من الشارقة إلى أرض الأنبياء والصالحين
من الشارقة إلى أرض الأنبياء والصالحين
من دولة الإمارات العربية المتحدة، ومن إمارة الشارقة تلك المدينة المعروفة بالقيم الأصيلة والموروث التاريخي والثقافي الممتزج بالحداثة أقبلت إلى مدينة النجف الأشرف، مدينة الأنبياء والصالحين، مدينة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)، ومركز العلم والعلماء، أقبلت تلك الأسرة الموالية لأهل البيت (عليهم السلام) وكلها أمل وشوق في قضاء حاجاتها، وصلت وهي تحمل هموماً ودعوات وحوائج تنشد قضائها عند باب مدينة علم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إنها أسرة الفتاة (دعاء عبد الكريم السهلاني).
تلك الفتاة ذات الربيع التاسع عشر التي أصيبت بمرض أجلسها على كرسي متحرك، ذلك الكرسي المخصص للمعاقين ممن تكون حالته حرجة، وهذا ما أصاب تلك الفتاة المسكينة إذ إنها أصيبت بالشلل، ثم ما لبثت أن لازمت ذلك الوضع وأصبحت حبيسته..
لم تهدأ سكينة أسرة عائلة (دعاء)، ولم يغمض لها جفن، وهي تشاهد ابنتها الغالية وهي طريحة الفراش، فترددوا على كثير من الأطباء وسافروا إلى بلدان عدة المعروفة بتقدم مجالها الطبي والعلمي عموماً، ولكن دون جدوى، فالشفاء أصبح مستحيلاً بسبب عدم تشخيص حالتها المرضية، ومعرفة الأسباب التي أدت إلى وصول (دعاء) إلى ما وصلت إليه..
أيقنت هذه الأسرة الموالية أن الشفاء في صالات الأطباء قد انعدم، ويئست من مراجعتهم والتداوي بدوائهم، ولكنها لم تيأس من رحمة الباري عز وجل، فأيقنت أن الشفاء موجود عند أهل بيت الرحمة (عليهم السلام)، فعزمت على القدوم قاصدين أرض الأنبياء والصالحين في النجف الأشرف وكربلاء المقدسة، فغادروا ديارهم وهم واثقون ممن سيفدون عليهم، وذكر الله تعالى قد لازم ألسنتهم، وانغمست فيه أفئدتهم، حتى وصلوا بلاد النهرين، وعبروا حدود المكان والزمان، والاشتياق للوصول إلى مرقد سيد الأوصياء وأبا الحسنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) هي غايتهم الأولى التي رسمت في عيونهم..
وصلوا إلى المكان المقصود، فتلاحت تلك القبة الشامخة لمولى الموحدين، تهافتت قلوبهم نحو المرقد الطاهر، فتحركوا بخشوع ونفس مطمئنة، والأب قد تناول بأذرع الكرسي وهي يدفعه إلى الإمام وعيونه قد تعلقت بتلك القبة الشامخة التي أشارت من بعيد إلى مثوى ولي الله في أرضه، ومنبع الحكمة، ومهوى أفئدة المؤمنين، تباطأت الخطوات وهي تمتزج بتسبيح الله تعالى والتمجيد له، والدعاء والتوسل طبع على شفاه الأسرة المألومة حتى وصلت إلى أبواب المرقد العلوي المطهر، ودخلت إلى ساحة اللطف الإلهي، فارتمت في بحر الرحمة الإلهية، وباب المغفرة، تحرك الأب وهو يدفع ابنته بخطوات متسارعة فوصلوا إلى محطتهم الأخيرة، الضريح الطاهر لأمير المؤمنين(عليه السلام)، لتبث (دعاء) شكواها بنفسها، وتتوسل بإمامها وملاذها بأن ينجيها من الشدة التي وقعت بها، كل هذا وعيني والداها تلاحقها في حركاتها وسكناتها، وهو في عالم آخر، عالم بعيد عن الماديات، وتتجلى فيه الكمالات الإنسانية، فتجري الدموع من غير إرادة، كقطع الثلج، دموع ممزوجة بالوقار وطمأنينة القلب، فلم تمضي سوى ساعة من الزمن، حتى تعالت أصوات التكبير والتمجيد المتعالية قرب الضريج المطهر، فينتبه الأب إلى من حوله ويشاهد ابنته قد وقفت على قدميها وهي تتمسك بشباك الضريح المطهر وهي تجهش بالبكاء، تعلّق الأب بالشباك المطهر واحتضن ابنته، وهو يرفع صوته بالتكبير والتهليل والحمد لله تعالى على هذه النعمة الكبيرة التي انعمها الباري عز وجل، وبعد أن ازدحم الزائرين على (دعاء) وأبيها، أخذ الأب بيد ابنته وعزم على مغادرة الضريح المطهر بالرغم من تعلّق قلوبهم بالنفحات القدسية للضريح المطهر، وبعد ابتعادهم خطوات من باب الإيوان الذهبي وهم يهمون بالخروج إلى باحة الصحن الشريف، تعالى صوات أذان الظهر في الصحن الحيدري الشريف، فاختارت (دعاء) أن تكون صلاتها بالقرب من باب المقدس الأردبيلي، ولكن صلاتها هذه المرة هي الصلاة نفسها التي كانت تأتيها قبل أن تمرض مرضها الأخير، إذ وقفت على قدميها وتوجهت إلى جهة الكعبة المشرفة ورددت تكبيرات الدخول للصلاة وصلت صلاة الظهر والعصر ثم ركعتي الزيارة، بعد ذلك سجدت شكراً لله تعالى على نعمة شفائها ببركة مولى الموحدين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).
المصدر: مع أريج الفائزين بكرامات أمير المؤمنين، علاء حيدر المرعبي.
اترك تعليق