مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

دور الأسرة في أمن المجتمع(2)

دور الأسرة في أمن المجتمع(2)

الأمن الأخروي، وهذا هو الأمن الحق إذا وفق الله له أمة من الأمم فهيأ لها أسبابه ، وحجب عنها موانعه، يتحقق لها بتحققه أمن الدنيا وأمن الآخرة، وأهم أسبابه الالتزام بمنهج الله وعبادته وحده لا شريك له، فالأمة التي تؤمن بالله، وتعمل صالحا ،هي الأمة الجديرة بالاستخلاف والتمكين، والأمن في الأرض، فهي موعودة بالأمن التام يوم يخاف الناس، وبهذا نعلم أن الأمن المطلق، لا يوجد إلا في دار النعيم التي وعد الله بها عباده الصالحين قال تعالى: «ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ» ففي الجنة لا يكون خوف ولا فزع، ولا انقطاع ولا فناء.
مكانة الأمن في الكتاب والسنة:
أثار القرآن الكريم انتباه الإنسان بشدة إلى حاجته الملحة للشعور بالأمن، ليس فقط من مختلف الأخطار المحدقة بحياته، بل أولا من عذاب الله ومكره، ومن خسف الأرض، ومن الأعاصير والفيضانات، ومن الرياح المحملة بالحصباء ومن الجوع والخوف والنقص في الأنفس والثمرات، وأكد كتاب الله أن الأمن الحقيقي الكامل هو أمن الإنسان في الدار الآخرة، والذي يتقرر بدءً ونهاية في هذه الدنيا فلا ينال أحد من الخلق الأمن إلا بسببين هما:
1- الإيمان بالله
2- العمل الصالح، فلا سعادة للإنسان بدونهما في الدارين كما قال تعالى: «الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ».
إن الأمن النفسي الذي يتحقق بالدين الحق، يغلق منافذ الخوف كلها في نفس الإنسان المؤمن فلا يخاف إلا الله: لا يخاف من البشر، ولا من المخلوقات الظاهر منها والخفي، كما لا يخاف من المجهول أو الموت ولا ما بعده لأنه عرّف الحقيقة، وانكشفت له الغاية من خلقه، وهذا ما أكده كتاب الله في قوله تعالى: «الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ». بل قد قرن كتاب الله نعمة الأمن بنعمة الطعام في قوله تعالى: «فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ«. وجاء أيضا تقديم نعمة الأمن على نعمة الرزق في قول الله على لسان نبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام: «رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ». إن الفرد والأسرة والمجتمع يحتاجون إلى أمرين ضروريين هما الكفاية والأمن، وقد أعطى كتاب الله الأمن درجة من الأهمية تناسب درجة الحاجة إليه والشواهد على ذلك كثيرة تتضح مع ما سبق من الآيات في الآيات الآتية: قال تعالى: «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَر أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِن فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاة طَيِّبَة وَلَنَجْزِيَنَّهُم أَجْرهمْ بِأَحْسَن مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» وقال تعالى: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا» وقال تعالى: «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ»، وقال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ».
إن هذه الآيات كلها تبين الشروط التي يمكن يحصل من خلالها الإنسان على الأمن الإلهي في الدنيا والآخرة.
ولا شك أن رب الأسرة يستعرض لأبنائه هذه الآيات ثم يترك لهم جو الحوار والنقاش حولها، ويطلب منهم أن يضربوا القصص والأمثال من الواقع المشاهد لديهم. ثم يعقب على ذلك فيقول لهم يا أبنائي (إن الله جعل الإيمان سببا للأمن وطيب الحياة والتمكين والاستخلاف في الأرض ونزول البركات من السماء، والثبات في الدنيا والآخرة وحصول الأجر الوفير في الآخرة، وحسن العافية وتكفير السيئات، وعدم الخزي والخذلان يوم القيامة).
أما النصوص التي تدّل على الأمن في السنة النبوية فكثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر.
قوله (ص): ( لا يحل لمسلم أن يروع مسلما).
وقوله: (من نظر إلى أخيه نظرةً يخيفه بها أخافه الله يوم القيامة) وقوله: (من حمل علينا السلاح فليس منا) وقوله (ص): (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه، ولا يحقره، التقوى هاهنا، ويشير إلى صدره ثلاث مرات، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه).
ومن دعائه عليه الصلاة والسلام قوله: (اللهم إني أسألك الأمن يوم الخوف).
ففي هذه الأحاديث دعوة من النبي عليه الصلاة والسلام وحث منه على كل عمل يبعث الأمن والاطمئنان في نفوس المسلمين، كما فيها نهي عن كل فعل يبعث الخوف والرعب بين المسلمين قليلا كان ذلك أو كثيرا، باعتبار أن الأمن من أجلّ النعم التي تفضل الله بها على عباده ، ولذلك نهى عليه والصلاة والسلام أن يروع المسلم أخاه المسلم.
بل جعل عليه الصلاة والسلام أن تحقق الأمن للإنسان بمثابة ملك الدنيا بأسرها، فكل ما يملكه الإنسان في دنياه لا يستطيع الانتفاع به إلا إذا كان آمنا على نفسه ورزقه. قال عليه الصلاة والسلام: (من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا).
دور الأسرة في تحقيق الأمن لأفرادها:
الأمن التربوي:
يأتي الطفل إلى هذه الدنيا كالصحيفة البيضاء النقية في عقله وفكره ومشاعره، وعنده الاستعداد الفطري لأي شيء يقدم إليه، ولذلك على الأبوين أن يتنبها لهذه النقطة ، ويدركا مدى خطورتها و أهميتها على نشأة الطفل ونموه ومستقبل حياته كلها. فبيدهما أن يأخذا به إلى مسار النجاة ويكون قرة عين لهما، وبيدهما أن يهملاه أو ينحرفا به إلى دروب المهالك
ذلك أن الأسرة هي المؤسسة الأولى المسئولة عن التنشئة الاجتماعية للأطفال، ويرجع ذلك إلى أن الأسرة هي الجماعة الوحيدة التي تتفاعل مع الطفل لفترة طويلة من الزمن، في المرحلة الأساسية من حياة نموه، ولذلك فهي تشكل عاداته ومواقفه، وتسهم في تكوين معتقداته عن طريق غرس القيم التي تؤمن بها.
إن قيام الأسرة بالوظيفة العضوية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أمر طبيعي لأن الطفل عند ولادته غير قادر على القيام بهذه الوظائف، بل عاجز عن القيام بأي وظيفة تضمن له استمرارية الحياة، لذا كان لزاما على الأسرة أن تقوم بهذه الوظائف.
وسائل الأسرة في تحقيق الأمن:
يتوقع الناشئة ذكورا وإناثا أن تقوم الأسرة بإشباع حاجاتهم الجسمية والنفسية، والاجتماعية، والدينية والعقلية، فهم في حاجة إلى الرعاية الأبوية التي توفر لهم الحماية والأمن وتجنبهم الأضرار الجسمية  كما يحتاجون إلى التأييد والتشجيع الذي يحقق نموهم الذاتي والاجتماعي، فهم يمرون في الأسرة بالخبرات الخاصة بأسلوب الحياة الذي يهيئهم للقيام بدورهم الإيجابي في شئونهم، والإشباع لحاجاتهم، وحاجات الآخرين، فيكتسبون المعلومات والمعارف الأولية عن العالم، وعن الناس الذين يعيشون من حوله، وبالتالي يشاركون في حياة الأسرة. بممارسة اتخاذ القرارات، وتنمية المهارات، والاستفادة من أساليب التصرف، والسلوك في المواقف المختلفة.
الأسرة وتحقيق الأمن النفسي والجسدي للناشئة:
تعد الأسرة هي المحضن الطبيعي الذي يتولى حماية الطفولة الناشئة ورعايتها وتنمية أجسادها وعقولها وأرواحها، وفي ظلها تتلقى مشاعر الحب والرحمة والتكافل، وتنطبع بالطابع الذي يلازمها مدى الحياة، وعلى هدي الأسرة وتوجيهها تتفتح، وتفسر معنى الحياة الإنسانية وأهدافها، وتعرف كيف تتعامل مع الأحياء.
إن مرحلة الطفولة هي فترة إعداد وتدريب للدور المطلوب من كل حي في مستقبل حياته، لأن وظيفة الإنسان هي أكبر وظيفة، ودوره الذي ينتظره أعظم الأدوار، لأنه سيحمل أمانة الاستخلاف ودور المبتلى الممتحن بأمانة الله الملقاة على عاتقه لذا كان إعداده وتدريبه للمستقبل أدق وأطول وأشق، ومن هذا المنطلق كانت حاجته لملازمة والديه أشد من حاجة أي طفل لنوع من الأحياء الأخرى.
وقد أثبتت التجارب العملية أن أي مؤسسة أخرى غير مؤسسة الأسرة لا تعوض عنها، ولا تقوم مقامها، وإن جادل الماديون في هذه الحقيقة وزعموا أن لا ضرورة للأسرة، وأن نشأة الطفل في محضن صناعي تساوي نشأته بين أبويه، بل يزيدون فيتحدثون عن إمكان صنع الأطفال بعيدا عن الأسرة وأعبائها الثقال، وكل ذلك مصادم للحقيقة والواقع، فالفطرة الإنسانية لا تقبل الزور، بل سرعان ما تنفضح الأنظمة المخادعة التي تشقي البشرية من حيث توهم إسعادها، فدور المحاضن والمدارس الداخلية لا توفر لكل طفل من العناية والرعاية ما توفره الأسرة لأفرادها تحت إشراف الأم ورعايتها، حنانا وحفاظا على جسده أولا ورفعا لمعنوياته ونفسياته ثانيا.
فالأسرة تعنى بولاية الطفل ورعايته، وتتعهده بما يغذيه وينميه ويؤدبه، ويحافظ على سلامته وأمنه من جميع الأخطار التي يمكن أن تحدق به، إن الحفاظ على الطفل في صغره من كل أنواع المخاوف التي تسبب له الأذى كالهوام، والسقوط، والأدوات الحادة والجارحة، والنار وغيرها، من وظائف الأسرة نحوه، فالأبوان مسئولان عن حفظه والمحافظة عليه ماديا ومعنويا، ومن ذلك الاهتمام بالعقبات التي تعترض سبيله، ومن أهمها الخوف الذي هو غريزة فطرية في الإنسان فلا بد من وجود الخوف باعتدال فيه، حتى تكون حياته آمنة، لأن الطفل الذي لا يخاف أبدا لا بد أنه مصاب بانحراف في نفسه، فالخوف ضروري لبناء شخصية الطفل ووقايته من الحوادث، والتعرض للمخاطر، كالابتعاد عن النار والآلات الجارحة، والأدوات الكهربائية وغيرها.
ومن مهام الأسرة تدريب الطفل على الخوف من الله تعالى،وتعليمه أن الضر والنفع لا يأتي إلا من الله، وإن أتى من غيره فيكون بتقدير من الله تعالى وبإذن منه. فتدربه الأسرة على العلاقة بينه وبين ربه، وتخبره أن الله معه إن أحسن في عمله وحسّن خلقه مع الآخرين، فالله يكافئه بالحسنات ويرفعه الدرجات العليا، وتغرس فيه المعية الإلهية، والحفظ الرباني له، وإن أحس بخوف علّمه والداه الأدعية والأذكار التي تزيل عنه ذلك الخوف، وبذلك يرتبط بالإسلام منذ نعومة أظفاره، ومن واجبات الأبوين نحو أطفالهما رعايتهم باستمرار، والاهتمام بطعامهم وشرابهم وألعابهم، وتوجيههم إلى ما يفيدهم من الألعاب دون إكراههم على شيء معين منها، لأنه بقليل من التوجيه يمكن أن يكون اللعب وسيلة ناجحة لغرس بعض الصفات الخلقية والسلوكية الهامة في الأطفال ذكورا كانوا أو إناثا.
الأسرة وتحقيق الأمن الغذائي:
تتوقف حياة الإنسان منذ أن يولد إلى أن يموت على ضروريات لا بد لـه منها،وهي التي تتمثل في الغذاء والكساء والمقر، بالإضافة إلى ما يتبع ذلك من الحاجيات التي تحقق له نوعا من الراحة وتلبي له متطلبات غريزته مثل التداوي والتعليم.
إن مطالب الحياة تنقسم إلى الضرورية والحاجية والتحسينية، يهمنا هنا الأول منها ومنه نتناول دور الأسرة في تأمين الأمن الغذائي لأفرادها.
أن المولود أول أمر يحتاج إليه منذ ولادته هو التغذية، وأفضل غذاء له في الفترة الأولى من حياته هو لبن أمه الذي أودع الله فيه عناصر التغذية، والمواد النافعة للرضيع، فقد أمر الله الأم بإرضاع ولدها من لبنها لينتفع به ويستفيد منه قال تعالى: «وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ».
إن الطفل بأمس الحاجة في العامين الأولين من حياته إلى الغذاء عن طريق الرضاع الذي ينمي لحمه وينشذ عظمه، والأب هو المسئول الأول عن الطفل ومرضعته سواء كانت أمه أو غيرها ، لأنها تغذي الصغير بلبنها، فوجب الإنفاق عليها لتتغذى وتغذي الصغير بدورها. فالله تعالى أوصاها في الآية السابقة برعاية جانب الطفل وتأمين الغذاء له، ذلك أن حضانة الطفل والسهر على مصلحته، والقيام بشئونه واجب على الأم، لأنها ذات قلب رقيق، وهي وحدها التي تطيق ذلك وتصبر عليه، ولهذا فالأم أحق بحضانة الطفل في حال انفصالها عن الأب لحنانها وعطفها وشفقتها على ولدها أكثر من غيرها حتى من الأب نفسه قال تعالى: «لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا».
ولا شك أن لتأمين الرضاع للطفل أهمية بالغة في حياته النفسية والجسدية والأمنية والاجتماعية، حيث (أثبتت الأبحاث العلمية أن الطفل الذي يرضع من ثدي أمه، لا يرضع الحليب فقط، وإنما يرضع معه الحب والحنان، فيحس بدفء الأمومة وحنانها، وهذا يساعد الطفل على أن ينمو في صحة نفسية جيدة، ويكون بعيدا عن الإصابة بالأمراض النفسية في مراحل عمره اللاحقة).
كما أن للغذاء الذي يحصل عليه المولود عن طريق الرضاعة الطبيعية دور في سلوكياته في مستقبل حياته فقد بينت الدراسات التي أجريت على بعض محترفي الإجرام في العالم أن كثيرا منهم قد حرموا من الرضاعة الطبيعية في طفولتهم
وهكذا نجد أن تأمين الغذاء والرضاعة والحضانة من الأسرة لأفرادها له دور بارز في التنشئة السليمة البعيدة عن الانحراف والعنف والجريمة مما يترتب عليه إيجاد أفراد صالحين مستقيمين يكوّنون لبنات أساسية لمجتمع متماسك تقوم علاقاته على التآلف والمحبة.
الأسرة وتحقيق الأمن العقدي:
إن تحقيق الأمن من أولى القضايا في حياة الناس،  لذلك بذلت فيه الطاقات وصرفت في تحقيقه الجهود.
ولا يمكن أن يتحقق الأمن إلا في ظل عقيدة صحيحة تتفق مع فطرة الإنسان التي فطر عليها، ولا تتمثل تلك العقيدة إلا في التي أنزلها الخالق إلى الخلق.
ويأتي أهمية دور الأسرة في غرس العقيدة الإسلامية في نفوس أفرادها، بل ينبغي أن تعنى بتقديم التربية الإيمانية على غيرها لأن الدين: (له أثره الواضح على النمو النفسي والصحة النفسية، والعقيدة حين تتغلغل في النفس تدفعها إلى سلوك إيجابي، والدين يساعد الفرد على الاستقرار، والإيمان يؤدي إلى الأمان، وينير الطريق أمام الفرد في طفولته، عبر مراهقته إلى رشده، ثم شيخوخته).
إن الأسرة المسلمة التي تولي الجانب الإيماني جل اهتمامها إنما تتبع طريق النبي(ص) في تربية أصحابه رضوان الله عليهم، فقد بدأ تربيتهم قبل كل شيء بالجانب الإيماني، فبدأ أولا بغرس العقيدة الصحيحة الصالحة في نفوسهم، ذلك أنه لا يمكن أن يتحقق للإنسان سعادة بلا سكينة لأنه لا توجد في الحياة نعمة أغلى ولا أفضل ولا أيمن من سكينة النفس، وطمأنينة القلب، قال تعالى: «هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ».
فلا تتحقق السكينة إلا بالإيمان بالله تعالى، الإيمان الصادق العميق في القلوب. لأن النفوس مجبولة عليه، ومع ذلك تحتاج أن تتعلم أصوله وجزئياته، وأصلح أوقات غرسه السنوات الأولى من حياة الطفل، لأنه يصغي إلى المربي بكل جوارحه ويقبلها دون نقاش كما أن خياله الواسع يساعده على تخيل الجنة والنار، وأهوال القيامة، والملائكة، وعالم الجن وغيرها 
إن غرس العقيدة في نفوس الناشئة يكون بوسائل عدة منها: تلقينه كلمة التوحيد، كما كان السلف يعلمون أولادهم في أول حياتهم كلمة التوحيد ومنها تعليمه القرآن الكريم. لأنه أصل الدين وأساسه وفي حفظه أو حفظ جزء منه حفظ له، فينشأون على الفطرة، ويسبق إلى قلوبهم أنوار الحكمة كما يعلمهم السيرة النبوية، والمغازي، وسير الصحابة والتابعين، وحكايات الأبرار وقصص الصالحين.
كما على المربي أن يعلم ناشئته أصول الإيمان وحقائقه فيلقنه الإيمان بالله، وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره.
كما يعلمهم أركان الإسلام الخمس، ومستلزماتها فيحفظهم الشهادتين، وإقام الصلاة ببيان ما تشتمل عليه من أعمال العبادة من ذكر واستغفار ودعاء وتلاوة القرآن، وإيتاء الزكاة ومحاسنها ببيان وجوب مساعدة المسلمين بعضهم لبعض.
وصوم رمضان وما فيه من تدريب عملي على كف الشهوات، وتربية الإرادة على الصبر، وحج بيت الله الحرام وما فيه من تجرد وانخلاع عن الدنيا.
إن الأسرة التي تقوم بغرس العقيدة في نفوس أفراد ناشئتها لا شك أنها تملأ أوقات الفراغ لديهم بكل نافع ومفيد، وبالتالي تجنبهم الوقوع في الانحراف، وتبعدهم عن كل مظاهر العنف، وتبني شخصياتهم على الخير والعمل الدؤوب، وبالتالي تحقق لهم الأمن في أنفسهم بتحقيق حاجاتهم الدينية والنفسية، وهذا يدفعهم للشعور بحاجات المجتمع وقيمه بما يحقق له الأمن والاستقرار.
الأسرة وتحقيق الأمن الاقتصادي
تعتمد الأسرة في حياتها على عدد من المقومات الأساسية بما يمكنها من القيام بدورها كمؤسسة اجتماعية في تحقيق الأمن، لأن نجاحها يتوقف على تكامل هذه المقومات، ومنها تحقيق الأمن الاقتصادي.
إن الأسرة تحتاج إلى دخل اقتصادي ملائم يسمح لها بإشباع حاجاتها الأساسية من مسكن ومأكل وملبس، كما تحتاج إلى سلامة أعضائها من الأمراض الجسدية، وتدبير ما يلزمهم من خدمات صحية.
ولذلك اهتم الإسلام بوضع القاعدة التي لها الأثر الأكبر في الارتفاع بالمستوى المعيشي للفرد والأسرة بدعوته إلى الإنفاق حسب الوسع والطاقة. قال تعالى: »لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ« . ففي الآية بيان (الموازنة بين الدخل والاستهلاك، فالنفقة على قدر حاجة البيت، وعلى قدر حالة الزوج إعسارا أو إيسارا، فهو لا يكلف الزوج أن ينفق فوق طاقته، ولا يقبل منه أقل من متطلبات حياة أسرته، واجتناب التبذير والإسراف وتضييع الأموال، وصرفها في أمور لا تستحق الصرف).
ولا شك أن كثيرا من الدراسات الاقتصادية أكدت أن الأسباب الرئيسية للانحرافات الاجتماعية تنبع جميعها من العوامل الاقتصادية. وأن كثيرا من الشرور تصاحب الفقر عادة، ولذلك كان للفقر أثرا واضحا في انحراف أو استقامة أفراد الأسرة.
والفقر يوصف بأنه الحالة التي لا يكفي فيها دخل الأسرة عن إشباع حاجاتها الأساسية المتغيرة للمحافظة على بنائها المادي والنفسي والاجتماعي والتعليمي، فالفقر هو الذي يحرم الأسرة من المشاركة الاجتماعية.
إن كثيرا من الدراسات أكدت عن طريق البحث أن الحالة العقلية للمجرمين ترجع إلى الانحطاط الاقتصادي من ناحية، وإلى التفكك الأسري من ناحية أخرى. وقد يحقق الدخل مطالب الأسرة المادية، لكنه لا يحقق لها الشعور بالأمن، أو الإشباع النفسي والاجتماعي.
كما أن السكن السيئ يعتبر سببا في الانحراف فقد أكدت الحقائق العلمية أن المسكن غير الملائم يلعب دورا أساسيا في السلوك المنحرف فقد أثبتت الدراسات التي اهتمت بهذا الجانب أن نسبة الانحراف تزداد في المناطق المتخلفة التي تنقصها المرافق المادية، ويكثر فيها التجمع، كما ترتفع فيها درجة التزاحم، ونتيجة للازدحام الشديد في الأسرة يشتركون صغار الأولاد والبنات في نفس المكان مع الكبار وأحيانا مع غير أعضاء الأسرة، كما يشترك المراهقون من الجنسين في الحجرة الواحدة.
إن السكن المشترك أو الضيق يدفع الطفل إلى الهروب من المنزل والتجمع في الشارع، نتيجة ما يشعر به من توترات وضغوط، وهذا ما يدفعه إلى الالتقاء مع غيره من الأحداث وتكوين العصابات التي تشجع على الانحراف.
إن كل أسرة في أي مجتمع هي ذات دخل وإنفاق، لكن الأسر تختلف فيما بينها من ناحية طريقة حصولها على الدخل: ثابتا أو متغيرا، أسبوعيا أو شهريا أو سنويا، كما تختلف فيما بينها من ناحية التصرف فيه ، فالأسرة المتأثرة بالتقاليد والعادات السائدة في مجتمع معين قد تندفع وراء مظاهر الإسراف، أو اقتناء بعض الكماليات وبالتالي تستنفد كل دخلها ولا يبقى منه شيء للظروف الطارئة أو الأزمات، أو قد يكون الإسراف على حساب بعض الضروريات، وهكذا عندما تفشل الأسرة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي يؤدي بها الموقف إلى أنواع من الصراع يقوم بين أعضائها من جانب وبينها وبين البيئة الخارجية من جانب آخر وهذا الصراع يولد أربعة أنواع من التصرفات هي على التوالي: العدوان، النكوص، الجمود، الاستسلام.
وكلها لا شك ضد تحقيق الأمن داخل الأسرة ويكون لهذه السلوكيات أثارها الضارة على الأعضاء ومن ثم تظهر في نشاطهم وعلاقتهم بالمجتمع، لأنهم يفقدون الثقة بأنفسهم وبالتالي لا يأمنهم المجتمع ولا هم يأمنونه، ويأتي دور الأسرة في توجيه أفرادها إلى أهمية المحافظة على المال لأنه عصب الحياة وقوامه التي تقضي به مصالح الناس، والمحافظة عليه تكون بالنهي عن إهداره، وتضييعه بالإسراف في استعماله أو صرفه لمن لا يحسن استعماله أو بالتبذير فيه.
الأسرة وتحقيق الأمن الصحي:
يهدف الإسلام من تكوين الأسرة المسلمة إلى صيانة الأفراد والمجتمع من الأمراض الخبيثة والأوبئة المختلفة جنسية كانت أو غير جنسية.
ذلك أن الاهتمام بصحة الأفراد يعدّ هدفا أساسيا يجب أن تضعه الأسرة نصب عينيها إذا أرادت أن توفر لأولادها نموا طبيعيا متكاملا، لأن الصحة هي الدعامة الأولى في الشعور بالرضا والسعادة في حياة الناشئ، ولأنها هي التي تعده بالقدرة والطاقة للقيام بأعماله ومناشطه في الحياة، وهي من العوامل الرئيسية في تنمية القدرات العقلية عند الفرد ، وذلك باعتبار أن العقل السليم في الجسم السليم، كما أنها من العوامل الهامة في زيادة كفاءة الفرد الخلقية والاجتماعية والتعبدية، وفي عمارة الأرض وترقية الحياة وتنميتها، فالصحة تكاد تكون أهم شئ في حياة الإنسان.
ولا شك أن المرض يؤثر في حياة الأسرة تأثيرا بالغاً سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية أو الجو النفسي المحيط بها 
فبالصحة يحقق الإنسان آماله ورغباته، وينجز أعماله، ويؤدي واجباته ولأهمية الصحة عدّ الإسلام حفظ الذات وحفظ الجسد أمراً واجبا على الفرد ويأتي دور الأسرة في تحقيق الأمن الصحي لدى أفرادها عن طريق وقايتهم من كل أسباب الأمراض النفسية، وتربيتهم على اكتساب القواعد التي تعلمهم النظافة والطهارة بما يحفظ سلامة أجسادهم.
الأسرة وأمن المجتمع:
يتحقق الأمن في الأسرة أولا، وذلك بأن يقوم كل واحد من أركان الأسرة بدوره المنوط به، الدور الذي من أجل تحقيقه تكونت الأسرة، فالذكر والأنثى أوجد الله في كل منهما خصائص قبل الوظائف، فيحقق كل منهما وظيفته من خلال خصائصه، ويتحمل مسئولياته مع تعاون الجميع في أداء الواجبات، قال(ص): (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها..).
فقد اعتبر الإسلام أن بناء الأسرة وسيلة فعّالة لتحقيق الأمن، ولحماية الأفراد من الفساد، ووقاية المجتمع من الفوضى، إن التربية الأمنية تبدأ في نطاق الأسرة أولا، ثم المدرسة، ثم المجتمع، فالأسرة هي المدرسة الأولى التي يتعلم فيها الطفل الحق والباطل، والخير والشر، ويكتسب تحمل المسئولية، وحرية الرأي، واتخاذ القرار، كل هذه القيم وغيرها يتلقاها الطفل في سنيه الأولى، دون مناقشة، حيث تتحدد عناصر شخصيته، وتتميز ملامح هويته،وإذا لم تتهيأ الفرصة بشكل كاف داخل الأسرة لتعلم هذه القيم، فإنه يتعذر عليه بعد ذلك اكتسابها لكي تكون جزءا من سلوكه.
إنّ الأمن لا يفرض بسلطة، وإنما ينبع من أفراد المجتمع، من دخائلهم، من ضمائرهم، من أسلوب معاملاتهم، وللأسرة دور أساسي في غرسه في ناشئتها، وتعميقه في قلوبهم من البداية.
ولا شك أن أفراد الأسرة يمرون بمراحل مختلفة منذ ميلادهم إلى أن يشبوا ويكبروا،ويتحملوا المسئوليات الضخام، وفي كل مرحلة من مراحل نموهم يحتاجون أن تحقق لهم أسرهم الاستقرار النفسي والطمأنينة في مختلف أحوالهم كما تحقق لهم الإشباع في جميع حاجاتهم المتنوعة.
وعليها أن تبتعد عن الوسائل الخاطئة في تربية أولادها مثل استخدام القسوة والشدة، والصرامة في معاملة الأولاد، وإثارة الرعب والخوف في نفوسهم، أو المبالغة في تدليلهم، والإفراط في التسامح والصفح عنهم .
وكذلك البعد عن الاستهزاء بهم والسخرية منهم أو إذلالهم، أو التدخل المبالغ في شؤونهم بالرقابة الصارمة.
لأن استخدام القسوة التي يتبعها الآباء لضبط سلوك الطفل غير المرغوب فيه، والتي يتضمن العقاب الجسدي كالضرب أو الصفع، أو كل ما يؤدي إلى الألم الجسمي، والمصحوب بالتهديد أوالحرمان.
إن هذا العقاب يتضمن نتائج سلبية كثيرة حسب ما أثبتته الدراسات التجريبية، كأن ينشأ الطفل على تعلم السلوك العدواني.
لأن الآباء يمثلون نموذجا عدوانيا يقلده الطفل، فيلجأ لاستخدام أساليب القسوة، لحل الصراع في تعامله مع الأصدقاء والآخرين، إضافة إلى أن الطفل قد يتجنب التعامل مع الآباء الذين يعاقبونهم، مما يقلل التطبيع لدى الآباء إلى أبنائهم . لأنّ الشخصية الانفعالية والتوتر المصاحب للعقاب البدني قد يعطل قدرة الآباء على الحكم الموضوعي لحل المواقف،  ويؤدي المزيد من النتائج السلبية سواء على مستوى نمو الطفل الاجتماعي.
أو على مستوى طبيعة العلاقة بين الآباء والأبناء.
يقول أحد الآباء إن الضرب والعنف يؤدي تنشئة جيل معقد منحرف.
ويقول آخر إن الضرب يجب أن يكون في فترات متباعدة لأن من الضروري أن نربيهم على نوع من الخشونة.
فالقسوة وإن أدت إلى الإساءة إلى معاملة الأطفال لكن لا بد منها.
ويقابل القسوة، التساهل الذي يشجع الطفل على تحقيق رغباته بالشكل الذي يحلو له، والاستجابة المستمرة لمطالبه، وعدم الحزم في تطبيق منظومة الثواب والعقاب.
إن ضبط سلوك الطفل يعد شرطا أساسيا للنمو في اتجاه إيجابي ,فالآباء المتساهلون يعرقلون إحساس الطفل بالأمان، حيث لا يبعث الإفراط في التساهل على الثقة، لأن الرضوخ المستمر لمطالب الطفل قد يعكس ضعف الآباء. وهذا ينافي حاجته للشعور بقوتهما اللازمة لحمايته، لأن وجود درجة معينة من حزم الوالدين ضرورية للتنشئة السوية، وأن عدمها يؤدي إلى نمو الناشئة في الاتجاه السلبي:
وبين القسوة والتساهل يظهر هناك اتجاه الإهمال لدى الوالدين، إذ يتجنبان فيه التفاعل مع الطفل، فيترك دونما تشجيع على السلوك المرغوب عنه، ودونما توجيه إلى ما يجب أن يقوم به، أو إلى ما ينبغي عليه أن يتجنبه.
وهذا الإهمال لا يساعد الناشئة على غرس العادات الحسنة في نفوسهم في مرحلة مبكرة من حياتهم ، لأنهم ينشأون على ما عودهم عليه المربون.
ويظهر هناك اتجاه آخر من الوالدين تجاه ناشئتهم وهو التذبذب: أي عدم التوازن في السلطة بين الأبوين، فالسلوك الذي يثاب من أحدهما قد يرفض من الآخر، ويعتبر هذا من أكثر الاتجاهات السلبية، لأن الأطفال قد يتكيفون مع آبائهم متساهلين أو متسلطين لكنهم يجدون صعوبة مطالب متغيرة وغير متوقعة، بل يؤدي بهم ذلك إلى الانحراف وعدم التوافق، فيصبحون أكثر عدوانية وتمردا، لأنه يسمح لهم بالسلوك مرة ويرفض مرة أخرى.
ومن الوسائل الخاطئة المبالغة في تدليلهم بالحماية المفرطة، وهذا لاشك خطر على صحة الطفل النفسية، يؤدي به في النهاية إلى نوع من الانحراف.
لأنه إذا قام أحد الوالدين أو كليهما نيابة عن الطفل بالواجبات أو المسئوليات التي يمكن القيام بها، والتي يجب تدريبه عليها إذا أردنا له أن يكون شخصية مستقلة.
لأن الحماية الشديدة تؤدي إلى قلة المواقف المناسبة لتنمية ثقل الطفل بقدراته. ولذلك كان من الأهمية زرع الثقة في نفس الناشئة، وتركه لاكتساب خبرات جديدة مع مساعدته بالتقويم والتعديل والتوجيه المسحوب بالاحترام النابع من القلب، بهذا العمل يعد الوالدان أولادهما لممارسة حياتهم المستقبلية،  لأنه يتعود الاعتماد على النفس، وتقوى إرادته وعزيمته، وتنمّى مواهبه.
كما أن من الوسائل الخاطئة الاستهزاء بالأطفال والسخرية منهم أو إذلالهم. ويجب استبدالها بالاحترام الذي يحمل على إكرامهم وتقديرهم ولو أخفقوا في العمل، بل إن احترامهم يقتضي الثناء عليهم عند النجاح واستشارتهم في بعض الأمور، واستحسان رأيهم الصائب، وإرشادهم برفق إلى خط رأيهم.
وإذا كان أحد الوالدين أو بعض الأقارب يستهزئ بالطفل أو يواجهه بالنقد الجارح كانتقاد الشكل أو العقل، فعلى الأطراف الأخرى أن تدعم الطفل وتنمي ثقته بنفسه وتمدحه، وتمنع الأطراف الأخرى من الانتقاص من الطفل لأن ذلك يضعف ثقته بنفسه في المستقبل ويهز شخصيته ويجعله مستعدا للتخلي عن أفكاره بسرعة إذا انتقده الآخرون، ولو كانت تلك الأفكار صائبة، لأنه لم يتعود على الثقة بالنفس واحترامها،منذ الطفولة.
بل يجب أن يتحول هذا الاحترام إلى الحب والحنان لأنه من أهم الحاجات التي يتطلبها الناشئة.
إن وسائل إشباع حاجة الحب لديهم تختلف من مرحلة إلى مرحلة ففي مرحلة الطفولة المبكرة يلذُ المربي بملاعبة الطفل وترقيصه ومداعبته بأرق العبارات وتقبيله وضمه، وبعد أن يبلغ خمس سنوات يحب الطفل أن يجلس قريبا من الوالدين أو يضع رأسه على فخذ أحدهما أو يقبلهم أو غير ذلك، بل عن تشتد حاجته عند رجوعه من المدرسة أو من مكان لم يصحب فيه والديه أو عند وجود مشكلة خارج البيت أو داخله، وفي مرحلة المراهقة يظل محتاجا إلى الحنان والحب من والديه، وذلك أنه قد يخجل من إظهار هذه العاطفة وبخاصة إذا كان والداه ينتقدان حاجته إلى الحب أو ينكران أن يقبلهما أو يسند رأسه إليهما أو يحسان بالإزعاج والتضايق عندما يعبر عن حبه لهم.
إن عدم إشباع هذه الحاجة يؤدي إلى انعدام الأمن وعدم الثقة بالنفس، فيصعب على الطفل التكيف مع الآخرين، ويصاب بالقلق والانطواء والتوتر، بل يعد الحرمان من الحب أهم أسباب الإصابة بمرض الاكتئاب في المستقبل.
ومن الناحية الاجتماعية تحدث فجوة بين المربي والطفل عندما لا تشبع حاجته إلى الحنان فيحس الطفل بالانقباض تجاه والديه ويستقل بمشكلاته، أو يفضي بها للآخرين دون والديه، ويصبح عنده جوعة عاطفية، تجعله مستعداْ للتعلق بالآخرين
إنّ العوامل التي يمر بها أفراد الأسرة تحت مظلة الأسرة المستقرة الهادئة له الأثر الفعّال في حياتهم المستقبلية عندما يكونون أعضاء لمجتمع أو يكونون أزواجا في أسر. إنّ الشخص الذي يمر في طفولته بخبرات سارة توفر له الأمن والحب يمكنه النجاح في إقامة علاقات اجتماعية سارة، وإقامة علاقات أسرية سعيدة آمنة، كما أن الطفل المحروم من الحب أو المهمل أو التعس لا بد من أن يصبح أبا قاسيا، أو زوجا سيئا، أو شريكا غير موفق، أرأيتـم إذا دور الأسرة في تحقيق أمن المجتمع، حيث أن أفراد الأسرة هم الذين سيصبحون لبنات المجتمع، ورجال الغد، متمثلين في تحمل المسئوليات، أزواجا كانوا أو زوجات، أو مسئولين في مختلف قطاعات المجتمع، فإن ربوا على الخير والفضيلة والأمن وإسعاد الآخرين فسيصبحون كذلك، وستصبح أسرهم الامتداد الأقوى في إمداد المجتمع بأفراد صالحين مصلحين.
أما إذا لم تؤد الأسرة دورها بأن تقاعست عن واجباتها تجاه البيت والناشئة، فعند ذلك لا تسأل عما يحدث للأفراد من المشاكل التي لا تحمد عقباها تجاه أنفسهم وتجاه والديهم وتجاه المجتمع، وأن هذه الثلمة الكبيرة التي تحدث الآن لمجتمعنا من وجود إرهاب الأفراد والأسر والمجتمع والدولة لمن هذا القبيل. حيث حصل نوع من التقصير تجاه الناشئة من أطراف متعددة ومنها: تقصير الأسرة عن دورها المنوط تجاه أبنائها حيث انشغل الأب بتجاراته وأعماله تاركاً مسئوليته لغيره، وانشغلت ربة البيت عن بيتها وزوجها وأبنائها بوظيفتها وأسواقها وزيارات صديقاتها، مسندة وظيفتها الحقيقة للخادمة التي أصبحت الأم الجديدة التي تعلق بها الأبناء أكثر من الأم لعنايتها بهم في الظاهر، أما الحقيقة تقول إن كثير من الأبناء يتعرضون للقسوة والإهمال من الخادمة خاصة في حال غياب الأم. وبالتالي ينشأون على الحقد وعقوق الوالدين وبغض المجتمع. ويتعودون على والاتكالية، وتنعدم عندهم روح المبادرة ويتسع داء الفراغ، الذي يتولد عنه تفريغ طاقاتهم في كل ما يضرهم ويضر أسرهم ومجتمعهم.
فمتى عادت الأسرة في أداء واجباتها ودورها الحقيقي رجع للمجتمع أمنه وسلامته كما كان يتمتع به من قبل.
نسأل الله تعالى أن يديم علينا نعمة الأمن والإيمان إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..
الخاتمة:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده... وبعد
قد أصبح واضحا من خلال العرض السابق، إن الحياة لا تهنأ بدون أمن، وأنّ المجتمع لا يستقر بدون أمن، وأنّ الحضارة لا تزدهر بغير أمن، فإذا ساد الأمن في المجتمع اطمأنت النفوس، وانصرفت إلى العمل المثمر، فيعم الخير والرخاء عموم العباد والبلاد، وتقل الأزمات والمخاوف والقلاقل، وبالتالي يكون الأمن ضروريا للفرد والأسرة والمجتمع، على حد سواء، وبشكل لا يمكن الفصل بينهم، كما لا يمكن أن يشعر الإنسان بالأمن والطمأنينة في مجتمع تسوده الفوضى، وتنتشر فيه المخاوف، وترتكب فيه الجرائم، ذلك أنّ أمن المجتمع مرتبط بأمن الفرد الذي يعيش فيه، وهذا يفرض على الأسرة أن تتحمل جلّ المسئولية تجاه أمن المجتمع، بغرسه وتنميته في نفوس أفرادها وسيكون مردود ذلك وثمرته عليها وعلى المجتمع.
النتائج:
1-
إنّ تحقق الحاجات النفسية الاجتماعية والأمنية الثقافية والاقتصادية والصحية للناشئة يسهم ببث الطمأنينة والاستقرار في نفوسهم.
2- إن إشباع الأسرة لكل حاجات أبنائها باعتدال وانتظام يترك في نفوسهم عدم التعدي على حاجات الآخرين من أفراد المجتمع مما يسهم في أمنه
3- إن أمن المجتمع لا يتحقق إلا بأمن الأفراد، وأن أمن الأفراد لا يتم إلا في محضن الأسرة، عبر دورها في عملية التطبيع الاجتماعي بنقل القيم التي تتفق مع الواقع الديني والثقافي للمجتمع.
4- إن أفضل وسيلة لنشر الأمن هي تربية الأفراد على العقيدة الصحيحة، وعلى المحبة والتسامح وكظم الغيظ والتواضع للمؤمنين.
5- إنّ الأسرة إذا حققت الأمن الذاتي في أفراد أبنائها فقد حققت الأمن في المجتمع، لأنه عبارة عن أسر متعددة، ينطبع بما تنطبع به أسره.
التوصيات:
1-
ينبغي أن تجعل الأسرة المسلمة تربية أولادها وتنشئتهم التنشئة الصالحة من أولى مهامها ، مطبقة تعاليم الإسلام وشرعه في شتى مجالات حياتها، مدركة أن نجاحها يكمن في إخراج أبناء صالحين تنتفع بهم ويمتد نفعهم إلى الأقارب والمجتمع والإنسانية عامة.
2- أن تبتعد الأسرة عن إرهاب ناشئتها وتخويفهم منذ الصغر ومنعهم من تحقيق مطالبهم عن طريق إشباع رغباتهم لأن توفير الأمن والشعور به منذ الصغر يحدد شخصية الطفل.
3- أن تسعى الأسرة في إيجاد جو يسوده الوئام والتعاطف والتراحم داخل الأسرة لأن الناشئة إذا نشئوا في جو يسوده ذلك تحقق فيهم الأمن والاستقرار وبالتالي حققه في مجتمعهم.
4- إعداد الآباء والأمهات لتحقيق وظائفهم من الوجهة السليمة لأن التربية الأسرية في الوقت الحاضر لم تعد تربية عادية لأن متطلبات الحياة فرضت عليها التطور مما يستدعي حاجة الأسرة إلى فهم التربية الصحيحة بمراحلها المختلفة وفق منهج الإسلام عن طريق دورات منظمة للآباء والأمهات تقوم بها مؤسسات خدمة المجتمع.
5- أن يكون هناك اهتمام أكبر بالأسرة يتعلق بتوجيهها لأنها أصبحت تواجه مشاكل كبيرة في التربية لتعقد الحياة وتبرز مظاهر الاهتمام هذه في إيجاد أسابيع ثقافية تحت عناوين مختلفة مثل الأسرة أولا، الأٍسرة والوطن، من أجل الأسرة، والأسرة والقراءة، الأسرة والتراث وغيرها حتى يكون لها الأثر في تركيز الانتباه نحو ثقافة الأسرة.

مراجع البحث
1. إبراهيم الصرايرة، أمن المجتمع مسئولية مشتركة بين المواطن والأجهزة الأمنية، ضمن محاضرات الموسم الثقافي الثاني، الأردن، جامعة مؤتة سنة 1983م.
2. إبراهيم مصطفى وآخرون، المعجم الوسيط، القاهرة، مجمع اللغة العربية سنة 1960م.
3. ابن ماجة، سنن ابن ماجة، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، سنة 1952م.
4. ابن منظور، لسان العرب، طبعة دار المعارف.
5. أبو حاتم البستي، صحيح ابن حبان، تحقيق محمد عثمان، المدينة المنورة 1970م.
6. أبو داود السجستاني سنن أبي داود، مكتبة ومطبعة مصطفى محمد، د.ت.
7. أبو عيسى محمد بن عيسى، سنن الترمذي، تحقيق إبراهيم عطوة، مطبعة مصطفى البابي الحلي، طبعة 1385هـ..
8. أحمد بن حنبل، المسند، طبعة القاهرة، سنة 1313هـ.
9. أحمد بن شعيب النسائي، سنن النسائي، دار الفكر، بيروت سنة 1987هـ.
10. أحمد بن فارس بن زكريا، معجم مقاييس اللغة، القاهرة، مصطفى البابي الحلبي وأولاده سنة 1389 هـ.
11. أحمد بن محمد، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، بيروت، المكتبة العلمية د. ت.
12. أحمد عمر هاشم، الأمن في الإسلام، مصر، دار المنار للطباعة والنشر، سنة 1406 هـ.
13. أحمد يوسف، أثر العقيدة في تحقيق الأمن النفسي ص17، الفجالة، دار الثقافة للنشر والتوزيع، د.ت.
14. إسماعيل ابن كثير الدمشقي، المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير، للإمام، هذبه جماعة من العلماء بإشراف صفي الرحمن المباركفوري، الرياض، دار السلام للنشر، ط1، 1420هـ.
15. أكرم ضياء العمري، التربية الروحية والاجتماعية في الإسلام، الرياض، دار اشبيليا، سنة، 1417هـ..
16. ب وولمان، مخاوف الأطفال ترجمة محمد الطيب،القاهرة،مكتبة الأنجلوا، ط2 سنة 1991م.
17. باقر شرف القرشي، النظام التربوي في الإسلام، بيروت، دار المعارف للمطبوعات سـنة 1983 م.
18. حامد عبد السلام زهران، علم نفس النمو، القاهرة، عالم الكتب، ط4، سنة 1977م.
19. حسين محمد يوسف، أهداف الأسرة في الإسلام والتيارات المضادة، القاهرة، دار الاعتصام، ط2 سنة 1398 هـ.
20. خليل الجر المعجم العربي الحديث، لاروسي،مكتبة باريس سنة 1973هـ.
21. الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق صفوان عدنان داوودي، دمشق، دار القلم، وبيروت، دار الشامية، ط1 سنة 1412هـ.
22. الزبيدي، تاج العروس، بنغازي، دار ليبيا للنشر والتوزيع 1966 م.
23. عبد الحميد كشك، الأمن في ظل الإسلام، الإسكندرية، المكتب المصري الحديث، 1987 م.
24. عبد الرحمن بن عبد الخالق الغامدي دور الأسرة المسلمة في تربية أولادها في مرحلة البلوغ، الرياض، دار الخريجي، ط1 1418 هـ0
25. عبد العزيز الفوزان، وتحقيق الأمن في الفقه الإسلامي، رسالة علمية مخطوطة لم تنشر نوقشت عــام 1417 هـ.
26. عبد العزيز سليمان الحازمي، أثر الترابط الأسري في تكوين شخصية الشباب، الرياض، الرئاسة العامة لرعاية الشباب، 1415 هـ.
27. عبد العزيز محمد النغيمشي، المراهقون دراسة نفسية إسلامية للآباء والمعلمين والدعاة، الرياض، دار المسلم للنشر والتوزيع،ط2، 1422هـ.
28. عبد الله أحمد قادري، أثر التربية الإسلامية في أمن المجتمع الإسلامي، جدة، دار المجتمع للنشر، ط1 سنة 1409 هـ.
29. عبد الله بن أحمد النسفي، تفسير النسفي، بيروت، دار الكتاب العربي، د.ت.
30. عبد الله خوج وفاروق عبد السلام، الأسرة العربية ودورها في الوقاية من الجريمة والانحراف، الرياض، المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب سنة 1409 هـ.
31. عبد الله عبد المحسن التركي، الأمن في الإسلام وتطبيق المملكة السياسة الجنائية / الرياض، طبع وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف د.ت.
32. عطية صقر، الأسرة تحت رعاية الإسلام، الكويت، مؤسسة الصباح ط 1 1400 هـ.
33. علي بن محمد الجرجاني، التعريفات، تحقيق إبراهيم الأنباري، لبنان دار الكتب العلمية، ط2 سـنة 1412 هـ0
34. عواطف علي سليمان، الأسرة والطفولة في الإسلام، دار التراث العربي، ط1 سنة 1421هـ.
35. فاطمة المنتصر الكتاني، الاتجاهات الوالدية، في التنشئة الاجتماعية وعلاقاتها بمخاوف الذات لدى الأطفال، رام الله، دار الشروق للنشر، د.ت.
36. الفيروز آبادي، القاموس المحيط، بيروت، دار الجيل، د.ت.
37. كافية رمضان، الأسرة وسيط تربوي، ضمن مجموعة أبحاث بعنوان: الأسرة والطفل، الشارقة، دائرة الثقافة والإعلام، ط1 1994م.
38. كوثر محمد المناوي، حقوق الطفل في الإسلام، الرياض، دار الأمل، ط3، سنة 1414 هـ
39. ليلى عبد الرحمن الجريبة، كيف تربي ولدك، الرياض، وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، ط2، 1423هـ.
40. محمد إبراهيم حور، مجموعة أبحاث، الشارقة دائرة الثقافة والأعلام، ط1، سـنة 1994م.
41. محمد بن إسماعيل البخاري صحيح البخاري، مصورة دارالشعب، بيروت1390هـ
42. محمد بن معجوز، أحكام الأسرة في الشريعة الإسلامية ح2 ط سنة 1414هـ د.ت.
43. محمد داوود، الإسلام والزمن المقبل، القاهرة، دار المنار، سنة 1412هـ
44. محمد رشاد خليل، علم النفس الإسلامي العام والتربوي دراسات مقارنة، الكويت، دار القلم، ط1، 1407هـ.
45. محمد عقله، نظام الأسرة في الإسلام، عمان، مكتبة الرسالة الحديثة ط 1 1938 م.
46. محمد فؤاد عبد الباقي، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، استنبول، المكتبة الإسلامية، د.ت.
47. محمود حسن، رعاية الأسرة، الإسكندرية، دار الكتب الجامعية، سنة 1977م.
48. محمود محمد الجوهري، ومحمد خيال، الأخوات المسلمات وبناء الأسرة القرآنية، الإسكندرية، دار الدعوة للطباعة، د.ت.
49. مسلم بن الحجاج القشيري، صحيح مسلم، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، نشر رئاسة البحوث العلمية بالمملكة العربية السعودية، سنة 1400هـ.
50. الموسعة الفقهية، الكويت إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، طباعة ذات السلاسل ط1 سنة 1406 هـ .
51. نادية عبد العزيز الهلالي، أثر الإيمان في تحقيق الأمن وثماره في الدولة السعودية، رسالة علمية للماجستير قدمت إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية كلية أصول الدين قسم العقيدة ونوقشت عام1420 هـ.
52. يوسف البزة أهمية التشريع الإسلامي في حماية الأسرة ورعاية حقوق أفرادها،جامعة الدول العربية،الأمانة العامة، 1406 هـ
53. يوسف القرضاوي، الإيمان والحياة، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط7، سنة 1401هـ
 

ورقة عمل مقدمة لندوة المجتمع والأمن المنعقدة بكلية الملك فهد الأمنية بالرياض من 21/2 حتى 24/2 من عام 1425هـ : د . إدريس بن حامد محمد
http://www.minshawi.com/other/mohammed.htm

التعليقات (0)

اترك تعليق