مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

مقام الصدیقة الزهراء(س) فی فکر الإمام الخمینی(رض)

مقام الصدیقة الزهراء(س) فی فکر الإمام الخمینی(رض)

تأخذك الرهبة، وتفقد زمام الکلام، حین یکون الحدیث عن ملیکة الأکوان بضعة النبي الأعظم(ص)، تحاول الاقتراب من إدراك حقیقتها، ثم تعجز أمام عظمتها، وتعاود الکرّة مرة أخری، علّك تبلغ المرام، فإذا أنت تسیر إلی کل المعاني العالیة بأطرافها المتمادیة الأبعاد فوق قدرة العباد، وحیث کل الوجود الأقدس یطلب منك الإحاطة به وهو محال، وأنَّی لك أن تتخطی الحدود لتصل إلی معدن الجود، أو تقرأ ما خط علی جبین الشمس بقلم النبوة: «فاطمة(ع) أفضل من السماوات والأرض»(1).
نقرأ معاً من خلال أنفاسه الطاهرة وما سطّرته أنامله الشریفة ضمن العناوین التالیة:
مقام لا ینال أو یعرف‏:
یری الإمام(قده) أن للمعصومین(ع) مقامین: الظاهر والباطن، وکلّما تحدث(قده) عن ذلك أکّد عجزنا عن الإحاطة بالأبعاد الظاهریة لهم علیهم السلام فکیف الأبعاد الباطنیة؟ یقول في معرض حدیثه عن أمیر المؤمنین(ع): «یجب علینا أن نأسف لأن الأیدي الخائنة والحروب التي أشعلوها ومثیري الفتن لم یسمحوا ببروز الشخصیة الفذة لهذا الرجل العظیم في أبعادها المختلفة، فإذا کان الکثیر من أبعاده الظاهریة خافیاً عنا فکیف بالأبعاد المعنویة التي لا ینال معرفة حقائقها أحد من العالمین کما جاء في الأحادیث الشریفة»(2)، وعن الصدیقة الطاهرة(ع) یقول: «إنني أعتبر نفسي قاصراً عن التحدث حول الصدیقة الطاهرة سلام اللَّه علیها(3) وفي الحدیث: فمن ذا ینال معرفتنا أو بیان درجتنا أو یشهد کرامتنا أو یدرك منزلتنا؟ حارت الألباب والعقول وتاهت الأفهام فیما أقول.. جل مقام آل محمد عن وصف الواصفین ونعت الناعتین وأن یقاس بهم أحد من العالمین»(4).
ویعکس الإمام(قده) ذلك قائلاً: «إن مقام هؤلاء الأولیاء أسمی وأرفع من أن تنال آمال أهل المعرفة أطراف کبریاء جلالهم وجمالهم وأن تبلغ خطوات معرفة أهل القلوب ذروة أعمالهم(5) إنّ لأهل بیت العصمة والطهارة مقاماً روحانیاً شامخاً فی السیر المعنوی إلی اللَّه یفوق قدرة استیعاب الإنسان حتی من الناحیة العلمیة وأسمی من عقول ذوي العقول وأعظم من شهود أصحاب العرفان(6) إن أرقی ما یصل إلیه الذي یصف نبذة من مقام الولایة لهم هو کوصف الخفّاش الشمس المضیئة للعالم»(7).
الزهراء(ع) کائن ملکوتي ‏لیست الصدیقة(ع) کباقي الخلق ولا امرأة عادیة وإنما في عالمها الباطني المعنوي کائن ملکوتي تجلّي في الوجود بصورة إنسان،. وظهر علی هیئة امرأة، بما اجتمع فیها من المظاهر الإلهیة والأبعاد المعنویة والجوامع الملکوتیة یقول الإمام(قده): «إن مختلف الأبعاد التی یمکن تصورها للمرأة وللإنسان تجسّدت في شخصیة فاطمة الزهراء(ع) لم تکن الزهراء امرأة عادیة، کانت امرأة روحانیة ملکوتیة کانت إنساناً بتمام معنی الکلمة.. حقیقة الإنسان الکامل، لم تکن امرأة عادیة بل هي کائن ملکوتي تجلی في الوجود بصورة إنسان، بل کائن جبروتي ظهر علی هیئة امرأة... غداً ذکری مولد الکائن الذي اجتمعت فیه المعنویات والمظاهر الملکوتیة، والإلهیة والجبروتیة والملکیة والإنسیة»(8).
جامعة خصال الأنبیاء:
إنّ جمیع خصال النبیین والأولیاء والصدیقین(ع) ومقاماتهم التی بلغوها بما اشتملت علیه من مضامین مجتمعة في سیدة نساء العالمین(ع) بل إن لها من الحالات فی مقام القرب من اللَّه تعالی ما لا یسعها ملک مقرب ولا نبي مرسل حیث قد وصلت إلی ما لم یصلوا إلیه وهو الثابت للنبي(ص) والأئمة الأطهار(ع) دون غیرهم. کما في روایات المعراج. «لو دنوت أنملة لاحترقت»(9) وکما ورد عنهم(ع) «إن لنا مع اللَّه حالات لا یسعها ملک مقرب ولا نبی مرسل»(10).
یقول(قده): «فمثل هذه المنزلة.. تصدق طبقاً للروایات علی فاطمة الزهراء علیها السلام أیضاً ولا یعني هذا أن تکون خلیفة أو حاکماً أو قاضیاً، بل هي شيء آخر أبعد من الخلافة والحکومة والقضاء لذلك فإن قولنا إن فاطمة لم تتولَّ الحکم أو الخلافة أو القضاء، لا یعني تجریدها من منزلة القرب تلك أو أنها امرأة عادیة أو شخص مثلي ومثلکم»(11).
«إنها المرأة التي تتحلی بجمیع خصال الأنبیاء... المرأة التي لو کانت رجلاً لکانت نبیاً، لو کانت رجلاً لکانت بمقام رسول اللَّه(ص)»(12).
نورها(ع) قبل الخلق:‏
عن النبي الأکرم(ص): «إن اللَّه خلقنی وخلق علیاً وفاطمة والحسن والحسین قبل أن یخلق آدم حین لا سماء مبنیة ولا أرض مدحیة ولا ظلمة ولا نور ولا شمس ولا قمر ولا جنة ولا نار»(13).
لذلك یقول الإمام(قده): «کان الرسول الأعظم(ص) والأئمة الأطهار(ع) أنواراً محدقین بالعرش قبل أن یخلق اللَّه العالم کما تفیده الأحادیث المتوافرة لدینا وجعل لهم من المنزلة والزلفی ما لا یعلمه إلا اللَّه.. وهي تصدق علی فاطمة الزهراء(ع) أیضاً»(14).

مواردة الروح الأعظم‏:
عن مولانا الصادق(ع) أنه قال: «عاشت فاطمة بعد أبیها خمسة وسبعین یوماً قضتهن في حزن وألم وخلال هذه الفترة زارها جبرائیل الأمین وعزّاها بمصابها وأخبرها ببعض ما سیحدث بعد أبیها»(16).
من الجدیر بالذکر أن الإمام الخمیني(قده) یری هذه الفضیلة للسیدة الزهراء(ع) أسمی الفضائل وأرقی المناقب فی کل ما ذکر في حقها(ع) أو حاول أهل المعرفة استفادته من خلال الروایات المبارکة ویشرع بشرح الحدیث المتقدم قائلاً: «یشیر ظاهر الروایة إلی أن جبرائیل تردد علیها کثیراً خلال هذه الخمسة والسبعین یوماً ولا أعتقد أن مثل هذا قد ورد بحق أحد غیر الطبقة الأولی من الأنبیاء العظام، فعلی مدی خمسة وسبعین یوماً أتاها جبرائیل وأخبرها بما سیحصل لها وما سیلحق بذریتها فیما بعد وکتب أمیر المؤمنین(ع) ذلك.
... إن موضوع مواردة جبرائیل علی شخص ما لیس بالموضوع الاعتیادی.. إن مثل هذا یستلزم تناسباً بین روح هذا الشخص ومقام جبرائیل الروح الأعظم.
.. وإذا ما کان هذا المعنی وهذا التناسب متحققاً بین جبرائیل وهو الروح الأعظم وأنبیاء أولي العزم مثل رسول اللَّه وعیسی وموسی وإبراهیم، فهو لا یتوفر لمن عداهم کما أنه لن یتحقق بعد الصدیقة الزهراء لأي أحد... علی أیة حال إنني أعتبر هذا الشرف وهذه الفضیلة أسمی من جمیع الفضائل التي ذکرت للزهراء رغم عظمتها کلها، وهي لم تتحقق لأحد سوی الأنبیاء، بل الطبقة السامیة منهم، وبعض من هم بمنزلتهم من الأولیاء، نعم لم یتحقق لأحد مثل هذا وهو من الفضائل التي اختصت بها الصدیقة فاطمة الزهراء»(17).
مفخرة الوجود ومعجزة التاریخ:‏
بهذا العنوان اختتم الإمام(قده) بیانه بمناسبة یوم المرأة(18) بکلمة جامعة قرأ في شخصیتها(ع) بعرفانه الحقیقي واتصاله الدائم بها وتجسیده في کل حیاته ما دعت إلیه وأرادته من الأهداف العظمی للإسلام العزیز، وقف نفسه علی إرادتها ودار مدار رضاها لا یؤثر علیها سواها، فملأ من فیوضها کل وجوده إلی أن أسلم الروح إلی بارئها علی حب فاطمة(ع) وهو یسمع النبي(ص) یقول لسلمان: یا سلمان: «من أحب فاطمة ابنتي فهو في الجنة معي ومن أبغضها فهو فی النار یا سلمان، حب فاطمة ینفع في مائة من المواطن أیسر تلك المواطن الموت والقبر والمیزان والصراط والمحاسبة»(19).
لا نفي حقها:
إن بعد هذا التتبع لکلمات الإمام الخمیني(قده) ومحاولة الاقتراب من فهم حقیقتها(ع) من خلاله لا بد أن نختم فی مقام بیان غایة ما یصل الإنسان إلیه في إدراک مقاماتها بما قاله(قده) وفیه کفایة عن الشرح والتطویل: «أو لا یفي حقها من الثناء کل من یعرفها مهما کانت نظرته ومهما ذکر، لأن الأحادیث التي وصلتنا عن بیت النبوة هي علی قدر إفهام المخاطبین واستیعابهم من غیر الممکن صبُّ البحر في جرّة»(20).


الهوامش:

(1) بحار الأنوار ج‏15 ص‏10.
(2) منهجیة الثورة ص‏116.
(3) مکانة المرأة ص‏25.
(4) مشارق أنوار الیقین ص‏114.
(5) الأربعون حدیثاً ص‏597.
(6) م.ن ص‏604.
(7) م.ن ص‏597.
(8) مکانة المرأة فی فکر الإمام الخمینی (قده) ص‏23.
(9) بحار الأنوار ج‏18 ص‏382.
(10) الأربعون العلامة المجلسی ص‏177 شرح الحدیث 15.
(11) مکانة المرأة فی فکر الإمام الخمینی (ره) ص‏21.
(12) م.ن ص‏23.
(13) البحار ج‏57 ص‏192.
(14) مکانة المرأة فی فکر الإمام الخمینی (ره) ص‏21.
(15) الوصیة الخالدة ص‏8.
(16) أصول الکافی ج‏2 ص‏355.
(17) مکانة المرأة فی فکر الإمام الخمینی (ره) ص‏26 25.
(18) تاریخ البیان 1982 4 14 م.ن ص‏21.
(19) البحار ج‏27 ص‏116.
(20) مکانة المرأة فی فکر الإمام الخمینی ص‏24.


المصدر: موقع الإمام الخميني(قده).
بقلم: الشیخ فادي سعد.

التعليقات (0)

اترك تعليق