مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

فلسفة أسماء السيدة فاطمة الزهراء(ع)

فلسفة أسماء السيدة فاطمة الزهراء(ع)

عن يونس بن ظبيان قال: قال أبو عبد الله : لفاطمة عليها السلام تسعة أسماء عند الله عز وجل: فاطمة والصديقة والمباركة والطاهرة والزكية والراضية والمرضية والمحدثة والزهراء.
من الأمور المهمة التي أخذت جانبا وحيزا واضحا في الشريعة الإسلامية وأكد عليها الرسول الأعظم محمد(ص) والأئمة: من خلال أحاديثهم المباركة مسألة تسمية المولود باسم مبارك يدل على معنى لائق وجميل وحسب ما ترتضيه النفس المؤمنة ويميل إليه الوجدان الإنساني ذلك لأن الاسم الذي يمنحه الأب أو الأم للمولود يكون ذو أثر كبير ومهم في النفس الإنسانية حيث أثبتت البحوث العلمية المتأخرة التي قام بها علماء النفس والاجتماع أن للاسم أثرا بالغا على منشأ تصرفات وسلوك الأفراد الذين يحملون ذلك الاسم، وإن كانت هذه المسألة تتفاوت في مدى تأثيرها على السلوك الفردي للإنسان من فرد إلى آخر إلا أنه في النتيجة النهائية يترك بعض الآثار المعينة الواضحة البرهان لذلك المعنى الذي يحمله الاسم، على أن هذه الأمور الواضحة تدرك بأدنى تأمل لدى الإنسان الواعي الفطن الذي يدرك الكثير من الحقائق المعنوية قبل أن تطرق ذهنه وسمعه. وعلى هذا الأساس نجد أن هناك تمايزا واضحا في الأسماء التي تطرح وتعطى لأي فرد، حيث نجد أن الكثير من الأسماء التي حملها بعض الأفراد وإن كانت ذات مغزى لطيف وأصيل وحسن إلا أنه المسمى بها غير منزه بل أنه مثلا يدل على خلاف اسمه، وهذا بخلاف ما نجده في بعض الأسماء التي تحمل معنى قبيح وصاحبها ذو أصالة وأخلاق حسنة وأفعال جميلة.
وهكذا نجد من خلال استقراء سيرة التاريخ في هذا المجال أن هناك الكثير من الأسماء اللامعة والتي يشير إليها المسلمون بالبنان مثل عبد الملك وهارون الرشيد والمتوكل على الله والواثق بالله أن بينهم وبين أسماءهم وألقابهم البون الشاسع، فأسماءهم تدل على أنهم عاشوا في ملكوت التوكل والرشد والتقوى والوثوق بالله والاعتصام به بينما السيرة الذاتية لحياتهم وشخصياتهم تدل على خلاف ذلك، فمثلا لو طالعنا حياة هارون الرشيد ذلك الخليفة العباسي وكيف تصرف برعونة وحماقة مع الأحرار والسادة العلويين من ذرية رسول الله، وخصوصا وخاصة إجرامه بحق الإمام موسى بن جعفر(ع) نجد أن هذا الأمر واضح وبصورة جلية، ولنعم ما قال الشاعر الكبير أبو فراس الحمداني في رائعته التي يقول فيها:
الدين مخترم والحق مهتضم * وفي آل رسول الله مقتسم
إلى أن يقول:
ليس الرشيد كموسى في القياس ولا * مأمونكم كالرضا إن أنصف الحكم
إذا تلوا آية غنى خطيبكم * قف بالديار التي لم يعفها القدم
بينما إذا نظرنا إلى أهل بيت النبوة نجد أن أسماءهم تدل على المعاني العالية المنال وفي نفس الوقت نرى أن السيرة الذاتية لحياتهم ومواقفهم وتصرفاتهم ذات دلالة واضحة على أسماءهم وألقابهم. فحين نقرأ سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) نجد كل ألقابه وكناه منطلقة من صفاته الأصيلة الثابتة في أعماقه وفي جذوره المشرقة المضيئة بنور الله تعالى فهو الإمام العابد الزاهد الصادق القائد إمام المتقين وقائد الغر المحجلين، وهكذا في الحسن المجتبى والحسين الشهيد والساجد والباقر عليهم السلام أجمعين.
ومن هذا المنطلق نرى أن الرسول وأهل بيته(ع) قد أكدوا ومن خلال الكثير من الروايات على ضرورة تسمية المولود بخير الأسماء وأفضلها وذلك لما يتركه الاسم من البصمات الواضحة والآثار الجميلة على طبيعة تصرف الفرد وعلى ضوء ذلك المعنى الذي يحمله الاسم، ولذلك جاءت الأحاديث لتؤكد على هذه المسألة وللفلسفة الرائعة لها، حيث ورد الاستحباب المؤكد على ضرورة تسمية المولود بأحسن الأسماء حيث روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق(ع) أنه قال: "لا يولد لنا ولد إلا سميناه محمد فإذا مضى لنا سبعة أيام فإن شئنا غيرنا وإن شئنا تركنا".
وقد أكد الرسول  على هذه التسمية بقوله: "من ولد له أربعة أولاد ولم يسم أحدهم باسمي فقد جفاني".
وكان الديدن العام لأئمة أهل البيت(ع) على هذا الأمر والاهتمام به كل الاهتمام فهم كانوا يحثوا المسلمين على تسمية أبناءهم وبناتهم بالأسماء التالية (عبد الرحمن -وباقي أسماء العبودية- محمد، أحمد، علي، حسن، حسين، جعفر، طالب، فاطمة).
وجاء التأكيد على هذه الأسماء من خلال عدة روايات أثبتت هذه المسألة المهمة كل ذلك لأجل تحصين الطفل من السخرية والاستهزاء من قبل الآخرين في حالة تسميته بأسماء ورد فيها الكراهة مثل الحكم، خالد، مالك، حارث، ولئلا تكون سببا للشعور بالنقص كما هو الحال في الأسماء المستهجنة. وبعد هذه المقدمة المهمة في مضمونها نصل إلى موضوع البحث الذي نريد الدخول فيه وهو أسماء فاطمة الزهراء وفلسفتها، فإن اسمها من الباري عز وجل وهو الواضع لهذه المعصومة الشهيدة اسمها وكما سيتبين من خلال البحث، وهنا في هذا المقام ينقدح لدينا عدة أسئلة مهمة مرتبطة بصميم بحث أسماءها ألا وهي:
- لماذا الباري عز وجل وضع الأسماء لفاطمة الزهراء؟
- وما فلسفة أسماءها؟
- وماهية المعاني لها؟
ولم التأكيد من قبل الله تعالى على أهمية أسماء الزهراء؟
كل هذه الأسئلة لا بد لنا من التوقف عندها والإلمام بمعرفتها من خلال مراجعة أحاديث أهل البيت واستظهارها وكيفية بيان معاني أسماء فاطمة الزهراء.
أما كون أسماءها من الله تعالى وهو الذي سماها بفاطمة فيوجد في هذا المضار أحاديث كثيرة تبين هذه المنقبة لفاطمة، فلقد ورد عن رسول الله(ص) أنه قال لفاطمة: "شق الله لك يا فاطمة اسما من أسمائه، فهو الفاطر وأنت فاطمة". وجاء في حديث عن يونس بن ظبيان قال: قال أبو عبد الله(ع): "لفاطمة(ع) تسعة أسماء عند الله عز وجل: فاطمة والصديقة والمباركة والطاهرة والزكية والراضية والمرضية والمحدثة والزهراء".
وفي حديث آخر قال أبو الحسن: "... فلما ولدت فاطمة سماها الله تبارك وتعالى فاطمة".
فيتبين من خلال هذه الأحاديث وأحاديث أخرى أغفلنا عن ذكرها لئلا يطول المقام بها إن أكثر أسماء فاطمة الزهراء هي من وضع الله تعالى وهو الذي سماها بهذه الأسماء المباركة، ففي رواية يثبت الإمام(ع) أن للزهراء اسم واحد سماها به الله تعالى وفي رواية أخرى يثبت معصوم آخر أن للزهراء تسعة أسماء عند الله تبارك وتعالى، كل ذلك نتيجة المقام السامي لفاطمة الزهراء عند الله تعالى، وربما يوحي هذا الكلام أن هناك تعارض في عدد أسماء الزهراء ولكن بأدنى تأمل للروايات يظهر لنا أن هذا ناشئ من طبيعة حال السائل.
وعلى هذا الأساس انقدح في ذهننا الأسئلة المتقدمة الذكر وهو لماذا الباري عز وجل هو الذي سمى فاطمة بهذه الأسماء؟ وما هي فلسفتها؟ وما هي المناسبة بين ذات الزهراء وأسماءها التي أعطاها الله تبارك إياها؟ وعليه كل الأسئلة المتقدمة سوف نجيب عليها من خلال هذا البحث بإجماله. فنقول: إنما وضع الله أسماء فاطمة الزهراء منه لتكون علامة لشيء ما، وهذا الشيء سوف يتضح لنا من خلال الأبحاث القادمة، وربما تسأل أيها القارئ العزيز كيف يكون الاسم علامة للمسمى والمفهوم من العلامة هو الوسم والذي يظهر هذا من خلال مراجعة أفراد اللغة العربية؟ والجواب على ذلك: أن بين الأسماء والمعاني الموضوع لها مناسبة ذاتية، والواضع عندما يضع الاسم المعين للمسمى المعين يكون عالما بالمناسبة وقادرا عليها ولوجود الحكمة والإتقان في وضع الأسماء لتلك المعاني، ومن هنا كان الواضع لأسماء فاطمة الزهراء هو الله تعالى وذلك لوجود المناسبة والحكمة في ذات الزهراء، وكذلك اقتضت حكمة الباري عز وجل أن تكون العلامة فيها مناسبة لها وهي ذات الزهراء في مادتها وصورتها حيث كانت دلالة فاطمة الزهراء ذاتية ومرتبطة ارتباطا وثيقا مع اسمها فكان التعبير من الله تعالى أدق في التعريف لذات الزهراء وأظهر في تمييز ذاتها عن بقية الذوات.
فالله سبحانه وتعالى لم يهمل الحكمة ولم يظلمها ولم يضعها في غير ما جعلها مقتضية لها فمن شاء أن يطلعه على علل الأشياء وأسبابها علمه ذلك بتفهيمه أو بوضع القرائن له والأمارات على ذلك وكما فعل ذلك مع أهل البيت(ع) حيث هو الذي وضع أسماءهم وهذا ما نجده من خلال المأثور الروائي لأهل البيت، فالله تبارك وتعالى يحب أن تكون أسماء أهل البيت منه تعالى وكما قال الله تعالى: «لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ».
وأما إن قال شخص ما إن الواضع لأسماء فاطمة هو غير الله تعالى وبغض النظر عن الرواية الواردة في المقام والشواهد والقرائن الأخرى؟ فالجواب عليه: أنه لو قلنا بأن الواضع غير الله تعالى لم يكن هناك محذور في أن الألفاظ بينها وبين المعاني مناسبة ذاتية لأن الوضع لا يمكن إلا ممن له قوة المعرفة التي تنقص عن المعرفة بالمناسبة واعتبارها، ويدل على هذا إنا وجدنا في اللغة واشتقاق الألفاظ بعضها من بعض ونظمها على ما يوافق الحكمة ما يبصر العقول مع ما عرفنا من قصورنا عن أكثر أسرارها ولا يكون ذلك إلا ممن يقدر على المناسبة ويعرف كمال حسنها وشرفها على عدمها وإذا كان قادرا على العلم بها وعلى معرفتها بأنها أكمل وأدل على المطلوب وأوفق بالحكمة كان العدول عن ذلك نقصا في الكمال وعدولا إلى الإهمال عن الحكمة لأن الأسماء في الحقيقة صفات المسميات فلو لم يكن بين الصفة وموصوفها مناسبة ذاتية ومطابقة حقيقة لكانت صفة فاطمة الزهراء(ع) التي تطلب بها تمييزها تصلح أن تكون لغيرها وإذا صلحت لغيرها كان تميزها بها مما يزيد في الالتباس وعدم المعرفة.
وعلى كل حال فإن البحث في هذا المقام لطويل وشائك فالذي نريد القول به والنتيجة التي نريد استعراضها وإظهارها هو أن الواضع هو الله تبارك وتعالى لأسماء فاطمة الزهراء، وإنما وضعها لتكون العلامات المميزات والصفات المعينات لفاطمة الزهراء، ولكي يتبين معرفة الحال في المقام أكثر نقول: إن المراد من هذه الأسماء الأعم من اللفظية والمعنوية لأن العلامة والتمييز يحصل بكل منهما، والحاصل أن أسماءها  التي أشير إليها في الرواية المتقدمة الذكر سواء كانت من الأسماء الصفاتية أو اللفظية فإنها مشتقة من أسمائه تعالى يعني اشتقها سبحانه وتعالى من أسمائه وهذا معنى ما روي عن علي بن الحسين(ع) حيث قال: حدثني أبي عن أبيه عن رسول الله(ص) إلى أن قال: "قال الله يا آدم هذه أشباح أفضل خلائقي وبرياتي هذا محمد وأنا الحميد المحمود في فعالي شققت له اسما من اسمي وهذا علي وأنا العلي العظيم شققت له اسما من اسمي وهذه فاطمة وأنا فاطر السماوات والأرض فاطم أعدائي من رحمتي يوم فصل قضائي وفاطم أوليائي عما يعرهم ويشينهم شققت لها اسما من اسمي... ".
وهذا يعني أنها فيض وجودها ونورها من فيض نور الله تبارك وتعالى ونسبتها إلى الله تعالى من حيث وجودها ومبدأ نورها وصفاتها  وبأبسط تأمل لهذا الحديث يظهر أنه سبحانه وتعالى يريد بالاسم ما هو أعم من اللفظ ولو أراد خصوص اللفظ فقط يعني اسم فاطمة لما قال تعالى وهذه فاطمة وأنا فاطر السماوات والأرض ولو أراد خصوص المعنى لما علقه بالألفاظ ولكنه تعالى يريد الأسماء المعنوية والأسماء اللفظية وهو المفهوم من أحاديثهم الكثيرة وكما سيتبين لنا من خلال إظهار معاني أسماء فاطمة  فافهم تغنم 

المصدر: موسوعة الميزان- موقع الميزان دوت نت.

التعليقات (0)

اترك تعليق