مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

المكانة الطبيعية للرجل والمرأة في الأسرة حسب تعاليم القرآن الكريم

المكانة الطبيعية للرجل والمرأة في الأسرة حسب تعاليم القرآن الكريم

لقد حثّ الإسلام كلاً من الرجل والمرأة على الزواج، وتأسيس الأسرة وإنشاء علاقة زوجية مشروعة بين الرجل والمرأة المحللة له فقال تعالى: «وَأَنْكِحُوا الأيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ» (النور/ 32).
واعتبر الرسول الكريم محمد(ص) الزواج سنة من أعظم سنن الحياة الاجتماعية في الإسلام، ففي الزواج يحفظ النوع البشري من الانقراض وتبنى الأسرة والمتعاطفة المتعاونة، ويحفظ الإنسان نفسه من الوقوع في المعاصي والعلائق الجنسية المحرمة، لذلك قال(ص): "فمن أحب فطرتي فليستن بسنتي، وإنّ من سنتي التزويج".
إنّ الطبيعة قد صاغت علاقة الزوجين بشكل تكون فيه المرأة متجاوبة مع الرجل –فعلاقة وحب المرأة الأصليين الثابتين إنما يأتيان على شكل رد فعل لتعلق الرجل بالمرأة واحترامه لها. وعلى هذا الأساس، فإنّ علاقة المرأة بالرجل ما هي إلا نتيجة لعلاقة الرجل بالمرأة ومرتبطة بها، أنّ الطبيعة قد سلمت مفتاح محبة الطرفين بيد الرجل فإن هو أحب المرأة وظل وفياً لها، أحبته هي أيضاً ووفت له. فالفارق بين المرأة والرجل، يكمن في أنّ الرجل محتاج إلى شخص المرأة، والمرأة محتاجة إلى قلب الرجل من هذا المنطلق تصبح حماية الرجل ورقة قلبه على درجة عالية من الأهمية بالنسبة للمرأة تجعل الزوج بدونها أمراً لا يمكنها احتماله وعن الرسول محمد(ص): "إنّ من أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم وألطفهم بأهله".
فالحياة الزوجية لا تستقر إلا في ظل المحبة والاحترام والثقة المتبادلة بين الزوجين، وتقضي وصايا الإسلام بأن تتزين المرأة لزوجها كمسألة حتمية وتتفنن في أظهار ما يحببها إليه ولا تسبب له العقد والمشاكل النفسية. كما تقضي بأن يكون الرجل بدوره رفيقاً لزوجته يبدي لها حبه ولا يخفي عنها محبته من خلال تصرفاته وأفعاله ومما يروى إنّ رجلاً جاء إلى رسول(ص) فقال: أنّ لي زوجة إذا دخلت تلقتني، وإذا خرجت شيعتني، وإذا رأتني مهموماً قالت: ما يهمك؟ إن كنت تهتم لرزقك فقد تكفل به غيرك، وإن كنت تهتم بأمر آخرتك فزادك الله هماً.
إنّ العلاقة بين الرجل والمرأة، علاقة أرفع من الشهوة فقد تخيل البعض أنّ الرابط بين الزوجين ينحصر في الطمع والشهوة، ودافع استخدام واستثمار الآخر، كالرابط بين الإنسان والمأكولات والمشروبات والملابس ووسائل النقل. أنّ هؤلاء لا يعلمون إنّ هناك مضافاً إلى حب الذات وطلب المنفعة روابط أخرى في عمق التكوين والطبيعة الإنسانية، إن علاقة الزوجين ليست ناشئة من حب الذات والأنانية.
بل هي علاقة تدفع للتضحية والإيثار، وتحمل المتاعب وطلب سعادة الغير، إنّ هذه العلاقة تعكس إنسانية الإنسان.
لقد تكفل الإسلام بتحصين الأسرة ووضع الدعائم الأساسية لصيانتها، وأحاطها بسياج من العدالة، ففرض على كلا الزوجين حقوق وواجبات، ضماناً لحياتهما من التفكك ووقاية من وقوع الخلافات والمنازعات، فلهذا كل حق يمنح لأحدهما لابدّ أن يؤدى نظيره للآخر.
ولم يكتف الإسلام بوضع الحقوق والواجبات لكل طرف، بل شجع ودعا إلى التسابق في ميدان العمل، والمبادرة إليه والحصول على الجزاء الأوفى من قبل الله سبحانه وتعالى: «وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ» (آل عمران/ 133).
فالشريعة الإسلامية نظمت الأحكام والأخلاق السامية للعلاقة بين الزوجين وحددت بكل منهما حقوقه وواجباته لاستقرار، الحياة داخل الأسرة وحفظ الحقوق الزوجية في الأسرة هو من خلال الحب والانسجام، فمتى ما ساد الحب والانسجام بين الزوجين استطاع كل منهما أن يؤدي ويحفظ حق الطرف الآخر.
وقد روي عن رسول الله(ص) قوله: "أيها الناس إن لنسائكم عليكم حقاً، ولكم عليهنّ حقاً".
فقال رسول الله(ص): "بشرها بالجنة، وقل لها: إنّك عاملة من عمال الله ولك في كل يوم أجر سبعين شهيداً".
ويمكنها أن تحصن حياتها بأساليب عدة، ويجب أن تستند حياتها إلى قاعدة أخلاقية تتمثل فيها كل القيم الرفيعة من صدق وأمانة وتواضع وتسامح ينعكس على سلوكها العام وحياتها الزوجية.
ومن حقوق المرأة على زوجها ستة أشياء:
1-
إنّ الذي يدفعه إليها تعبيراً عن حبه وتقديره وعن تمام رغبته في الزواج بها قال تعالى: «وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً» (النساء/ 4).
2- النفقة والكسوة والسكنى التي تلائمها حسب ما جرى به العرف والعادة.
3- حسن المعاشرة والرعاية حيث يقول القرآن: «وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» (النساء/ 19).
حمايتها من أي اعتداء، والاعتدال في الغيرة عليها.
4- تعليمها أمور الدين فرضاً ونقلاً والاهتمام بتطبيق ذلك على نفسها وأولادها حيث يقول الله في كتابه العزيز: «وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا» (طه/ 132).
5- عدم الإضرار بها في نفس، أو مال، قال تعالى: «وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ» (الطلاق/ 6).
6- العدل في القيم بين الزوجات، إذا كان الرجل متزوجاً بأكثر من واحدة، قال تعالى: «إِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً» (النساء/ 3).
وأما حقوق الرجل على زوجته فهي سبعة أيضاً وهي:
1- القوامة والإشراف على الأسرة، قال تعالى: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ» (النساء/ 34)، وقد يناها الإسلام على الرحمة والمودة وليست بالسيطرة والاستبداد.
2- طاعة الزوجة لزوجها في غير معصية لله تعالى حيث قال عليه الصلاة والسلام: "أيما امرأة ماتت وزوجها راضٍ عنها دخلت الجنة".
3- أن تخص زوجها بزينتها وعطرها قال تعالى: «وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ» (النور/ 31).
4- أن لا تخرج من بيتها إلا بإذن زوجها، قال تعالى: «وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى» (الأحزاب/ 33).
5- وأن لا تأذن لأحد في دخول بيتها إلا بإذن زوجها ورضاه.
6- وأن تحافظ على ماله، وتدبير أمور معايشه.
7- وأن تحافظ على شرفها وعفافها، وتصون لزوجها حرمته، وتعرف له حقه وكرامته قال تعالى: «فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ» (النساء/ 34).
فإنّ للإسلام مساعي وتدابير خاصة ابتدعها للإبقاء على الحياة العائلية من الناحية الطبيعية أي أن تبقى المرأة في مقام المحبوبة والمطلوبة، والرجل في مقام الطالب والمحب وتقديم الخدمة لها، ذلك كله ليسود الصفاء في الحياة الأسرية والتي ينعكس بالمستقبل على الأجيال القادمة.

خصائص الأسرة التي تعيش في ظلال القرآن:

إنّ الأسرة المسلمة التي تريد أن تطبق قوانين الإسلام في الأسرة يجب أن تسودها الأمور التالية وبشكل جيِّد.
1- تبادل المحبة:
ونقصد به تبادل الحب والعطف بين الزوجين من ناحية، وبينهما وبين الأولاد من ناحية أخرى، فهذا الحب المتبادل يجب أن يرقد في قلب كل واحد من أفراد الأسرة، حتى يكون قنديلاً يضيء له دروب الحياة ونبراساً لمسيرته. إنّ الحب المتبادل هو العامل الفعال الذي يدفع كل واحد من أفراد الأسرة إلى أن يتحمل مسؤولياته برحابة صدر فكل واحد يشعر بأنّه سعيد لأنّه يتمتع بعطف الآخرين وحبهم العميق ولهذا فإنّ الإسلام يركز كثيراً على هذه النقطة.. يقول علي(ع): "إنّ الله عزّ وجلّ ليرحم الرجل لشدة حبة لولده".
كما يؤكد الرسول الأعظم(ص) ذلك بقوله: "أحبوا الصبيان وارحموهم لأنّ الحب والرحمة عاملان أساسيان في توطيد العلاقات العائلية".
2- الاحترام المتبادل:
تبادل الاحترام والتوقير والإحسان سواء من جانب الصغير للكبير، أو من جانب الكبير للصغير يزرع بذور الشعور بالشخصية ويوطد العلاقات الأسرية بين الأفراد ويؤكد الرسول الأعظم محمد(ص) على هذه الناحية بقوله: "وقروا كباركم، وارحموا صغاركم".
فالإسلام يحرص دائماً على أن يقيم الأولاد علاقاتهم على أساس العطف والحنان والاحترام والإحسان.. قال تعالى: «وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا« (الإسراء/ 23).
3- إطاعة رب العائلة:
إنّ إطاعة الأب من قبل جميع أفراد العائلة يمثل النقطة المركزية في الأسرة، لأنّه اعرف بحكم تجاربه وثقافته بالمصالح الفردية والاجتماعية لكل واحد منهم وطبيعي أنّ الإسلام يقرر الطاعة للأب في حدود طاعة الخالق ولكن إذا شذ عن حدود العقيدة فلا يجوز للأولاد والزوجة إطاعته في ذلك. قال تعالى: «وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا» (لقمان/ 15).
فالعلاقات العقائدية لا يطاع بها أما علاقات الحب والعطف والود والإحسان فيجب وصلها مع الأب المنحرف عقائدياً وفكرياً لئلا تنهار الأسرة.
4- أداء الأب للنفقة:
لابدّ للأب من الإنفاق على العائلة وتجهيز الملبس والمسكن للزوجة والأولاد في مقابل قيمومته عليهم، فالأب هو كموظف وكلت إليه إدارة مؤسسة العائلة ضمن حقوق وواجبات معيشته فعن رسول الله(ص) يقول: "أوّل ما يوضع في ميزان العبد نفقته على أهله".
كذلك قال رسول الله(ص): "شر الناس المضيق على أهله".
ويقيم الإسلام علاقات الأسرة على أساس وطيد ويرسم لها قوانين ومناهج تلتقي على خط المساواة والعدالة، لكي تغمر السعادة حياتها ولكي تسير نحو ينابيع الهناء والسلامة.
فلا يمكن أن تنعم الأسرة بهذه المزايا ما لم تكن تعيش في ظلال القرآن الكريم.
فالإسلام لا يترك الأسرة تسير حسب الأهواء وتنجرف مع تيار العواطف وإنما يترك لها خطأ واضحاً في كل مجال من مجالاتها، خطا يحافظ على توازن البناء الأسري، خطأ يوثق علاقات الحب، والعطف والحنان، فيما بين أفراد العائلة.
ويبقى القرآن الكريم للإنسان المسلم وللأسرة المسلمة هدى ورحمة فمن ضمن الآيات المتعلقة بالأحكام الشرعية. 70 آيّة تخص الأسرة ووعياً للحياة في كل ساحاتها ومنطلقاتها وقضاياها الكبيرة والصغيرة.. حيث تنطلق منه الأسرة وإليه تعود، تتحرك في كل اتجاه وفي كل موقع لتحرك آياته في كل الدروب التي تعيش فيها.

المصدر: مجلة الطاهرة، العدد 176

التعليقات (0)

اترك تعليق