة لشهية الطفل لا يحتاج بعدها إلى رضاعة، غالبًا ما تكون حوالي نصف كوب.
3. لا نضغط على الطفل ولا نرغمه على إتمام وجبته تحت أي حال من الأحوال، فلو زاد على الكمية المتوقعة بقليل فلا بأس، ولو ترك منها بعضًا لن يُضَر.
4. طوال هذا الأسبوع تتم ملاحظة الطفل عن كثب لأي عرض من أعراض التحسس، سواء كانت أعراضاً هضمية (مثل المغص أو الإسهال أو الإمساك)، أو أعراضاً تنفسية (مثل ضيق التنفس أو السعال أو الرشح على ألا يكونوا مصحوبين بارتفاع درجة الحرارة)، أو أعراضاً جلدية في أي صورة من صورة الطفح الجلدي أو الإكزيما. في حالة ظهور أي من هذه الأعراض، نمتنع مؤقتًا عن إدخال هذا الصنف، وتتم مراجعة طبيب والالتزام بتوجيهاته حيال إعادة تجربة هذا الطعام مرة أخرى.
5. بعد كل وجبة مشبعة يتم تقديم بعض الماء للطفل حتى يرتوي، لأن المحتوى المائي للطعام الصلب أقل بكثير من المحتوى المائي لرضعاته، فهنا تظهر أهمية تقديم الماء للطفل لأول مرة.
6. لا يتم خلط أكثر من صنف في وجبة واحدة إلا بعد أن تتم تجربة كل صنف على حدة بطريقة الإدخال المذكورة، وعند تقديم صنفين في الوجبة الواحدة يجب مراعاة تنوعهم، بمعنى أن نقدم بروتيناً مع خضروات أو نشويات مع فاكهة، لتزيد القيمة الغذائية مقارنة بتقديم صنفين من الخضروات مثلاً.
7. في حال تقديم أكثر من صنف في الوجبة الواحدة، ينصح بأن يحتفظ كل صنف بطعمه قدر الإمكان حتى تتكون ذاكرة طعام واضحة عند الطفل ويتعلم أسماء الأكلات ويربطها بطعمها فيطلبها.
جدير بالذكر هنا أنه إذا كان طفلك يعاني من حساسية الجلد (الإكزيما)، أو حساسية الأنف والصدر، وحساسية تجاه أحد أنواع الطعام التي تناولها سابقًا، أو إذا كان التاريخ المرضي للعائلة يحمل أحد هذه الأمراض بكثافة خاصة في أقارب الدرجة الأولى، فينصح بأن يتم إدخال الأطعمة بحذر وتحت إشراف ومتابعة طبية، ويفضل أن تبدأ هذه المتابعة مع نهاية الشهر السادس.
ولنا هنا أن نتفق على قواعد أساسية في تغذية الطفل في العام الأول:
1. الرضاعة الطبيعية هي المصدر الأول لتغذية طفلك.
2. كل صنوف الطعام المقدمة هي إضافات تدريجية لنظامه الغذائي، حتى نصل إلى نهاية العام وقد صار أمام طفلك اختيارات متنوعة لوجبات متكاملة العناصر (نشويات، بروتينات، خضروات وفاكهة).
3. يمكن استعمال العديد من أنواع التوابل أو أعشاب الطعام للتنويع في النكهات وتعزيزها، ولمساعدة الطفل في تقبل الأطعمة المختلفة، مثل: القرفة والكمون والزعتر والقرنفل والريحان والنعناع وغيرها الكثير.
ما يجب وما لا يجب في طعام طفلك
كل ما يتناوله طفلك في عامه الأول يجب أن:
1. يخلو تماما من الملح المُضاف: وذلك لأن لبن الأم أو حتى الألبان الصناعية بالإضافة إلى الوجبات الغذائية التي يتناولها الطفل مع نهاية الشهر السادس، توفر جميعها الكمية اللازمة لجسمه من أملاح الصوديوم، وإضافة ملح الطعام إلى وجباته تمثل عبئًا على كُليته الصغيرة في التعامل معها، كما أنها ترفع من تعود الطفل على الطعم المالح مما يزيد من احتمالية تعرضه لأمراض القلب والضغط المرتفع فيما بعد.
2. الحد من إضافة السكر قدر الإمكان: بداية من رضعات الجلوكوز التي وُجد أنها تتسبب في عدم تحقق المدة المطلوبة من الرضاعة الطبيعية، ويمتد ذلك بما يشمل كل الأطعمة المُحلّاة التي يجب الحد منها، وذلك لارتباطها الوثيق بأمراض السِمنة في الأطفال في وقت لاحق من عمرهم، كما أنها تزيد من استهلاكهم للحلوى بشكل عام فيما بعد.
3. لا يقدم عسل النحل قبل أن يتم طفلك عامه الأول، لاحتمالية احتوائه على نوع معين من البكتيريا لا يمكن للطفل التعامل معها في سن مبكرة.
4. التوابل الحريفة مثل الفلفل والشطة.
5. كل ما يمكن أن يسبب صعوبة في البلع أو الاختناق مثل المكسرات الصلبة أو حبات العنب الكاملة أو الفشار، ويستمر الحذر من هذه المأكولات حتى ما بعد العام الثالث أو أكثر!
6. العصائر ولو كانت طبيعية، حتى المصنوع منها منزليًا، لأن المشكلة ليست فقط في المواد الحافظة والصناعية الموجودة في العصائر المعلبة، ولكن الأمر يخص القيمة الغذائية التي نحرم الطفل منها عندما يناول الفاكهة معصورة. الفاكهة تؤكل ولا تعصر.
إدخال الأطعمة الصلبة للطفل
باتفاقنا على أن يبدأ الطفل تناوله للطعام الصلب للمرة الأولى مع نهاية الشهر السادس، تظهر الأسئلة التالية: «إلى متى ينصح بالاستمرار في الرضاعة الطبيعية كمصدر أساسي لتغذية الطفل بجانب الوجبات الأخرى؟ وإلى متى يظل دورها قيّمًا بجانب الأطعمة الأخرى؟»
مبدئيًا توصي منظمة الصحة العالمية باستمرار الرضاعة الطبيعية لمدة عامين أو أكثر، وهناك تأكيد من العديد من المنظمات المعنية بصحة الطفل ألا تقل الرضاعة الطبيعية عن عام كامل.
أما إدخال الطعام مع نهاية الشهر السادس فهو بمثابة مقدمات، تمهيداً لجهاز الطفل الهضمي والمناعي على تقبل الأنواع المختلفة من الأطعمة، وتهيئة نفسية له ليشارك أسرته حدثًا متكررًا بشكل يومي، فللطعام جانبه النفسي والاجتماعي الذي لا يمكن إغفاله، وهو السر وراء الكثير من قصص سوء التغذية سواء برفض الطعام أو الإفراط فيه.
كما أنها مرحلة استكشاف متمهل للعديد من الأطعمة كوسيلة للتعرف على تفضيلات الطفل الشخصية من ناحية، وكوسيلة لسبر أغوار جهازه المناعي وما يقبله وما يرفضه من ناحية أخرى، فطريقة إدخال الطعام التدريجية ليست فقط أفضل طريقة للاكتشاف المبكر لحساسية الطعام، ولكنها في حد ذاتها –بالتضافر مع توقيت الإدخال- تساعد الجهاز المناعي للطفل ألا يكوّن ردود أفعال عنيفة ومبكرة تجاه الأطعمة المختلفة.
على سبيل المثال، كان هناك اعتقاد سائد أن تأجيل إدخال الأطعمة عالية التحسس مثل الفول السوداني لما بعد العام الثاني من عمر الطفل يقلل من فرص تعرضه للتحسس منه، ولكن وجد أن هذا التأجيل لا يعلب دورًا كبيرًا في الوقاية من التحسس، بل لوحظ أحيانًا أنه في حالة التحسس منه بالفعل تكون الأعراض أكثر عنفًا من المعتاد. كما أن التقديم المبكر لأطعمة مثل البيض ومنتجات الألبان قد يصاحبه هياج غير محبذ للجهاز المناعي للطفل، لذلك فإن التوسط في تقديم الأصناف المختلفة بالتدريج بعد نهاية الشهر السادس يجنب طفلك هذا وذاك.
خلال الستة أشهر الثانية من عمر طفلك، ليكن هدفك هو الوصول إلى بدائل متنوعة ومغذية في وجباته، تؤهله إلى أن ينضم إلى أسرته على طاولة الطعام بسهولة ويسر، ويتقبل طعام الأسرة المعتاد. ولتكن محاولاتك في الوصول إلى نمط تغذية صحي لطفلك دافعًا قويًا لك لكي تصبح مائدتك عامرة بالخيارات الصحية للكبار والصغار.
المصدر: إضاءات.
منار محمد مبارز
اترك تعليق