مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

اختيار الزوج ودور الأب في إعداد الطفل

اختيار الزوج: للأب الدور الأكبر في تنشئة الأطفال وإعدادهم نفسيا وروحيا

ثانياً: اختيار الزوج:
للأب الدور الأكبر في تنشئة الأطفال وإعدادهم نفسيا وروحيا، ولذا أكد الإسلام في أول المراحل على اختياره طبقا للموازين الإسلامية التي يراعى فيها الوراثة والمحيط الذي ترعرع فيه وما يتصف به من صفات نبيلة وصالحة، لأنه القدوة الذي يقتدي به الأطفال وتنعكس صفاته وأخلاقه عليهم، إضافة إلى اكتساب الزوجة (الأم) بعض صفاته وأخلاقه من خلال المعايشة المستمرة.
وعليه فقد أكدت الشريعة المقدسة على اختيار الزوج الذي يتمتع بمواصفات معينة:
1- التدين والخلق:

نهى الإسلام عن تزويج غير المتدين والمنحرف في سلوكه عن المنهج الإسلامي في الحياة، لتحصين العائلة والأطفال من الانحراف السلوكي والنفسي. وجعل التدين مقياسا في اختيار الزوج، ويحرم رفض الرجل المتقدم للزواج المتصف بالدين والعفة والورع والأمانة واليسار، إذا كان حقير النسب(1).
ولقد روي عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: إن رسول الله(ص) زوج المقداد بن الأسود ضباعة ابنة الزبير بن عبد المطلب، وإنما زوجه لتتضع المناكح، وليتأسوا برسول الله(ص)، وليعلموا أن أكرمهم عند الله أتقاهم(2).
ولملاحظة أن المرأة تتأثر بدين زوجها والتزامه بقدر تأثرها بأخلاقه وأدبه أكثر من تأثره هو بدينها وأدبها، قال الإمام الصادق(ع): تزوجوا في الشكاك ولا تزوجوهم، لأن المرأة تأخذ من أدب زوجها، ويقهرها على دينه(3).
قال رسول الله(ص): "إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه"(4)، وأردف(ص) ذلك بالنهي عن رد صاحب الخلق والدين فقال: إنكم إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير(5).
وأضاف الإمام محمد الجواد(ع) صفة الأمانة إلى التدين فقال: من خطب إليكم فرضيتم دينه وأمانته فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير(6).
2- الكفؤ:
كانت العرب لا تقدم شيئا على عنصر الكفاءة في الرجل، والرجل الكفؤ عندهم، هو من كان ذا نسب مناظر لنسب المرأة التي تقدم لخطوبتها، ولا يقدم عندهم على النسب شيء، وما زال هذا الفهم سائدا لدن الكثير من المجتمعات، لاسيما القبلية منها، أو التي احتفظت بعاداتها القبلية وإن تمدنت في الظاهر. لكن الإسلام قدم رؤيته للكفاءة في معناها الصحيح وإطارها السليم، المنسجم مع ميزان السماء: «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ» مع الأخذ بنظر الاعتبار حق المرأة في العي. فعرف رسول الله(ص) الرجل الكفؤ بقوله: الكفوء أن يكون عفيفا وعنده يسار(7).
وقيل: إن الكفاءة المعتبرة في النكاح أمران: الإيمان واليسار بقدر ما يقوم بأمرها والإنفاق عليها، ولا يراعى ما وراء ذلك من الأنساب والصنائع، فلا بأس أن يتزوج أرباب الصنائع الدنية بأهل المروات والبيوتات(8).
أكد رسول الله(ص) على اختيار الزوج الكفؤ وعرفه بقوله(ص): "الكفؤ أن يكون عفيفا وعنده يسار"(9). والكفؤ هو الذي ينحدر من سلالة صالحة وذو دين وخلق سام.
وقد كانت سيرة رسول الله(ص) وسيرة أهل البيت(ع) قائمة على أساس اختيار الأكفاء لأبنائهم وبناتهم، فرسول الله(ص) لم يزوج فاطمة لكبار الصحابة، وكان جوابه لهم انه ينتظر بها نزول القضاء(10)، ثم زوجها بأمر من الله تعالى إلى علي بن أبي طالب(11). وشجع رسول الله(ص) إحدى المسلمات وهي الذلفاء المعروفة بانتسابها إلى أسرة عريقة، والمتصفة بالجمال الفائق من الاقتران بأحد المسلمين وهو جويبر الذي لا يملك مالا ولا جمالا إلا التدين(12).
3- عدم تزويج الرجل المريض نفسياً:
حذر الإمام الصادق(ع) من تزويج الرجل المريض نفسيا فقال: "تزوجوا في الشكاك ولا تزوجوهم، لأن المرأة تأخذ من أدب زوجها ويقهرها على دينه"(13).
4- نهى الزواج من الرجل المستعلن بالزنا:
نهى الإمام الصادق(ع) عن تزويج الرجل المستعلن بالزنا حيث قال(ع): "لا تتزوجوا المرأة المستعلنة بالزنا، ولا تزوجوا الرجل المستعلن بالزنا إلا أن تعرفوا منهما التوبة"(14).
5- عدم تزويج شارب الخمر:
حذر الإمام الصادق(ع) من تزويج شارب الخمر فقال: "من زوج كريمته من شارب خمر فقد قطع رحمها"(15). فالمنحرف يؤثر سلبيا على سلامة الأطفال السلوكية، لانعكاس سلوكه عليهم وعدم حرصه على تربيتهم، إضافة إلى المشاكل التي يخلقها مع الزوجة التي تساعد على إشاعة الاضطراب والقلق النفسي في أجواء العائلة، وجعل الحياة العائلية بعيدة عن الاطمئنان والاستقرار والهدوء الذي يحتاجه الأطفال في نموهم الجسدي والنفسي والروحي.
ويكره للأب أن يزوج ابنته من شارب الخمر، والمتظاهر بالفسق، والسيء السيرة(16).
قال رسول الله(ص): من شرب الخمر بعدما حرمها الله على لساني، فليس بأهل أن يزوج إذا خطب(17)، لأن شرب الخمر والإدمان عليه يؤدي إلى خلق الاضطراب الأسري والتفكك الاجتماعي في جميع ألوانه، إضافة إلى ذلك فإنه عقاب لشارب الخمر ليكون ردعا له. وكما حذر الإسلام من تزوج المرأة المشهورة بالزنا، فقد حذر أيضا من تزويج الرجل المعلن بالزنا، قال الإمام الصادق(ع): لا تتزوج المرأة المعلنة بالزنا، ولا يزوج المعلن بالزنا إلا بعد أن يعرف منهما التوبة(18).


الهوامش:
1- الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 290- 291. وجامع المقاصد 12: 138.
2- الكافي 5: 344.
3- الكافي 5: 348.
4- تهذيب الأحكام 7: 394.
5- الكافي 5: 347/ 2، 3 باب آخر منه.
6- تهذيب الأحكام 7: 396.
7- الكافي 5: 347.
8- السرائر 2: 557. وجامع المقاصد 12: 135 - 136.
9- الكافي 5: 347/ 1 باب الكفؤ.
10- مجمع الزوائد، للهيثمي 9: 206 - دار الكتاب العربي 1402 هـ‍ ط 3.
11- مجمع الزوائد 9: 204. المعجم الكبير للطبراني 22: 408. الصواعق المحرقة، لابن حجر الهيتمي.
12- الكافي 5: 342/ 1 باب إن المؤمن كفؤ المؤمن.
13- الكافي 5: 348/ 1 باب مناكحة النصاب والشكاك.
14- مكارم الأخلاق: 305.
15- وسائل الشيعة 20: 79. الكافي 5: 347/ 1 باب 29.
16- الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 291. وجامع المقاصد 12: 140.
17- الكافي 5: 348.
18- تهذيب الأحكام 7: 327.


المصادر:
1- القرآن الكريم.
2- آداب الأسرة  في الإسلام: مركز الرسالة. الطبعة: الأولى، مركز الرسالة، قم، إيران، 1420.
3- تربية الطفل في الإسلام: مركز الرسالة. الطبعة: الأولى، مركز الرسالة قم، إيران، 1418.
4- الكافي: الشيخ الكليني، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري. ط3، 1367ش، دار الكتب الإسلامية، طهران، ج5.


إعداد موقع ممهدات

التعليقات (0)

اترك تعليق