مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

الشهدة السعيدة أم ياسر: إليك يا أختي الموالية لآل بيت الرسول(ص)

كلمة للشهيدة السعيدة أم ياسر في ذكرى ولادة السيدة زينب(ع)

بسم الله الرحمن الرحيم


والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
الحمد لله الذي عرّفنا نعمة الإسلام وأذاقنا حلاوة الإيمان والشكر له أناء الليل وأطراف النهار على إظهار نفحاته الرحمانية لعباده مع ما هم عليه من الظلم لأنفسهم.
وإنّ أعظم تجلي لهذه النفحات الرحمانية هو تجلّيها بظهور الإمام الخميني في عصر لفّه ظلام الكفر مجسّداً بظهوره اليد الطولى لله في رحمته. إنّه الحفيد الحقيقي لرسول الله(ص)، إنّه الحفيد الذي جمع كلّ المواصفات الوراثية عن جدّه المصطفى(ص)، فكان بذلك أحد مصاديق الآية الكريمة لقوله تعالى: «وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُم مُّهْتَدُونَ» (سورة يس، الآيات: 20- 21).
فمن الطبيعي أن يكون لنا وقفة وفاء مع هذا الرجل العظيم، حتى وفي هذه اللحظات التي نريد أن نقف عندها وقفة وفاء؛ نجد أنفسنا مدينين لأهمّ وأعظم منطلق إنطلق منه الإمام ما سبقه إليه من أحد ألا وهو إثارة المصطلح القرآني لمفهوم الاستضعاف والإستكبار، حيث أنّ هذا الإمام هو الأول الذي أدى بطرح جديد غير مألوف لدى الشعوب التي اعتادت سماع أطروحات إصلاحية بعناوين مصبوغة سرعان ما تحلّلت صبغتها وبدت بوجهٍ آخر يحمل المعنى المنافي للإصلاح.
الطرح الذي طرحه كان جريئاً يحكي واقع العالم بأسره، ويحكي التركيبة الأساسية لكلّ وطن وبلد؛ التركيبة ببعديها الإستكباري والاستضعافي، ولذا كان طرحه عملية كشف عن واقع كان قد أكّد عليه القرآن، بل لم يستعمل غيره كمصطلح فإثارة هذا الأمر بهذا العنوان يدلّل بوضوح أنّ الإمام كان يقصد إلى أن يحرّك الطاقات الذاتية المستضعفة باتجاه الحلّ، وذلك بعد أن حدّد لها مصدر علّتها باستضعافها، وجميعنا يعرف التجربة التي مرّ بها بنو إسرائيل وكيف أثار قضيتهم نبي الله موسى(ع) لتكون مظلوميتهم هي الطريقة المثلى والمنطلق الأساس للقضاء على كلّ أشكال الإستكبار لفرعون وجنوده، بالإعتماد على الإمكانيات الذاتية للشعوب المستضعفة، العلاج الأساس لمكافحة الإستكبار.
ومن هنا، أنطلق لأقول بأنّ الإسلام كمبدأ أساس للحياة لا يتبنّى إلاّ الأمور العملية من حياة الفرد، بل كل ما لا يتفاعل مع الواقع العملي يبقى نظريا فالقرآن الكريم كتاب يلزم الفرد بإنجازه وتطبيقه. فمع كلّ آية نحسُّ ونشعرُ أنّنا أمام نداء ينادي الروح فينا، لتخضرّ هذه الروح باعثة في أجسادنا حركة الحياة، فما دام النداء ساري المفعول يعني ذلك أنّ الحياة عملية، اليوم زهرة وغداً ثمرة ناضجة أريجها منبعث في كلّ مكان. والمسألة ليست بالأمر البسيط والسهل فهي بحاجة إلى مجاهدة النفس بالدرجة الأولى، ولذا لا تكون النتيجة واحدة عند الجميع بل بدرجات متفاوتة، فمنهم من أوصله جهاده إلى أن يكون زهرة فقط، ومنهم من كان حصيلة جهاده ثمرة لم تنضج بعد، ومنهم من أثمر وأينع وهكذا.
وهنا مفيد أن نقف قليلاً عند دعوة الرسول(ص) للمسلمين إلى الجهاد الأكبر لندرك السرّ العظيم لهذه الدعوة، وباختصار أقول إنّ هذه الدعوة مفادها أن يتوجّه كلّ مسلم ومسلمة إلى التعهّد والإلتزام بالأحكام الشرعية، والتي هي الشقّ الثاني من الدين الحنيف حيث الشقّ الأول هو أصول الدين وهذه الأحكام التكليفية هي عبارة عن واجب ومحرم ومستحب ومكروه ومباح. ففعل أيّ واجب وترك أيّ محرم لا يتمّ منذ الخطوة الأولى للأمر والنهي، بل قد يحتاج الأمر بالواجب -كالأمر بالصوم، مثلاً، إلى الوقوع عدّة مرات بمحاذير الإفطار لكي يتمكّن الصائم أخيراً من إتمام صومه بعد مجاهدةٍ قد تطول أو تقصر حسب حالات الجهاد عند الأفراد. وهنا يكمن السرّ سرّ هذه الأحكام التي ألزم فيها المكلّف، حيث السرّ فيها أنّها توجد في نفس المكلّف حالة جديدة وهي التوجّه إلى الإكثار من العمل والعطاء، فبعد أن كان ملزم بصلوات خمس إذ به لديه طموح واندفاع ليصلّي صلاة الليل، وليأنس بالمثول بين يدي الله عزّ وجلّ، أو ليصوم زيادة عن شهر رمضان شهر أو شهرين أو أربعة، وهكذا إلى أن يصل إلى مستوى يصبح عبداً متطوعاً بكلّ شيء؛ بعبادته، وماله، وأخلاقه ودمه، وهذا هو مفاد دعوة الرسول(ص) للمسلمين حيث أراد لهم أن تكون إمكانياتهم الذاتية بعطائها غير محدودة.  وما هي إلّا فترة زمنية قصيرة على دعوة الرسول(ص) حتى بأ المجتمع وكأنهم في حالة تسابق وقد تصاعد تنافسهم بعد التشجيع القرآني «وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ» (سورة المطففين، الآية: 26) وكان أبرز  وأرقى هذه النماذج المثالية هم أهل البيت(ع) وبعض الصحابة الأجلاء، فالزهراء(ع) مثلاً واحدة من النماذج التي كانت موضع فخر الله عز وجل في كتابه لتكون الصورة المعبرة لكل الأجيال عن مدى إمكانية أن ينتقل الإنسان من عالم الأمر عروجاً منه باتجاه عالم التطوع «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا» (سورة الإنسان، الآيات: 8-9).
فالتطوع هو الحالة الأرقى التي يصل إليها الإنسان، لذا كان الهدف الإلهي أن سنّ أحكاماً لا تحصى بمجال التطوع طالت كل الميادين وليس بمجال العبادات فحسب، فنرى مثلاً تركيز القرآن على مفاهيم تطوعية لا مجال لذكرها مثل الصفح والعفو حتى مع إمكانية الردّ بالمثل، ومن هنا، كان الاختيار الإلهي للأنبياء أولئك الرجال الذين لم تعرف قلوبهم سلوكاً غير التطوع، فكانوا ولا يزالوا الدليل الساطع لكل القلوب الراغبة بالعطاء مبادرة منهم وليس بالترغيب والترهيب.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ الثواب والأجر الموعود للمتطوع عند الله أضعاف مضاعفة عن أي عمل إلزامي، لنأخذ الصدقة مثلاً الذي هو عمل غير إلزامي وقد تكون شق تمرة لا شيء بالقياس إلى الكمية المدفوعة من الخمس والزكاة. لنجد أنّ ثوابها عند الله أكثر بكثير مما يتصوره الإنسان فمثلاً حين نقرأ كلمات أهل البيت في هذا المجال (وليس شيء أثقل على الشيطان من الصدقة على المؤمن وهي تقع في يد الرب تبارك وتعالى قبل أن تقع في يد العبد) نلمس أنّ هناك أجراً لا يمكن تحديده لعظيم شأن الفعل الترتب عليه هذا الأجر.
أُختي الكريمة أنت موضع فخر واعتزاز للجميع فأنت التي وفقك الله لتكوني مع الإمام في رعايته للمساكين والأيتام، وفهمك لشخصية هذا الإمام هو الذي أهلّك للقيام بهذا الدور لأنّه بالنتيجة دليل فهمك لأولياء الله ككل وهذا نعمة من الله وتوفيق كبير، والإمام قد أشار إلى هذه النعمة بوصيته المباركة بطريقةٍ أبدى فيها فخره واعتزازه لحضور الزينبيات المتطوعات في كافة الميادين العملية إن في الجبهات، أو المساجد أم في المؤسسات فالإمام يعتبر حضور المرأة هو النصر الكبير للأمة الإسلامية؛ معتبراً أحد أهم أسباب الهزيمة غياب دور المرأة الأمر الذي أدى إلى حدوث ثغرات في البيت والمجتمع مما أفسح المجال اللامحدود للأطراف المعادية للإسلام إلى استغلال هذه الثغرات بما يناسب مصالحهم، فأهدافهم المسمومة كانت لنا بالمرصاد مما أدى إلى تناول هذه الجرعات على دفعات لكن بكلمات معسولة بالكلمات المعسولة هي التي حجبت عنا رؤية الواقع المسموم، وإذ بنا فجأة نفتقد خطة الموت البطيء بحقنا الروح البنّاءة والروح الرسالية، وعملية الموت هذه كانت السبب لقطع العلاقة بين الإسلام والمسلمين، وباتت عملية الفصل هذه يحكي فصولها كل بيت من بيوت المسلمين فالحديث عن الإسلام غريباً كما لو أنّ المتحدث يتحدث عن عالم الدنيا وعالم البرزخ الغير مشهود. ولذا نجد أنفسنا أمام مسؤولية شرعية لإنقاذ كل المخدوعين بالمنقذ العظيم بالإسلام الصادق والصريح الذي لا يعرف إلّا لوناً واحداً من التعامل، صراحته يعرفها كل عدو لا يتعاطى مع الآخرين بأُسلوب المجاملات، فالكافر عنده كافر والمسلم مسلم وبما أنّ الإمام جسّد للآخرين هذه الصورة الصادقة بمواقفه الصريحة والجريئة وهذه بحد ذاتها مواقف عزٍّ، ينبغي أن يدخل هذا الاعتزاز إلى كل بيت، وهنا نرى أن نكون الأوفياء لهذا الإمام الذي دفع عن المسلمين خطراً كبيراً كان يتربص بهم شراً، فالوفاء لهذا الإمام لا يكون إلّا بالاستمرار بنهجه العام وبالخصوص كيفية تعاطينا مع العوائل المستضعفة، يجب أن يكون تعاطينا كما لو أنّ الإمام يتعاطى معهم، فالأخت المتطوعة يجب أن تسعى لتكون رسول الإمام إلى هذه العوائل وهذا يعني أن تكون حريصة كل الحرص أن لا يصدر منها إلّا ما يناسب الإمام[...]

رسالة من القلب إلى القلب كتبتها الشهيدة السعيدة لمتطوعات لجنة امداد الامام الخميني (قده) في ذكرى ولادة زينب الحوراء (ع) بطلة كربلاء في 5 جمادى الأولى 1412 هـ

التعليقات (0)

اترك تعليق