مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

ولادة السيدة فاطمة بنت أسد للإمام علي(ع)

ولادة السيدة فاطمة بنت أسد للإمام علي(ع)

سبق أنّ الكثير بشّروا بميلاد النبي الأعظم(ص) وأشاروا إلى صفاته وخصاله الحميدة، وكذلك كان الحال بالنسبة لأمير المؤمنين علي(ع)، فقد بشّروا بميلاده الشريف وصرّحوا بعظيم شأنه(ع).
فمّما جاء في الروايات الشريفة أنّ السيّدة فاطمة بنت أسد(ع) قبل أن ترزق ولداً كانت يوماً جالسة مع الفواطم تتحدّث، إذ أقبل رسول الله(ص) بنوره الباهر وسعده الظاهر وقد تبعه بعض الكهّان ينظر إليه، إلى أن أتى إليهنّ فسألهنّ عنه.
فقلن: هذا محمّد ذو الشرف الباذخ والفضل الشامخ.
فأخبرهنّ الكاهن بما يعلمه من رفيع قدره وبشّرهنّ بما سيكون من مستقبل أمره، وأنه سيبعث نبياً وينال منالاً علياً، وقال: إنّ التي تكفله منكنّ في صغره سيكفل لها ولداً يكون عنصره من عنصره، يختصّه بسرّه وبصحبته، ويحبوه بمصادقته وأُخوّته.
فقالت لـه السيّدة فاطمة بنت أسد(ع) أنا التي كفلته وأنا زوجة عمّه الذي يرجوه ويؤمله.
فقال: إن كنت صادقة فستلدين غلاماً علاّماً مطواعاً لربّه هماماً، اسمه على ثلاثة أحرف، يلي هذا النبي في جميع أُموره، وينصره في قليله وكثيره، حتى يكون سيفه على أعدائه وبابه لأوليائه، يفرج عن وجهه الكربات ويجلو عنه حندس الظلمات، تهاب صولته أطفال المهاد، وترتعد من خيفته، لـه فضائل شريفة ومناقب معروفة وصلة منيعة ومنزلة رفيعة، يهاجر إلى النبي في طاعته ويجاهد بنفسه في نصرته وهو وصيه الدافن لـه في حجرته.
قالت أُم علي(ع): فجعلت أُفكّر في هذا القول، فلمّا كان الليل رأيت في منامي كأنّ جبال الشام قد أقبلت تدبّ وعليها جلابيب الحديد وهي تصيح من صدورها بصوت مهول فأسرعت نحوها جبال مكّة وأجابتها بمثل صياحها وأهول وهي كالشرد المحمر وأبو قبيس(1) ينتفض كالفرس ونصال تسقط عن يمينه وشماله والناس يلتقطون ذلك، فلقطت معهم أربعة أسياف وبيضة حديدة مذهبة، فأوّل ما دخلت مكة سقطت منها سيف في ماء فغمر، وطار الثاني في الجو واستمرّ، وسقط الثالث إلى الأرض فانكسر، وبقي الرابع في يدي مسلولاً، فبينا أنا به أصول إذا صار السيف شبلاً فتبيّنته فصار ليثاً مهولاً فخرج عن يدي ومرّ نحو الجبال يجوب بلاطحها(2) ويخرق صلادحها(3) والناس منه مشفقون ومن خوفه حذرون، إذ أتى محمد(ص) فقبض على رقبته فانقاد لـه كالظبية الألوف فانتبهت وقد راعني الزمع(4) والفزع، فالتمست المفسّرين والمخبرين فقالوا: أنت تلدين أربعة أولاد ذكور وبنتاً بعدهم، وإنّ أحد البنين يغرق والآخر يقتل في الحرب والآخر يموت ويبقى لـه عقب والرابع يكون إماماً للخلق صاحب سيف وحق ذا فضل وبراعة يطيع النبي المبعوث أحسن طاعة.
فقالت السيّدة فاطمة: فلم أزل مفكّرة في ذلك ورزقت بني الثلاثة عقيلاً وطالباً وجعفراً ثم حملت بعلي(ع)، فلمّا كان الشهر الذي ولدته فيه رأيت في منامي كأنّ عمود حديد قد انتزع من أُمّ رأسي ثم سطع في الهواء حتى بلغ السماء ثم ردّ إلي فقلت: ما هذا؟
فقيل لي: هذا قاتل أهل الكفر وصاحب ميثاق النصر بأسه شديد يفزع من خيفته وهو معونة الله لنبيه وتأييده على عدوّه.
قالت: فولدت علياً(ع)(5).
ميلاد الإمام علي(ع):

من أكبر فضائل السيدة فاطمة بنت أسد(ع) أن الله اختارها من بين نساء العالمين لتلد مولودها الطاهر في بيته الحرام، حيث استضافها الله تعالى في جوف الكعبة ثلاثة أيام فولدت أمير المؤمنين علياً(ع) في ذلك المكان الطاهر.
روى الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد(ع) عن آبائه(ع) قال: كان العباس بن عبد المطّلب ويزيد بن قعنب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلى فريق عبد العزّى بإزاء بيت الله الحرام إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أمّ أمير المؤمنين(ع) وكانت حاملة بأمير المؤمنين تسعة أشهر وكان يوم التمام.
قال: فوقفت بإزاء البيت الحرام وقد أخذها الطلق فرمت بطرفها نحو السماء وقالت:
أي ربّ إنّي مؤمنة بك وبما جاء به من عندك الرسول وبكل نبي من أنبيائك وبكل كتاب أنزلته، وإنّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل وإنه بنى بيتك العتيق، فأسألك بحق هذا البيت ومن بناه وبهذا المولود الذي في أحشائي الذي يكلّمني ويؤنسني بحديثه وأنا موقنة أنه إحدى آياتك ودلائلك، لما يسّرت عليّ ولادتي.
قال العباس بن عبدالمطّلب ويزيد بن قعنب: لمّا تكلّمت فاطمة بنت أسد ودعت بهذا الدعاء رأينا البيت قد انفتح من ظهره ودخلت فاطمة فيه وغابت عن أبصارنا ثم عادت الفتحة والتزقت بإذن الله تعالى، فرمنا أن نفتح الباب لتصل إليها بعض نسائنا فلم ينفتح الباب، فعلمنا أنّ ذلك أمر من أمر الله تعالى، وبقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيام.
قال: وأهل مكّة يتحدّثون بذلك في أفواه السكك وتتحدّث المخدّرات في خدورهنّ.
قال: فلمّا كان بعد ثلاثة أيام انفتح البيت من الموضع الذي كانت دخلت فيه، فخرجت فاطمة وعلي(ع) على يديها، ثم قالت:
معاشر الناس إنّ الله عزّ وجلّ اختارني من خلقه وفضّلني على المختارات ممّن مضى قبلي، وقد اختار الله آسية بنت مزاحم فإنّها عبدت الله سرّاً في موضع لا يحبّ أن يعبد الله فيها إلاّ اضطراراً، ومريم بنت عمران حيث اختارها الله ويسّر عليها ولادة عيسى فهزّت الجذع اليابس من النخلة في فلاة(6) من الأرض حتى تساقط عليها رطباً جنياً، وإنّ الله تعالى اختارني وفضّلني عليهما وعلى كل من مضى قبلي من نساء العالمين لأنّي ولدت في بيته العتيق وبقيت فيه ثلاثة أيام آكل من ثمار الجنّة وأوراقها، فلمّا أردت أن أخرج وولدي على يدي هتف بي هاتف وقال: يا فاطمة سمّيه علياً، فأنا العلي الأعلى وإنّي خلقته من قدرتي وعزّ جلالي وقسط عدلي واشتققت اسمه من اسمي وأدّبته بأدبي وفوّضت إليه أمري ووقفته على غامض علمي وولد في بيتي وهو أوّل من يؤذّن فوق بيتي ويكسّر الأصنام ويرميها على وجهها ويعظّمني ويمجّدني ويهلّلني وهو الإمام بعد حبيبي ونبيي وخيرتي من خلقي محمد رسولي ووصيه، فطوبى لمن أحبّه ونصره، والويل لمن عصاه وخذله وجحد حقّه.
قال: فلمّا رآه أبو طالب سرّ، وقال لـه علي(ع): السلام عليك يا أبه ورحمة الله وبركاته.
ثم دخل رسول الله(ص)، فلمّا دخل اهتزّ لـه أمير المؤمنين(ع) وضحك في وجهه وقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته.
قال: ثم تنحنح بإذن الله تعالى وقال: «بسم الله الرحمن الرحيم، قد أفلح المؤمنون، الذين هم في صلاتهم خاشعون»(7) إلى آخر الآيات.
فقال رسول الله(ص): قد أفلحوا بك وقرأ تمام الآيات إلى قوله «أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون»(8).
فقال رسول الله(ص): أنت والله أميرهم تميرهم من علومك فيمتارون، وأنت والله دليلهم وبك يهتدون.
ثم قال رسول الله(ص) لفاطمة: اذهبي إلى عمّه حمزة فبشّريه به.
فقالت: فإذا خرجت أنا فمن يرويه؟
قال: أنا أرويه.
فقالت فاطمة: أنت ترويه؟
قال: نعم، فوضع رسول الله(ص) لسانه في فيه، فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً.
قال: فسمّي ذلك اليوم يوم التروية، فلمّا أن رجعت فاطمة بنت أسد رأت نوراً قد ارتفع من علي(ع) إلى عنان السماء، قال: ثم شدّته وقمطته بقماط فبتر القماط.
قال: فأخذت فاطمة قماطاً جيداً فشدّته به فبتر القماط، ثم جعلته في قماطين فبترهما، فجعلته ثلاثة فبترها، فجعلته أربعة أقمطة من رقّ مصر لصلابته فبترها، فجعلته خمسة أقمطة ديباج لصلابته فبترها كلّها، فجعلته ستة من ديباج وواحد من الأدم، فتمطّى فيها، فقطعها كلّها بإذن الله ثم قال بعد ذلك: يا أمة لا تشدّي يدي فإنّي أحتاج أن أبصبص(9) لربّي بإصبعي.
قال: فقال أبو طالب عند ذلك: إنه سيكون لـه شأن ونبأ.
قال: فلمّا كان من غد دخل رسول الله(ص) على فاطمة فلمّا بصر عليّ(ع) برسول الله(ص) سلّم عليه وضحك في وجهه وأشار إليه أن خذني إليك واسقني بما سقيتني الأمس.
قال: فأخذه رسول الله(ص) فقالت فاطمة: عرفه وربّ الكعبة.
قال: فلكلام فاطمة سمّي ذلك اليوم يوم عرفة، يعني أنّ أمير المؤمنين(ع) عرف رسول الله(ص).
فلمّا كان اليوم الثالث وكان العاشر من ذي الحجّة أذّن أبو طالب في الناس أذاناً جامعاً وقال: هلمّوا إلى وليمة ابني علي.
قال: ونحر ثلاثمائة من الإبل وألف رأس من البقر والغنم واتّخذ وليمة عظيمة وقال: معاشر الناس ألا من أراد من طعام علي ولدي فهلمّوا وطوفوا بالبيت سبعاً وادخلوا وسلّموا على ولدي علي فإنّ الله شرّفه، ولفعل أبي طالب شرف يوم النحر(10).
وفي حديث آخر: وضعته أمه بين يدي النبي(ص) ففتح فاه بلسانه وحنكه وأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى، فعرف الشهادتين وولد على الفطرة(11).
من عظمة المولود:
وهذا ما نصّت عليه الأدلّة المتواترة عند العامّة والخاصّة، ولذا فإنّه(ع) كان أعظم ولد أبي طالب وأشرفهم منزلة، ومن هنا فقد أشرنا إلى كيفية ولادته(ع) دون سائر اُخوته، خاصّة أنّ الروايات الشريفة ومصنّفات التاريخ قد أشارت إلى ولادته بالتفصيل، ومن ذلك:
ما رواه جابر بن عبد الله الأنصاري حيث قال: سألت رسول الله(ص) عن ميلاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع)، فقال: إنّ الله تبارك وتعالى خلقني وعلياً من نور واحد قبل أن يخلق الخلق بخمسمائة ألف عام، فكنّا نسبّح الله ونقدّسه، فلمّا خلق الله تعالى آدم(ع) قذف بنا في صلبه واستقررت أنا في جنبه الأيمن وعلي في الأيسر، ثم نقلنا من صلبه في الأصلاب الطاهرات إلى الأرحام الطيّبة، فلم نزل كذلك حتّى أطلعني الله تبارك وتعالى من ظهر طاهر وهو عبد الله بن عبد المطّلب فاستودعني خير رحم وهي آمنة، ثمّ أطلع الله تبارك وتعالى علياً من ظهر طاهر وهو أبو طالب واستودعه خير رحم وهي فاطمة بنت أسد، ثم قال: يا جابر ومن قبل أن وقع علي(ع) في بطن اُمّه كان في زمانه رجل عابد راهب يقال لـه المثرم بن دعيب بن الشيقتام وكان مذكوراً في العبادة قد عبد الله مائة وتسعين سنة ولم يسأله حاجة، فسأله ربّه أن يريه وليّاً لـه، فبعث الله تبارك وتعالى بأبي طالب إليه، فلمّا أن بصر به المثرم قام إليه فقبّل رأسه وأجلسه بين يديه، فقال: من أنت يرحمك الله؟
قال: رجل من تهامة.
فقال: من أي تهامة؟
قال: من مكّة.
قال: ممّن؟
قال: من عبد مناف.
قال: من أي عبد مناف؟
قال: من بني هاشم.
فوثب إليه الراهب وقبّل رأسه ثانياً، وقال: الحمد لله الذي أعطاني مسألتي ولم يمتني حتّى أراني وليّه.
ثم قال: أبشر يا هذا فإنّ العلي الأعلى قد ألهمني إلهاماً فيه بشارتك.
قال أبو طالب: وما هو؟
قال: ولد يخرج من صلبك هو ولي الله تبارك اسمه وتعالى ذكره وهو إمام المتّقين ووصي رسول ربّ العالمين، فإن أدركت ذلك الولد فأقرئه منّي السلام وقل له: إنّ المثرم يقرأ عليك السلام.
فبكي أبو طالب وقال له: ما اسم هذا المولود؟
قال: اسمه علي.
فقال أبو طالب: إنّي لا أعلم حقيقة ما تقوله إلاّ ببرهان بيّن ودلالة واضحة.
قال المثرم: فما تريد أن أسأل الله لك أن يعطيك في مكانك ما يكون دلالة لك؟
قال أبو طالب: اُريد طعاماً من الجنّة في وقتي هذا.
فدعا الراهب بذلك، فما استتمّ دعاؤه حتّى أتى بطبق عليه من فاكهة الجنّة رطبة وعنبة ورمّان، فتناول أبو طالب منه رمّانة ونهض فرحاً من ساعته حتّى رجع إلى منزله فأكلها، فتحوّلت ماء في صلبه فجامع فاطمة بنت أسد فحملت بعلي(ع) وارتجّت الأرض وزلزلت بهم أياماً حتّى لقيت قريش من ذلك شدّة وفزعوا وقالوا: قوموا بآلهتكم إلى ذروة أبي قبيس حتّى نسألهم أن يسكنوا ما نزل بكم وحلّ بساحتكم. فلمّا اجتمعوا على ذروة جبل أبي قبيس فجعل يرتجّ ارتجاجاً حتّى تدكدكت بهم صمّ الصخور وتناثرت وتساقطت الآلهة على وجهها، فلمّا بصروا بذلك قالوا: لا طاقة لنا بما حلّ بنا.
فصعد أبو طالب الجبل وهو غير مكترث بما هم فيه، فقال: أيّها الناس إنّ الله تبارك وتعالى قد أحدث في هذه الليلة حادثة وخلق فيها خلقاً إن لم تطيعوه ولم تقرّوا بولايته وتشهدوا بإمامته لم يسكن ما بكم ولا يكون لكم بتهامة مسكن.
فقالوا: يا أبا طالب! إنّا نقول بمقالتك.
فبكى أبو طالب ورفع يده إلى الله عزّوجلّ وقال: إلهي وسيّدي أسألك بالمحمّدية المحمودة وبالعلوية العالية وبالفاطمية البيضاء إلاّ تفضّلت على تهامة(12) بالرأفة والرحمة، فوالذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لقد كانت العرب تكتب هذه الكلمات فتدعو بها عند شدائدها في الجاهلية وهي لا تعلمها ولا تعرف حقيقتها(13).
فلمّا قربت ولادته أتت السيّدة فاطمة إلى بيت الله وقالت: ربّ إنّي مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب، مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم(ع) فبحقّ الذي بنى هذا البيت وبحقّ المولود الذي في بطني لما يسّرت عليّ ولادتي، فانفتح البيت ودخلت فيه، فإذا هي بحواء ومريم وآسية واُمّ موسى وغيرهن، فصنعن مثل ما صنعن برسول الله وقت ولادته، فلمّا ولد سجد على الأرض يقول: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أنّ محمّداً رسول الله وأشهد أنّ علياً وصي محمّد رسول الله، بمحمّد يختم الله النبوّة وبي تتم الوصية وأنا أمير المؤمنين، ثمّ سلّم على النساء وسأل عن أحوالهن وأشرقت السماء بضيائه، فخرج أبو طالب يقول: أبشروا فقد ظهر ولي الله يختم به الوصيين وهو وصي نبي ربّ العالمين(14).
الحيدرة:
عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) أنه قال يوم خيبر:
كليث غابات شديد قسورة
أنا الذي سمّتني اُمّي حيدرة فإنّ أمير المؤمنين(ع) لمّا ولد سمّته اُمّه (السيّدة فاطمة بنت أسد) أسداً باسم أبيها، فلمّا رجز الإمام علي(ع) يوم خيبر ذكر الاسم الذي سمّته به اُمّه.
وحيدرة اسم من أسامي الأسد، وهي أشجعها، كأنه قال: أنا الأسد(15).
الرسول(ص) يتلقى الأمير(ع):
فور ما ولدت السيدة فاطمة بنت أسد علياً أمير المؤمنين(ع) وخرجت به من الكعبة الشريفة جاء جبرئيل الأمين إلى الرسول(ص)وهنّأه بهذا المولود المبارك وأشار عليه أن يذهب لاستقباله..
فعن رسول الله(ص) -في خبر طويل- قال: لقد هبط حبيبي جبرئيل في وقت ولادة علي(ع) فقال: يا حبيب الله العلي الأعلى يقرأ عليك السلام ويهنّئك بولادة أخيك علي ويقول: هذا أوان ظهور نبوّتك وإعلان وحيك وكشف رسالتك إذ أيّدتك بأخيك ووزيرك وصنوك وخليفتك ومن شددت به أزرك وأعلنت به ذكرك، فقم إليه واستقبله بيدك اليمنى فإنّه من أصحاب اليمين وشيعته الغرّ المحجّلون.
فقمت مبادراً، فوجدت فاطمة بنت أسد اُمّ علي وقد جاء لها المخاض وهي بين النساء والقوابل حولها.
فقال حبيبي جبرئيل: يا محمد نسجف بينها وبينك سجفاً(16) فإذا وضعت بعلي تتلقّاه، ففعلت ما أمرت به. ثم قال لي: اُمدد يدك يا محمّد، فمددت يدي اليمنى نحو اُمّه فإذا أنا بعلي على يدي واضعاً يده اليمنى في اُذنه اليمنى وهو يؤذّن ويقيم بالحنيفية ويشهد بوحدانية الله عزّوجلّ وبرسالاتي، ثم انثنى إليّ وقال: السلام عليك يا رسول الله.
ثم قال لي: يا رسول الله اقرأ؟
قلت: اقرأ فو الذي نفس محمد بيده لقد ابتدأ بالصحف التي أنزلها الله عزّوجلّ على آدم، فقام بها ابنه شيث فتلاها من أول حرف فيها إلى آخر حرف فيها حتى لو حضر شيث لأقرّ لـه أنه أحفظ لـه منه، ثم تلا صحف نوح، ثم صحف إبراهيم، ثم قرأ توراة موسى حتى لو حضر موسى لأقرّ لـه بأنه أحفظ لها منه، ثم قرأ زبور داود حتى لو حضر داود لأقرّ بأنه أحفظ لها منه، ثم قرأ إنجيل عيسى حتى لو حضر عيسى لأقرّ بأنه أحفظ لها منه، ثم قرأ القرآن الذي أنزل الله عليّ من أوّله إلى آخره، فوجدته يحفظ كحفظي لـه الساعة من غير أن أسمع منه آية.
ثمّ خاطبني وخاطبته بما يخاطب الأنبياء الأوصياء(ع) ثم عاد إلى حال طفوليته وهكذا أحد عشر إماماً من نسله، فلِمَ تحزنون وماذا عليكم من قول أهل الشك والشرك؟
بالله هل تعلمون أنّي أفضل النبيين وأنّ وصيي أفضل الوصيين وأنّ أبي آدم لمّا رأى اسمي واسم علي وابنتي فاطمة والحسن والحسين وأسماء أولادهم(ع) مكتوبة على ساق العرش بالنور، قال: إلهي وسيدي هل خلقت خلقاً هو أكرم عليك منّي؟
فقال: يا آدم لولا هذه الأسماء لما خلقت سماء مبنية ولا أرضاً مدحيّة ولا ملكاً مقرّباً ولا نبياً مرسلاً ولا خلقتك يا آدم.
فلمّا عصى آدم ربّه وسأله بحقّنا أن يتقبّل توبته ويغفر خطيئته فأجابه، وكنّا الكلمات تلقّاها آدم من ربّه عزّوجلّ فتاب عليه وغفر لـه، فقال لـه: يا آدم أبشر فإنّ هذه الأسماء من ذريتك وولدك، فحمد آدم ربّه عزّوجلّ وافتخر على الملائكة بنا، وإنّ هذا من فضلنا وفضل الله علينا.
فقام سلمان ومن معه وهم يقولون: نحن الفائزون، فقال رسول الله(ص): أنتم الفائزون ولكم خلقت الجنة ولأعدائنا وأعدائكم النار(17).

الهوامش:
1- أبو قبيس: هو اسم الجبل المشرف على مكّة، (معجم البلدان) للحموي: ج1 ص80
2- بلاطح: أتباع، (تاج العروس): ج2 ص183.
3- صلدح: هو الحجر العريض، كتاب (العين) مادّة صلدح.
4- الزمع: أي التعب والدهش، (مجمع البحرين) مادّة زمع.
5- راجع كنز الفوائد: ج1 ص252.
6- الفلاة: الأرض التي لا ماء فيها ولا أنيس، (لسان العرب) مادّة فلو.
7- سورة المؤمنون: 1-2.
8- سورة المؤمنون: 10-11.
9- البصبصة: هي أن ترفع سبّابتيك إلى السماء وتحرّكهما وتدعو، (مجمع البحرين) مادّة بصبص.
10- الأمالي للطوسي: ص706 المجلس23 ح1511.
11- بحار الأنوار: ج35 ص18 ب1 ضمن ح14.
12- تهامة: اسم مكّة، كتاب (العين) مادّة تهم.
13- بحار الأنوار: ج35 ص10.
14- مناقب آل أبي طالب: ج2 ص172.
15- راجع بحار الأنوار: ج39 ص14.
16- سجف: أي الستر، (لسان العرب) مادّة سجف.
17- بحار الأنوار: ج35 ص19 ح15.

المصادر:

http://alshirazi.com
http://al-shia.org

التعليقات (0)

اترك تعليق