مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

في حالات مريم بنت عمران(ع) والسيدة الزهراء(ع)

في حالات مريم بنت عمران(ع) والسيدة الزهراء(ع)

إعلم أن من البديهي الذي لا يحتاج إلى برهان، أن صفوة النسوان من نوع بني الإنسان إنما هما مريم ابنة عمران وفاطمة الزهراء(ع) بنت نبي آخر الزمان. وإن مريم هي أول من دعيت بالبتول والعذراء، فطابق اسمها المسمى، فاشتغلت بالعبادة وخدمة بيت المقدس، فذاع صيتها، وطبق الخافقين خبر حسنها وجمالها، فاستغنى المحراب عن السراج بنور وجهها، وحدثتها الملائكة تحديثا، وهي زوجة رسول الله في الآخرة، وقد اصطفاها الله وخاطبها، وفي النصارى(1) من جعلها أحد الأقانيم الثلاثة -يعني الأب (الله)، والإبن (عيسى)، وروح القدس (مريم)- فجعلها جزءا من علة العلل، والسبب الأول الذي وجدت به الموجودات، فردهم الله جل وعلا في قوله تعالى «والذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة»(2).
وكانت مريم محترمة غاية الاحترام عند قومها لأنها كانت بنت إمامهم وصاحب فرقانهم، وأحد رؤساء بني إسرائيل في قدس الخليل ومن أبناء ملوكهم من بني ماثان، لذا فقد اهتموا بها، وتخاصموا في كفالتها، وتنازعوا في أمرها «أيهم يكفل مريم»(3).
وكانت مريم ذات ملكات كريمة ميزتها عن الآخرين، وكان أعظم تلك الملكات وأقومها: العصمة والعفة والاصطفاء والعفاف، ولم يكن ثمة امرأة معصومة قبل مريم، وكأن اصطفاءها وعصمتها كان دليلا وبرهانا مقدما على عصمة العصمة الكبرى فاطمة الزهراء(ع)، كما أن بقاء النبي الخضر(ع) كان آية عظمى على إثبات وجود آية الله العظمى المهدي أرواحنا له الفداء. وإنا وإن كنا قد تحدثنا في ما مضى عن هذا الموضوع -أثناء الحديث عن معنى «مريم الكبرى» ضمن ألقاب السيدة فاطمة الزهراء(ع)- إلا أننا سنتحدث هنا أيضا بمقتضى المقام عما ورد في الكتاب والسنة، وسنسلك طريق الإيجاز والإجمال لئلا يحصل الملل. والأفضل أن نبدأ الكلام بقوله تعالى في سورة آل عمران: «إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين * يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين»(4). ففي علل الشرائع عن الصادق(ع) قال: «سميت فاطمة محدثة لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران، فتقول يا فاطمة (إن الله اصطفاك... إلى آخر الآية) فتحدثهم ويحدثونها، فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إن مريم كانت سيدة عالمها، وإن الله جعلك سيدة عالمك وعالمها وسيدة نساء الأولين والآخرين»(5). وقد مر الكلام عن هذا الحديث في معنى «المحدثة»، ولكننا ذكرناه هنا تبركا وتيمنا، وسنقصر الكلام هنا على تكرار كلمة «اصطفاك» ومعنى «التطهير». فنقول بعون الله وعصمته: ذكر المفسرون في سبب تكرار الاصطفاء كلاما مفصلا نذكره على نحو الإجمال: ففي تفسير الصافي: «... الاصطفاء الأول: تقبلها من أمها، ويشهد له قوله تعالى: «فتقبلها ربها بقبول»(6) ولم تقبل قبلها أنثى وتفرغ للعبادة وتغني برزق الجنة عن الكسب، وتطهر عما يستقذر من النساء. والثاني: هدايتها وإرسال الملائكة إليها وتخصيصها بالكرامات السنية، كالولد من غير أب، وتبرأتها عما قذفته اليهود بإنطاق الطفل، وجعلها وابنها آية للعالمين(7).
وفي المجمع عن الباقر(ع) معنى الآية: «اصطفاك من ذرية الأنبياء، وطهرك من السفاح، واصطفاك لولادة عيسى من غير فحل»(8).
وذكر الفخر الرازي -خطيب الري- في التفسير الكبير في ذيل الآية من سورة آل عمران وجوها في سبب تكرار الاصطفاء قال: «... ولا يجوز أن يكون الاصطفاء أولا من الاصطفاء الثاني، كما أن التصريح بالتكرار غير لائق ...» وقال: «أما النوع الأول من الاصطفاء فهو أمور:
أحدها: أنه تعالى قبل تحريرها مع أنها كانت أنثى، ولم يحصل مثل هذا المعنى لغيرها من الإناث.
وثانيها: قال الحسن: إن أمها لما وضعتها ما غذتها طرفة عين، بل ألقتها إلى زكريا، وكان رزقها يأتيها من الجنة.
وثالثها: إنه تعالى فرغها لعبادته، وخصها في هذا المعنى بأنواع اللطف والهداية والعصمة.
ورابعها: إنه كفاها أمر معيشتها، فكان يأتيها رزقها من عند الله تعالى على ما قال الله تعالى «أنى لك هذا قالت هو من عند الله»(9).
وخامسها: إنه تعالى أسمعها كلام الملائكة شفاها، ولم يتفق ذلك لأنثى غيرها.
فهذا هو المراد من الاصطفاء الأول.
وأما التطهير ففيه وجوه:
أحدها: إنه تعالى طهرها عن الكفر والمعصية، فهو كقوله تعالى في أزواج النبي(ص) «ويطهركم تطهيرا»(10). «ولا يعتمد على كلام الفخر هذا(11) لأن بطلانه بديهي واضح».
وثانيها: إنه تعالى طهرها عن مسيس الرجال.
وثالثها: طهرها عن الحيض. قالوا: كانت مريم لا تحيض.
ورابعها: وطهرها من الأفعال الذميمة والعادات القبيحة.
وخامسها: وطهرها عن مقالة اليهود وتهمتهم وكذبهم.
وأما الاصطفاء الثاني: فالمراد إنه تعالى وهب لها عيسى(ع) من غير أب، وأنطق عيسى حال انفصاله منها، حتى شهد بما يدل على براءتها عن التهمة، وجعلها وابنها آية للعالمين، فهذا هو المراد من هذه الألفاظ الثلاثة»(12).
ثم ذكر كلاما سخيفا نرجح عدم التعرض له، فهو خرافات فخرية ومموهات خيالية رازية.
وقال حسن بن محمد النيشابوري في تفسير «غرائب القرآن»:
الاصطفاء ثلاثة: اصطفاء على غير الجنس، واصطفاء على الجنس، واصطفاء على غير الجنس وعلى الجنس.
أما الأول فمثل اصطفاء آدم(ع)، قال تعالى: «إن الله اصطفى آدم»(13) فإن آدم خلق ولم يكن غيره حتى يصطفى عليه.
أما الثاني فمثل قوله تعالى «يا موسى إني اصطفيتك على الناس»(14) حيث اصطفاه على الناس، وقوله تعالى «اصطفاك على نساء العالمين»(15) حيث اصطفاها من نساء العالمين.
أما الثالث: فمثل اصطفاء النبي(ص)، حيث اصطفاه على البشر وغيرهم بمفاد «لولاك لما خلقت الأفلاك»(16)، وقوله «آدم ومن دونه تحت لوائي»(17)، فهو أفضل وأشرف المخلوقات.
وقال الفخر الرازي في تفسيره المذكور: «وهذه الآية -أي قوله تعالى «اصطفاك على نساء العالمين»- دلت على أن مريم(ع) أفضل من الكل، وقول من قال: المراد أنها مصطفاة على عالمي زمانها فهذا ترك الظاهر»(18). أما اصطفاء فاطمة الزهراء(ع) فإني أرجع فيه إلى مذهب أهل البيت(ع) وأخبارهم «وأهل البيت أدرى بالذي فيه». وقد اتفق الفريقان شيعة وسنة على أن النبي(ص) أفضل من العالمين طرا من الملك إلى الملكوت، ومن عالم الغيب والشهود، من البشر وغيرهم، وكذا أمير المؤمنين(ع) بدليل آية المباهلة والأخبار المعتبرة، أما فاطمة الزهراء -صلوات الله عليها- فهي مشمولة بالأحاديث والأخبار الواردة عموما في اصطفاء الخمسة الطيبة، إضافة إلى ما ورد في اصطفائها خاصة على العالمين، وظواهر الأخبار والآثار، وخصوصا الحديث المتفق عليه عند الفريقين أن «فاطمة بضعة مني»(19)، وأيضا «فاطمة مني»(20) وأيضا «فاطمة روحي ونفسي وفؤادي»(21) ونظائرها من الأخبار النبوية والآثار المصطفوية المشحونة في كتب الخاصة والعامة. ففاطمة الزهراء(ع) هي الجزء الأعظم والركن الأقوم في الوجود النبوي الشريف، وللجزء حكم الكل البتة، فإذا كان العقل الكل أشرف المخلوقات، ففاطمة أيضا كذلك; لأنها الجزء الأقرب والبضعة الألصق، بل هي الجزء الأشرف في الوجود النبوي المقدس، ففاطمة ليست أفضل من نساء العالمين من الأولين والآخرين فقط، وإنما هي أفضل من رجال العالمين، بل أفضل من الكمل والمرسلين والملائكة المقربين.
وأما ما ذكره الرازي من أن ظاهر قوله تعالى «واصطفاك على نساء العالمين» يدل على اصطفائها على نساء العالمين من الأولين والآخرين، فإنما أراد بذلك تفضيل مريم(ع) على فاطمة وغيرها من نساء العالمين، وهو قول متروك، ولم يذكره غيره من مفسري السنة كالزمخشري والبيضاوي والنيشابوري وغيرهم في كتبهم في تفضيل فاطمة(ع) على نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي كثيرة منها: عن ابن عباس في حديث طويل في ذكر فضائل أمير المؤمنين(ع) قال(ص): «فأما ابنتي فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين... إن فاطمة بضعة مني، وهي نور عيني وثمرة فؤادي وروحي التي بين جنبي، وهي حوراء إنسية...»(22) إلى آخر الحديث.
وقال(ص): «مريم سيدة نساء عالمها، وفاطمة(ع) سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وإنها عديلة مريم»(23). ولما كان نبينا أفضل الأنبياء، ووصي نبينا أفضل الأوصياء، وأسباطه أفضل الأسباط، وكتابه أشرف الكتب السماوية، ودينه وشريعته أفضل الأديان والشرائع، وزمانه أفضل الأزمنة، وأمته أشرف الأمم; فلا بد أن تكون سيدة نساء عالمه أيضا أفضل نساء العالمين طرا.
وعلى ما هو المعلوم، فإن اصطفاء مريم(ع) كان لخصائص معدودة ومحصورة -كما بينا ذلك في معنى الاصطفاء- بينما اصطفاء الزهراء على نساء العالمين عامة، وعلى مريم خاصة كان لصفات وخصائص خارجة عن حد الحصر والإحصاء. بل إن فاطمة(ع) جمعت ما كان عند مريم من خصال وزيادة، فإذا فضلت على مريم، فتفضيلها على الآخرين -رجالا ونساء- أولى بالبيان الذي مر. ويرد قول الفخر الرازي أيضا في تفضيل مريم على نساء العالمين وعلى فاطمة بظاهر الآية المباركة «اصطفاك على نساء العالمين» بقوله تعالى «إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم على العالمين»(24)، فلا شك أن آدم ونوح لم يكونا مصطفيين على العالمين مع وجود النبي(ص).
وقال صاحب تفسير روح البيان: «المراد من العالمين إصفاء كل واحد على عالمه وفي زمانه، أي اصطفى كل واحد منهم على عالمي زمانه من عالم البر والبحر، والأرض والسماء».
ومن المناسب أن نقارن بين حالات مريم(ع) وحالات فاطمة الزهراء(ع) ونذكر ما اتفقتا فيه، وما فاقت فيه فاطمة(ع) مريم(ع)خمسون موردا من موارد التساوي بين فاطمة(ع) ومريم(ع):
الأول: كان عمران أبو مريم نبيا(25)، وفاطمة الزهراء(ع) بنت خاتم الأنبياء وأفضلهم.
الثاني: خلق الله مريم(ع) من النفخة وروح القدس، وخلق فاطمة الزهراء(ع) من فواكه الجنة والعرق المطهر لجبرائيل وما انتزعه من الصلب الطاهر المقدس لرسول الله(ص).
الثالث: تحدثت مريم(ع) في رحم أمها حنة -كما في روايات العامة وبعض روايات الخاصة- وكذلك كانت فاطمة تتحدث دائما في رحم أمها خديجة الطاهرة.
الرابع: كانت مريم عابدة حقا وخادمة لبيت الله، وكانت فاطمة الزهراء عابدة تقوم في محرابها فتؤدي حق العبودية كما ينبغي.
الخامس: نذرت أم مريم ما في بطنها محررا، وكذا فعلت خديجة الطاهرة كما مر في الحديث سابقا.
السادس: أنجى الله مريم من مكائد نساء اليهود، كما أنجى فاطمة(ع) من مكائد نساء اليهود وغيرهن.
السابع: طهر الله مريم، كما طهر فاطمة وآتاها العصمة.
الثامن: عد النبي(ص) مريم في النساء الكمل، وسمى فاطمة الزهراء(ع) «الكاملة».
التاسع: قال صاحب روح البيان: الظاهر أن مريم ولدت وأبوها ميت، لذا سمتها أمها (إني سميتها مريم)، وإلا فالأولوية في تسمية الأولاد لأشرف الأبوين وهو الأب، أما فاطمة الزهراء فأبوها(26) الذي سماها وهذا شرف فوق شرف.
العاشر: دعت أم مريم أن يتقبل الله منها «الأنثى» بدل الذكر، فتقبلها ربها بقبول حسن، كما تقبل فاطمة الزهراء(ع) -بناء على الآيات والأخبار- بقبول حسن.
الحادي عشر: كافل مريم زكريا النبي، وكافل فاطمة رسول الله(ص).
الثاني عشر: روى أهل السنة في ذيل قوله تعالى «وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم»(27) عن النبي(ص) قال: «ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل (أي يصرخ) من مسه إلا مريم وابنها»(28).
وقد ولدت فاطمة(ع) ضاحكة مستبشرة في محضر الخيرات الحسان ومع هذه المنح الإلهية العميمة كيف يجرؤ الشيطان على الإقتراب من المولود الشريف ذي المحتد المنيف؟!
الثالث عشر: ولدت مريم في بيت المقدس، وولدت فاطمة(ع) في مكة المعظمة.
الرابع عشر: سكنت مريم في غرفة من غرف بيت المقدس، وسكنت فاطمة(ع) في حجرة من حجر النبوة ومهد الرسالة والطهارة(29).
الخامس عشر: قال تعالى في حق مريم(ع) «وأنبتها نباتا حسنا».
قال بعضهم: النبات الحسن النمو السريع أكثر من المعتاد في غيرها، كما في تفسير النيشابوري: «تنبت في اليوم مثل ما ينبت المولود في عام; وقيل: المراد نماؤها في الطاعة والعفة والصلاح والسداد». ومر في نمو فاطمة(ع) أنها كانت تنمو في اليوم ما ينمو غيرها في أسبوع أو في شهر.
السادس عشر: كان رزق مريم يأتيها من الجنة «كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب»(30).
وجاءت الروايات الصحيحة بنزول المائدة من السماء بألوان الطعام في عدة مرات على فاطمة(ع)، حتى قال لها النبي(ص): «الحمد لله الذي جعلك شبيهة مريم بنت عمران»(31).
وفي تفسير النيشابوري: «كما روي عن النبي(ص) أنه جاع في زمن قحط، فأهدت فاطمة رغيفين وبضعة لحم آثرته بها فرجع إليها، وقال الراوي: فكشف عن الطبق فإذا هو مملو خبزا ولحما، فبهتت وعلم أنها نزلت من عند الله، فقال النبي(ص): أنى لك هذا؟ فقالت: «هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب» فقال: «الحمد لله الذي جعلك شبيهة سيدة نساء بني إسرائيل». ثم جمع رسول الله(ص) علي بن أبي طالب والحسن والحسين وجمع أهل بيته حتى شبعوا، وبقي الطعام كما هو فأوسعت فاطمة على جيرانها»(32).
السابع عشر: كانت الملائكة تحضر عند مريم وتكلمها مشافهة كما هو المعلوم من ظاهر الآية; وروي في فاطمة(ع) أن الملائكة كانت تناديها «يا فاطمة إن الله اصطفاك... إلى آخرها».
الثامن عشر: عبدت مريم حتى تورمت قدماها، وورد في فاطمة أيضا «فتورمت قدماها من كثرة العبادة».
التاسع عشر: كانت مريم بتولا من بين النساء، واتفق الفريقان على أن فاطمة أيضا كانت بتولا.
العشرون: بشر الله مريم بعيسى(ع) وسماه «كلمة»; قال تعالى: «إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين»(33); كما أنه بشر فاطمة الزهراء(ع) بالكلمات الحقة والحقائق المقدسة للمعصومين(ع)، كذا في التفاسير والأخبار المعتبرة المعتمدة.
الحادي والعشرون: مريم لم يمسها بشر بمفاد قوله تعالى «ولم يمسسني بشر كذلك الله يخلق ما يشاء»(34); وكذلك نطفة فاطمة الزهراء(ع) ونورها الأنور لم يمس صلبا ولا رحما، خلا الصلب المقدس لرسول الله(ص) ورحم خديجة الكبرى.
الثاني والعشرون: كان عمر مريم قصيرا بالنسبة إلى النساء الأخريات، وكذلك كانت فاطمة(ع) حيث لم تعش طويلا في هذه الدنيا; ورواية حياة القلوب وجنات الخلود في طول عمر مريم مرسلة.
الثالث والعشرون: صبرت مريم على أذى النساء اللائمات واللاغيات; وكذا صبرت الزهراء(ع) على أذى بعض أمهات المؤمنين وغيرهن.
الرابع والعشرون: كانت مريم معصومة; وكذا كانت الزهراء معصومة أيضا.
الخامس والعشرون: رأت مريم جبرئيل بالحاسة الباصرة «فتمثل لها بشرا سويا»(35)، وفاطمة الزهراء(ع) أذنت له بالدخول تحت الكساء، إضافة إلى مشاهدتها له في المرات الأخرى.
السادس والعشرون: خرجت مريم من البيت المقدس إلى كربلاء «فأجائها المخاض إلى جذع النخلة»(36)، وفاطمة الزهراء(ع) خرجت من مكة المكرمة إلى المدينة الطيبة.
السابع والعشرون: مريم(ع) غسلها عيسى(ع)، وفاطمة الزهراء(ع) غسلها أمير المؤمنين(ع); وقال الإمام(ع): «المعصومة لا يغسلها إلا معصوم والصديقة لا يغسلها إلا صديق»(37).
الثامن والعشرون: عن ابن عباس: إن مريم لما بلغت تسع سنين لم يكن مثلها قط في العبادة والزهد وترك الدنيا(38); وكذلك كانت فاطمة(ع) لم يدانيها أحدا من النساء في العبادة وهي في تلك السن.
التاسع والعشرون: كانت مريم مستجابة الدعوة، وكانت فاطمة(ع) معصومة مستجابة الدعوة.
الثلاثون: لا توجد امرأة تحترم بين النصارى كما تحترم مريم(ع)، وكذا لا توجد امرأة كفاطمة الزهراء(ع) محترمة عند الأمة المرحومة وعند أهل السنة.
أما ما فضلت فيه فاطمة الزهراء(ع) وتميزت به على مريم فهو كثير; ونشير إجمالا إلى جملة منه. وفضائلها(ع) نوعان ذاتية وخارجية:
الأول:
إبداع نور فاطمة(ع) في بدو الإيجاد، وليست لمريم هذه الفضيلة.
الثاني: تجليات فاطمة(ع) في الملكوت الأعلى ومكاشفات الأنبياء.
الثالث: ما خلق الله لفاطمة(ع) من السماوات وغيرها.
الرابع: فخامة نسبها الذي لم يكن لأحد قط، حتى لمريم(ع).
الخامس: كفالة النبي(ص) لها، وهو أفضل وأشرف من زكريا.
السادس: حضرت في ولادتها(ع) مريم ومعها النساء الأخريات، ولم يحضرن في ولادة مريم(ع).
السابع: إقرارها بالشهادتين وتكلمها بعد الولادة.
الثامن: ملأ نورها عند الولادة مكة والحجاز والمشرق والمغرب والسماوات.
التاسع: ولدت مريم ولدا شرفت به، وولدت فاطمة ولدين شرفا بها، وسيقتدي ولد مريم بآخر أولاد فاطمة الزهراء(ع).
العاشر: تبعل فاطمة(ع) أفضل من عدم تبعل مريم(ع) «وإن مثل عيسى عند الله كمثل آدم» فليس لمريم بعلا كأمير المؤمنين(ع).
الحادي عشر: كانت فاطمة(ع) عالمة بما كان وما يكون، ولم تكن مريم كذلك.
الثاني عشر: أمرت مريم بتمريض فاطمة(ع) عند احتضارها.
الثالث عشر: حضر عند فاطمة(ع) جبرئيل وميكائيل ومواكب الملائكة.
الرابع عشر: الذرية النبوية التي صارت أوتادا للأرض من فاطمة الزهراء(ع)، ولم يكن لمريم(ع) ذرية على وجه الأرض بعد عيسى(ع).
الخامس عشر: كان لفاطمة(ع) مصحف، ولم يكن لمريم(ع) مصحف.
السادس عشر: لفاطمة(ع) الرجعة، ولم يرو ذلك لمريم(ع).
السابع عشر: لفاطمة(ع) الشفاعة وهي أعظم الفضائل وأشرف الوسائل، وليس ذلك لمريم ولا حتى للأنبياء.
الثامن عشر: مقام فاطمة الزهراء(ع) في حظيرة القدس، وهو مقام خاص بالخمسة الطاهرة.
التاسع عشر: فاطمة الزهراء(ع) هي التي تختار المواهب والعطايا لنساء الجنة.
العشرون: لفاطمة(ع) وأبناءها جنة خاصة ومقام خاص لا يشاركها فيه أحد من نساء العالمين.


الهوامش:
(1) وهم طائفتي النسطورية والملكانية. (من المتن).
(2) المائدة: 73.
(3) آل عمران: 44.
(4) آل عمران: 42 - 43.
(5) بحار الأنوار 14/ 206 ح 23 باب 16.
(6) آل عمران: 37.
(7) تفسير الصافي 1/ 335.
(8) بحار الأنوار 14/ 193 ح 2 باب 16.
(9) آل عمران: 37.
(10) تظافرت أقوال علماء العامة والخاصة على أن الآية نزلت في الخمسة أصحاب الكساء وليس في أزواج النبي، ولم يدع هذا القول أحد إلا عكرمة الناصبي المبغض لأمير المؤمنين. وقد ألف بعض علماء الشيعة في حديث الكساء وطرق روايته نقلا عن علماء العامة والخاصة.
(11) أي قوله بنزول آية التطهير في أزواج النبي(ص).
(12) التفسير الكبير 8/ 43.
(13) آل عمران: 33.
(14) الأعراف: 144.
(15) آل عمران: 42.
(16) بحار الأنوار 16/ 406 ح 1 باب 12.
(17) بحار الأنوار 16/ 402 ح 1 باب 12.
(18) التفسير الكبير 8/ 43.
(19) بحار الأنوار 21/ 279 باب 32، و 23/ 143 ح 97 باب 7.
(20) انظر بحار الأنوار 28/ 76 ح 34 باب 2; و 43/ 54 ح 48 باب 3.
(21) نفسه.
(22) البحار 43/ 24 ح 20 باب 3، العوالم -عوالم السيدة فاطمة الزهراء(ع) 1/ 128 ح 23.
(23) انظر بحار الأنوار 22/ 236 ح 2 عن شرح النهج لابن أبي الحديد.
(24) آل عمران: 33.
(25) ومنهم من فسر قوله تعالى (آل عمران) بعمران أبي مريم، وقد وردت الأخبار عن الباقر(ع) تنص على نبوته كما في البحار. [البحار 14/ 202 ح 14] (من المتن)
(26) بل إن مريم سمتها أمها، وفاطمة سمها رب العزة كما مر في الحديث.
(27) آل عمران: 36.
(28) البحار 60/ 145 باب 3 باب ذكر إبليس وقصته عن تفسير البيضاوي.
(29) المورد التاسع والثاني عشر والرابع عشر ليست من موارد المساواة، بل هي من الموارد التي فضلت فيها فاطمة(ع) على مريم(ع).
(30) آل عمران: 37.
(31) بحار الأنوار 14/ 197 ح 4 باب 16; 35/ 251 ح 7 باب 6; و 41/ 30 ح 1 باب 102.
(32) بحار الأنوار 43/ 29 ح 35 باب 3.
(33) آل عمران: 45.
(34) آل عمران: 47.
(35) مريم: 17.
(36) مريم: 23.
(37) بحار الأنوار 14/ 197 ح 3 باب 16.
(38) بحار الأنوار 14/ 196 ح 2 باب 16.

المصدر: الخصائص الفاطمية: الشيخ محمد باقر الكجوري. ج1، مصادر سيرة النبي والائمة، ترجمة: سيد علي جمال أشرف. الطبعة الأولى، 1380 ش، انتشارات الشريف الرضي.

التعليقات (0)

اترك تعليق