مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

الراضية سلام الله عليها

الراضية سلام الله عليها

من الأمور المهمة والتي تكون ذا أهمية كبيرة في معرفة درجة أيمان الفرد المسلم مسألة الرضا عن الله تعالى، فمقام الرضا يحتاج إلى معرفة ويقين حتى يصل إليه الإنسان ويكون من الراضين بما قسم الله تعالى حتى يصل في النهاية إلى مرحلة إيمانية عالية جدا، وكما ورد في دعاء كميل "وتجعلني بقسمك راضيا قانعا" أي أن الإنسان المؤمن يطلب من الله تعالى أن يوصله إلى مقام الرضا منه جل وعلا في كل ما يقسمه له سواء من خير أو بلاء أو غير ذلك، ومع هذا كله فلقد ورد في عدة أحاديث مروية عن أهل بيت العصمة  أن رأس طاعة الله تعالى الصبر والرضا عن الله تبارك وتعالى. فلقد جاء في الحديث الشريف عن علي بن الحسين  أنه قال: "الصبر والرضا عن الله رأس طاعة الله ، ومن صبر ورضي عن الله فيما قضى عليه فيما أحب أو كره، لم يقض الله عز وجل له فيما أحب أو كره إلا ما هو خير له" لأنه سبحانه وتعالى كما ورد في بعض الأخبار - عند حسن ظن عبده المؤمن به، إضافة إلى أن الله سبحانه لا يختار لعبده إلا ما فيه خيره ومصلحته، وإن خفيت تلك المصلحة على العبد لمحدوديته وقصوره عن الإحاطة بمصالحه ومفاسده. وجاء في حديث آخر عن أبي عبد الله قال: إن أعلم الناس بالله أرضاهم بقضاء الله عز وجل.
فمن خلال هذا الحديث وأحاديث أخرى يظهر مقام الزهراء سلام الله عليها العلي حيث أنها كانت راضية عن الله تعالى بكل ما قدر لها من خير وبلاء، وهذا ينم عن الحالة الإيمانية عند فاطمة، فبملاحظة اسمها هذا -الراضية- باعتبار أنه اسم معروفة به عند الله تعالى والله لا يعطي هذا الاسم إلا لمن حاز على مرتبة شريفة وسامية، فبملاحظة أمور أخرى في حياتها سلام الله عليها يتضح ويظهر أنها  كانت ذا مرتبة علمية وعرفانية بلغت أوج عظمتها، وكما ورد على لسان المعصوم  "نحن حجج الله على الخلق وجدتنا فاطمة حجة الله علينا" والحجة لا يكون على الآخرين إلا إذا كان ذو مقام علمي وسامي على الآخرين وإلا لا يكون حجة على غيره. إذن فاطمة كانت راضية وهذا يظهر من خلال أبسط تأمل لحياتها وما جرى عليها من الظلم والأذى، وبما قدر لها من مرارة الدنيا ومشقاتها ومصائبها وبلاياها. وبمراجعة بعض الروايات في المقام يظهر أن هناك حالة ترابط بين اسم الصديقة لفاطمة وبين اسمها الراضية، فهناك حالة تلازم كما يظهر من الحديث الذي سوف أنقله إليك بين حالة الرضا بقضاء الله تعالى وبين الصديق الذي يكون عند الله بهذا المقام، فلقد روي عن أبي عبد الله أنه قال: "قال الله عز وجل: عبدي المؤمن لا أصرفه في شيء إلا جعلته خيرا له، فليرض بقضائي، وليصبر على بلائي، وليشكر نعمائي أكتبه، أكتبه يا محمد من الصديقين عندي".
وتمام هذا الحديث منطلق على سيرتها الذاتية  فهي كانت راضية بقضاء الله تعالى وصابرة على ما جرى عليها من الظلم والهوان، وكانت شاكرة لله تعالى فالشكر يدل على الرضا، وبملاحظة أسماء الزهراء في الرواية المتقدمة في أول الفصل نجد أن من أسماءها الصديقة وأن من الأسماء الأخرى لها هو الراضية، إذن الرضا يؤدي بالعبد إلى درجة الصديقين، والزهراء من خلال استقراء حياتها وسيرتها الذاتية نجد أنها كانت راضية بكل ما قدر الله لها، فهي إذن صديقة وهذا من أفضل البراهين على أنها كانت صديقة.
أما من خلال الأحاديث والأقوال الواردة في المقام فهي كثيرة والتي من خلالها بينت أن فاطمة سلام الله عليها كانت الراضية، وكما قلنا أن سيرتها الذاتية طافحة بالأحداث الكثيرة التي أثبت أنها كانت راضية بما قدر الله لها، فعن علي بن أعبد قال: قال لي علي رضي الله عنه: ألا أحدثك عني وعن فاطمة بنت رسول الله  وكانت من أحب أهله إليه؟ قلت: بلى قال: إنها جرت بالرحى حتى أثر في يدها، واستقت بالقربة حتى أثر في نحرها، وكنست البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت القدر حتى دكنت ثيابها، وأصابها من ذلك ضر، فأتي النبي  خدم، فقلت: لو أتيت أباك فسألته خادما. فأتته فوجدت عنده حداثا، فاستحيت فرجعت، فأتاها من الغد، فقال: ما كان حاجتك؟ فسكتت، فقلت: أحدثك يا رسول، جرت عندي بالرحى حتى أثر في يدها، وحملت القربة حتى أثر في نحرها وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها، [و] أوقدت القدر حتى دكنت ثيابها، فلما جاءك الخدم أمرتها أن تأتيك فتستخدمك خادما يقيها حر ما هي فيه. قال: اتقي الله يا فاطمة، وأدي فريضة ربك، واعملي عمل أهلك، إن أخذت مضجعك فسبحي ثلاثا وثلاثين، واحمدي ثلاثا وثلاثين، وكبري أربعا وثلاثين، فتلك مائة، فهي خير لك من خادم. فقالت: رضيت عن الله وعن رسوله ، ولم يخدمها.
ولقد ذكر المولى محمد علي الأنصاري شارح الخطبة، في مسألة رضاها سلام الله عليها ومسألة من وجوه اقتضاها حال الرواية حيث قال: وإطلاق الرضية لرضاها عن الله ورسوله حين ذهبت إلى النبي  فطلبت منه خادمة وقالت: لا أطيق على شدائد أشغال البيت، فعلمها النبي(ص) تسبيح فاطمة وبشر لها بثوابه، فقالت ثلاثا: رضيت عن الله ورسوله. فرجعت إلى بيتها فقالت: طلبت من أبي خير الدنيا، فأعطاني خير الآخرة. أو لرضاها عن الله تعالى فيما أعطاها من القرب والمنزلة وطهارة الطينة وغير ذلك من المراتب والعالية في الدنيا والبرزخ والآخرة من حيث الجاه والمنزلة النعمة والشرف والفضيلة. أو لرضاها عنه تعالى في جعل الشفاعة الكبرى بيدها من الانتقام من قتلة ولدها في الدنيا والآخرة.

المصدر: موقع الميزان دوت نت.

التعليقات (0)

اترك تعليق