مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

زواج أم البنين من أمير المؤمنين(ع)

زواج أم البنين من أمير المؤمنين(ع)

خبر الاختيار ورواته:
وقد روي أن أمير المؤمنين(ع) قال لأخيه عقيل(ع) وكان نسابة عالماً بأنساب العرب وأخبارهم: أنظر لي امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوجها فتلد لي غلاماً فارساً فقال له تزوج أُمّ البنين الكلابية فإنه ليس في العرب أشجع من آبائها فتزوجها...
وقيل أتى زهير إلى عبد الله بن جعفر بن عقيل قبل أن يقتل فقال له يا أخي ناولني هذه الرّاية فقال له عبد الله، أو فيَّ قصور عن حملها قال لا ولكن لي بها حاجة قال فدفعها إليه وأخذها زهير وأتى تجاه العبّاس بن أمير المؤمنين وقال: يا ابن أمير المؤمنين، أريد أن أحدثك بحديث وعيته؟ فقال: حدث فقد حلا وقت الحديث... حـدث ولا حـرج عـليك، فإنما تـروي لنـا متـواتر الإسنـاد.
فقال له: أعلم يا أبا الفضل أن أباك أمير المؤمنين عليه السّلام لما أراد أن يتزوج بأمك أُمّ البنين بعث لأخيه عقيل وكان عارفاً بأنساب العرب فقال عليه السّلام يا أخي أريد منك أن تخطب لي امرأة من ذوي البيوت والحسب والنّسب والشّجاعة لكي أصيب منها ولداً يكون شجاعاً وعضداً ينصر ولدي هذا وأشار إلى الحُسين(ع) ليواسيه في طف كربلا وقد أدخرك أبوك لمثل هذا اليوم فلا تقصر عن حلائل أخيك وعن أخواتك قال فارتعد العبّاس وتمطى في ركابه حتى قطعه وقال يا زهير تشجعني في مثل هذا اليوم والله لأرينك شيئاً ما رأيته قط... إلخ.
ولما رجع العبّاس من مكالمته مع شمر حين عرض عليه الكتاب الذّي فيه أمان له ولأخوته استقبلته الحوراء زينب وقد سمعت كلامه مع الشّمر قالت له أخي أريد أن أحدثك بحديث قال حدثي يا زينب لقد حلا وقت الحديث.
قالت اعلم يا ابن والدّي لمّا ماتت أمنا فاطمة قال أبي لأخيه عقيل أريد منك أن تختار لي امرأة من ذوي البيوت والشّجاعة حتى أصيب منها ولداً ينصر ولدي الحُسين بطف كربلاء وقد أدخرك أبوك لمثل هذا اليوم فلا تقصر يا أبا الفضل.
فلما سمع العبّاس كلامها تمطى في ركابي سرجه حتى قطعهما وقال لها في مثل هذا اليوم تشجعيني وأنا ابن أمير المؤمنين فلمّا سمعت كلامه سرت سروراً عظيماً.
عرفنا أن خبر الاختيار رواه فيمن رواه العقيلة زينب وزهير بن القين.
وهنا لو سَئل سائل: لمَ عوّل أمير المؤمنين(ع) أخيه عقيل في الاختيار ولم يختر هو لنفسه فهل كان عقيل أعرف منه بأصول العرب مع أنكم تعتقدون أنّ الإمام أعلم من غيره في كل العلوم وأعرف ممن سواه بكل شيء.
الجواب: نعم هو كذلك عندنا ولكن كانت العادة التّي اقتضتها همم الأكابر من الملوك والعظماء أنه إذا أراد التّزويج لنفسه أو لواحد من ولده أناب عنه من يقوم به من خاصته من يعتمد عليه من أهل المعرفة والحزم ليختار له ترفعا منهم عن ذلك لأن المرأة مهما بلغت من الجلالة وعظم القدر هي بالنّسبة إلى ذلك العظيم لا ترقى إليه ويرى أن مباشرته للخطبة بنفسه انحطاطاً لقدره وهذا نبينا مُحمّد(ص) لمّا أراد التّزويج بخديجة(ع) مع رغبته التّامة فيها وعلو قدر خديجة وعظم شأنها في قريش لم يباشر(ص) خطبتها بنفسه وإنما باشر ذلك أعمامه أبو طالب والزّبير وحمزة والقضايا التّاريخية إذا سرت عليها أرتك ما نقوله جلياً.
وثانياً: إن رجوع العالم إلى من هو أدنى منه في العلم في سؤال أو مشاورة لا ينفي الأول من العلم وحصانة الرّأي، والشّواهد في ذلك كثيرة ذكر القرآن عز شأنه لحبيبه مُحمّد(ص): وشاورهم في الأمر.
ومن تتبع التّاريخ يرى أن رسول الله(ص) الذّي: لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. شاور أصحابه في مواقف عديدة وأخذ بمشورتهم، وأشاروا عليه وقبل رأيهم، أترى أنه دخل على رسول الله(ص) في هذه المشاورة نقص في العلم والرّأي، الجواب: كلا.
وقد ذكر الله عز وجل في كتابه المجيد حول هذا الموضوع أكثر من خمس آيات: وقد قيل: وكم سائل عن أمره وهو عالم. وغير خفي ما أخبر به الذّكر الحكيم من طلب سليمان عليه السّلام أصحابه إحضار قصر بلقيس حتى أحضره وصيه آصف بن برخيا ترى أنه عليه السّلام لا يستطيع إحضاره هو.
كما ولا يخفى اقتراح موسى(ع) على ربّه المساعدة من أخيه هارون على تأدية الرّسالة إلى فرعون، وغيرها وغيرها من الشّواهد الدّالة على ذلك.
ونظرة ثانية كأنما أراد أمير المؤمنين(ع) في اعتماده على أخيه عقيل ليختار له امرأة لا لاظهار شخصية أخيه في هذا العلم فحسب، بل وحتى تكون شهادته عالية الشّأن دامغة الحجة فإذا وصم الأعداء في أنسابهم بوصمة تغنت بها الرّكبان وتحدثت بها أهل المحافل وإذا مدح أحد في نسبه كانت كلمته مضرب المثل وحجة عند أهل الأنساب، فعلى هذا وذاك قال(ع) لأخيه عقيل يا أخي أريد منك أن تختار لي.
الاقتران بمولى الموحدين(ع):
مضى عقيل بن أبي طالب في مهمته بأمر أخيه أمير المؤمنين(ع) حتى ورد بيت حزام بن خالدّ بن ربيعة ضيفا على فراش كرامته وكان خارج المدينة، فرحب به ونحر له النّحائر وأكرم مثواه غاية الأكرام، وكانت عادة العرب لا يسألون الضّيف عن حاجته إلا بعد ثلاثة أيام الضّيافة.
فلمّا انقضت وجاء اليوم الرّابع جاء حزام إلى عقيل بن أبي طالب وجلس إلى جانبه وخاطبه بكل تأدب وتبجيل قائلاً هل من حاجة فتقضى أو ملمة فتمضى من مال أو رجال فنحن رهن أشارتكم فقال له عقيل جئتك بالشّرف الشّامخ والمجد الباذخ، فقال حزام وما هو يا بن عم رسول الله(ص) قال جئتك خاطباً قال من لمن.
قال عقيل أخطب ابنتك الحرة فاطمة أُمّ البنين إلى يعسوب الدّين والحقّ اليقين وقائد الغر المحجلين وسيد الوصيين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بن عبد المُطّلب بن هاشم بن عبد مناف.
فلمّا سمع حزام هش وبش ثمّ قال بخ بخ بهذا النّسب الشّريف والحسب المنيف لنا الشّرف الرّفيع والمجد المنيع بمصاهرة ابن عمّ رسول الله(ص) وبطل الإسلام وقاسم الجنة والنّار، ولكن يا عقيل أنت جد عليم ببيت سيدي ومولاي، أنه مهبط الوحي ومعدن الرّسالة ومختلف الملائكة وأن مثل أمير المؤمنين ينبغي أن تكون له امرأة ذات معرفة عن علم وآداب في ثقافة وعقل مع أخلاق حسنة حتى تكون صالحة لشأنه العالي ومقامه السّامي، وأن ابنتنا من أهل القرى والبادية وأهل البادية غير أهل المدينة ولعلها غير صالحة لأمير المؤمنين(ع). فقال عقيل يا حزام أن أخي يعلم بكل ما قلته وأنه يرغب في التّزويج بها فقال حزام إذاً تمهل حتى أسأل عنها أمها هل تصلح لأمير المؤمنين أُمّ لا، فإن النّساء أعلم ببناتهن من الرّجال في الأخلاق والآداب.
ثم قام حزام من مجلسه وجاء ليسأل، فلمّا قرب من المنزل وإذا هو يرى فاطمة جالسّة بين يدي أمها وهي تمشط رأسها وفاطمة تقول: يا أماه أني رأيت في منامي رؤيا البارحة، فقالت لها أمها خيراً رأيت يا بنية قصيها علي:
فقال حزام في نفسه انتظر حتى أسمع ماذا رأت في منامها، فوقف في مكانه بحيث يسمع الصّوت ولا يراه أحد.
فقالت فاطمة لأمها: أني رأيت فيما يرى النّائم كأني جالسّة في روضة ذات أشجار مثمرة وأنهار جارية وكانت السّماء صاحية والقمر مشرقاً والنّجوم ساطعة وأنا أفكر في عظمة خلق الله من سماء مرفوعة بغير عمد وقمر منير وكواكب زاهرة، فبينما كنت في هذا التّفكير ونحوه وإذا أرى كأن القمر قد انقض من كبد السّماء ووقع في حجري وهو يتلألأ نوراً يغشي الأبصار، فعجبت من ذلك وإذا بثلاثة نجوم زواهر قد وقعوا أيضاً في حجري وقد أغشى نورهم بصري فتحيرت في أمري مما رأيت وإذا بهاتف قد هتف بي أسمع منه الصّوت ولا أرى الشّخص وهو يقول:
بشـراك فاطـمة بالسّادة الغرر* ثلاثة أنجم والزّاهر القمر
أبوهم سيد في الخلق قـاطبة * بعد الرّسول كذا قد جاء في الخبر
فلمّا سمعت ذلك ذهلت وانتبهت فزعة مرعوبة، هذه رؤياي يا أماه فما تأويلها:
فقالت لها أمها يا بنية ان صدقت رؤياك فانك تتزوجين برجل جليل القدر رفيع الشّأن عظيم المنزلة عند الله مطاع في عشيرته، وترزقين منه أربعة أولاد يكون أولهم وجهه كأنه القمر وثلاثة كالنّجوم الزّواهر.
فلما سمع حزام ذلك أقبل عليهما وهو مبتسم ويقول يا بنية قد صدقت رؤياك فقالت له أمها وكيف علمت ذلك قال هذا عقيل ابن أبي طالب جاء يخطب ابنتك قالت لمن قال لفلال الكتائب ومظهر العجايب وسهم الله الصّائب وفارس المشارق والمغارب الإمام علي بن أبي طالب(ع). قالت وما الذّي قلت له قال أمهلته حتى أسألك عن ابنتك، هل تجدين فيها كفاءة بأن تكون زوجة لأمير المؤمنين واعلمي أن بيته بيت الوحي والنّبوة والعلم والآداب والحكمة فإن تجديها أهلاً لأن تكون خادمة في هذا البيت وإلا فلا.
فقالت يا حزام أني والله قد ربيتها وأحسنت تربيتها وأرجو الله العلي القدير أن يسعد جدها وأن تكون صالحة لخدمة سيدي ومولاي أمير المؤمنين فزوجها به:
زوج كريمتنا بالفارس البطل * نعم القرينة لـلمولى الإمام علي
فإنها حرة في الحسن بارعة * في الرّشد كاملة والعـقل

فلما سمع حزام سرّ بذلك سروراً عظيماً وأقبل إلى عقيل وهو مستبشر فقال له عقيل: ما ورائك؟ قال: كل الخير إن شاء الله، قد رضينا بأن تكون ابنتنا خادمة لأمير المؤمنين(ع) فقال عقيل لا تقل خادمة بل قل زوجة.
ثم قال عقيل يا حزام هل عندكم اقتراح في الصّداق قال حزام هي هبة منا إلى ابن عم رسول الله(ص) فقال عقيل بل ممهورة.
أما المهر فهو ما سنّه رسول الله(ص) في بناته وزوجاته خمسمائة درهم، وأما الهدية فلكم ما يرضيكم ويزيد فقال حزام أعلم يا عقيل إنا لا نطمع في كثرة المال ولكن نطمع في شرف الرّجال ثمّ نهض حزام من وقته وساعته ودخل على زوجته ثمامة بنت سهيل وهو يقول: البشارة فإنه قد سعد جدك وعلا مجدك وارتفع ذكرك فقد قبل عقيل بن أبي طالب ابنتك زوجة لأخيه أمير المؤمنين صاحب الأنوار والهيبة والوقار.
فلما سمعت ذلك منه خرت ساجدة لله شكراً وقالت الحمد لله الذّي جمع شملنا بمحمد المصطفى(ص) وعلي المرتضى عليه السّلام ثمّ أقبلت على ابنتها فاطمة تهنئها وتقبلها ولسان الحال يقول:
يهـنيك هـذا الشّرف العالي * وأنـت في عـز واقـبـال
فيـك فنون الحسـن قد جمعت* فصرت في فضل به عالي
حظيت بـالمفضال خير الملا * بعد النّبي الطّـاهر العالي

ثم أن حزام خرج ودعى عشيرته وقومه من بني كلاب وبني عامر، فلمّا اجتمعوا قام عقيل بن أبي طالب خطيبا: فحمد الله وأثنى عليه وذكر النّبي فصلى عليه(ص) ثمّ قال:
أما بعد يا بني كلاب ويا بني عامر بن صعصعة، نحمد الله نحن العرب إذ جعلنا من خير خلقه وأرسل فينا رسولاً من أنفسنا محمداً(ص) من شجرة النّبوة وجاءنا بدين الله القويم الذّي ارتضاه لنا إذ يقول القرآن: إن الدّين عند الله الإسلام. وقال عز وجل: ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه. وأمرنا بنبذ البغضاء والشّحناء والأحقاد، وحبب لنا صلة الأرحام والتّقارب والاتحاد، إذ يقول جل ذكره: يا أيها النّاس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم أن الله عليم خبير. وحرم علينا الزّنى والسّفاح، وأحل لنا الزّواج والنّكاح، إذ يقول عزّ شأنه: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة أن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون.
وقال رسول الله(ص): تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم. وهذا علي بن أبي طالب بن عبد المُطّلب بن هاشم، قد أحب مصاهرتكم وخطب إليكم كريمتكم فاطمة أُمّ البنين بنت حزام بن خالدّ بن ربيعة، على كتاب الله وسنة رسوله، وقد ذكر القرآن تبارك والله: فاطر السّماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجاً ومن الأنعام أزواجاً يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السّميع البصير. والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته ثمّ جلس، وقام حزام بن خالدّ، خطيباً فحمد الله وأثنى عليه وذكر النّبي فصلى عليه ثمّ قال:
يا قومي قد سمعتم ما قاله ابن عم رسول الله(ص) عقيل بن أبي طالب من ذكر نبينا مُحمّد(ص) ودين الإسلام القويم وأني أشهدكم وأشهد الله أني أدين بدين هذا النّبي الكريم وأطيعه فيما نهاني عنه وما أمرني به وأني قد ارتضيت علي بن أبي طالب لابنتي بعلاً، وارتضيتها له سكناً وبما أنكم عشيرتي وقومي أطلعتكم على هذا الأمر فما تقولون؟
فقالوا يا حزام ما تريدنا أن نقول في ابن عم رسول الله(ص) وناصر دين الله ومن لنا بأكرم منه حسباً أو بمثله نسباً، فلنا الشّرف والمجد والسّؤدد ومن لنا بأكرم منه حسباً أو بمثله نسباً، فلنا الشّرف والمجد والسّؤدد في قربه منا وانتسابنا إليه، فنعم ما صنعت وخير ما رأيت، فعند ذلك أخذ عقيل من أُمّ البنين الأذن لأجراء صورة العقد واجراه في حضور جماعة من بني كلاب وأشهد منهم جماعة على ذلك.
فلمّا أراد عقيل السّفر ودّع بني كلاب وبني عامر وودّع حزام وشكره على ما صنعه معه، من الحفاوة وعلى تلبيته لطلب أمير المؤمنين بالتّرحيب ثمّ ضرب لهم موعداً لارسال الصّداق حتى يرسلوا العروس، ثمّ قفل راجعاً إلى المدينة.
فلما وصل عقيل إلى المدينة وأخبر أخاه أمير المؤمنين(ع) بذلك أرسل لهم الصّداق مع الهدايا والتّحف ما غمرهم به.
فلما وصلت الهدايا والتّحف والصّداق نهضت ثمامة والدّة أُمّ البنين، ودعت جاريتها وقالت لها أمضي إلى داية ابنتي وقولي لها تأتي مسرعة، فمضت وما أسرع أن رجعت ومعها الدّاية، فقالت لها قومي وخذي ابنتي وأصلحي شأنها فإنا نريد تزويجها، قالت ومن ذا يكون بعلها قالت أمير المؤمنين وسيد الوصيين وأبو الرّيحانتين والإمام الهمام علي بن أبي طالب(ع) ففرحت الدّاية فرحاً شديداً وقالت الحمد لله رب العالمين فقد سعد حظها وعلا قدرها.
ثم قامت وهنأت فاطمة بالسّعادة الأبدية وأصلحت شأنها كما ينبغي وألبسوها الثّياب الفاخرة وزينوها بالحلي والحلل.
ثمّ أمر حزام بأعداد خمسة هوادج مزينة بأحسن الزّينة واركبوا فاطمة أُمّ البنين وأمها في هودج، وقد غشوه بالحرير والأبريسم والنّساء من بني عمومتها في بقية الهوادج من خلفها وركبت عشرة فوارس من بني كلاب يحفون بالهوادج وهم مسلحون بالسّيوف الهندية والرّماح الخطية وجاؤا جميعاً إلى المدينة، فلمّا وصلوا خرجت في استقبالهم النّساء والرّجال من بني هاشم وهم في فرح وسرور فأمر أمير المؤمنين(ع) أن تعمل لهم وليمة عظيمة تليق بشأنه وبشأنهم وأكرمهم غاية الإكرام ومكثوا ثلاثة أيّام في ضيافة أبي الحسن(ع).
فلمّا أرادوا ادخالها على أمير المؤمنين خرجت معها أمها ونساء بني هاشم ونساء المهاجرين والأنصار وهن ينشدن الأشعار ويصلين على النّبي المختار وآله الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين وأنشدت واحدة منهن تقول شعراً:
يهـنيك فاطمة بالفارس البطل * نعم القرين أمير المؤمنين علي
مـن للانـام إمـام حـجة * وولي للمؤمنين أمير والغدير جلي

وقد ارتفعت الأصوات بالصّلاة والسّلام على مُحمّد(ص) وآله الأطهار من جميع النّساء، وأدخلوها بهذه الهيئة الحسنة الجميلة وهن في بهجة وسرور ثمّ تفرقن عنها، فلمّا دخل بها أمير المؤمنين(ع) وجدها فوق الوصف، ورأى ما أسره من الحسن والجمال والهيئة والكمال.
الزّواج الميمون:
اختلف المؤرخون في الوقت الذّي تزوجها فيه أمير المؤمنين(ع) ففريق قال أنّه تزوجها بعد وفاة الصّديقة الكبرى سيدة النّساء وفريق يرى أنه تزوجها بعد زواجه أمامة بنت زينب بنت رسول الله(ص) وكان بعد سنة 24 للهجرة الشّريفة، وهذا بعد وفاة الزّهراء؛ لأن الله قد حرم النّساء على علي ما دامت فاطمة موجودة، فولدت له أربعة بنين وأنجبت بهم، العبّاس وعبد الله وجعفر وعثمان وعاشت بعده مدة طويلة ولم تتزوج من غيره كما أن أمامة وأسماء بنت عميس وليلى النّهشلية لم يخرجن إلى أحد بعده وهذه الأربع حرائر توفي عنهن سيد الوصيين وقد خطب المغيرة بن نوفل أمامة ثمّ خطبها أبو الهياج بن أبي سفيان بن الحارث فامتنعت وروت حديثاً عن علي(ع) أن أزواج النّبي والوصي لا يتزوجن بعده فلم يتزوجن الحرائر وأمهات الأولاد عملاً بالرّواية. وأم البنين المرأة الثّانية التّي تزوجها أمير المؤمنين باختيار الغير والأولى أمامة بنت زينب بنت رسول الله(ص) بوصية من الزّهراء.
كما جاء عن السّيدة فاطمة الزّهراء عليه السّلام ما هذا نصه: يا بن عم رسول الله أوصيك أولاً أن تتزوج بأمامة فإنها تكون لولدي مثلي فإن الرّجال لابد لهم من النّساء.
مهرها(ع):
كان الزّواج المبارك على مهرٍ سَنّه رسول الله(ص) في زوجاته وابنته فاطمة(ع)، وهو خمسمئة درهم.
بحث في الزّواج:
الإمام علي (ع) كان كفوا لفاطمة سلام الله عليها وفاطمة(ع) كانت كفواً لعليّ(ع)، كما ورد في الأحاديث:
قال الإمام الصّادق: لولا أن الله خلق أمير المؤمنين(ع) لم يكن لفاطمة كفؤ على وجه الأرض آدم فمن دونه.
وفي بعض الرّوايات تساويهما في الفضيلة بعد الرّسول(ص).
وهما(ع) في المعنويات قبل الإمامين الحسن والحُسين(ع)، وبعدهما الإمام المهدي عجل الله فرجه الشّريف، وبعده الأئمة الثّمانية صلوات الله عليهم أجمعين.
هذه هي درجات الفضل حسب ما يستفاد من الرّوايات، والعلم عند الله.
وبعد أن تزوج أمير المؤمنين(ع) بكفوه فاطمة سلام الله عليها، كانت أمامة حفيدة الرّسول(ص) زوجة له(ع)، وإن كان بينها وبين الإمام علي(ع) بون شاسع... فإنه(ع) أفضل الخلق بعد رسول الله(ص).
وبعدها جاءت فاطمة أُمّ البنين سلام الله عليها، ولها من الفضل والرّفعة المعنوية ما لا يسعنا علمه، وإن كانت دون المعصوم عليها السّلام وحتى دون من لهم العصمة الصّغرى كالسّيدة زينب والسّيدة المعصومة والسّيدة نرجس عليهنَّ الصّلاة والسّلام.
ومسألة الكفؤ من أهم ما يلزم ملاحظته في الزّواج، والمقصود به ما بينته الرّوايات مثل:
إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوِّجوه.
والرّسول الأعظم(ص) حرّض كل رجل وامرأة بالزّواج من الكفؤ الشّرعي، باختيار كل واحد للآخر حسب الملاك المذكور: ترضون خلقه ودينه.
وهذه القاعدة تجري في الطّرفين: الزّوج بالنّسبة إلى الزّوجة، والزّوجة بالنّسبة إلى الزّوج.
فكانت أُمّ البنين سلام الله عليها قد بلغت درجة من الفضل والكمال حيث رضي أمير المؤمنين(ع) بخلقها ودينها، فأقدم على الزّواج منها.. أما العكس فهو أوضح من أن يذكر.
لا يقال: كيف يحرّض الرّسول(ص) على ما تقدم وعلى البكارة، ثمّ لم يلتزم هو بما ذكره؟
لأنه يقال: كان عمل الرّسول(ص) وفقاً لقاعدة الأهم والمهم، ومن المعلوم أن تلك القاعدة مقدمة على غيرها -على ما ذكروه في الأصول-.
وكانت أُمّ البنين سلام الله عليها في غاية الأدب والأخلاق، فقد قالت لعلي أمير المؤمنين(ع)، لا تسمني فاطمة!، لأن الحسن والحُسين وزينب وأم كلثوم(ع) يتذكرون أمهم ويتأثرون بذلك، ولذا سمّاها(ع) بـ (أم البنين) -على ما هي العادة عند العرب من الكنية- لا باعتبار الانطباق الخارجي، بل باعتبار الانتخاب، والله رزقها أربعة أولاد (مثل بدور الدّجى) فصاروا مفخرة البشرية إلى يوم القيامة.

المصدر:
1- شبكة الإمام الرضا(ع).
2- www.oqaili.com

التعليقات (0)

اترك تعليق