رحيل السيدة نفيسة بنت الحسن(ره)
لمّا تُوفّيت السيّدة نفيسة بمصر، أراد زوجها إسحاق المؤتمن ابن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام نَقْلَها إلى المدينة ودفنها في البقيع، فسأله أهلُ مصر أن يتركها عندهم للتبرّك بها، وبذلوا له مالاً كثيراً فلم يرضَ ذلك، فرأى النبيَّ(ص) فقال له: يا إسحاق، لا تُعارِضْ أهل مصر في نفيسة؛ فإنّ الرحمة تنزل عليهم ببركتها.
وفي (إسعاف الراغبين) روى الصبّان أنّها رضوان الله تعالى عليها كانت قد حفرَتْ قبرها بيدها، وصارت تنزل فيه وتصلّي، وقرأتْ فيه ستّة آلاف ختمة. وقال المقريزي في (الخطط المقريزية 341:3): يُقال إنّها حفَرَت قبرها هذا وقرأت فيه تسعين ومائة ختمة.
وتُوفّيت السيّدة نفيسة رحمها الله بمصر، في شهر رمضان سنة 208 هجريّة، احتُضِرَت وهي صائمة، فألزموها الفطرَ فقالت: واعَجَباً! إنّي منذ ثلاثين سنةً أسأل اللهَ تعالى أن ألقاه وأنا صائمة، أُفطر الآن؟! هذا لا يكون. ثمّ قرأت سورة «الأنعام».. فلمّا وصلت إلى قوله تعالى «لَهُم دارُ السلامِ عندَ ربِّهم» ماتت رحمها الله.
ومرضت نفيسة بعد أن قامت بمصر سبع سنين، فكتبت إلى زوجها إسحاق المؤتمن كتاباً، وحفرت قبرها بيدها في بيتها، فكانت تنزل فيه وتصلّي كثيراً، فقرأت فيه مائة وتسعين ختمة، وما برحت تنزل فيه وتصلّي كثيراً وتقرأ وكثيراً وتبكي بكاءً عظيماً، فلما ماتت اجتمع الناس من القرى والبلدان وأوقدوا الشموع تلك الليلة وسمع البكاء من كل دار بمصر، وعظم الأسف والحزن عليها وصُلّي عليها في مشهد حافل لم ير مثله بحيث امتلأت الفلوات والقبعات، ثم دفنت في قبرها الذي حفرته في بيتها بدرب السباع بالمراغة.
ووصل زوجها إلى مصر وأراد نقلها، إلاّ أنّ أهالي القرية استجاروا بالأمير عند إسحاق ليردّه عما أراد فأبى، فجمعوا له مالاً جزيلاً حتى وسق بعيره الذي أتى عليه وسألوه أن يدفنها عندهم فأبى، فباتوا منه في ألم عظيم، فلمّا أصبحوا اجتمعوا إليه فوجدوا منه غير ما عهدوه بالأمس، فقالوا له: إن لك لشأناً عظيماً.
قال: نعم رأيتُ رسول الله(ص) وهو يقول لي: رُدّ عليهم أموالهم وادفنها عندهم. فدفنها في المنزل الذي كانت تسكنه في محلة كانت تعرف قديماً بدرب السباع، وقد بادت هذه المنطقة ولم يبقى سوى قبرها.
ولأهل مصر اعتقاد بها عظيم، فإنّ الدعاء يستجاب عند قبرها.
ووصف اليافعي مشهدها العظيم فقال: قصدتُ زيارة مشهدها، فوجدت عنده عالماً من الرجال والنسوان والصحاح والعميان، ووجدتُ الناظر جالساً على الكرسي، فقام لي وأنا لا أعرفه، فمضيت للزيارة ولم ألتفت، ثم بلغني أنه عتب عليّ فأجبته بما معناه: إنّي غير راغب في الميل إلى اُولي الحشمة والمناصب. قاله عمر رضا كحاله في أعلام النساء(1)
الهامش:
1- أعلام النساء 5: 187 نقلاً عن الحقيقة والمجاز في رحلة بلاد الشام للنابلسي، ولواقح الأنوار للشعراني، وتحفة الأحباب للسخاوي، وحسن المحاضرة للسيوطي، وعيون التواريخ لابن شاكر، والكواكب السيارة لابن الزيات، وخطط المقريزي، والمستطرف للأبشيهي.
وانظر ترجمتها في: أعيان الشيعة 10: 227، أعيان النساء: 615، العِبر للذهبي 1: 279، النجوم الزاهرة 2: 185، تأريخ الطبري 5: 423 و 7: 146، تهذيب التهذيب 2: 232، رياحين الشريعة 5: 85، عمدة الطالب: 70، شذرات الذهب 2: 21، فوات الوفيات 2: 607، مرآة الجنان 2: 23، وفيات الأعيان 5: 423
المصادر:
1- أعلام النساء المؤمنات: محمد الحسون وأم علي مشكور. ط1، دار الأسوة للطباعة والنشر، إيران.
2- الشيعة في مصر من الإمام علي(ع) حتى الإمام الخميني(قده): صالح الورداني.
اترك تعليق