مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

حياة الزهراء(ع) الجهادية والسياسية

حياة الزهراء(ع) الجهادية والسياسية

توجد نقطةٌ في حياة الزهراء المطهّرة(ع) يجب الالتفات إليها. علماً أننا لن ندخل في بيان المقامات المعنوية لهذه السيدة الجليلة، ولسنا قادرين على أن ندرك هذه المقامات ونفهمها. وفي الحقيقة أنّ أوج قمّة المعنوية الإنسانية والتكامل البشريّ، الله تعالى وحده، هو الذي يعرف هؤلاء العباد ومن هم بمستواهم ويرى مقامهم، لهذا ما كان يعرف فاطمة الزهراء(ع) سوى أمير المؤمنين(ع) وأبيها(ص) وأولادها المعصومين(ع). الناس في ذلك الزمان والأزمنة اللاحقة، ونحن في هذا الزمن، لا يمكننا أن نشخّص ذلك التألّق والتلألؤ المعنوي الذي كان موجوداً فيها. فنور المعنويات الساطع لا يمكن أن يأتي إلى عين أيّ أحد، وتعجز عيوننا الضعيفة والقاصرة عن أن ترى تجلّي الإنسانية الساطع الذي كان موجوداً في هؤلاء العظماء. لهذا، لن ندخل في مجال الحديث المعنويّ عن فاطمة الزهراء(ع). لكن في حياتها اليومية توجد نقطة مهمّة وهي الجمع بين حياة امرأة مسلمة في سلوكها مع زوجها وأبنائها وقيامها بمسؤولياتها في البيت من جهة، وبين مسؤوليات الإنسان المجاهد الغيور الذي لا يعرف التعب في التعامل مع الأحداث السياسية المهمة بعد رحيل الرسول الأكرم(ص)، حيث جاءت إلى المسجد وخطبت واتّخذت المواقف ودافعت وتحدّثت وكانت من جهاتٍ أخرى مجاهدة بكلّ ما للكلمة من معنىً، لا تعرف التعب وتتقبّل المحنة والصعاب. كذلك من الجهة الثالثة، كانت عابدة ومقيمة للصلاة في الليالي الحالكة وتقوم لله خاضعة خاشعة له، وفي محراب العبادة كانت هذه المرأة الصبية كالأولياء الإلهيين تناجي ربّها وتعبده.
هذه الأبعاد الثلاثة مجتمعةً تمثّل النقطة الساطعة لحياة فاطمة الزهراء(ع). لم تفصل بين هذه الجهات الثلاث. بعض الناس يتصوّر أنّ الإنسان عندما يكون مشغولاً بالعبادة، وهو أهل الذكر، لا يمكنه أن يكون سياسياً، أو بعض آخر يتصوّر أنّ أهل السياسة، سواء من الرجال أم من النساء، إذا كانوا حاضرين في ميدان الجهاد في سبيل الله بفاعلية، إذا كنّ من النساء، لا يمكنهنّ أن يكنّ ربّات منزل يؤدّين وظائف الأمومة والزوجية والخدمة، وإذا كان رجلاً لا يمكنه أن يكون ربّ منزل وصاحب دكّان وحياة. يتصوّرون أنّ هذه تتنافى فيما بينها وتتعارض في حين أنّ هذه الأمور الثلاثة لا تتنافى مع بعضها بعضاً ولا توجد ضدّية بينها من وجهة نظر الإسلام. ففي شخصية الانسان الكامل تكون هذه الأمور معينة بعضها بعضاً.[22/9/1368].
تعتبر شخصية الزهراء المطهرة(ع) في الأبعاد السياسية والاجتماعية والجهادية شخصية مميزة بحيث إنّ جميع النساء المجاهدات والثوريات والمميزات والسياسيات في العالم يمكنهنّ أن يأخذن الدروس والعبر من حياتها القصيرة والمليئة بالمحتوى والمضمون. امرأةٌ ولدت في بيت الثورة، وأمضت كلّ طفولتها في حضن أبٍ كان في حالة مستمرّة من الجهاد العالميّ العظيم الذي لا يُنسى. تلك السيدة التي كانت في مرحلة طفولتها تتجرّع مرارات الجهاد في مكّة، وعندما حوصرت في شعب أبي طالب، لمست الجوع والصعاب والرعب وكلّ أنواع وأصناف الشدائد في مكّة، وبعد أن هاجرت إلى المدينة أضحت زوجة رجلٍ كانت كلّ حياته جهاداً في سبيل الله، وفي كلّ المدّة، التي كانت نحو 11 سنة، في حياتها المشتركة مع أمير المؤمنين، لم تمرّ سنة أو نصف سنة على هذا الزوج لم يكن فيها جهادٍ في سبيل الله ولم يذهب إلى ميدان المعركة. وكانت هذه المرأة العظيمة والمضحية زوجة لائقة لرجلٍ مجاهد وجنديّ وقائد دائم في ميدان الحرب. فحياة فاطمة الزهراء(ع) إذاً، وإن كانت قصيرة ولم تبلغ أكثر من عشرين سنة، لكنّها من جهة الجهاد والنضال والسعي الثوريّ والصبر الثوريّ والدرس والتعليم والتعلم، والخطابة والدفاع عن النبوة والإمامة والنظام الإسلاميّ هي بحرٌ مترام من السعي والجهاد والعمل وفي النهاية الشهادة أيضاً. هذه هي الحياة الجهادية لفاطمة الزهراء(ع) التي هي عظيمة جداً واستثنائية وفي الحقيقة لا نظير لها، ويقيناً ستبقى في أذهان البشر -سواء اليوم أم في المستقبل- نقطةً ساطعةً واستثنائية. [26/10/1368].

المصدر: إنسان بعمر 250 سنة: نصوص ومحاضرات الإمام السيد علي الخامنئي(دام ظله) في الحياة السياسية والجهادية للمعصومين(ع).

التعليقات (0)

اترك تعليق