مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

مرحلة اختيار الزوجين

مرحلة اختيار الزوجين: أغلب الصفات تنتقل من الآباء والأمهات والأجداد إلى الأبناء

حرص الإسلام على العناية بالطفل، والحفاظ على صحته البدنية والنفسية قبل أن يولد بإعداد الإطار الذي يتحرك فيه، وتهيئة العوامل اللازمة التي تقي الطفل من كثير من عوامل الضعف الجسدي والنفسي، ابتداء من انتقاء الزوج أو الزوجة ومرورا بالمحيط الأول للطفل وهو رحم الأم، الذي يلعب دورا كبيرا ومؤثرا على مستقبل الطفل وحركته في الحياة، وتتحدد معالم هذه المرحلة بما يأتي:
مرحلة اختيار الزوجين:
أثبت الواقع الاجتماعي والواقع العلمي بدراساته المستفيضة الأثر الحاسم للوراثة والمحيط الاجتماعي في تكوين الطفل ونشوئه، وانعكاسات الوراثة والمحيط عليه في جميع جوانبه الجسدية والنفسية(1)، فأغلب الصفات تنتقل من الآباء والأمهات والأجداد إلى الأبناء، كالذكاء والاضطراب السلوكي وانفصام الشخصية والأمراض العقلية والانضباط الذاتي، وصفات التسامح والمرونة، فيكونون وسطا مساعدا للانتقال أو يكون في الأبناء الاستعداد للاتصاف بها، إضافة إلى انعكاس العادات والتقاليد على الأبناء، نتيجة لتكرر الأعمال(2)، ومن هنا أكد الإسلام على الزواج الانتقائي، أي بانتقاء الزوجين من أسرة صالحة وبيئة صالحة.
أولاً: اختيار الزوجة:
عن عبد الله بن مسكان، عن بعض أصحابه قال: سمعت أبا عبد الله(ع) يقول: إنما المرأة قلادة فانظر إلى ما تقلده، قال: وسمعته يقول: ليس للمرأة خطر لا لصالحتهن ولا لطالحتهن أما صالحتهن فليس خطرها الذهب والفضة بل هي خير من الذهب والفضة وأما طالحتهن فليس التراب خطرها بل التراب خير منها.
وقد راعى الإسلام في تعليماته لاختيار الزوجة الجانبين، الوراثي الذي انحدرت منه المرأة، والجانب الاجتماعي الذي عاشته وانعكاسه على سلوكها وسيرتها، وبين لنا مواصفات تساعدنا في اختيار الزوجة المناسبة منها:
1- المنبت الطاهر والأصل الطيب:
يكره اختيار المرأة الحسناء المترعرعة في محيط أسري سيء، والسيئة الخلق، والعقيم، وغير السديدة الرأي، وغير العفيفة، وغير العاقلة، والمجنونة(3)، لأنها:
أ‌- تجعل الرجل في عناء مستمر تسلبه الهناء والراحة.
ب‌- تخلق الأجواء الممهدة لانحراف الأطفال عن طريق انتقال الصفات السيئة إليهم.
ت‌- ولقصورها عن التربية الصالحة. عن الإمام جعفر الصادق(ع) قال: قام النبي(ص) خطيبا، فقال: أيها الناس إياكم وخضراء الدمن. قيل: يا رسول الله، وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في منبت السوء(4).
و قال رسول الله(ص): "اختاروا لنطفكم فإنّ الخال أحد الضجيعين"(5).
وقال(ص) أيضاً: "تخيروا لنطفكم فإنّ العرق دساس"(6).
فالرسول(ص) يؤكد على اختيار الزوجة من الأسر التي تحمل الصفات النبيلة، لتأثير الوراثة على تكوين المرأة وعلى تكوين الطفل الذي تلده، وكانت سيرته قائمة على هذا الأساس، فاختار خديجة(ع) فأنجبت له أفضل النساء فاطمة(ع)، وتبعه في السيرة هذه أهل البيت(ع) فاختاروا زوجاتهم من الأسر الكريمة وإلى جانب الانتقاء على أسس الوراثة، أكد الإسلام على انتقاء الزوجة من المحيط الاجتماعي الصالح الذي أكسبها الصلاح وحسن السلوك، فحذر من المحيط غير الصالح الذي تعيشه، فحذر من الزواج من الحسناء المترعرعة في منبت السوء فقال رسول الله(ص): "إياكم وخضراء الدمن.. المرأة الحسناء في منبت السوء"(7).
2- ذات الدين:
أكدت الروايات على أن يكون التدين مقياسا لاختيار الزوجة، وكان رسول الله(ص) يشجع على ذلك، فقد أتاه رجل يستأمره في الزواج فقال(ص): "عليك بذات الدين تربت يداك"(8).
وقدم الإمام الصادق(ع) اختيار التدين على المال والجمال فقال: "إذا تزوج الرجل المرأة لجمالها أو مالها وكل إلى ذلك وإذا تزوجها لدينها رزقه الله الجمال والمال"(9).
يستحب أن تكون النية في الاختيار منصبة على ذات الدين، فيكون اختيارها لدينها مقدما على اختيارها لمالها أو جمالها، لأن الدين هو العون الحقيقي للإنسان في حياته المادية والروحية، قال الإمام جعفر الصادق(ع): إذا تزوج الرجل المرأة لمالها أو جمالها لم يرزق ذلك، فإن تزوجها لدينها رزقه الله عز وجل جمالها ومالها(10).
وعن إسحاق بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله(ع) يقول: من تزوج امرأة يريد مالها ألجأه الله إلى ذلك المال.
وقال(ص): من سعادة المرء الزوجة الصالحة(11). فيستحب اختيار المرأة المتدينة، ذات الأصل الكريم، والجو الأسري السليم(12).
فالمرأة المنحدرة من سلالة صالحة ومن أسرة صالحة، وكان التدين صفة ملازمة لها، فان سير الحركة التربوية يتقدم أشواطا إلى الإمام، وتكون تربيتها للأطفال منسجمة مع القواعد التي وضعها الإسلام في شؤون التربية، فيكون المنهج التربوي المتبع متفقا عليه من قبل الزوجين، لا تناقض فيه ولا تضاد، وتكون الزوجة حريصة على إنجاح العملية التربوية وتعتبرها تكليفا شرعيا قبل كل شيء، هذا التكليف يجنبها عن أي ممارسة سلبية مؤثرة على النمو العاطفي والنفسي للأطفال.
وبالإضافة إلى هذه الأسس فقد دعا الإسلام إلى اختيار المرأة التي تتحلى بصفات ذاتية من كونها ودودا ولودا، طيبة الرائحة، وطيبة الكلام، موافقة، عاملة بالمعروف إنفاذا وإمساكا(13).
3- الولود:
فضّل الإسلام تقديم الولود على سائر الصفات الجمالية، قال(ص): تزوجوا بكرا ولودا، ولا تزوجوا حسناء جميلة عاقرا، فاني أباهي بكم الأمم يوم القيامة(14).
وعن إسماعيل بن عبد الخالق، عمن حدثه قال: شكوت إلى أبي عبد الله(ع) قلة ولدي وأنه لا ولد لي فقال لي: إذا أتيت العراق فتزوج امرأة ولا عليك أن تكون سوءاء قلت: جعلت فداك وما السوءاء؟ قال: امرأة فيها قبح فإنهن أكثر أولادا.
وعن أبي الحسن الرضا(ع) قال: قال رسول الله(ص) لرجل: تزوجها سوءاء(قبيحة) ولودا ولا تزوجها حسناء عاقرا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة أو ما علمت أن الولدان تحت العرش يستغفرون لآبائهم يحضنهم إبراهيم وتربيهم سارة في جبل من مسك وعنبر وزعفران.
4- البكر:
عن أبي عبد الله(ع) قال: قال رسول الله(ص): تزوجوا الأبكار فإنهن أطيب شيء أفواها. وفي حديث آخر وأنشفه أرحاما وأدر شيء أخلافا وأفتح شيء أرحاما، أما علمتم أني أباهي بكم الأمم يوم القيامة حتى بالسقط يظل محبنطئا على باب الجنة(15) فيقول الله عز وجل: ادخل الجنة، فيقول: لا أدخل حتى يدخل أبواي قبلي فيقول الله تبارك وتعالى لملك من الملائكة: ايتني بأبويه فيأمر بهما إلى الجنة فيقول: هذا بفضل رحمتي لك.
ولم يلغ الإسلام ملاحظة بعض صفات الجمال لإشباع حاجة الرجل في حبه للجمال:
1- ذات الشعر الطويل:
قال(ص): إذا أراد أحدكم أن يتزوج، فليسأل عن شعرها كما يسأل عن وجهها، فإن الشعر أحد الجمالين(16).
2- ذات الوجه الصبح والمهر القليل:
وقال رسول الله(ص): أفضل نساء أمتي أصبحهن وجها، وأقلهن مهرا(17).
3- ذات الأوراك:
عن أبي الحسن(ع) قال: سمعته يقول: عليكم بذوات الأوراك فإنهن أنجب.(18)
4- السمراء العيناء العجزاء المربوعة:
عن مالك بن أشيم، عن بعض رجاله عن أبي عبد الله(ع) قال: قال أمير المؤمنين(ع): تزوجوا سمراء عيناء عجزاء مربوعة فإن كرهتها فعلي مهرها(19).
وعن أحمد بن محمد بن عبد الله قال: قال لي الرضا(ع): إذا نكحت فانكح عجزاء.
وعن أبي عبد الله(ع) قال: قال أمير المؤمنين(ع): تزوجها عيناء سمراء عجزاء مربوعة فإن كرهتها فعلي الصداق.
هذا وحذر الإسلام من بعض الصفات منها:
1- الحمقاء والمجنونة:
نصح الإسلام بتجنب الزواج من الحمقاء لـ:
أ‌- إمكانية انتقال هذه الصفة إلى الأطفال.
ب‌- عدم قدرتها على التربية، وعلى الانسجام مع الزوج وبناء الأسرة الهادئة والسعيدة، قال الإمام علي(ع): إياكم وتزويج الحمقاء، فإن صحبتها بلاء، وولدها ضياع(20). عن أبي عبد الله(ع) قال: قال أمير المؤمنين(ص): إياكم وتزويج الحمقاء فإن صحبتها بلاء وولدها ضياع.
وكذا الحال في الزواج من المجنونة، فحينما سئل الإمام الباقر(ع) عن ذلك أجاب: لا، ولكن إن كانت عنده أمة مجنونة فلا بأس أن يطأها، ولا يطلب ولدها(21).

عن أبي عبد الله(ع) قال: زوجوا الأحمق ولا تزوجوا الحمقاء فإن الأحمق ينجب والحمقاء لا تنجب. وعن أبي جعفر(ع) قال: سأله بعض أصحابنا عن الرجل المسلم تعجبه المرأة الحسناء أيصلح له أن يتزوجها وهي مجنونة؟ قال: لا ولكن إن كانت عنده أمة مجنونة لا بأس بأن يطأها ولا يطلب ولدها.
2- المشهورة والمستعلنة بالزنا:
حذر الإسلام من تزوج المرأة المشهورة بالزنا، قال الإمام الصادق(ع): لا تتزوجوا المرأة المستعلنة بالزنا(22)، وذلك لأنها:
أ‌- تخلق في أبنائها الاستعداد لهذا العمل الطالح.
ب‌- إضافة إلى فقدان الثقة في العلاقات بينها وبين زوجها المتدين.
ت‌- إضافة إلى انعكاسات أنظار المجتمع السلبية اتجاه مثل هذه الأسرة.


الهوامش:
1- علم النفس التربوي، للدكتور فاخر عاقل: 45 - 57 (دار العلم للملايين 1985 م ط 11).
2- علم النفس العام، للدكتور أنطون حمصي 1: 94 - مطبعة ابن حبان دمشق 1407 ه‍ـ.
3- الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 290.
4- تهذيب الأحكام 7: 403. وجواهر الكلام 29: 37.
5- الكافي ، للكليني 5: 332/ 2 باب اختيار الزوجة- دار التعارف 1401 ه‍ـ ط 3.
6- المحجة البيضاء، للفيض الكاشاني 3: 93، جامعة المدرسين قم ط 2.
7- الكافي 5: 332/ باب فضل من تزوج ذات دين.
8- الكافي 5: 333/ 3 باب فضل من تزوج ذات دين.
9- مكارم الأخلاق، للطبرسي: 304 - منشورات الشريف الرضي 1410 ه‍ـ ط 2.
10- من لا يحضره الفقيه 3: 393.
11- الكافي 5: 327.
12- انظر: الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 290. والسرائر 2: 559. وجامع المقاصد 12: 11.
13- الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 290. ونحوه في: جواهر الكلام 29: 36 وما بعدها.
14- الكافي 5: 333.
15- المحبنطئ -بالحاء والطاء المهملتين وتقديم الباء على النون يهمز ولا يهمز- هو المتغضب الممتلئ غيظا، المستبطئ للشيء وقيل: هو الممتنع امتناع طلبة لا امتناع إباء.( في).
16- تهذيب الأحكام 7: 404.
17- من لا يحضره الفقيه 3: 388.
18- الأوراك جمع الورك -بالفتح والكسر وككتف- وهي ما فوق الفخذ. (في)
19- السمراء ذات منزلة بين البياض والسواد، عيناء: العظيم سواد عينها في سعة، عجزاء: العظيمة العجز، مربوعة: بين الطويلة والقصيرة. (في).
20- الكافي 5: 354.
21- وسائل الشيعة 20: 85.
22- مكارم الأخلاق، الطبرسي: 305، منشورات الشريف الرضي، قم 1410 ه‍ـ.


المصادر:
1- آداب الأسرة  في الإسلام: مركز الرسالة. الطبعة: الأولى، مركز الرسالة، قم، إيران، 1420.
2- تربية الطفل في الإسلام: مركز الرسالة. الطبعة: الأولى، مركز الرسالة قم، إيران، 1418.
3- الكافي: الشيخ الكليني، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري. ط3، 1367ش، دار الكتب الإسلامية، طهران، ج5.

إعداد موقع ممهداتِ

التعليقات (0)

اترك تعليق