مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

كلمة الحاجة أم أحمد(زوجة الشهيد الشيخ راغب حرب)

كلمة الحاجة أم أحمد(زوجة الشهيد الشيخ راغب حرب) في ذكرى احتفال القادة الشهداء في مبنى الجمعيات 2013م

السلام على القادة الشهداء، السلام على القادة الشرفاء، أيها الشهداء أنتم الشموس التي لا تغيب، أنتم البدور التي لا تأفل، والمطر الذي ينهمر بالخير والبركة بلا نهاية، إنكم أحياء في فكرنا وقلبنا وحياتنا، وكذلك في فكر الأمة وقلبها وحياتها، إنّكم أحياء في جنّتكم ومقعدكم في علّيين مع الشهداء والصدّيقين.
"سنقاتل المحتّل حتى الجلاء عن وطني وعن بيت المقدس" كلماتٌ قالها الشهيد الشيخ راغب حرب.
وكانت البداية مع الاحتلال، وكانت البداية لإطلاق شرارة المقاومة ضد العدو الإسرائيلي.
كان الناسُ حينئذٍ يعيشون هواجسَ الخوف الشديد، هواجس الشبح الإسرائيلي الموجود بينهم؛ لأنها كانت المرة الأولى التي يرون فيها إسرائيلي أمامهم، وبين منازلهم، وفي طرقاتهم.
بدأ الشيخ راغب بتشجيع الناس وإرشادهم، وطرد الوهم والخوف المسيطر عليهم من هذا الشبح المخيف آنذاك، وذلك من خلال لقاءاته معهم، من خلال محاضراته وكلماته على المنابر، في المساجد والحسينيات*، بأنّ هذا العدو جبانٌ وضعيفٌ وقوّتُه في سلاحه الذي يحمله، ومما قاله وبيّنه في إحدى خطبه: "ألقى العرب في أذهاننا أنّ إسرائيلَ قوةٌ لا تُقهر. كرّم الله شعبنا بأنْ عظّم الله تعالى نفسه في أنفسنا، فصغُر أعداؤه في أعيننا، وإذا بالقوة التي لا تُقهر ترونها كما هي الآن تدرك تماماً أنها دخلت في مأزقٍ ويجب أن تفكّر بالخروج منه".
وأيضاً عبّر بكلماته عن قوة العدو الوهميّة فقال: "عندهم كم دبابة فيها أشباح، وكم طائرة ما فيها قلوب لو مسّتها سيوف أهل الحق لتهافتت تهافت الفراش في النار".
أما على صعيد البضاعة الإسرائيلية التي راجت في بلادنا بكثرة آنذاك، فقد طلب من الناس بمقاطعة هذه البضائع، وطلب من التاجر الذي لا يلتزم بعدم بيع هذه البضائع بالرحيل قائلاً: "فليرحل وليفتح دكاناً في حيفا".
أما بالنسبة لنا كانت المقاطعة في بيتنا لكل المنتجات والصناعات الأجنبية بكل أشكالها، فكان يفضّل المنتجات المحلية أو العربية، لأنّه كان يأمر الناس ويبدأ بنفسه أولاً، حتى لا يكون من الذين قال لهم الله «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ»(سورة الصف، الآية: 2).
أما الحرس الوطني الذي بدأ بإعداده العدو ليجعله دروعاً واقية له فيما بعد، فقد عمل الشيخ راغب جاهداً في هذا الموضوع، ومن جملة ما قاله لهم في إحدى خطبه "من أراد أن يكون شريفاً ويضل شريفاً فليُرجعِ السلاح إلى أصحابه ويعود إلى صفوف أهله وشعبه".
وهكذا استجاب الناس لتعاليم وإرشادات الشيخ راغب فكانت المنارات، وكانت القرارات، وكان التصميم على المواجهة والمقاومة حيث قال: "إن القرارَ الذي يجب أن يستمرَ هو قرار المقاومة والمقاطعة، يجب أن نقاوم العدو بشتّى الأساليب والوسائل، وإذا كان العدو يريد أن يرتاحَ من القتل ويستقر باله، فليخرج من أرضنا، علينا أن نقرر موقفنا ونستمر بالمقاومة لهذا العدو مهما كلف الثمن".
واستمرت مواقفه الجهادية معلناً أنه لا للمصافحة، ولا للاعتراف، ولا للجلوس مع الأعداء.
وجاء اعتقاله الذي كان أول إسفين** في جسم المحتل، فتنادى المؤمنون لتلبية نداء الواجب، وأُقيم الاعتصام الكبير في "جبشيت"، الذي كان أول صرخة حقّ علنيّة في وجه الاحتلال، ثمّ انطلقت المسيرة لتشمل كافة قرى الجنوب، والبقاع، وبعلبك، وبيروت، وطرابلس، مما أجبر اليهود على إطلاق سراحه ليعود إلى عرينه وساحة جهاده بشكل أقوى وأصلب وأشد، إذ لم تخيفه الوعود ولم تغريه العروض.
أرادوه راغب حرب الشيخ الزاهد البسيط ولكنّه أبى إلّا أن يكون راغب حرب الشيخ المناضل الشهيد، ولم يكن جاهلاً لنهاية الطريق بل كان يعلم علم اليقين بأنّ طريق النضال محفوف بالأشواك والصعاب، ولا يبتغيه إلا من عَمَر الله قلبه بالإيمان، وإنّ النتيجة نصر أو شهادة، فكانت الشهادة التي رصّعت جبين المستضعفين، فكان أول شهيد لعلماء الدين في لبنان، من هنا جاءت تسمية الإمام الخميني(قده) في نعيه للشهيد بشهيد الثورة الإسلاميّة في لبنان.
لقد فجّر بشهادته بركانَ الغضب فاشتعلت الأرض بجيش الاحتلال.. نار في كل مكان.. رصاص في كل مكان.. موت في كل مكان.. حتى تحقق الوعد وانسحبت "إسرائيل" من المناطق اللبنانيّة، ولكن أنّى يأتيها الأمان وشباب المقاومة الإسلاميّة لا ينامون.. يحاربون الليل والنهار لا يفترون، وفي أعناقهم ثأر معلوم للشهيد المظلوم.. لا تُوقف زحفهم الصعوبات والمضايقات، بل على الصراط يسيرون، وعلى ربهم يتوكلون.
أما "إسرائيل" فقد مشت إلى حتفها وأشرفت على نهايتها.. فهي منذ لحظة الجريمة التي اقترفتها بحق الإسلام والإنسانيّة بقتلها الشيخ راغب والسيد عباس والحاج عماد لا تدري ماذا تصنع، فمن هزيمة إلى هزيمة، وهي لم تذق طعم الهزائم منذ ولادتها.
نعم، لقد ولّى زمن الهزائم وبدأ زمن الانتصارات بإذن الله تعالى.

الهوامش:
*الحسينيات: هي عبارة عن مبنى يحتوي على صالة مفتوحة تحتوي على كراسي ومزودة بأجهزة صوتيات حيث أن الحسينيات مخصصة لإقامة المحاضرات ومناسبات العزاء.
**الإِسفِين: يقال: دق بينهم إِسفينًا: فرَّق بينهم. المعجم: المعجم الوسيط.


 

التعليقات (0)

اترك تعليق